القيادة من خلال حجة الوداع

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين الرحمن الرحيم نحمده على رحمته لنا بالإسلام ونعمته علينا بالإيمان وتفضله علينا بالانتماء إلى دين سيد الأنام سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وعلى آله الأبرار وصحابته الكرام.

 

القيادة من خلال حجة الوداع.

 

أود أن أنبه إلى أن سيرته عليه الصلاة والسلام العطرة في مختلف أبوابها مرجع ثرى وثر للقيادة بجوانبها المتنوعة من رسم الخطط والاستراتيحيات القريبة والبعيدة . 

      

إلا أن أحاديث حجة الوداع هي أحاديث أحكام في معظم ما جاء فيها فهي من نوع البلاغ الذي تحدث عنه القرافي وليست من تصرفات الإمامة “القيادة” كتلك الأحاديث الواردة في باب الجهاد مثلا بالمفهوم القرافي بيد أن ملامح التصرفات القيادية يمكن أن تستشف من خلال التصرفات الاجرائية وبخاصة في علاقة القائد مع الأتباع ومن خلال الكف عن فعل أو التشجيع على عمل أو التسامح فيه ومن طريق أستكناه المقاصد الأصلية والتبعية لفعل أو كف أو لتقرير .

وبناء على الطلب فإن خطتنا كالتالي:

أولاً: ننقل حديث جابر الطويل عن حجة الوداع.

ثانياً: تعريف للقيادة واندارج هذا المفهوم في تنوع أوصاف تصرفات النبي صلى الله عليه وسلم كما صنفها الشهاب القرافي.

ثالثاً: معالم القيادة في أحاديث حجة الوداع.    

 


حديث جابر رضي الله عنه

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ جَمِيعًا عَنْ حَاتِمٍ – قَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَدَنِىُّ – عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَسَأَلَ عَنِ الْقَوْمِ حَتَّى انْتَهَى إِلَىَّ فَقُلْتُ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِىِّ بْنِ حُسَيْنٍ. فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى رَأْسِى فَنَزَعَ زِرِّى الأَعْلَى ثُمَّ نَزَعَ زِرِّى الأَسْفَلَ ثُمَّ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ ثَدْيَىَّ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلاَمٌ شَابٌّ فَقَالَ مَرْحَبًا بِكَ يَا ابْنَ أَخِى سَلْ عَمَّا شِئْتَ. 

