التأصيل الشرعي للتصوف – نسخة مزيدة

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه 

التأصيل الشرعي للتصوف

 

إن الخصومة الفكرية بين مختلف الطوائف الإسلامية لم تسلم منها طائفة, فلم يكن من الغريب ولا الشاذ أن تقحم الطائفة الصوفية في هذه الخصومة أصلا وفرعا. وفي هذه الكلمة فإنما يستأثر باهتمامنا هو الأصل وليس الفروع؛ لأن سلامة الأصل تيسر محاكمة الفروع على ضوئه؛ لأن كل فرع مردود إلى أصله ومعتبر به. فإن وافقه حكم له بحكمه صوابه أو خطإه، وإن لم يوافقه انتفى نسبه وانقطع سببه، وحكم له بحكم نفسه، ورد إلى نوعه وجنسه .

ولهذا فأول ما نفتتح به هذا البحث هو الاسم والعنوان: الصوفية والتصوف.

ولأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره فلا بد من تعريف ماهيته بحد أو رسم أو تفسير، كما يقول سيدي أحمد زروق.

وقد اختلف الناس في تعريف هذا اللفظ إلى ألفي قول، كما يقول سيدي أحمد زروق في قواعده، لكنه في نفس القاعدة يرده إلى صدق التوجه إلى الله تعالى وهو الإحسان.

قال السيوطي في النقاية: التصوف “تجريد القلب لله واحتقار ما سواه بالنسبة إليه”. وقال بعضهم: “هو السلو عن الأعراض بالسمو إلى الأغراض.“.

واختلاف التعريفات – كما يقول ابن أبي شريف- راجع إلى مقام من مقامات التصوف غلب على قائله النظر إليه، فعرفه به باعتباره الركن الأعظم، كما عرف النبي عليه الصلاة والسلام الحج بقوله:” الحج عرفة” باعتبار ركنه الأعظم.

وقد أشار البستي إلى هذا الخلاف في تعريف التصوف بقوله:

       تخالف الناس في الصوفي واختلـــــفوا         جهلا وظنوه مشتقا من الصوف

      ولست أمنح هذا الإسم غير فتـــــــــى         صاف فصوفي حتى سمي الصـــوفي

 

فإذا كان لنا أن نجري مقارنة حتى تتميز الأمور، لأنه بذلك تتبين الأشياء، فلنقل مع أبي حامد الغزالي: إن علم المعاملة ينقسم إلى علم ظاهر وعلم باطن، فعلم الظاهر هو أعمال الجوارح وعلم الباطن هو أعمال القلوب، والوارد على القلوب- التي هي بحكم الاحتجاب عن الحواس من عالم الملكوت- إما محمود أو مذموم.

فالتصوف هو النظر لأحوال القلوب، كما أن النظر لأحوال أعمال الجوارح سمي فقها إذ الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية الفرعية المستنبطة من أدلتها التفصيلية.

ولا ينبغي التوقف عند الاسم والعنوان فلا مشاحة في الاصطلاح، والأسماء إنما تعتبر بحسب محتواها وفحواها عند أهلها فإذا كان هذا المحتوى حسنا كانت الأسماء حسنة والعكس صحيح . ولعل ذلك مندرج في قوله تعالى ( وعلم آدم الأسماء كلها).

فما هو فحوى التصوف وما هو محتواه؟ إنه : صدق التوجه.

إنه الإحسان الذي هو الجزء الثالث من أجزاء هذا الدين، والذي كان حديث جبريل فيه يعتبر درس مراجعة لما درسه الصحابة في العشرين سنة السابقة. فقد جاء جبريل عليه السلام يسأل المصطفى صلى الله عليه وسلم حتى يلخص رسالته العظيمة في الإسلام والإيمان والإحسان.

والإحسان كمال لا حدود له، وتسام لا سقف له فهو شعور بالحضور والشهود مقارنا للعبادة، فلا العبادة في نفسها تمثل الإحسان، ولا ذلك الشعور المتسامي والشهود المتعالي يمثل الإحسان حتى يجتمعا معا، وكانت كلمته عليه الصلاة والسلام إعجازا “أن تعبد الله كأنك تراه”، وهو يخاطب الأمة من خلال الروح الأمين الذي كان يصدقه في كل ما يقول ولهذا عجب الصحابة من هذا الطالب الغريب الذي يصدق الأستاذ: ” عجبنا له يسأله ويصدقه” والمفروض أنه لا يعرف ما يسأل عنه. إن تصديقه له دليل على أنه على علم بما يسأل عنه.

