في بيان لمنتدى تعزيز السلم : ابن بيه يدعو الشباب الذين حملوا السلاح على أمتهم إلى وقفة تفكر

أبوظبي – “الخليج “:


دعا فضيلة الشيخ عبدالله بن بيه، رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، الشباب الذين حملوا السلاح على أمتهم فأرهقوا البلاد والعباد، واستعدَوا الأمم وأهدروا القيم، إلى وقفة تفكر وإصغاء إلى نصيحة من يريد للأمة الخير . وخاطب ابن بيه الشباب في بيان صادر عن منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة بالكلمات الأربع الأولى من كتاب الله تعالى “وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد”، مشيراً إلى أن إهلاك الحرث والنسل والنساء فساد في الأرض لا يحبه الله تعالى، أما الكلمة الثانية فمن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم “ويلكم، (أو ويحكم)، انظروا، لا ترجعوا بعدي كفاراً، يضرب بعضكم رقاب بعض”، موضحاً أن الرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن التكفير والاقتتال .
في الكلمة الثالثة اورد ابن بيه كلمة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه “فمن بايع رجلاً على غير مشورة من المسلمين، فلا يتابع هو ولا الذي بايعه، تغرة أن يقتلا”، متسائلاً هل استشار من يريد أن يكون خليفة للمسلمين العالم الإسلامي، أم أنه يعرض نفسه ومن يبايعه للقتل؟
أما الكلمة الرابعة، فكانت لإمام السنة أحمد بن حنبل، رحمه الله تعالى، عندما خاطب اهل بغداد قائلاً “لا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم، وانظروا في عاقبة أمركم” وذلك عندما أرادوا الثورة على الخليفة العباسي الواثق عندما قال بخلق القرآن .
وأعرب رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، عن أمله في أن يتأمل الشباب هذه الكلمات وأن يراجعوا أنفسهم لأن الرجوع إلى الحق خير من التمادي على الباطل، مضيفاً أننا لا نتجاهل المظالم وندعو بإلحاح لإزالتها، إلا أننا نعتقد أن فرص العدالة مع السلم أفضل من فرضها بالحرب، فيجب ان تتوقف الحروب الشعواء وتنكشف الفتنة العمياء في كل مكان لنربح الحياة ولا نخسر الدنيا والآخرة .
وأعاد التذكير بالبيان الصادر عن اجتماع منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة في أبوظبي مارس/ آذار ،2014 الذي قال: إن مما تعيشه الأمة اليوم من فتن مرده إلى التباس مفاهيم شرعية لا غبار عليها في أذهان شريحة واسعة من المجتمعات المسلمة، كتطبيق الشريعة ودولة الخلافة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد وطاعة أولي الأمر، وهي مفاهيم كانت في الأصل سياجاً على السلم، وأدوات للحفاظ على الحياة ومظهراً من مظاهر الرحمة الربانية التي جاء بها الإسلام على لسان نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم، فلما فهمت على غير حقيقتها، وتشكلت في الأذهان بتصور يختلف عن أصل معناها وصورتها، انقلبت إلى ممارسات ضد مقصدها الأصلي، وهدفها وغايتها، فتحولت الرحمة إلى عذاب للأمة، اكتوى به المذنب والبريء، واستوى في إشاعته العالم والجاهل .
وأوضح البيان أن من أسباب ذلك الالتباس، فك الارتباط بين خطاب التكليف وخطاب الوضع، حيث إن الأحكام الشرعية التكليفية – الوجوب والندب والحرمة والكراهة والجواز – محاطة بخطاب الوضع، والشروط والموانع، ومن مجموع خطابي التكليف والوضع يتشكل المفهوم الصحيح: فإذا فككنا الارتباط بين الأوامر والنواهي، وبين الشروط توفراً والأسباب وجوداً والموانع انتفاءً كانت الأحكام لاغية ومُخالفة للشرع، وبعبارة أوضح فك العلاقة بين تطبيق الأحكام وبين مقتضيات المكان والزمان ومآلات المصالح والمفاسد .