فَسَأَلْتُهُ وَهُوَ أَعْمَى وَحَضَرَ وَقْتُ الصَّلاَةِ فَقَامَ فِى نِسَاجَةٍ مُلْتَحِفًا بِهَا كُلَّمَا وَضَعَهَا عَلَى مَنْكِبِهِ رَجَعَ طَرَفَاهَا إِلَيْهِ مِنْ صِغَرِهَا وَرِدَاؤُهُ إِلَى جَنْبِهِ عَلَى الْمِشْجَبِ فَصَلَّى بِنَا فَقُلْتُ أَخْبِرْنِى عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. فَقَالَ بِيَدِهِ فَعَقَدَ تِسْعًا فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ ثُمَّ أَذَّنَ فِى النَّاسِ فِى الْعَاشِرَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَاجٌّ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِى بَكْرٍ فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَيْفَ أَصْنَعُ قَالَ « اغْتَسِلِى وَاسْتَثْفِرِى بِثَوْبٍ وَأَحْرِمِى ». فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى الْمَسْجِدِ ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ نَظَرْتُ إِلَى مَدِّ بَصَرِى بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ وَهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ وَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَىْءٍ عَمِلْنَا بِهِ فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ « لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ ». وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِى يُهِلُّونَ بِهِ فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَيْهِمْ شَيْئًا مِنْهُ وَلَزِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- تَلْبِيَتَهُ قَالَ جَابِرٌ – رضى الله عنه – لَسْنَا نَنْوِى إِلاَّ الْحَجَّ لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلاَثًا وَمَشَى أَرْبَعًا ثُمَّ نَفَذَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ – عَلَيْهِ السَّلاَمُ – فَقَرَأَ (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَكَانَ أَبِى يَقُولُ وَلاَ أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إِلاَّ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقْرَأُ فِى الرَّكْعَتَيْنِ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وَ (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ إِلَى الصَّفَا فَلَمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ) « أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ ». فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقِىَ عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ وَقَالَ « لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كَلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ أَنْجَزَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ ». ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ قَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَرْوَةِ حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِى سَعَى حَتَّى إِذَا صَعِدَتَا مَشَى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ طَوَافِهِ عَلَى الْمَرْوَةِ فَقَالَ « لَوْ أَنِّى اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِى مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْىَ وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْىٌ فَلْيَحِلَّ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً ». فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لأَبَدٍ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِى الأُخْرَى وَقَالَ « دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِى الْحَجِّ – مَرَّتَيْنِ – لاَ بَلْ لأَبَدٍ أَبَدٍ ». وَقَدِمَ عَلِىٌّ مِنَ الْيَمَنِ بِبُدْنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَوَجَدَ فَاطِمَةَ – رضى الله عنها – مِمَّنْ حَلَّ وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا وَاكْتَحَلَتْ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا فَقَالَتْ إِنَّ أَبِى أَمَرَنِي بِهَذَا. قَالَ فَكَانَ عَلِىٌّ يَقُولُ بِالْعِرَاقِ فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مُحَرِّشًا عَلَى فَاطِمَةَ لِلَّذِي صَنَعَتْ مُسْتَفْتِيًا لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِيمَا ذَكَرَتْ عَنْهُ فَأَخْبَرْتُهُ أَنِّى أَنْكَرْتُ ذَلِكَ عَلَيْهَا فَقَالَ « صَدَقَتْ صَدَقَتْ مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الْحَجَّ ». قَالَ قُلْتُ اللَّهُمَّ إِنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ. قَالَ « فَإِنَّ مَعِيَ الْهَدْىَ فَلاَ تَحِلُّ ». قَالَ فَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْىِ الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِىٌّ مِنَ الْيَمَنِ وَالَّذِي أَتَى بِهِ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- مِائَةً – قَالَ – فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا إِلاَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْىٌ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلاً حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ تُضْرَبُ لَهُ بِنَمِرَةَ فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَلاَ تَشُكُّ قُرَيْشٌ إِلاَّ أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَ بِهَا حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِى فَخَطَبَ النَّاسَ وَقَالَ « إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَلاَ كُلُّ شَىْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَىَّ مَوْضُوعٌ وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِى سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ. فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابَ اللَّهِ. وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّى فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ ». قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ. فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ « اللَّهُمَّ اشْهَدِ اللَّهُمَّ اشْهَدْ ». ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ أَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إِلَى الصَّخَرَاتِ وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلاً حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَهُ وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ حَتَّى إِنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ وَيَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى « أَيُّهَا النَّاسُ السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ ». كُلَّمَا أَتَى حَبْلاً مِنَ الْحِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلاً حَتَّى تَصْعَدَ حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ وَصَلَّى الْفَجْرَ – حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ – بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَدَعَاهُ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ وَكَانَ رَجُلاً حَسَنَ الشَّعْرِ أَبْيَضَ وَسِيمًا فَلَمَّا دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَرَّتْ بِهِ ظُعُنٌ يَجْرِينَ فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدَهُ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ فَحَوَّلَ الْفَضْلُ وَجْهَهُ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ يَنْظُرُ فَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدَهُ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ يَصْرِفُ وَجْهَهُ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ يَنْظُرُ حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ فَحَرَّكَ قَلِيلاً ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِى تَخْرُجُ عَلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِى عِنْدَ الشَّجَرَةِ فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا مِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ رَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِى ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ ثَلاَثًا وَسِتِّينَ بِيَدِهِ ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ فَطُبِخَتْ فَأَكَلاَ مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَفَاضَ إِلَى الْبَيْتِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ فَأَتَى بَنِى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ فَقَالَ « انْزِعُوا بَنِى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَوْلاَ أَنْ يَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ ». فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ.

 

 

القيادة :

إن القيادة هي مصدر من قاد قودا وقيادة فهي فعالة مصدر مقيس في الولايات كالإمارة والولاية والخلافة وقاد كساق كلاهما تدل على تحريك موضوعها.

إلا أن القيادة تختص بجذبه من أمام وساق بحثه من الخلف وتستعمل في الماديات كما تستعمل في المعنويات فالقائد الذي يطاع ويأمر وينهي ويبرم وينقض ومنه حديث علي رضي الله عنه: قريش قادة ذادة”. أي يقودون الناس ويذودنهم وعنهم.         

 

أما في المفهوم المعاصر:

فإن: عملية القيادة إما     فعلية أو كامنة: فالعمل الفعلي هو تحريك المنقادين بالنصح والتوجيه أمراً ونهياً . 2- والعمل الكامن وهو القدرة أو قابلية القيادة.

إن القدرة على التأثير في الآخرين تشكل جزءاً فاعلاً في ” عملية القيادة” إن أولئك الذين يقودون السباق بمعنى أنهم في مقدمة المتسابقين ليس لديهم موقع “القيادة” إذا لم يكن لديهم أساساً إمكانية التأثير على الآخرين بأي طريقة، لذا فهنالك تمايز واضح بين “إن تكون في المقدمة” وبين عملية القيادة أن” القيادة توحي بعلاقة بين السلطة وبين القدرة على توجيه الآخرين.

