ما هذه بطريق الجنة – نصيحة للشباب وبيان للنخب

 

{نصيحة وبيان} 

نصيحة للشباب .. 

  “ما هذه بطريق الجنة”

 

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد نبي الرحمة ورسول الحكمة وعلى آله الأطهار وصحابته الأبرار صلاة وسلاماً دائمين إلى يوم الدين؛

أيها الشباب، الذين حملتم السلاح على أمتكم فأرهقتم البلاد والعباد واستعديتم الأمم وأهدرتم القيم، ندعوكم لوقفة تفكر وإصغاء إلى نصيحة من يريد للأمة الخير.

وبين يدي هذا البيان نقدم أربع كلمات:

أولاهن من كتاب الله تعالى  )وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ((البقرة 205)  هل هلك الحرث والنسل والشيوخ والنساء؟ أليس ذلك فساداً في الأرض لا يحبه الله تعالى؟

الثانية من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم: “وَيْلَكُمْ، أَوْ وَيْحَكُمْ، انْظُرُوا، لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ». من آخر خطبه عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع.

يقول العلماء أي يكفر بعضكم بعضاً يرميه بتهمه الكفر ليقتله. {يلاحظ استعمال كلمة “ويلكم” أو “ويحكم” وهي كلمة تحذير شديد، قل أن يستعملها عليه الصلاة والسلام.} أليس هذا التكفير والاقتتال هو الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم. 

الثالثةكلمة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه:فَمَنْ بَايَعَ رَجُلًا عَلَى غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ المُسْلِمِينَ، فَلاَ يُتَابَعُ هُوَ وَلاَ الَّذِي بَايَعَهُ، تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلاَ“. آخر خطبة له، صحيح البخاري.

هل استشار من يريد أنْ يكون خليفة للمسلمين العالم الإسلامي أم أنه يعرض نفسه ومن يبايعه للقتل، أليس هذا ما حذر منه أمير المؤمنين من الإفتيات  على الناس؟ 

الرابعةكلمة لإمام السنة أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى لأهل بغداد: لا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم وانظروا في عاقبة أمركم“. لما ارادوا الثورة على الخليفة العباسي الواثق عندما قال بخلق القرآن. أليس هذا من سفك الدماء الذي حذر منه الإمام أحمد أهل بغداد؟

نرجوكم من موقع الشفقة أنْ تتأملوا في هذه الكلمات المضيئة، وأنْ تراجعوا أنفسكم فالرجوع إلى الحق خير من التمادي على الباطل.

إننا لا نتجاهل المظالم وندعو بإلحاح لإزالتها، إلا أننا نعتقد أنَّ فُرص العدالة مع السلم أفضل من فرضها بالحرب، يجب أن تتوقف الحروب الشعواء وتنكشف الفتنة العمياء في كل مكان؛ لنربح الحياة ولا نخسر الدنيا والآخرة.     

نسأل الله تعالى للجميع الهداية والتوفيق -آمين.-

 

 

 بيان للأمة ونخبها..

بيان للتذكير والتفكير، لماذا؟

لقد كان من دواعي انعقاد المنتدى الأول لتعزيز السلم في المجتمعات المسلمة بأبوظبي هذه السنة (جمادى الأولى1435 هـ / مارس 2014م) بمشاركة ما يزيد عن (250) عالماً ومفكراً إسلامياً من مختلف أنحاء العالم الاجتماعُ على موقف موحد من أوضاع في غاية الخطورة تعيشها الأمة الإسلامية في هذه الفترة العصيبة من حياتها.

وتتمثل هذه الخطورة في خمسة أبعاد:

أولا : البعد النوعي المتمثل في درجة العنف غير المسبوق الذي لم يستثن أي نوع من الأسلحة بما في ذلك أسلحة الدمار الشامل الذي يستعمله أبناء الوطن الواحد بعضهم ضد بعض.

ثانيا: البعد المكاني المتمثل في الاتساع والانتشار الجغرافي الذي شمل رقعة واسعة من البلاد العربية والإسلامية والمرشح لشمول مناطق أخرى،

ثالثا: البعد الزمني؛ حيث إن هذه النزاعات أصبحت في استمرارها وديمومتها وكأنها أمر معتاد لا تلوح له نهاية في الأفق.