واشار البيان إلى أن من أسباب ذلك الالتباس غموض العلاقة بين الوسائل والمقاصد، فإن أي انفكاك في العلاقة بين المقاصد والغايات والوسائل والأدوات، يؤدي إلى مخالفة الشرع، إذ إن وسائل المقاصد السيئة سيئة، ولا يتوسل إلى المقاصد النبيلة إلا بوسائل نبيلة، فلا يمكن أن يتوسل بالإبادة والقتل لإقامة الحق والعدل، ولا بالظلم والانتقام، إضافة إلى ضمور القيم الأربع التي تقوم عليها الشريعة، وهي: الحكمة والعدل والرحمة والمصلحة .
وقال البيان إن مسؤولية العلماء والمرجعيات الدينية في هذه الفترة بالذات مسؤولية جسيمة، وإن التكلفة البشرية والإنسانية لما يقع في جسم الأمة الإسلامية الآن لا يجوز بحال أن يترك أي عاقل متفرجا؛ فكيف بمن أخذ الله عليهم ميثاق البيان؟ والحال أن كثيراً مما يقع يتذرع له بمبررات دينية، بدعوى تكفيرية أحياناً أو تخوينية أحياناً أخرى، أو بدعوى تطبيق أحكام الشريعة في ظروف الحروب كأنهم لم يسمعوا حديث بشر بن أرطاة الصحيح وغيره من الآثار المعروفة عند أهل العلم .
ونوه البيان بأن جهاد القتال هو دفاع عن حرية المعتقد، وأصل العلاقة مع غير المسلمين السلم، والجهاد في أصل تشريعه هو البحث عن “السلم الدائم”، ولهذا طلب من جميع المؤمنين أن يدخلوا في السلم وقد تنازل عليه الصلاة والسلام في صلح الحديبية، كما هو معروف، من أجل السلام، وأما الجهاد بمعنى الحرب، فقد كان في ظروف لا معاهدات فيها تجمع العالم ولا ميثاق، ولا توجد فيها وسيلة لإبلاغ الدعوة إلا بإسناد حربي، ولا توجد فيها حدود بين الدول إلا بالقوة أو بعد المسافة، ولا توجد فيها أسلحة إبادة شاملة، وقد تغيرت كل هذه المعطيات، فهل يمكن أن يدعو مسلم يفهم نصوص الشريعة ومقاصدها إلى القيام بغزو الأمم؟ إلا أن يكون مُختل العقل جاهلاً بحقائق الإسلام وواقع العالم ومفسداً في الأرض .
وشدد البيان على إن الخلافة رحمة وإجراء لإقامة الدين والمحافظة على الكليات الخمس: الدين والنفس والمال والنسل والعقل، فالخلافة الإسلامية صيغة ارتضاها الصحابة رضي الله عنهم لجمع المسلمين وتوحيد كلمتهم تحت نظام يقيم فيهم أحكام الشرع ويحمي نفوسهم وأعراضهم وأموالهم، لكن الخلافة ليست عقيدة؛ وإنما هي القضايا الفقهية التي تخضع لخطاب الوضع باعتبارها وسيلة من الوسائل قد يقوم مقامها غيرها من وسائل اتحاد الدول اليوم واندماجها وتكاملها؛ بل عاشت دول إسلامية قروناً عديدة منفصلة عن الخلافة مع إقامتها للدين وحرصها على الشرائع والشعائر والمحافظة على الأمن والسلام، ولا تزال، فالعبرة في شرعنا بالمعاني لا بالألفاظ والمباني، ومن ثم فإنه لا موجب شرعياً للسعي إلى إقامة الخلافة – على فرض أنها متاحة ومتيسرة – بالقوة، فكيف بمن يسعى في الأرض فساداً ويقتل الأبرياء ويروع الضعفاء ويهدم المساجد ودور العبادة وينبش القبور؟ وما هدم الرسول صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه كنيسة ولا بيعة ولا بيت نار، كما يقول ابن القيم .
وحذر البيان شباب الأمة على وجه الخصوص من أن يكونوا وقوداً لنيران الفتنة والفساد في الأرض في الدنيا ووقوداً لنار جهنم يوم الحساب، وندعوهم أنْ يتثبتوا مما يلقى إليهم من دعاوى ووعود، وأن يتشبثوا بالمحكمات من دين الله وشرعه حتى لا يفتتنوا بالمتشابهات ويلتبس عليهم الحق بالباطل، وخاصة منهم من لا يحسن العربية ولا يفهم لغة القرآن، فلا يكفر مسلم إلا بقول أو فعل لا يحتمل أي تأويل .