القيادة هي «عملية تحريك مجموعة من الناس باتجاه محدد ومخطط وذلك بتحفيزهم على العمل باختيارهم». والقيادة الناجحة تحرك الناس في الاتجاه الذي يحقق مصالحهم على المدى البعيد. ومهما كان الأمر، فان الوسائل والغايات يجب أن تخدم المصالح الكبرى للناس المعنيين حاضراً وعلى المدى البعيد.

وفيما يخص القيادة النبوية فهي طراز آخر فوق القيادات البشرية فهي المثال الأسمى والأنموذج الأعلى.

وهو عليه الصلاة والسلام القائد الأعظم والأمام الأكرم.

والقيادة إحدى صفاته وليست حصرا لكل صفاته فهو عليه الصلاة والسلام الإنسان المصطفى والنبي المجتبى بعثه الله تعالى رحمة للعالمين ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) كان يتصرف بوصف القيادة والإمامة ووصف التبليغ والدعوة ووصف القضاء والفصل في الخصومات.

ولهذا كانت تصرفاته متنوعة وأوجه تعامله متعددة لتعم الرحمة وتتسع دائرة النفع وتتم النعمة كان كل نوع من تصرفاته موسوماً بسمة لائقة به وكل جانب من جوانب معاملته موصوفاً بصفة مناسبة له فنشأت من ذلك أحكام متنوعة. في فروعها ومتعلقاتها متفقة في أصولها ونتائجها لأنها من شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها) هي شجرة النبوة الباسقة القوام الوارفة الظلال والجنية الثمار العطرة الأزهار التي تنبت في الواد المقدس تعهدها عهاد سحائب الفيض القدسي لتكون كما أراد لها الملك القدوس نورا ينير الظلمات وروحاً تحيا به النفوس ( وكذلك أوحينا إليك روحنا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكنه جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم)

فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ما تعاقب الليل والنهار وتعانقت أغصان الأشجار بنسائم الأسحار وانقادت الأكوان لغالبات الأقدار صلاة يسلكنا بها في سلك المصلين عليه من الأبرار وينجينا بها في سفن النجاة عند خوض الغمار مع المصطفين الأخيار والمرتضين الأطهار يا حليم يا كريم يا رحمن يارحيم ياغفار.

لقد انتبه لتنوع ثمار تصرفاته وتفنن فنون أحكامه لفيف من العلماء والفقهاء ومنهم العالم الفقيه شهاب الدين القرافي رحمه الله تعالى فقال -في الفرق السادس والثلاثين بين قاعدة تصرفه صلى الله عليه وسلم بالقضاء وبين قاعدة تصرفه بالفتوى وهي التبليغ وبين قاعدة تصرفه بالإمامة- : اعلم أنَّ رسولَ الله هو الإمامُ الأعظم والقاضي الأحكم والمفتي الأعلم فهو إمام الأئمة وقاضي القضاة وعالم العلماء فجميع المناصب الدينية فوضها الله تعالى إليه في رسالته وهو أعظم من كل من تولى منصباً منها في ذلك المنصب إلى يوم القيامة فما من منصب دينيِّ إلا وهو متصف به في أعلى رتبة غير أن غالب تصرفه بالتبليغ؛ لأنَّ وصفَ الرسالة غالبٌ عليه ثم تقع تصرفاته منها ما يكون بالتبليغ والفتوى إجماعاً، ومنها ما يجمع الناسُ على أنه قضاءٌ، ومنها ما يجمع الناسُ على أنَّه بالإمامة، ومنها ما يختلف العلماءُ فيه لتردده بين رتبتين فصاعداً فمنهم من يغلب عليه رتبة ومنهم من يغلب عليه أخرى، ثم تصرفاته بهذه الأوصاف تختلفُ آثارها في الشريعة فكل ما قاله أو فعله على سبيل التبليغ كان ذلك حكماً عاماً على الثقلين إلى يوم القيامة فإنْ كان مأموراً به أقدم عليه كل أحد بنفسه وكذلك المباح، وإنْ كان منهياً عنه اجتنبه كل أحد بنفسه، وكل ما تصرف فيه عليه السلام بوصف الإمامة لا يجوز لأحد أنْ يقدم عليه إلا بإذن الإمام اقتداء به عليه السلام؛ ولأنَّ سبب تصرفه فيه بوصف الإمامة دون التبليغ يقتضي ذلك، وما تصرف فيه بوصف القضاء لا يجوز لأحد أن يقدم عليه إلا بحكم حاكم اقتداء به ؛ ولأن السبب الذي لأجله تصرف فيه بوصف القضاء يقتضي ذلك، وهذه هي الفروق بين هذه القواعد الثلاث.