والمعنى الذي أشرت إليه وهو مقارنة العبادة للشهود وإن كان غير متداول فقد أشار بعضهم إليه كسيدي أحمد زروق في القاعدة 21 حيث أشار إلى التلازم بين العلم والعمل قائلا: وقد عرف أن التصوف لا يعرف إلا مع العمل به فالاستظهار به دون عمل تدليس، فالعمل شرط كماله، وقد قيل: العلم بالعمل فإن وجده وإلا ارتحل.

كيف يتوصل إلى الإحسان الذي هو من أعمال القلوب ؟

إن الصوفية تقدم أنواعا شتى من الوسائل مستقاة من الكتاب والسنة والتجارب الروحية الخاصة اعتمادا على قوله تعالى(وفي أنفسكم أفلا تبصرون(

 فجدوا في العبادة وألزموا أنفسهم الأوراد في الأوقات وأمروا بالمحافظة عليها بإطلاق.

وشددوا في الامتثال: فلا فرق في مقتضى الطلب بين واجب ومندوب ولا بين مكروه ومحرم، وهذا الاعتبار جرى عليه أرباب الأحوال من الصوفية ومن حذا حذوهم ممن اطرح مطالب الدنيا جملة، وأخذ بالحزم والعزم في سلوك طريق الآخرة”. والكلام للشاطبي في الموافقات.

واشتغلوا بالأذكار فرتعوا في رياض الجنة كما في الحديث الصحيح “إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا “، قيل : يا رسول الله وما رياض الجنة ؟ قال:” حلق الذكر, وكأن الشاطبي الآخر وهو الإمام أبو القاسم صاحب القرآن رحمه الله يعنيهم بقوله:

“روى القلب ذكر الله فاستسـق مقبـلا  ولا تعـد روض الـذاكــــريـن فتـمحلا”

ولهذا قال الجنيد رحمه الله: ما أخذنا التصوف عن القيل والقال والمراء والجدال، وإنما أخذناه عن الجوع والسهر وملازمة الأعمال.

 فأصولهم في الكتاب والسنة وأفعال السلف قد تكون دقيقة وقد ضرب سيدي أحمد زروق في قواعده أمثلة في القاعدة 33 بقوله: ومثال الصوفي: حديث الرجل الذي استلف من رجل ألف دينار فقال: أبغني شاهدا. فقال: (كفى بالله شهيدا)، فقال: أبغني كفيلا، فقال: (كفى بالله كفيلا). فرضي. ثم لما حضر الأجل، خرج يلتمس مركبا فلم يجده، فنقر خشبه، وجعل فيها الألف دينار، ورقعة تقتضي الحكاية، وأبذلها للذي رضي به وهو الله سبحانه فوصلت. ثم جاءه بألف أخرى وفاء بحق الشريعة. أخرجه البخاري في جامعه.

ومنه:(إنما نطعمكم لوجه الله، لا نريد منكم جزاء ولا شكورا، إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا)، فجعل متعلق الخوف وهو يوم القيامة مستقلا عن الحامل على العمل وهو وجه الله والله أعلم.

وقد قال رجل للشلبي رحمه الله: كم في خمس من الإبل؟ قال: شاة في الواجب، فأما عندنا فكلها لله. قال له: فما أصلك في ذلك؟ قال: أبو بكر حين خرج عن ماله كله لله ورسوله. ثم قال: فمن خرج عن ماله كله لله فإمامه أبو بكر، ومن خرج عن بعضه فإمامه عثمان، ومن ترك الدنيا فليس بعلم. انتهى وهو عظيم في بابه. اهـ

وقد قال الجنيد:” علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة فمن لم يسمع الحديث ويجالس الفقهاء ويأخذ أدبه عن المتأدبين: أفسد من اتبعه“.

لما كان الإحسان أعلى مرتبة في بناء هذا الدين لا يمكن أن يحلق إليها من لم يمر بمرتبتي الإسلام والإيمان فكيف يبني الدور الأعلى قبل بناء الأرضية، ولهذا ذكره عليه الصلاة والسلام أخيرا لإشعار السامع بأنه لا مطمع في الإحسان لمن لم يتحل بالإسلام والإيمان، وأنه درجة لا منتهى وراءها ولاغاية بعد مداها فلأجل ذلك كان التشبيه مشهدا من أحوال القلوب يملك على النفس أقطارها وترفع فيه الحجب أستارها ” كأنك تراه “.

ولكنه عليه الصلاة والسلام، لما رأى عز المقام ووعورة الطريق، نزل بالسامع درجة وأشار له بأن دون ذلك رتبة، لكنها تظل جليلة وهي رتبة العلم. فإن لم تكن مشاهدا فليكن في علمك أنه عليك شاهد. “فإن لم تكن تراه فإنه يراك“.