520 عالماً يناقشون أوضاع الأمة

قال ابن بيه: لقد كان من دواعي انعقاد المنتدى الأول لتعزيز السلم في المجتمعات المسلمة بأبوظبي هذه السنة (جمادى الأولى/ مارس) بمشاركة ما يزيد على 520 عالماً ومفكراً إسلامياً من مختلف أنحاء العالم الاجتماعُ على موقف موحد من أوضاع في غاية الخطورة تعيشها الأمة الإسلامية في هذه الفترة العصيبة من حياتها .
وتتمثل هذه الخطورة في خمسة أبعاد هي البعد النوعي المتمثل في درجة العنف غير المسبوق الذي لم يستثن أي نوع من الأسلحة بما في ذلك أسلحة الدمار الشامل الذي يستعمله أبناء الوطن الواحد، بعضهم ضد بعض، البعد المكاني المتمثل في الاتساع والانتشار الجغرافي الذي شمل رقعة واسعة من البلاد العربية والإسلامية والمرشح لشمول مناطق أخرى، البعد الزمني، حيث إن هذه النزاعات أصبحت في استمرارها وديمومتها كأنها أمر معتاد لاتلوح له نهاية في الأفق، والبعد الفكري والنفسي، وهو بعد يغذي الأبعاد الثلاثة السالفة حيث أفرزت هذه الفتنة أشد الأفكار تطرفاً وأكثر الفتاوى شذوذاً وأشد الآراء تعصباً وتحريضاً فاشتعلت الساحة بكم هائل من فتاوى التكفير والتضليل والتفسيق والتبديع، واستبيحت الدماء ولم يعد للشرعية في الطاعة واحترام الدماء وتجنب شق عصا الأوطان مكان، واستبدلت بدعوى الجهاد في غير محله والنهي عن منكر بغير ضوابطه مما يؤدي إلى ما هو أنكر، وخامساً: البعد الدولي: كل ما سبق شوه صورة الإسلام عالمياً وكاد يوصف بأنه “دين إرهاب” وأنه ربما يُحاكم الإسلامُ وأهله تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة .
وأشار إلى أن من توصيات هذا المنتدى التشديد على الضرورة الملحة والعاجلة لإعادة ترتيب البيت الإسلامي وإصلاح مكوناته أفراداً وجماعات ومؤسسات، والتأكيد على الحاجة الماسة إلى تقوية المناعة الذاتية للأمة ضد التطرف والعنف الناشئ داخلها كيفما كان اتجاهه ومصدره، وأنه آن الأوان لتتجه المجتمعات المسلمة أفراداً وجمعيات وتنظيمات سياسية وحكومات ودولاً إلى التعاون على البر والتقوى، وتقديم المصالح العليا للإنسان والأوطان على المصالح الخاصة، واعتماد الحوار والتوافق منهجاً وحيداً لتحقيق التنمية الشاملة .

الأقليات في ذمة المسلمين

أكد البيان أن اضطهاد الأقليات الدينية وكافة أشكال العدوان عليها مخالف لقيم ديننا الذي أوصى بالأقليات الدينية خيراً وجعلهم في ذمة المسلمين وتوعد من يظلمهم بسوء العاقبة ووفاء بتجربة الأمة التي لا نظير لها تاريخياً في التعايش والتسامح مع الأقليات، فضلاً عما تقتضيه أخوة الإنسانية والمواطنة من مساواة في الحقوق والواجبات، فأي اعتداء من أي نوع أو إكراه على تغيير الدين غير مقبول، والإسلام منه براء، وإسلام المكره لا يصح .
وقال البيان إن قيم الصراع والنزاع في غير حالة الدفاع عن النفس ورد العدوان ليست قيماً إسلامية ولو حاول البعض أن يكسوها لباس التقوى، إنها قيم دخيلة على ثقافتنا الإسلامية، فما كان التدمير أبداً في ثقافتنا الأصيلة أساساً للتعمير، بل نتيجة للجهل والتعصب وأثر للاحتقان ومشاعر الإحباط أو الانتقام، أما قيمنا فتقوم على بناء الثقة في النفوس والمحبة في القلوب ومدافعة الباطل بالحق من دون عدوان ومقابلة الإساءة بالصبر والصفح والغفران .
ورأى البيان أن المجتمعات المسلمة في أمس الحاجة إلى أن ترسخ فيها مقصدية السلم وأولويته من خلال قيم واضحة هي: القيم الإسلامية والإنسانية، ومن خلال توضيح فقه السلم والمصالحة بمفرداته وقواعده وجزئياته وكلياته، ليرجح التعايش والانسجام ويصحح انحراف المفاهيم في بعض الأفهام، ويروج للمحبة والوئام، ويكبح جماح التكفير والتشهير والخصام، لتسود ثقافة العقل والفقه واعتبار المصالح جلباً والمفاسد درءاً وسلوك الحكمة حتى يعيش المسلم بدينه في دنياه دون شعور بالاغتراب ولا تعرض للقلق والحرج والاضطراب .