وعلق عليه ابن الشاط بقوله: وتحرير الفرق بين القواعد الثلاث وبينها وبين الرسالة هو أن المتصرف في الحكم الشرعي إما أن يكون تصرفه فيه بتعريفه وإما أن يكون بتنفيذه فإن كان تصرفه فيه بتعريفه فذلك هو الرسول إن كان هو المبلغ عن الله تعالى وتصرفه هو الرسالة وإلا فهو المفتى وتصرفه هو الفتوى وإن كان تصرفه فيه بتنفيذه فإما أن يكون تنفيذه ذلك بفصل قضاء وابرام وامضاء فذلك هو القاضى وتصرفه هو القضاء وإما أن لا يكون تنفيذه ذلك بفصل قضاء وإبرام وإمضاء فذلك هو الإمام وتصرفه هو الإمامة.(ابن الشاط 1/206)

ولخص هذا الفرق مفتي المالكية بمكة الشيخ محمد علي بن الحسين المالكي في تهذيب الفروق. 

ولكن القرافي في كتابه “الإحكام ” كر على التفصيل في التصرفات النبوية وادعى أن الإمامة -الممارسة الفعلية التنفيذية لشئون الحكم- ليست جزء من ماهية الرسالة.

ولأنه اعتبر أن ماهية الرسالة هي تكليف بتبليغ الوحي قائلا: وأما تصرفه صلى الله عليه وسلم بالإمامة فهو وصف زائد على النبوة والرسالة والفتيا والقضاء لأن الإمام هو الذي فوضت إليه السياسة العامة في الخلائق وضبط معاقد المصالح ودرء المفاسد في ردع الجناة وقتل الطغاة وتوطين العباد في البلاد إلى غير ذلك مما هو من هذا الجنس.

وأطال النفس في ذلك ليقول: وأما الرسالة فليس يدخل فيها إلا مجرد التبليغ عن الله تعالى وهذا المعنى لا يستلزم أنه فوض إليه السياسة العامة فكم من رسل الله تعالى على وجه الدهر قد بعثوا بالرسائل الربانية ولم يطلب منه غير التبليغ لإقامة الحجة على الخلق من غير أن يؤمروا بالنظر في المصالح العامة.)

قلت: إنه لا يظهر لي ما ذهب إليه القرافي رحمه الله تعالى من كون الإمامة خارج مفهوم الرسالة لأنه إذا كانت الإمامة من واجبات الدين وفروضه عند التمكين فكيف تكون خارجة عن الرسالة ثم إن التنفيذ والتطبيق للعدل في حياة الناس وهو مقتضى الإمامة هو في حقيقته طريق من طرق التبليغ قصارى ما يكون أن الرسالة الخاتمة تنوعت وسائلها وتعددت مخارجها ومداخلها بتنوع المهمات والمسئوليات مصداقاً لقوله تعالى (إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ) وإذا كان عدد كبير من المرسلين عليهم الصلاة والسلام إنما يقومون بتبليغ الدعوة إلى الناس فيأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فمن شاء ائتمر ومن شاء امتنع ويأمرون باطعام الجياع وكسوة العراة فمن شاء أنفق ومن شاء أوكى وأمسك.

فإن سيدنا محمداً عليه الصلاة والسلام كان عليه أن يغير الظلم ويحل مكانه حقائق العدل والإحسان وأن يطعم الجياع ويفك العاني ويغني المحتاج.

ولهذا فإن مهمة الدعوة والتبليغ التي تشمل معه أخوانه المرسلين ليست مهمته الوحيدة وإنما مهمة تغيير العالم بالدعوة والبلاغ وإقامة القسط بين الناس حتى يقوم الناس بالقسط فهو سيد الزهاد وإمام العباد ومعلم العلماء ومؤدب الأمراء ومبين سبيل الحكم والقضاء. ( يأيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشراً ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً)

بهذا نفهم لماذا كان هذا العنوان مقبولا في حقه عليه الصلاة والسلام ففي مجلسه الكريم ومن مدرسته العظيمة تخرج القادة من أمثال الخلفاء ، وقادة الجيوش من أمثال خالد وأبي عبيدة وسعد والقضاة كعلي ومعاذ وابن مسعود وأبي هريرة ، والزهاد من أمثال أبي ذر. وكان يوجه كل واحد إلى ما يصلحه  : يا أباذر إنك رجل ضعيف فلا تولين على اثنين.

وكلهم من رسول الله ملتمس    غرفا من البحر أو رشفاً من الديم.

ففي شخصه الكريم تجمعت كل الصفات وعلى عاتقه الشريف تحمل كل المسئوليات.