فتصور أي إقبال وأي بهجة وأي هيبة لمن يرى الباري جل وعلا، بل أي فناء وانمحاء للأكوان في هذه الحالة.

 فالتصوف كحال ومقام هو ما تقدم، ولكنه كعلم وعمل ومعاملة هو البحث عن طرق الوصول والممارسة بمختلف الوسائل التي سموها مقامات من توبة وصبر وشكر ويقين وصدق ومعرفة وتخلية وتحلية.          

         فاخلع نعال الكون جملة وجي             تكن على طول المناجاة نجي

كما يقول الأخضري في القدسية.

فأحوال القلوب وحالات النفوس ووارداتها كلها لا يبحث عنها إلا في هذا العلم ولقد أشكل على البعض ممن لم تكمل معرفته ولم يتسع صدره.

فالإسلام المتمثل في أعمال الجوارح يخص علمها الباحث عنها بإسم علم الفقه. والإيمان يتعين بإسم أصول الدين وكذا الإحسان وضع له الباحثون عن طرق الوصول إليه علما أسموه التصوف.

البحث عن الإشراق وطريق المحبة

حديث حنظلة قال لقيني أبو بكر فقال كيف أنت يا حنظلة قال قلت نافق حنظلة قال سبحان الله ما تقول قال قلت نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأى عين فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرا قال أبو بكر فوالله إنا لنلقى مثل هذا فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت نافق حنظلة يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ذاك قلت يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأى عين فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده أن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلاث مرات. رواه مسلم.

• حديث أبي بن كعب قال: كنت في المسجد فدخل رجل يصلي فقرأ قراءة أنكرتها عليه, ثم دخل رجل آخر, فقرأ قراءة غير قراءة صاحبه, فدخلنا جميعا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فقلت: يا رسول الله إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه ثم دخل هذا فقرأ قراءة غير قراءة صاحبه. فأمرهما رسول الله فقرءا فحسن رسول الله صلى الله عليه وسلم شأنهما فوقع في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية, فلما رأى رسول الله ما غشيني, ضرب في صدري ففضت عرقا كأنما أنظر إلى الله فرقا” إلى آخر الحديث. رواه مسلم.

• وفي حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: إن رجلا على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- كان اسمه عبد الله وكان يلقب حمارا، وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد جلده في الشراب، فأتي به يوما فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تلعنوه؛ فوالله ما علمت إنه يحب الله ورسوله  أخرجه البخاري.  إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بالاحتفاظ له بحق المحبة، (والذين آمنوا أشد حبا لله) وكما يقول ابن جزي: اعلم أن محبة العبد لربه على درجتين إحداهما المحبة العامة التي لا يخلو منها كل مؤمن وهي واجبة، والأخرى المحبة الخاصة التي ينفرد بها العلماء الربانيون والأولياء والأصفياء، وهي أعلى المقامات وغاية المطلوبات فإن سائر مقامات الصالحين كالخوف والرجاء والتوكل وغير ذلك فهي مبنية على حظوظ النفس.

وحديث أنس بن مالك رضي الله عنه:”لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من أهله وماله والناس أجمعين “. رواه مسلم

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رجلا من أهل البادية أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله متى الساعة قائمة؟ قال: ” ويلك وما أعددت لها”. قال ما أعددت لها إلا أني أحب الله ورسوله قال:” إنك مع من أحببت “. فقلنا ونحن كذلك؟ قال: نعم. ففرحنا يومئذ فرحا شديدا. رواه البخاري

وفي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ” وأسألك لذة النظر في وجهك، وأسألك الشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة

وفي الحديث : ” ليتني لقيت إخواني فإني أحبهم “، فقال أبو بكر: أليس نحن إخوانك، قال: لا. أنتم أصحابي، إخواني الذين لم يروني وآمنوا بي وصدقوني وأحبوني، حتى إني أحب إلى أحدهم من والده  وولده ألا تحب يا أبا بكر قوما أحبوك بحبي إياك، قال بلى يا رسول لله قال فأحبهم ما أحبوك بحبي إياك “.(أبو نعيم في فضائل الصحابة عن نافع بن هرمز عن أنس، وأبو هرمز متروك أخرجه أيضا: ابن قدامة المقدسي في كتاب المتحابين في الله) (1/70، رقم 78).

وفي حديث أبيّ بن كعب قال: يا رسول الله، إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال:” ما شئت”. والحديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. المستدرك للحاكم.