رابعاً: البعد الفكري والنفسي؛ وهو بعد يغذي الأبعاد الثلاثة السالفة حيث أفرزت هذه الفتنة أشد الأفكار تطرفا وأكثر الفتاوى شذوذا وأشد الآراء تعصباً وتحريضاً. فاشتعلت الساحة بكم هائل من فتاوى التكفير والتضليل والتفسيق والتبديع، واستبيحت الدماء ولم يعد للشرعية في الطاعة واحترام الدماء وتجنب شق عصا الأوطان مكان، واستبدلت بدعوى الجهاد في غير محله والنهي عن منكر بغير ضوابطه مما يؤدي إلى ما هو أنكر.

خامساً: البعد الدولي: كلُّ ما سبق شوه صورة الإسلام عالميا وكاد أن يوصف بأنه “دين إرهاب” وأنه ربما يُحاكم الإسلامُ وأهلُه تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

وقد كان من توصيات هذا المنتدى التشديد على الضرورة الملحة والعاجلة لإعادة ترتيب البيت الإسلامي وإصلاح مكوناته أفرادا وجماعات ومؤسسات، والتأكيد على الحاجة الماسة إلى تقوية المناعة الذاتية للأمة ضد التطرف والعنف الناشئ داخلها كيفما كان اتجاهه ومصدره، وأنه آن الأوان لتتجه المجتمعات المسلمة أفراداً وجمعيات وتنظيمات سياسية وحكومات ودولاً إلى التعاون على البر والتقوى، وتقديم المصالح العليا للإنسان والأوطان على المصالح الخاصة، واعتماد الحوار والتوافق منهجاً وحيداً لتحقيق التنمية الشاملة.

وقد تسارعت الأحداث في الشهور والأسابيع الأخيرة وازدادت وتيرة الحروب العبثية والتدميرية ولم تستثن أية شريحة من السكان ولا أي دين من الأديان؛ لتؤكد بما لا يدع مجالا للشك عواقب ومآلات ما حذر منه المنتدى والحاجة الماسة إلى تفعيل ما تضمنته بحوث المشاركين فيه ومناقشاتهم من اقتراحات وتوصيات.

ومن ثم فإن المنتدى يريد اليوم أنْ ينبه من جديد ويذكّر كل من يشفق على حال الأمة ويتشوف إلى إصلاح ما بها على ما يلي:

أ/ إنَّ مسؤولية العلماء والمرجعيات الدينية في هذه الفترة بالذات مسؤولية جسيمة، وإن التكلفة البشرية والإنسانية لما يقع في جسم الأمة الإسلامية الآن لا يجوز بحال أن يترك أي عاقل متفرجا؛ فكيف بمن أخذ الله عليهم ميثاق البيان؟ . والحال أن كثيرا مما يقع يتذرع له بمبررات دينية، بدعوى تكفيرية أحياناً أو تخوينية أحياناً أخرى، أو بدعوى تطبيق أحكام الشريعة في ظروف الحروب كأنهم لم يسمعوا حديث بشر بن أرطاة الصحيح وغيره من الآثار المعروفة عند أهل العلم. وبدعوى الشرك على أهل التوحيد، وبدعوى مظلوميات متبادلة، وحق يراد به باطل، وباطل يلبس قميص الحق؛ فاتسع على الناس -بمن فيهم المنتسبون إلى العلم- فضاء الشبه والاشتباه، ولم تأل كثير من وسائل الإعلام جهداً في خلط الأوراق، فارتبكت الأفهام وزلت الأقدام.

ومن ثم فلا عذر للعلماء والحكماء في عدم القيام بواجب البيان والنصح للأمة لإطفاء نار الفتن وحقن الدماء متضامنين مع الحق متعاونين على البر والتقوى )وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(،

ب/ إن جزءاً كبيراً مما تعيشه الأمة اليوم من فتن مرده إلى التباس مفاهيم شرعية لا غبار عليها في أذهان شريحة واسعة من المجتمعات المسلمة . كتطبيق الشريعة ودولة الخلافة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد وطاعة أولي الأمر…وهي مفاهيم كانت في الأصل سياجاً على السلم وأدوات للحفاظ على الحياة ومظهراً من مظاهر الرحمة الربانية التي جاء بها الإسلام على لسان نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم. فلما فهمت على غير حقيقتها، وتشكلت في الأذهان بتصور يختلف عن أصل معناها وصورتها، انقلبت إلى ممارسات ضد مقصدها الأصلي وهدفها وغايتها، فتحولت الرحمة إلى عذاب للأمة اكتوى به المذنب والبريء واستوى في إشاعته العالم والجاهل.