وليس على الله بمستنكر     أن يجمع العالم في واحد

ويمكن أن اختصر وسائل القيادة النبوية في: أسوة حسنة وسلوك به يقتدى وجماعة تنقاد بالطاعة وأهداف يسعى لتحقيقها وغايات يتحرك لبلوغها وأمر يهدي إلى الطريق الأمثل ونهي يصد عن السبيل الأرذل. ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)

( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) ولله در البصيري عندما يقول:

نبينا الآمر الناهي فلا أحد   أبر في قول لا منه ولا نعم

(وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذنه)

الغايــة

(يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم)

فاشعر في أول الآية بأن الاستجابة لله هي الاستجابة للرسول وأعاد الضمير على الرسول فهو داع إلى الله بإذنه.

والغاية هي: الحياة بكل ما تتضمنه هذه الكلمة من مدلول عظيم من إحياء القلوب والأجساد وانعاش النفوس والأرواح وصلاح الدنيا وفلاح الآخرة.

 

معالم القيـادة في حجة الوداع 

إن الحج وإن كان من نوع العبادات وما سماه القرافي بالتبليغ الذي لا يظهر فيه أثر تصرفات الإمامة إلا أننا مع ذلك سنلمح من خلاله نماذج رفيعة للقيادة تتضمن مقاصد سامية ومبادئ عالية لتعليم القواد وتكوين الرواد ولنستند على حديث جابر الطويل في صفة حجه عليه الصلاة والسلام برواية مسلم وغيره من الأحاديث.  

1- استعمال الإعلام لتعبئة الناس.

“ثم أذن في الناس في العاشرة أنه حاج فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم”.

إن هذه العبارة إذا ترجمت بلغة العصر كانت توازي صدور بيان ونشره في مختلف وسائط الإعلام إلى الجمهور يحثهم على التهيؤ لحضور مؤتمر كبير لتلقي تعليمات مصيرية فهرع الناس رجالاً ونساء شيوخاً وشباناً حتى الأطفال الصغار كان لهم نصيبهم، ألهذا حج؟  قال: نعم ولك أجر.        

إن أهم صفة من صفات القائد هي تحريك الأتباع نحو الأهداف المرسومة مهما كان نوعها عن طريق الاقناع والاشراك والاعلام والصدق والمثال والقدوة.

وقد كانت كلها من صفاته عليه الصلاة والسلام فهو القائد الذي يقنع ببيانه وصدق لهجته ووضوح حجته.

وهو الذي يشرك الناس في الرأي ويستشيرهم إذا لم يرد وحي قاطع تلك إحدى الصفات البارزة في سيرته ففي بدر عقد مجلس شورى قبل الدخول في المعركة الفاصلة.

واستعمل وسيلة الإعلام الصادق حيث أحاطهم علماً بعدد العدو وما هم مقدمون عليه وتركهم كلا يفيض في شرح رأيه فمنهم من حذر من المضي في الحملة ومنهم من أيد الإقدام على المعركة وكان رأي هؤلاء هو الغالب فحينذ اتخذ القرار وبشرهم عليه الصلاة والسلام بحسن عاقبة الأمر.

وفي موضوعنا كان إعلام الناس بحجه عليه الصلاة والسلام قبل موعد الحج والتنبيه على أهمية الخروج معه خير وسيلة لتعبئة جماهير الأمة حتى يشهدوا هذه الحجة التاريخية التي لم تشهدها ولن تشهدها الإنسانية حجة التعليم وحجة التمام وحجة الوداع وحجة الإسلام وحجة البلاغ.

قال النووي: قوله ( ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حاج ) معناه أعلمهم بذلك وأشاعه بينهم ليتأهبوا للحج معه ويتعلموا المناسك والأحكام ويشهدوا أقواله وأفعاله ويوصيهم ليبلغ الشاهد الغائب وتشيع دعوة الإسلام وتبلغ الرسالة القريب والبعيد وفيه أنه يستحب للإمام إيذان الناس بالأمور المهمة ليتأهبوا.(8/172)

ولهذا وصف جابر في حديثه كثرة الناس بأنهم كانوا مد البصر بين يديه من الجهات الأربع من حوله عليه الصلاة والسلام من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ولم يتفق على عدد من حضرها إلا أنه يزيد على مائة ألف نسمة فهل كان مائة وعشرين أو ثلاثين.

2- ترك مساحة للاجتهاد وتشجيع المبادرة

“وأهل الناس بهذا الذي يهلون به فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم شيئا منه ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته”.

قال القاضي عياض: فيه إشارة إلى ما روى من زيادة الناس في التلبية من الثناء والذكر كتلبية عمر لبيك ذا النعماء والفضل.

وزيادة ابن عمر: والخير بيدك والرغباء إليك. واستحب الاقتصار على تلبيته عليه الصلاة والسلام. ( النووي 8/174)

وكذلك ما ورد في حديث عبدالله بن عمر عند مسلم غدونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من منى إلى عرفات منا الملبي ومنا المكبر. وفي رواية أخرى “عنده” منا المكبر ومنا المهلل فلا ينكر عليه وكان يكبر المكبر فلا ينكر عليه.