هذا الفضاء المترع بالمحبة والمشرق بالأنوار وهذه الرؤى والأشواق والحب والشفافية ولواعج النفوس والإلهاماتوالمراءي والأسرار لا يمكن إلا أن يكون لها ناظم يجمعها ولا سياق يسوقها بإزاء صور الأعمال مع الاعتراف بحاجة كل منهما للآخر، كما لا غنى للجسد عن الروح ولا للروح عن الجسد.

إنها كمالات تسعى إليها الهمم العالية ولهذا بحث العلماء عن ناظم يتمثل في علم له قواعده ومصطلحاته.فكانت أحيانا تأخذ عنوان ” الرقائق ” أو ” الرقاق ” كما في البخاري، وأحيانا تحت عنوان “الزهد” كما في كتب السنة القديمة. ثم استقر الاصطلاح على اسم ” التصوف”، كما وصل علم الأحكام إلى اسم الفقه.

المآخذ على التصوف

فما هي المشكلات مع التصوف إذا كان أصله الكتاب والسنة؟

يمكن أن نشير إلى عشر مشكلات:

المأخذ الأول: الإسم الذي أصبح بعض مدعي السلفية يحاكم به ويحكم عليه دون تأن ولا تؤدة ولا بحث عن المحتوى وقد قدمنا أن الأسماء والمصطلحات لا عبرة بها إلا بقدر دلالتها وأنه تعالى قال: (وعلم آدم الأسماء كلها)، وعليه فإنها لا توصف ببدعة ولا ابتداع. فأكثر أسماء العلوم الإسلامية لم تكن معروفة في الصدر الأول بهذه الأسماء كالفقه،وحتى مصطلحات أهل الحديث من إرسال وعضل وصحة وحسن ووضع،إلا أن الناس قد تواضعوا عليها واستحسنوها بقدر ما تؤديه من وظيفة البيان وإزالة الإلتباسوالإكتنان. فنعمت البدعة هي، كما قال عمر.والأمر لا يحتاج إلى برهان.

ويدخل في المصطلحات ألفاظ كالشيخ والمريد والسالك والمجذوب والوتد، ولها دلالات مقبولة وقد استعمل أهل الحديث لفظ الشيخ في التعديل، كما استعمل الطالب والحافظ والحاكم لتمييز رتب المحدثين.

وكما قال السيوطي:” واعلم أن دقائق علم التصوف لو عرضت معانيها على الفقهاء بالعبارة التي ألفوها في علومهم لاستحسنوها كل الاستحسان وكانوا أول قائل بها وإنما ينفرهم منها إيرادها بعبارة مستغربة لم يألفوها ولهذا قال بعضهم الحقيقة أحسن ما يعلم وأقبح ما يقال. وانا أورد لك مثالا تعرف به صحة ذلك, قال في منازل السائرين حقيقة التوبة ثلاثة أشياء: تمييز التقية من العزة و نسيان الجناية والتوبة من التوبة أبدا, فإذا سمع الفقيه هذا اللفظ وهو التوبة من التوبة استغربه جدا, وقال: كيف يتاب من التوبة وهي عمل صالح وإنما يتاب من المعاصي. وتقرير معناه أن العبد إذا كمل في رجوعه إلى الله لم يلتفت إلى أعماله ولم يسكن إليها بقلبه توبة كانت أو غيرها, فيتوب من سكونه إلى توبته .

المأخذ الثاني: ما اصطلحت عليه هذه الطائفة من تحديد أعداد الأوراد من الذكر والتلاوة أو نحوه، فقد كان موضع إنكار من المنكرين. وقد حدد عليه السلام أورادا بعد الصلوات وأورادا مطلقة بالأعداد، وأحيانا مع الإشارة إلى استحسان الزيادة، كقوله:” إلا من زاد على ذلك ” في ورد: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. ولم يأت أحد بأفضل مما جاء إلا من زاد. أوكما قال صلى الله عليه وسلم.

وجاء في الحديث:” أحب العمل إلى الله أدومه “. وجاء في الحديث:” كان عمله ديمة“.

وإن كان قد ورد إنكار عن ابن مسعود، فهو محمول على من شغله عن عمل أوجب منه، وإلا فحديث المرأة التي كانت تسبح بالحصى أو النوى، وإقراره عليه الصلاة والسلام لها على ذلك خير دليل على الجواز, وهذا الحديث رواه النسائي وابن حبان وأبو داود والترمذي والحاكم وقال: صحيح الإسناد عن سعد بن أبي وقاص.

وقد كان لأبي هريرة سلك فيه ألف  عقدة.

فكيف يداوم المرء إذا لم يحص عدد الأذكار بالإضافة إلى تنشيط الهمة وتأكيد الالتزام .