وإن من أسباب ذلكم الالتباس:

1-      فك الارتباط بين خطاب التكليف وخطاب الوضع: إن الأحكام الشرعية التكليفية – الوجوب والندب والحرمة والكراهة والجواز- محاطة بخطاب الوضع، وهو الأسباب والشروط والموانع، ومن مجموع خطابيّ التكليف والوضع يتشكل المفهوم الصحيح: فإذا فككنا الارتباط بين الأوامر والنواهي، وبين الشروط توفراً والأسباب وجوداً والموانع انتفاءً، كانت الأحكام لاغية ومُخالفة للشرع. .

وبعبارة أوضح فك العلاقة بين تطبيق الأحكام وبين مقتضيات المكان والزمان ومئالات المصالح والمفاسد.

2-     غموض العلاقة بين الوسائل والمقاصد: إن أي انفكاك في العلاقة بين المقاصد والغايات والوسائل والأدوات يؤدي إلى مخالفة الشرع؛ إذ إن وسائل المقاصد السيئة سيئة، ولا يتوسل إلى المقاصد النبيلة إلا بوسائل نبيلة. فلا يمكن أن يتوسل بالإبادة والقتل لإقامة الحق والعدل ولا بالظلم والانتقام.   

3-      ضمور القيم الأربع التي تقوم عليها الشريعة، وهي: الحكمة والعدل والرحمة والمصلحة.

ت/ إن الجهاد ليس مرادفاً للقتال، فليس كل جهاد قتالاً وليس كل قتالٍ جهاداً؛ إذ باستقراء النصوص الشرعية، يتضح أن الجهاد يشمل  كل القربات: فبر الوالدين جهاد “ففيهما فجاهد”، وطاعة الله تعالى جهاد، ومن ذلكحديث: “والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله وجل” .

لهذا فنحن ندعوكم لجهاد لا شك فيه يدخلكم الجنة ويباعدكم عن النار ذكر الله تعالى وإعمار المساجد والإحسان إلى الناس وعمارة الأرض. وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية إن الجهاد يشمل كل القربات والأعمال الصالحات، بما في ذلك التجارة والصناعة، كما في اختيارات البعلي.

فما أحوج أمتكم اليوم على سواعدكم وعقولكم وطاقاتكم منتظمة في سلك المصالح مندمجة في التنمية.   

أما جهاد “القتال”فهو دفاع عن حرية المعتقد)الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ– الحج 40 (.

وأصل العلاقة مع غير المسلمين السلم () والجهاد في أصل تشريعه هو البحث عن “السلم الدائم” ولهذا طلب من جميع المؤمنين أن يدخلوا في السلم )يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱدۡخُلُواْ فِي ٱلسِّلۡمِ كَآفَّةٗ وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ- البقرة : 208 (، وطلب منهم عندما يرون أي بادرة للسلم أن يقبلوها، ) وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ – الأنفال: 61( . وقد تنازل عليه الصلاة والسلام في صلح الحديبية، كما هو معروف، من أجل السلام. 

أما الجهاد بمعنى الحرب فقد كان في ظروف لا معاهدات فيها تجمع العالم ولا ميثاق، ولا توجد فيها وسيلة لإبلاغ الدعوة إلا بإسناد حربي، ولا توجد فيها حدود بين الدول إلا بالقوة أو بعد المسافة ولا توجد فيها أسلحة إبادة شاملة.

وقد تغيرت كل هذه المعطيات، فهل يمكن أن يدعو مسلم يفهم نصوص الشريعة ومقاصدها إلى القيام بغزو الأمم؟ إلا أن يكون مُختل العقل جاهلاً بِحقائق الإسلام وواقع العالم ومفسد في الأرض.