وفي الرواية الأخرى: فمنا المكبر ومنا المهلل ولا يعيب أحدنا على صاحبه.                     

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ غَدَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَاتٍ مِنَّا الْمُلَبِّى وَمِنَّا الْمُكَبِّرُ.

وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَيَعْقُوبُ الدَّوْرَقِىُّ قَالُوا أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى غَدَاةِ عَرَفَةَ فَمِنَّا الْمُكَبِّرُ وَمِنَّا الْمُهَلِّلُ فَأَمَّا نَحْنُ فَنُكَبِّرُ قَالَ قُلْتُ وَاللَّهِ لَعَجَبًا مِنْكُمْ كَيْفَ لَمْ تَقُولُوا لَهُ مَاذَا رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَصْنَعُ.

وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ الثَّقَفِىِّ أَنَّهُ سَأَلَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَهُمَا غَادِيَانِ مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَةَ كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ فِى هَذَا الْيَوْمِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ كَانَ يُهِلُّ الْمُهِلُّ مِنَّا فَلاَ يُنْكَرُ عَلَيْهِ وَيُكَبِّرُ الْمُكَبِّرُ مِنَّا فَلاَ يُنْكَرُ عَلَيْهِ.

وَحَدَّثَنِى سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى بَكْرٍ قَالَ قُلْتُ لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ غَدَاةَ عَرَفَةَ مَا تَقُولُ فِى التَّلْبِيَةِ هَذَا الْيَوْمَ قَالَ سِرْتُ هَذَا الْمَسِيرَ مَعَ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- وَأَصْحَابِهِ فَمِنَّا الْمُكَبِّرُ وَمِنَّا الْمُهَلِّلُ وَلاَ يَعِيبُ أَحَدُنَا عَلَى صَاحِبِهِ.

  وكذلك فإنه ما سئل عن عمل قدم أو أخر إلا قال: أفعل ولا حرج.  

كل ذلك يدل على إفساح المجال للاجتهاد وأن ترك الشارع لا يدل على الحظر ولا على الكراهة بل أنه يدل على أن ما فعله وواظب عليه هو الأولى لكن لا إنكار في فعل ما تركه على ما وصفنا من اندراجه ضمن السياق العام والأصل المتبع والمنهج الفسيح وهو في حالة التلبية تعظيمه سبحانه وتعالى وتكبيره.

ومن هنا يقول ابن قدامة في طواف الأسابيع دون أن يتخللها ركوع وكونه عليه السلام لم يفعله لا يدل على الكراهة. ويقول ابن حزم : ولم يصم صلى الله عليه وسلم شهرا كاملا ولا خلاف في جواز ذلك.

وفي هذا تندرج عشرات المسائل مما يسمى ببدع الترك التي يختلف فيها العلماء حيث اعتبرها بعضهم كالشاطبي زيادة في الدين لقيام الموجب وعدم الفعل.

واعتبرها البعض الآخر مرغوبة لاندراجها تحت الدليل العام كالسبكي وأبي سعيد بن لب شيخ الشاطبي.

والذي نراه أنها لو ضبطت بجملة من المعايير ككونها لا تنضاف إلى عبادة لا تتجزء كإضافة ركعة إلى الصلاة أو ركن إلى الحج ولا يحدد لها مقدار معين من الثواب ولا توصف بحكم من أحكام الشرع كالوجوب مثلا أو السنية إلا بدليل خاص إذ أن تحديد ماهية كل عبادة وتقدير الثواب وتحديد الأحكام يرجع إلى الشارع ويبقى الفعل خاضعاً لعموم الأدلة كما حققه القرافي وشيخه العز بن عبدالسلام وغيرهما من الشافعية ومتأخرو المالكية وقد حققنا المسألة في كتاب “المقاصد”.       

3– ضرب القائد المثل بنفسه وأقاربه في النصيحة وتطبيق الأوامر الشاقة التي تصعب على نفوس الرعية وذلك في وضع دماء الجاهلية ورباها.

ويعلق النووي على قوله عليه الصلاة والسلام ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ودماء الجاهلية موضوعة وإن أول دم أضعه من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث … إلى قوله: وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربانا ربا العباس بن عبدالمطلب فإنه موضوع كله”.

قائلا: وأن الإمام وغيره ممن يأمر بمعروف أو ينهي عن منكر ينبغي أن يبدأ بنفسه وأهله فهو أقرب إلى قبول قوله وإلى طيب نفس من قرب عهده بالإسلام. (8/182)

فهو عليه الصلاة والسلام بدأ بدم ابن عمه وهو ابن ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب فأبطل دمه قطعاً لدابر أحقاد الجاهلية وترات الحروب وبدأ بإسقاط الديون المتراكمة لعمه العباس بن عبدالمطلب على الناس جراء المعاملات الربوية ليكون ذلك محل القدوة ومناط الأسوة.           

