حوار العلامة عبدالله بن بيه مع جريدة الإتحاد الإماراتية حول قانون مكافحة التمييز و الكراهية

نص حوارمعالي الشيخ عبدالله بن بيه مع  جريدة الإتحاد الإماراتية

 

1-   الإسلام دين تسامح ،محبة وتعايش، إلا أن عدداً من الأحداث في الدول الإسلامية والعربية صدرت نماذج متطرفة “فكريا” لتروج تلك النماذج بدورها صورة ذهنية شديدة العتمة والإنغلاق للدين الإسلامي، كيف تردون فضيلتكم على ذلك   

ردنا فى منتدى تعزيز السلم هو أن الإسلام ككل الديانات لايمكن أن يحكم عليه من خلال سلوكيات بعض اتباعه بل من خلال دراسة عميقة ومنصفة لنصوصه الجزئية وقيمه ومبادئه الكلية ومقاصده وغاياته النبيلة، وكل هذه تقدم صورة مضيئة تدعو الى الحياة (ياأيها   الذين   آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لمايحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون) ونبذ العنف والفساد (وإذاتولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لايحب الفساد)

وسؤال جريدتكم الغراء فى محله، ولهذا فإن التحدي اليوم وهو ما نسميه “بواجب الوقت” هو دحض هذه الصورة المشوهة للإسلام وتقديم الصورة المشرقة الجميلة الحقيقية وان رعاية دولة الامارات للعديد من الهيئات الكبيرة التى تضم العشرات بل المئات من علماء الشريعة ورجال الفكر الاسلامي كمنتدى تعزيز السلم فى المجتمعات المسلمة ومجلس حكماء المسلمين لخير دليل على سعة أفق قيادة دولة الامارات وبعد نظرها ومراهنتها على سماحة الاسلام واستيعاب قيمه لكل خير.و إن    قيادة دولة الإمارات وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة «حفظه الله»، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، «رعاه الله»، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، يسيرون على هَدْي وإرث من مؤسس الدولة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله والذي كان منهجه متسامحاً وسلوكه مسالماً متسامياً عن خصومات لا طائل من ورائها.

 

2-  كيف تساهم القوانين والتشريعات في تعزيز التسامح، والتصدي لمحاولة حقن المجتمعات الإسلامية بالفتن، وإذا أخذنا مجتمع الإمارات المتصالح مع نفسه ومع الآخر، فهل هناك ما يستدعي إصدار مثل هذا القانون ؟ 

القوانين والتشريعات تجسد العلاج المقترح لداء العنف المستشري فى المجتمعات مما سينعكس إيجاباً على تعزيز التسامح فى المجتمعات المسلمة وإصدار دولة الامارات العربية المتحدة لهذا القانون يدل على الإستجابة لمشكلات الأمة وإدراكها لأهمية المبادرة التاريخية وتقديم المقاربات العقلانية لايجاد حلول لها. فقد بادرت بإنشاء الطاقة البديلة لمعالجة الاحتباس الحراري وهي كذلك تعالج اليوم الاحتباس الفكري. ثم ان تجريم بعض السلوكيات التى تؤدي للفتن والحروب واجب شرعي مستنبط من نصوص الشريعة ومقاصدها كما أن التجريم عند الغربيين يرجع الى عامل الأخلاق والنظام العام والنكير الاجتماعي كل أولئك الثلاثة تعد أساساًللتجريم . يقول القانوني الفرنسي جاك برادلي في كتابه : “القانون الجنائي مدخل عام” : (( فتجريم الفعل ينتج عن قناعة المشرع أن الفعل لا يغتفر لدى الرأي العام ، فيجب أن تناط به عقوبة أقوى ))، ويضيف: (( إن حق المجتمع أن يعاقب من يعكر صفوه ، ولم ينكر هذا إلا قلة من المؤلفين ، وإن غالبية الفلاسفة يعترف بحق المجتمع في إيقاع العقوبة )) .

ثم يقول وهو يتحدث عن الأخلاق : (( إن العلاقة حميمة بين القاعدة الخلقية والقاعدة القانونية ، وتاريخ القانون الجنائي يبرز غالبًا أن السلوك الذي يصدم الأخلاق الفاضلة للفرد أو الجماعة هو الذي يعاقب عليه كالاعتداء على الدين أو الحياة أو الملكية)) .

ويقول ديكوك في كتابه (( القانون الجنائي )): (( وفيما يخص النيل المباشر من النظام الاجتماعي كما هو معروف عندنا : كالاعتداء على الدين والشأن العام ، فإن رد الفعل مرتبط بكل مجتمع بشري قبلي أودولة ))( ص26 – 27 ) . لهذا فالتجريم يقع فى اطاره الشرعي والقانوني و لا سيما في مذهب مالك رحمه الله تعالى الذي يمنح صلاحيات كبيرة في مجال التعزير لولي الأمر و الذي ينص على جريمة الفساد في الأرض و التي يدخل فيها كلما يثير الفتن.

 

3-  هل ترون أن القضاء على الفتن المذهبية والإقصاء بكل أشكاله ممكناً في ظل التفشي الذي ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي في تعزيزه، وماذا بعد تعزيز القوانين والتشريعات المجرمة لتلك الأفعال؟

 

إن القضاء على الفتن المذهبية قد لايكون متاحا بالكلية ولكن تعزيز القوانين والتشريعات المجرمة إجراء فى الاتجاه الصحيح ويجب أن تتلوها خطوات من التوعية ونشر الثقافة الصحيحة الدينية والإنسانية. 