المأخذ الثالث: استعمال السبحة

وقد أجبنا عنه في المأخذ الثاني بما سبق, فلا جرم أن التسبيح في اليد أفضل إلا إذا كانت مصلحة الورد الطويل تقتضي سوى ذلك وقصارى الأمر الجواز.

المأخذ الرابع: الاجتماع للذكر

وقد اعتمد منكروه على إنكار ابن مسعود المردود، وحديث ابن عباس في الصحيح: “ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله “. يرد عليه.

ولهذا قال سيدي عبد الله:

ونصُّه الصريحُ ردَّ المُنكرا           والعذر من خفائه قد ظهرا

وكان عمر يجمع الناس على قارئ، ولم يفعله عليه الصلاة والسلام فدل ذلك على أن الأمر واسع.

وكان أهل الشام  يقرأون جماعة في القرون المفضلة كما يقول الحافظ ابن رجب في “جامع العلوم والحكم“.

المأخذ الخامس: مسألة التوسل والتبرك

وهي مسألة كتب فيها الكثير وكادت أن تصل إلى حد التكفير على الرغم من حديث الأعمى، وهو حديث كما يقول الحاكم صحيح على شرط الشيخين، وأقر الشيخ تقي الدين ابن تيمية بصحته، إلا أنه تأوله وهذا الحديث أصل ولم ينقل عن أحد من الأئمة إنكاره وصح عن الإمام أحمد نصا التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال المرداوي ولو لم يكن له أصل لكفاه أنه لا يوجد نص واحد بخلافه إلا عمومات لا تنهض دليلا.

المأخذ السادس: مسألة الاستغاثة

وهذ هي الطامة الكبرى والكارثة الجلى، فهي من نواقض الإسلام عندهم، حتى ولو كانت برسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد بنوا عليها قاعدة الاستغاثة بغيره تعالى في ما لايقدر عليه إلا الله جل وعلا فجعلوا الاستغاثة بالأصنام كالاستغاثة بسيد الأنام؛مرددين {إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة- الآية} إلى غير ذلك من الآيات التي استشهد بها في غير محلها واستدل بها في غير مدلولها، متناسين حديث صحيح مسلم في  ترحُّمه على عامر بن الأكوع، وقول عمر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم: هلا أمتعتنا به  يطلب منه أن يطيل عمره”. وهنا لطيفة يغفل عنها كثير من الناس, وهي أن مستويات الإسناد مختلفة فالفعل قد ينسد إلى الله عز وجل باعتبار ويسند إلى غيره من المخلوقات باعتبار آخر. كما في قوله تعالى ” الله يتوفى الأنفس” وقوله ” قل يتوفكم ملك الموت” فأسند التوفي لله عز وجل تارة وأسنده لملك الموت تارة أخرى. ونظائر هذا في القرآن والسنة كثير.

وحديث مالك الدار الذي فيه استغاثة رجل به عليه الصلاة والسلام بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى قائلا: استسق لأمتك. وذكر ذلك لعمر, وما أنكره ولم ينكره أحد من الصحابة. وهذا الحديث صححه الحافظ ابن حجر والحافظ ابن كثير

وأنكر بعضهم اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على شؤون الناس في دار الدنيا, مع ما يقتضيه قوله عليه الصلاة والسلام ” حياتي خير لكم ومماتي خير لكم” وقد صححه العلماء بما فيهم ابن عبد الهادي مع مذهبه المعروف.  وبالجملة فلو لم يوجد دليل لما كان ذلك دليلا على المنع بل قصارى ما يكون أنه دليل على رفع الحرج وأنه غير مطلوب.  

                                        °°°°°

وكل هذه القضايا تدخل فيما يسمى ببدعة الترك ولنا فيها بحث طويل في كتاب “مشاهد المقاصد”، ذكرنا فيه موقف الشاطبي ومن خالفه.