4- النظر في مئالات الأمور وعواقب التصرفات

إن هذه القاعدة من أهم القواعد السياسية والحكم حتى قال بعضهم إن السياسة هي النظر في عواقب الأمور وعبر عنها الفقهاء تارة بقاعدة “الذرائع” وتارة بالنظر في المئالات في الأقوال والأفعال كالشاطبي.

والذي يعنينا هو ما أشارت إليه بعض المواقف في هذه الحجة : فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم”.

“لولا حدثان عهد قومك بالجاهلية لنقضت الكعبة ثم لبنيته على أساس إبراهيم”.

إن القائد وهو يتخير أفضل القرارات ويلتمس أكثرها تحقيقاً للمصالح الدينية والدنيوية يجب عليه أن يتصور نتيجة ذلك العمل وعاقبة ذلك التصرف وردود فعل الجمهور التي قد تكون سلبية وعكسية وهو بذلك يحسن وزن المصالح والمفاسد ويتعامل مع الحاضر بعين المستقبل.    

5- النظام والسكينة

إن النظام هو أساس كل حضارة راشدة والعنصر الفعال في كل مشروع ناجح ، وعبادة الحج بطبيعتها عبادة منتظمة وقد كان ارتباط الصحابة بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم وحركاته وسكناته وانخراطهم في الإقتداء به مسطرة النظام ولهذا يقول جابر: وما عمل به من شيء عملنا به”. وقال: ” كلهم يلتمس لأن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومع ذلك فقد كان عليه الصلاة والسلام يذكر السكينة السكينة حتى لا تفيض الحماس “ليس البر بالايضاع” أي السرعة في السير.

وحديث ابن عباس : وذلك أن الناس إنما كانوا يأتون أرسالا … إلى آخر الحديث في كتاب “الاستذكار” إنهم يتقدمون إليه أفواجاً أفواجاً وذلك دليل على النظام.

6- مركز القيادة يجب أن يكون بارزاً ومكان القائد يجب أن يكون معروفاً.

ونرى الحالتين: أولاً في أمره عليه السلام قبل التوجه إلى عرفات بأن تضرب له قبة بنمرة”. لتكون مقراً له قبل أن يتوجه إلى جبل الرحمة.

وإن كان شراح الحديث لم يروا في ذلك إلا أنه للاستظلال والاستكنان من الحر فإني أرى فيه إشارة إلى أهمية إقامة مقر للقيادة فلو كان لمجرد الاستظلال فإنه ربما لم يكن أمر بذلك بيوم قبل وصوله إلى المكان ولرتبه على عجل عندما يصل إلى المقر.

أما بالنسبة لمكان القائد فإن طوافه عليه الصلاة والسلام راكباً هو من باب ظهور القائد للناس ليستجيب لطلباتهم وليجيب على تساؤلاتهم.

ولهذا فسر راوي الحديث ذلك بتفسيرين أولهما: ليشرف على الناس أي ليكون على شرف في مكان مرتفع يسمح للناس بتمييزه حتى يستفتوه كما أشار إليه جابر حين علل طوافه راكباً بقوله : ليراه الناس وليشرف وليسألوه”.

والتفسير الثاني: ليتجنب ازدحام الناس عليه الذين قد يحملهم الشوق والمحبة أن يتدافعوا حول شخصه فيؤذى بعضهم بعضاً ويضطر الصحابة لدفعهم وصرفهم وهو عليه الصلاة والسلام لا يسمح بضرب الناس بين يديه ولا بصرفهم عن حضرته الشريفة وهذا تفسير أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قائلة: كراهية أن يُضرب عنه الناس أو يصرف عنه. ولهذا يقول النووي إن كلا الروايتين صحيحة من جهة المعنى.

7-  الرفق بالضعاف وعدم إغفالهم في الخطة العامة: وعليه يدل تقديمه للضعفة وللنساء والولدان دون إلزامهم بالمبيت في منى.

8-  الحرص على إيصال التوجيه والتعليم إلى كل أحد والتأكيد من خلال رفع الصوت ومن خلال اتخاذ مبلغين.

ويدل عليه ما ورد أنه عليه الصلاة والسلام كان يرفع صوته وأحيانا يتطاول على دابته لاسماع الناس ومع ذلك فكان له مبلغ عنه يرفع صوته لابلاغ الناس.