 

4-   تنادي الإمارات باحترام التعدد الثقافي وعدم سلب الحق في تكوين معتقدات خاصة، كيف ينسجم ذلك مع تعاليم الدين الإسلامي؟

ان التعدد الثقافي ليس منافياً بالضرورة للتعاليم الاسلامية بل ان القرآن الكريم يشير الى مبدأ التعددية بقوله تعالى (ولقدكرمنا بني آدم وحملناهم في البرو البحر و رزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) وهي كرامة لكل الجنس البشري مهما كان دينه أو عرقه، وقوله (يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأثنى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير)

وبيان ذلك أن الشريعة حق وصدق منزلة على النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم فيجب على المسلم امتثال أمرها. وهذا الأمر ينقسم الى فروض أعيان يقوم بها كل فرد، والى فروض كفايات وهذه تنقسم الى قسمين: ما يمكن أن يقوم به الأفراد والى فروض كفايات سلطانية كاقامة العدل والحدود الشرعية واطفاء الفتن وهذه تقع مسئوليتها على الحاكم فواجبه أن يقوم بها على مرتكبي الجنايات ومثيري الفتن، وفى هذا الاطار تقع العزائم والرخص فالجهة السلطانية تقدر إكراهات الزمان والمكان فتطبق العزائم وتنزل إلى الرخص دون أن يكون للافراد مناوشتها وإثارة الفتن. وفى هذه الدائرة يكون تقدير وضع الزمان وقضية التعايش جلباً للمصالح ودرءاً للمفاسد.

5-  كيف تقيمون تأثير استحواذ جزء من الجماعات والأحزاب المعروفة بالتطرف على الخطاب الديني الإسلامي، وهل فقدت المؤسسات الدينية حضورها المؤثر على الصعيد الشعبي، وما هي المسببات الحقيقية لتراجع الخطاب الديني المتزن الصادر من مؤسسات دينية مرموقة

ان استحواذ بعض الجماعات والأحزاب المعروفة بالتطرف على الخطاب هو نتيجة تراكمات تاريخية وانتهاج سبيل الأحزاب الحركية ورفع شعارات الدين وتوظيف مفاهيم زائفة اختطفت الدين وحاولت نزع الشرعية عن حكومات الدول الاسلامية ومشروعية الافتاء، بينما كان خطاب المؤسسات الرسمية يتسم بشيء من السكون والبطأ ومع ذلك فلا زال لهذه المؤسسات مكانها ومكانتها مع الحاجة الى حركة إحياء وتجديد أصيلة وعميقة للتراث الفقهي.

 

6-  عرفت الإمارات بقدرتها الفائقة على توفير أعلى معايير التعايش وقبول الآخر، كيف ترون ذلك، وما هي النصائح التي توجهونها لشعب الإمارات والأمة الإسلامية وفق هذه الإطار؟ 

 

إن أهم معيار للتعايش هو تحييد عوامل العنف والاستفزاز والتوترعن حياة الناس وعلاقاتهم الاجتماعية سواء تعلق بميادين العمل أم بمجالات تبادل الأفكار والآراء بما في ذلك الجدل على المعتقدات والمذاهب الذي سرعان ما يتحول إلى صدام وخصام بل إلى نزاع وصراع، ولعل هذا القانون يمثل أداة من أدوات المحافظة على التعايش انطلاقا من بدهيتينالأولى: أن العالم تغير تغيراً جذرياً من خلال عولمة جامحة ليس فقط من خلال تدفق الأموال التي تحركها شركات عابرة للقارات والأوطان لا يمكن لبلد أن ينعزل عنه دون أن يحكم على نفسه بالفناء لكن من خلال حركة أمواج من البشرية تذرع الأرض من شرقها الى غربها ومن جنوبها إلى شمالها ، ودولة الإمارات بموقعها الجغرافي وثروتها التى حباها الله بها قى قلب هذه الحركة الموّارة. أما البديهة الثانية فهي ألا بديل للتعايش الا الحرب وهي حرب قاسية ومدمرة. 

ولهذا فإن الحكمة بمعناها الأشمل وهي الصواب فى القول والسلوك والعمل والسداد فى القرار والاتزان فى الأفكار والأحكام تقتضي أن يدرك المسلمون حقيقة العالم الذي يعيشون فيه والذي يختلف جذرياً عن العالم القديم، كما أنّ على المسلمين أن يدرسوا دينهم دراسة تجديدية أصيلة، تؤكد أن الاسلام صالح لكل زمان ومكان حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر. لندرك أن تعاليم ديننا الصحيحة بنصوصها ومقاصدها لاتناقض التعايش السليم المبني على المصالح الإنسانية والارث المشترك للبشرية.

فالتحدي الأكبر هو أن نُزيل وهم التناقض الذي أنزل أضراراً شديدة بالأمة وبمفاهيم التعايش والسلم وأفرز مفاهيم التكفير والتفجير من جهة والإساءة والمروق من جهة أخرى وذلك مايعالجه هذا القانون (والله يعلم المفسد من المصلح)، وقال تعالى:(فاتقوا الله ما استطعتم).

 

نسأله سبحانه وتعالى أن يوفق قادة الأمة وعلماءها ومفكريها إلى طريق السلم والهدى ويجنبها سبيل الحرب والردى والله ولي التوفيق.

Comments are closed.