ومن أبرز من اختلف مع الشاطبي شيخه أبو سعيد بن لب الذي ألف كتابا في الرد عليه في مسألة الدعاء  جماعة عقب الصلوات لما بلغته فتوى الشاطبي، فأنكر ترك الدعاء إنكارا شديدا، ونسب بذلك للإمام أنه من القائلين أن الدعاء لا ينفع ولا يفيد. ولم يأل أن يقيد في ذلك تأليفا سماه ” لسان الأذكار والدعوات مما شرع أدبار الصلوات”  ضمنه حججا كثيرة على صحة ما الناس عليه، جملتها أن غاية ما يستند إليه المنكر أن التزام الدعاء على الوجه المعهود، إن صح، أنه لم يكن من عمل السلف، فالترك ليس بموجب للحكم في المتروك إلا جواز الترك وانتفاء الحرج فيه  خاصة. وأما تحريم أو كراهة فلا، ولا سيما فيما له أصل  جملي كالدعاء. فإن صح أن السلف لم يعملوا به، فقد عمل السلف بما لم يعمل به من قبلهم، مما هو خير كجمع  المصحف ثم نقطه وشكله، ثم نقط الآي ثم الخواتم والفواتح وتحزيب القرآن، والقراءة في المصحف في المسجد، وتسميع المؤذن تكبير الإمام، وتحصير المسجد عوض التحصيب، وتعليق الثريات ونقش الدنانير والدراهم بكتاب الله وأسمائه.

وقال عمر بن عبد العزيز: تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور، وكذا يحدث لهم ترغيبات بقدر ما أحدثوا من الفتور.

وجاء: آفة العبادة الفترة وفي القرآن ] وتعاونوا على البر والتقوى [ .

قلت:هذا جزء من كلام ابن لب، ويضاف إلى ذلك محاريب المساجد والمآذن فقد أحدثت واتفق الناس على جوازها بعد أن اختلفوا في ابتدائها.

وكذلك تقليد العالم الميت واشتراء كتب الفقه وبيعها أمور اختلف فيها ابتداء وأجمع على جوازها انتهاء، قال في طلعة الأنوار:

والخلف في تقليد من مات وفي  بيع طروس الفقه الآن قد نفي

وكذلك كتابة الأحاديث النبوية وإفرادها بالتأليف إنما حدثت في نهاية القرن الأول وبداية الثاني بأمر عمر بن عبد العزيز. ولم تكن إلا صحف يسيرة كصحيفة عبد الله بن عمرو،وكذلك تجريد المسائل الفقهية كان من محدثات القرن الثاني وأجمع عليه فيما بعد.

ومما استدل به القائلون أن الترك لا يستقل دليلا بأنه يحتمل أوجها متعددة:

 أولها:أنه عليه الصلاة والسلام قد يترك شيئا مباحا فلا يدل تركه إلا على رفع الحرج من أجل أنه يعافه مثلا،كتركه لأكل الضب فلما سئل عنه قال :” إنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه”.وقدم إليه طعام فيه ثوم فلم يأكل منه قال أبو أيوب- وهو الذي بعث به إليه- يا رسول الله أحرام هو ؟ قال:” لا ولكني أكرهه من أجل ريحه”.الترمذي قائلا : حسن صحيح.

قلت: ومن الملاحظ أنه عليه الصلاة والسلام لم يبدأ بالإخبار عن موجب الترك حتى سئل .

ثانيا:أنه قد يترك بعض المستحبات  أحيانا خوفا من أن تفرض على الناس، فقالت عائشة: وما سبح النبي صلى الله عليه وسلم سبحة الضحى قط ، وإني لأسبحها”. وهو في لصحيح.

وقد ذكر الشاطبي هذا الحديث وفيه أن عائشة كانت تصلي الضحى ثمان ركعات وتقول لو نشر لي أبواي ما تركتها ” وذكر مسألة صلاة التراويح جماعة.

ثالثا:وزاد الشاطبي تفسيرا آخر لترك النبي صلى الله عليه وسلم لبعض المستحبات , وهو الخوف من أن يظن فيها أحد من أمته بعده إذا داوم عليها الوجوب وهو تأويل متمكن حسب عبارة الشاطبي. وقد يترك بعض الصحابة شيئا أمام الناس كما في حديث أبي هريرة عند مسلم .

رابعا:كانوا يتركون بعض المباحات خوفا من اعتقاد الناس أنها من القربات ، كما كان مالك لا يغسل يديه قبل الطعام، وقال لما قدّم له أمير المدينة عبد الملك بن صالح الماء ليغسل يديه قبل الطعام : أما أبو عبد الله ” يعني نفسه” لا يغسل يديه قبل الطعام ” مع أن مالكا لا يرى بأسا بذلك كما صرح به في موطن آخر، ولكن يخاف من لزوم الناس لذلك وكأنه واجب كما قال في الموافقات .