ج/ إن كثيرا من الأحكام الشرعية لم ينط الشارع إقامته بالأفراد ولكنه من اختصاص ولي الأمر أو من نصبه ولي الأمر لذلك، ومنها الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فالنهي عن المنكر في بعض الحالات غير متأكد من مآلاته وهذا يحتاج إلى اجتهاد لا يحققه أي كان وفي بعض الحالات قد يؤدي إلى منكر أعظم منه والنهي عنه هنا يصبح محرما على الأفراد. وكذلك بالنسبة للجهاد فمن يحارب الدولة المعتدية في الخارج ويُجَيش الجيوش، ومن يحارب البغاة في الداخل هو الحاكم، كما يقول القرافي المالكي في فروقه، وهو يتحدث عن تصرفاته، ملاحظا أن هذا النوع من التصرفات لا يجوز للأفراد أن يتعاطوه وإنما يقوم به الحاكم. ومن ثم فإن انتصاب بعض الجماعات لتغيير المنكر بالقوة أو لإعلان الجهاد يؤدي إلى فتنة وفساد عريض .

ح / إنَّ الخلافة رحمة وإجراء لإقامة الدين والمحافظة على الكليات الخمس: الدين والنفس والمال والنسل والعقل. 

إن الخلافة الإسلامية صيغة ارتضاها الصحابة رضي الله عنهم لجمع المسلمين وتوحيد كلمتهم تحت نظام يقيم فيهم أحكام الشرع ويحمي نفوسهم وأعراضهم وأموالهم. لكن الخلافة لست عقيدة ؛  وإنما هي القضايا الفقهية التي تخضع لخطاب الوضع باعتبارها وسيلة من الوسائل قد يقوم مقامها غيرها من وسائل اتحاد الدول اليوم واندماجها وتكاملها؛ بل عاشت دول إسلامية قرونا عديدة منفصلة عن الخلافة مع إقامتها للدين وحرصها على الشرائع والشعائر والمحافظة على الأمن والسلام، ولا تزال. فالعبرة في شرعنا بالمعاني لا بالألفاظ والمباني. ومن ثم فإنه لا موجب شرعي للسعي إلى إقامة الخلافة -على فرض أنها متاحة ومتيسرة- بالقوة، فكيف بمن يسعى في الأرض فسادا ويقتل الأبرياء ويروع الضعفاء ويهدم المساجد ودور العبادة وينبش القبور؟ وما هدم الرسول صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه كنيسة ولا بيعة ولا بيت نار. كما يقول ابن القيم.

خ /إنَّ اضطهاد الأقليات الدينية وكافة أشكال العدوان عليها مخالف لقيم ديننا الذي أوصى بالأقليات الدينية خيراً وجعلهم في ذمة المسلمين وتوعد من يظلمهم بسوء العاقبة ووفاء بتجربة الأمة التي لا نظير لها تاريخيا في التعايش والتسامح مع الأقليات فضلا عما تقتضيه أخوة الإنسانية والمواطنة من مساواة في الحقوق والواجبات . فأي اعتداء من أي نوع أو إكراه على تغيير الدين غير مقبول، والإسلام منه براء )لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّين( وإسلام المكره لا يصح.   

د / إن قيم الصراع والنزاع في غير حالة الدفاع عن النفس ورد العدوان ليست قيماً إسلامية ولو حاول البعض أن يكسوها لباس التقوى. إنها قيم دخيلة على ثقافتنا الإسلامية؛ فما كان التدمير أبدا في ثقافتنا الأصيلة أساسا للتعمير؛ بل نتيجة للجهل والتعصب وأثرا للاحتقان ومشاعر الإحباط أو الانتقام. أما قيمنا فتقوم على بناء الثقة في النفوس والمحبة في القلوب ومدافعة الباطل بالحق دون عدوان ومقابلة الإساءة بالصبر والصفح والغفران)وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ- البقرة:190( ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ ٱلسَّيِّئَةَۚ- المؤمنون:96(، )وَيَدۡرَءُونَ بِٱلۡحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ – القصص: 54(.

ذ / إن المجتمعات المسلمة في أمس الحاجة إلى أن ترسخ فيها مقصدية السلم وأولويته من خلال قيم واضحة هي: القيم الإسلامية والإنسانية،ومن خلال توضيح فقه السلم والمصالحة بمفرداته وقواعده وجزئياته وكلياته؛ ليرجح التعايش والانسجام ويصحح انحراف المفاهيم في بعض الأفهام، ويروج للمحبة والوئام، ويكبح جماح التكفير والتشهير والخصام، لتسود ثقافة العقل والفقه واعتبار المصالح جلبا والمفاسد درءا وسلوك الحكمة حتى يعيش المسلم بدينه في دنياه دون شعور بالاغتراب ولا تعرض للقلق  والحرج والاضطراب.