الإعلام ومسؤولية الكلمة

دعا البيان العلماء والفلاسفة والأدباء والمبدعين ووسائل الإعلام ومواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي إلى تحمل مسؤولية الكلمة وتقدير آثارها على التعايش والوئام، وإلى الانخراط في تعزيز ثقافة السلم في المجتمعات المسلمة، كما دعا المراجعات الفكرية على مستوى المناهج والبرامج لتدقيق النظر في الواقع وموكب ضروراته وإكراهاته وأفكاره وأدواته، وتعميق الدراسات الشرعية علماً وفهماً وتدبراً وتفكراً وتأويلاً وتعليلاً وتنزيلاً لمراجعة النصوص في منطوقاتها ومفهوماتها ورد جزئياتها إلى كلياتها، وإعادة الاعتبار للاختلاف المعتبر في المذاهب .
وقال إنه لا تغيير ولا تبديل بل تأصيل وتنزيل طبقاً لمناهج البحث المتوفرة، وعندئذ سندرك سعة الشريعة ورحمتها وشموليتها وحكمتها، إن الحلول ستكون من رحم الشريعة وروحها ومقاصدها، إنه مجهود عاجل وعلى العلماء ورجال الدين أنْ يواجهوه بشجاعة وبوضوح لإنقاذ أمتنا من حروب لا أول لها ولا آخر، كما أن على الساسة والمعنيين أنْ يرفعوا المظالم، وعلى الهيئات العالمية أنْ تكون أكثر عدلاً وحساسية تجاه ما يجري في هذه المنطقة .

مظلوميات متبادلة وحق يراد به باطل

أكد بيان منتدى تعزيز السلم أنه بدعوى الشرك على أهل التوحيد، وبدعوى مظلوميات متبادلة، وحق يراد به باطل، وباطل يلبس قميص الحق؛ اتسع على الناس – بمن فيهم المنتسبون إلى العلم – فضاء الشبه والاشتباه، ولم تأل كثير من وسائل الإعلام جهداً في خلط الأوراق، فارتبكت الأفهام وزلت الأقدام، ومن ثم فلا عذر للعلماء والحكماء في عدم القيام بواجب البيان والنصح للأمة لإطفاء نار الفتن وحقن الدماء متضامنين مع الحق متعاونين على البر والتقوى .
وأوضح البيان أن الجهاد ليس مرادفاً للقتال، فليس كل جهاد قتالاً، وليس كل قتالٍ جهاداً، إذ باستقراء النصوص الشرعية، يتضح أن الجهاد يشمل كل القربات، فبر الوالدين جهاد “ففيهما فجاهد”، وطاعة الله تعالى جهاد، ومن ذلك حديث: “والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله وجل”، لهذا فنحن ندعوكم لجهاد لا شك فيه، يدخلكم الجنة ويباعدكم عن النار ذكر الله تعالى وإعمار المساجد والإحسان إلى الناس وعمارة الأرض، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية إن الجهاد يشمل كل القربات والأعمال الصالحات، بما في ذلك التجارة والصناعة، كما في اختيارات البعلي، فما أحوج أمتكم اليوم إلى سواعدكم وعقولكم وطاقاتكم منتظمة في سلك المصالح مندمجة في التنمية .

الأحكام الشرعية من اختصاص ولي الأمر

 

نوه البيان بأن كثيراً من الأحكام الشرعية لم ينط الشارع إقامته بالأفراد ولكنه من اختصاص ولي الأمر أو من نصبه ولي الأمر لذلك، ومنها الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالنهي عن المنكر في بعض الحالات غير متأكد من مآلاته وهذا يحتاج إلى اجتهاد لا يحققه أي كان، وفي بعض الحالات قد يؤدي إلى منكر أعظم منه والنهي عنه هنا يصبح محرماً على الأفراد، وكذلك بالنسبة للجهاد .
فمن يحارب الدولة المعتدية في الخارج ويُجَيش الجيوش، ومن يحارب البغاة في الداخل هو الحاكم، كما يقول القرافي المالكي في فروقه، وهو يتحدث عن تصرفاته، ملاحظاً أن هذا النوع من التصرفات لا يجوز للأفراد أن يتعاطوه، وإنما يقوم به الحاكم، ومن ثم فإن انتصاب بعض الجماعات لتغيير المنكر بالقوة، أو لإعلان الجهاد يؤدي إلى فتنة وفساد عريض .

Comments are closed.