9-  شرح تصرفات قد تصعب على النفوس من جراء أمر أو توجيه: وفي هذا يندرج قوله لما صعب على الناس التحلل ” لولا أني سقت الهدي لجعلتها عمرة”. وقوله: وقفت هنا وعرفات كلها موقف”. “نحرت هنا ومنى كلها …”  

10-                     تشجيع القائمين على خدمة المجتمع والحجيج كالرعاة وأصحاب السقاية بالتيسير عليهم باعفاء الرعاة وأهل السقاية من المبيت بمنى.

وكل ما تقدم يدل على ضرورة القيادة في جوانب الحياة المختلفة دينية أو مدنية طبقاً للعنوان الأصلي وإن كانت القيادة النبوية لا توصف إلا بكونها دينية ولكن طبقاً لمفهوم الدين الشامل. 

 

        

 

 

وأخيراً: فإن خطب حجة الوداع وما جاء فيها من الوصايا هي عمل قيادي رائع لعلكم سمعتم ممن قادة في العالم تحضر آجالهم فينصرفون عن أحوال أممهم ومستقبل شعوبهم ويشتغلون بأنفسهم ويهتمون بها، إلا أنه من النادر أن يهتم القائد بأمور الناس وهو يودعهم لقد جاءت تلك الإشارات معبرة لا أدري لعلى لا ألقاكم بعد عامي هذا .. لعلكم لا تروني..

إنها الشفقة العظيمة على الأمة : وَيْحَكُمْ – أَوْ قَالَ وَيْلَكُمْ – لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِى كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ » كما في الصحيح.

.. إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام.

ويقول ابن عمر نزلت إذا جاء نصر الله أوسط أيام التشريق فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه الوداع فخطب الناس خطبة أمرهم فيها ونهاهم.

وهكذا تعلم خلفاؤه فكانوا رابطي الجأش يديرون أمر الرعية وهم على فراش الموت.

ولقد انبهر بعض المنصفين من المستشرقين لما قرأوا شيئا من سيرته فتحدثوا بإعجاب ونذكر مقتطفات فقد قال عنه المستشرق الألماني سانت هيلر: كان محمد رئيساً للدولة وساهرا على حياة الشعب وحريته وكان يعاقب الأشخاص الذين يجترحون الجنايات حسب أحوال زمانه وأحوال تلك الجماعات الوحشية التي كان يعيش النبي بين ظهرانيها فكان النبي داعيا إلى ديانة الإله الواحد وكان في دعوته هذه لطيفاً ورحيماً حتى مع أعدائه وإن في شخصيته صفتين هما من أجلّ الصفات التي تحملها النفس البشرية وهما العدالة والرحمة.(الشرقيون وعقائدهم)

وفي كلمة لبرنارد شو: إن العالم أحوج ما يكون إلى رجل في تفكير محمد هذا النبي الذي وضع دينه دائماً موضع الاحترام والإجلال فإنه أقوى دين على هضم جميع المدنيات خالداً خلود الأبد وإني أرى كثيراً من بني قومي قد دخلوا هذا الدين على بينة وسيجد هذا الدين مجاله الفسيح في هذه القارة “يعني أوروبا” إنّ رجال الدين في القرون الوسطى ونتيجة للجهل أو التعصب قد رسموا لدين محمد صورة قاتمة لقد كانوا يعتبرونه عدوا للمسيحية لكنني اطلعت على أمر هذا الرجل فوجدته أعجوبة خارقة وتوصلت إلى أنه لم يكن عدوا للمسيحية بل يجب أن يسمى منقذ البشرية وفي رأيي أنه لو تولّى أمر العالم اليوم لوفق في حل مشكلاتنا بما يؤمن السلام والسعادة التي يرنو البشر إليها”.   

إن المساكين هيلر وشو لا يعرفان أنهما لا يتكلمان عن قائد وزعيم من زعماء العالم الذين يعاطى الناس سيرتهم فيأخذون منها ويردون ، أما نحن فإننا نقر بأن الحديث عن القيادة في حقه إنما هو أمر تقريبي وضرب للأمثال، إننا نتحدث عن إمام المرسلين وقائد الغر المحجلين وسيد العالمين الحاشر الذي يحشر الناس على قدمه يوم القيامة والعاقب الذي ختم الله به الأنبياء والمرسلين الشافع المشفع والنور المبين الشاهد على الأمة والمبشر بالجنة والنذير من النار فمدده لا ينقطع وغيوث أفضاله لا تنقشع فهو رحمة في حياته ورحمة بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى ورحمة في عرصات القيامة حين تشرئب الأعناق إلى شفاعته نسأله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ووالدينا ومن نحب والمسلمين جميعاً ممن تنالهم شفاعته وتحوطهم رعايته وأن يحشرنا في زمرته ويسكننا بجواره في فسيح جنته.

             

عبدالله بن بيـــه

 

 


– القرافي      الفروق           1/205

Comments are closed.