ومن ثم فإننا نجدد الدعوة للعلماء والفلاسفة والأدباء والمبدعين ولوسائل الإعلام ومواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي إلى تحمل مسؤولية الكلمة وتقدير آثارها على التعايش والوئام، وإلى الانخراط في تعزيز ثقافة السلم في المجتمعات المسلمة.

              وندعو إلى المراجعات الفكرية على مستوى المناهج والبرامج لتدقيق النظر في الواقع وموكب ضروراته وإكراهاته وأفكاره وأدواته، وتعميق الدراسات الشرعية علماً وفهماً وتدبراً وتفكراً وتأويلاً وتعليلاً وتنزيلاً؛ لمراجعة النصوص في منطوقاتها ومفهوماتها ورد جزئياتها إلى كلياتها، وإعادة الاعتبار للاختلاف المعتبر في المذاهب.

          فلا تغيير ولا تبديل بل تأصيلا وتنزيلاً طبقاً لمناهج البحث المتوفرة. وعندئذ سندرك سعة الشريعة ورحمتها وشموليتها وحكمتها. إنَّ الحلول ستكون من رحم الشريعة وروحها ومقاصدها.

          إنه مجهود عاجل وعلى العلماء ورجال الدين أنْ يواجهوه بشجاعة وبوضوح لإنقاذ أمتنا من حروب لا أول لها ولا آخر. كما أنَّ على الساسة والمعنيين أنْ يرفعوا المظالم ، وعلى الهيئات العالمية أنْ تكون أكثر عدلاً وحساسية تجاه ما يجري في هذه المنطقة.

  وأخيراً، فإننا نحذر شباب الأمة على وجه الخصوص من أن يكونوا وقوداً لنيران الفتنة والفساد في الأرض في الدنيا ووقودا لنار جهنم يوم الحساب، وندعوهم أنْ يتثبتوا مما يلقى إليهم من دعاوى ووعود، وأن يتشبثوا بالمحكمات من دين الله وشرعه حتى لا يفتتنوا بالمتشابهات ويلتبس عليهم الحق بالباطل، وخاصة منهم من لا يحسن العربية ولا يفهم لغة القرآن. فلا يكفَّر مسلم إلا بقول أو فعل لا يحتمل أي تأويل، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم مجرد سباب المسلم فسوقاً وقتاله كفراً، وعصم الله تعالى النفس البشرية مطلقا )وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَق – الإسراء:33 ( ، وجعل قتل النفس الواحدة كقتل البشرية جمعاء ) أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا(، وفي الحديث: ” لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما

 

عبدالله بن بيه

رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة

حرر بــــأبوظبي – يوم  19 ذو القعدة 1435 هـ/ 14 سبتمبر 2014م


انظر ورقة المؤتمر[1]

انظر البيان الختامي للمنتدى الأول لتعزيز السلم في المجتمعات المسلمة.[2]

انظر البيان الختامي للمنتدى الأول لتعزيز السلم في المجتمعات المسلمة.[3]

– صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب: الجهاد بإذن الوالدين، الحديث: 3004.

– رواه الإمام أحمد في مسنده وأبو داوود في سننه عن فضالة بن عبيدوهو حديث حسن، رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين (1/54) رقم 24 ؛ وصححه ابن حبان في صحيحه (11/204)؛ وأحمد في المسند  رقم : 2400.

– يراجع في ذلك كتاب الشيخ عبد الله بن بيه”الإرهاب: التشخيص والحلول”.

– إعلام الموقعين عن رب العالمين، 3/12، لابن قيم الجوزية، تحقيق: محمد عبد السلام إبراهيم، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1-1411هـ/1991م.

– الفروق، لأبي العباس أحمد بن ادريس القرافي، 1/206،  عالم الكتب، د.ت.

رواه البخاري في كتاب الديات، باب قول الله تعالى ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا) وأحمد في المسند (مسند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما)…[9]

Comments are closed.