الزَّواجِ مِن الكِتابِيَّةِ التي تَدَّعِي المَسِيحَيَّةَ ولا تُطَبِّقُ ما جاءَ فِي دِيانَتِِها. و حُكمُ الزواجِ بِنِيَّةِ الطَلاقِ لِلَحُصولِ عَلى الإقامَةِ ؟ وهَل هَذِهِ النيَّةُ جائزَةٌ؟

السؤال
أَنا طالبٌ مُورِيتانِيٌّ فِي دَولةِ أَلمانيا، أَتَشَرَّفُ بِسؤالِكُم عَن جَوازِ الزَّواجِ مِن الكِتابِيَّةِ الغَربِيَّةِ التي تَدَّعِي المَسِيحَيَّةَ ولا تُطَبِّقُ ما جاءَ فِي دِيانَتِِها.

وما حُكمُ الزواجِ بِنِيَّةِ الطَلاقِ لِلَحُصولِ عَلى الإقامَةِ فِي البَلَدِ؟ وهَل هَذِهِ النيَّةُ جائزَةٌ؟

الجواب
أَوَّلاً: يَجُوزُ أَن يَتَزَوَّجَ هَذِه الألمانِيَّةَ التي تُعتَبَرُ مَسيحِيَّةً حَتى لَو كانَت تُؤمِنُ بِأَنَّ عِيسى إلهٌ.

فَاللهُ سُبحانَهُ وتَعالى جَعَلَهُم أَهلَ كِتابٍ مَعَ أَنَّهُ جَلَّ وعَلى يَقُولُ ( لَقَد كَفَرَ الذينَ قَالُوا إنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ ) ويَقُولُ (لَقَد كَفَرَ الذينَ قَالُوا إنَّ اللهَ هُوَ المَسِيحُ ابنُ مَريَمَ).

فَبِالرَغمِ مِن ذَلِكَ فَإنَّهُم تُرِكُوا عَلى ما هُم فِيهِ وهُم أَهلُ كِتَابٍ، فَيَجُوزُ الزَّواجُ مِنها؛ هَذا أَمرٌ لا إشكالَ فِيهِ.

أَمّا الأَمرُ الثّاني: فَهوَ الزَّواجُ بِنِيَّةِ الطَلاقِ. الزَّواجُ بِنِيَّةِ الطَلاقِ صَحِيحٌ عَلى ما ذَهَبَ إليهِ جُمهُورُ العُلَماءِ كالشّاطِبِيِّ وابن العَرَبيِّ.

وذَكَرُوا أَنَّ هَذا مَذهَبُ جَماهِيِرِ العُلَماءِ، وهُوَ الصَحِيحُ مِن مَذهَبِ مالِكٍ رَحِمَهُ اللهُ تَعالى بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَن يَتَزَوَّجَ وهو يَنوِي الطِّلاقَ؛ فَهُنا أَيضاً لا إَشكالَ فِي ذَلِكَ بشرط أن لا يصرح بذلك في العقد.

المَسأَلَةُ الثّالثَةُ: هوَ أنَّهُ تَزَوَّجَ بِنِيَّةِ الحُصُولِ عَلى الإِقَامَةِ فِي أَلمانيا. وهَذا أيضاً لا مانِعَ مِنهُ؛ فَقَد جاءَ فِي الحَدِيثِ أَنَّ المَرأَةَ تُنكَحُ لِمالِها ولِجَمالِها ولِحَسَبِها. فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ذَكَرَ أَسباباً غَيرَ السَّبَبِ الأَصلِيِّ للزَّواجِ وهوَ سَبَبُ الإقامَةِ والتَناسِلِ.

فَهُناكَ ما يُسَمّى بِالأَسبابِ التابِعَةِ أَو المَقاصِدِ التّابِعَةِ كَما سَمّاها الشّاطِبِيُّ.

وقَال الشاطِبِيُّ فِي:(المُوافَقاتِ ): لا مانَعَ مِن أَن يَتَزَوَّجَ لأَيِّ سَبَبٍ مِن هَذِهِ الأَسبابِ التابِعَةِ. فَالإقامَةُ تُعتَبَرُ سَبَباً تابِعاً؛ وإن كانَ التّابِعُ الآنَ أَصبحَ مُتَصَدِّراً فِي القَصدِ، فَإنَّهُ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ. طَبعاً؛ هُناكَ قَراراتٌ لِلمَجلِسِ الأُورُوبيِّ لا تُجِيزُ أَو تَرفُضُ ذَلِكَ بِناءاً عَلى المَصالِحِ أَو المَفاسِدِ التي قَد تَتَرَتبُ عَلى ذَلِكَ.

فَنَحنُ نَقُولُ لَهُ: الحُكمُ الشَّرعِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ أَن يَتَزَوَّجَ لِطَلَبِ الإقامَةِ.

المُلاحَظَةُ الأَخيرَةُ: هوَ أَنَّ ما يُعَكِّرُ عَلى هَذا هوَ أَن هَذا قَد يُظهِرُ المُسلِمينَ بِمَظهَرٍ غَيرِ لائقٍ عِندَ الغَربِيينَ. بِالتّالِي؛ فَهَذِه المَرأَةَ قَد كَانَت تَحسِبُ عَلى أنَّها تُقِيمُ مَعَ هَذا الزَّوجِ وأَنَّ الزَّواجَ بَينَهُما سَيستَمرُّ بَينَما هوَ لَم يَكُن يُرِيدُ ذَلِكَ. ولِهَذا؛ فَنَحنُ نَنصَحُ إذا لَم تَكُن هُناكَ ضَرُورَةٌ أَن يَكُونَ الزَّواجُ بِنِيَّةِ الاستِمرارِ، ولا أَقوُلُ التَّأبِيدَ لأَنَّ الزَّواجَ عِندَنا فِي الإسلامِ لَيسَ بِنِيَّة التَّأبِيدِ؛ لَيسَ زَواجاً مَسِيحِيّاً عَلى حَدِّ عِبارَةِ ابن العَرَبِيِّ. بِخاصَّةٍ؛ إذا رَغِبَت هَذِهِ الزَوجَةُ فِي البَقاءِ مَعَهُ والإقامَةِ مَعَهُ لأَنَّ مِثلَ هَذا النَّوع مِن الزَّواج يُشَوِّهُ صُورَةَ الإسلامِ والمُسلِمِينَ فِي أَعيُنِ النَّاس وهوَ أَمرٌ لا يَجُوزُ مَعَ الاعتِباراتِ التي ذَكَرناها وهوَ أنَّهُ لا مانِعَ شَرعاً مِن الزَّواجِ بِنِيَّة الطَّلاقِ؛ لا مانِعَ شَرعاً مِن الزَّواجِ بِنِيَّةِ طَلَبِ الإقامَةِ، كُلُّ هَذِهِ لا مانِعَ مِنها مِنَ الناحِيَةِ الشَّرعِيَةِ. يُضافُ إليها فَقَط؛ هَذِهِ المَفسَدَةُ التي يَجِبُ أَن نَتَجَنَّبَها. واللهُ يُوَفِّقُنا ويُوَفِّقُهُ.

Comments are closed.