خامسا:قد يترك عليه الصلاة والسلام أمرا لأنه خلاف الأوْلى، فيفعل الأوْلى ويواظب عليه. وربما فعل المتروك في أوقات نادرة لبيان الجواز وعدم الكراهة فقد صح أنه عليه الصلاة والسلام  قدمت إليه ميمونة رضي الله عنها المنديل لينشف به أعضاء طهارته فلم يمسه. وفي رواية:لم يأخذه، وفي رواية: فرده. فعلق إمام الحرمين في نهاية المطلب على ذلك بقوله :ولو نشف” شخص” لم ينته أمر ذلك إلى الكراهة ولكن يقال ترك الأوْلى، وقد روي أنه عليه السلام نشف أعضاء وضوئه مرة. وكان عليه السلام يواظب على الأوْلى ويأتي بما هو جائز في الأحايين فيتبين الأفضل بمواظبته والجائز بنوادر أفعاله.

خلاصته: أن أصل هذا الخلاف يدور على أربعة أصول :

أولا: هل البدعة صنف واحد أم أنها أصناف بحسب الدليل الذي يشملها.

ثانيا: هل الترك مع قيام الداعي في التعبديات له دلالة على النهي أو لا دلالة له على ذلك

ثالثا : الفرق بين الموجب وبين المقتضي.

رابعا: الفرق بين إضافة المتروك إلى عبادة محدودة واعتقاده جزءا مكملا لها فلا يشرع أم عدم إضافته فيرد إلى أصل الإباحة أو الاستحباب.

ونحن نرى صحة ما ذهب إليه الإمام ابن عرفة من التفصيل بين ما أضيف إلى عبادة بحيث يصبح وكأنه جزء منها فهذا غير مشروع وما سواه.

ونضيف إليه ثلاثة ضوابط كالتالي :

الضابط الأول: أن لا يعطي حكما شرعيا كالوجوب أو الندب إذا لم يكن مشمولا بدليل كالأدلة المتعلقة بالذكر الدالة على استحبابه في كل الأحوال فلا يجوز لمن اختار تلك الأذكار أن يقول إنها واجبة مثلا إلا إذا كانت بنذر.

الضابط الثاني: أن لا يحكم لها بثواب معين، فإن من يحدد الثواب ومقاديره هو الشارع، والدليل على ذلك أن الصحابي الذي قال: اللهم ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه …الحديث : لولا أن الشارع أخبر بعظم ثوابها ما كان لأحد أن يحدد لها ثوابا معينا. إلا أنه يدل من جهة أخرى على أنه لا حرج على من أنشأ محامد في إطار ما علم من صفات الله تعالى وأسمائه، وأن الأمر ليس فيه توقيف فهو عليه الصلاة والسلام لم يلمه على ذلك، بل أقره و أثنى عليه.

الضابط  الثالث: أن لا يشمل المتروك دليل  نهي من تحريم أو كراهة.

تلك هي الضوابط الأربعة التي سبق عن ابن عرفة شيخ المالكية بعضها، فمن ترك شيئا احتياطا فلا لوم عليه، ومن فعل القربات بضوابطها استكثارا من الخير، فهو على خير، ولا ينبغي أن ينكر البعض على البعض في مواطن الاجتهاد، بله التشنيع والتبديع ” وإنما الأعمال بالنيات“.

وفي المسألة مجال فسيح وميدان واسع ولولا خوف الإطالة والخروج عن الغرض لذكرنا من مسائل الصحابة والسلف ما يدل على سعة الأمر فعلا وتركا وإعمالا وإهمالا، والله سبحانه وتعالى أعلم.

المأخذ السابع: مسألة الشيخ

وهذه مسألة عند العلماء لا تخرج عن مسألة الصحبة المدلول عليها بحديث سلمان وأبي الدرداء حيث بات معه فكلما قام للصلاة أمره بالعودة للنوم وذلك حين بلغه أنه يطيل القيام والصيام, وقد بنى الفقهاء على هذا الحديث مسألة جواز إفطار الصائم في التطوع بأمر الشيخ. قال في المختصر (إلا لأمر كوالد وشيخ وإن لم يحلفا). وفي الشروح “وأمر شيخ الصوفية أولى”. وكما أن الفقه يحتاج إلى شيخ لإرشاد الطالب إلى مواطن الاشتباه فكذلك حال علم أحوال النفوس وأمراض القلوب يحتاج فيه إلى شيخ قد عرف أحوال التقوى وسبر حالات النفوس وخبرها.

المأخذ الثامن:زيارة قبور الصالحين والسفر لها

معروف أن زيارة قبور الصالحين من القضايا التي يهتم بها الصوفية وأن جمهور علماء الأمة على جواز ذلك، بل واستحبابه لدخوله في الأمر العام وأنه لا فرق بين الركوب والمشي وأن حديث لا تشد الرحال خاص بالمساجد فيمن نذر أن يصلي في مسجد فلا يلزمه الانتقال إليه إلا أن يكون أحد هذه المساجد المنصوص عليها.

قال الحافظ ابن الجزري: إن قبور الأنبياء والصالحين مظنة استجابة الدعاء. وإن هذه الزيارة يجب أن تتسم بالآداب الشرعية من خشوع ودعاء لهم وللمسلمين دون أبهة جماعية ، حتىلا يقع الزائر في النهي المشار إليه في قوله “لا تتخذوا قبري عيدا” رواه أبو داوود في سننه ولهذا قال أحد علمائنا:

إصلاح قلبك ونفع الميت  والاعتبار انو لدى الزيارة

أما زيارة الضريح النبوي الشريف، فقد اتفق الأئمة الأربعة على الترغيب فيها واستحبابها وقرنوها بالحج والعمرة، وهذا الاتفاق نص عليه الوزير ابن هبيرة الحنبلي وغيره.

المأخذ التاسع:مسألة الوجد والتواجد

وهي مسألة ضبطها محققو الصوفية كسيدي أحمد زروق. فالوجد عند القوم يرتبط  بحال المتواجد، فإن كان مغلوبا على أمره فهو معفو عنه، وإن كان سوى ذلك فعلى الراسخين أن يوجهوه.

ولهذا اشترط بعضهم الغلبة حيث يقول الأخضري في القدسية:

                 والرقص والصراخ والتصفيق          عمدا بذكر الله لا يليق

                 وإنما المقصود بالأذكــــار          الذكر بالخشوع والوقــار

            وغيره حركة نفسيـــــــة          إلا مع الغلبة القويـــــة

 وهذه الغلبة واقع، وتوجدحكايات كثيرة في كتب القوم عن الكبار في هذا الشأن.

وذكر شيخ مشايخنا شيخنا علي بن آف في نظمه “هداية المغتر وكفاية المعتر” بأنَّ التواجد يغلب على الضعاف حين تغشاهم الواردات، وذلك بقوله:

الدامغُ الباطلَ والعوائدا    من حضرة القهار سم الواردا

فالوارداتُ كالرياح والقلوب     مثل الغصون والثمار والحبوب

فالرجلُ الضعيف غصنا يفزعلكل وارد عليه يقع 

المأخذ العاشر:دعاوى الكشف والاطلاع على الأسرار والخوارق

وهذا الأمر في أصله لا إشكال فيه، فكرامات الأولياء أمر يعتقده أهل السنة وهي دليل على الخير وقبول العمل وقد يحجب عنها أناس فينكرونها “وقد وقع من ذلك للسلف الصالح الشيء الكثير ” . أما ما يقع من الدعاوى فهو مردود على أهله ومحاكم بأصله وقد أنكره القوم  أشد إنكار . فعالم الغيب  بالأصالة هو الباري جلت قدرته ولكنه يعلّمه لمن يشاء من عباده من نبي مرسل وملك وولي والكرامات لا تخالف مأثورا ولا تعارض مشهورا، وكل ما يخالف فهو مردود، وعن حياض العارفين مطرود، قال ابن  عطاء الله : (ما من حال يتحققه ذو الحال  إلا ويدعيه ذو المحال ليهلك هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة).

وخلاصة القول: إن الصوفية ليست دينا خاصا، وإنما هو نوع من التخصص الوظيفي (وذروا ظاهر الإثم وباطنه) لمعالجة باطن الإثم وأحوال القلوب طبقا للكتاب والسنة واجتهاد الأئمة واستحسانات الشيوخ.

وهنا أوجه دعوة للصوفية والفقهاء لتجديد هذا العلم بإيضاح فضائله، وتفصيل مسائله،  ووضعه في صحيح إطاره وإظهار ما ألصق به ” مما ليس داخلا في حقيقته،ولا موافقا لطريقته. وبذلك  تحيى القلوب وتشرق الأرواح، وفي ذلك حياة الدين، لأنه إحياء لعلوم الدين كما سماه شيخ التصوف الرياضي أبو حامد رحمه الله تعالى ورضي عنه، وأن تعقد ندوات لتجديد التصوف. وهذا التجديد المنشود يبدأ بإزالة الجفوة بين الفقه والتصوف فهما صنوان و”شقيقان في الدلالة على أحكام الله تعالى وحقوقه” على حد عبارة سيدي أحمد زروق في القاعدة 20 من قواعد التصوف.

 فالتصوف حجة على الصوفي وليس الصوفي حجة على التصوف، وفقكم الله لخير الدارين وأفضل النجدين وجمع لكم بين الحسنيين.

أخوكم: محب الصالحين والفقير إلى رحمة أرحم الراحمين

عبدالله بن بيـــــــــّه

 

Comments are closed.