حُكمِ ستر الوَجهِ والكَفَّينِ

السؤال
ما قَولُ الشَيخِ فِي حُكمِ تَغطِيَةِ الوَجهِ والكَفَّينِ؟.
الجواب
تَغطِيَةُ الوَجهِ والكَفَّينِ مَسأَلَةٌ مِن المَسائلِ التي اختَلَفَ العُلَماءُ فِيها واختَلَفَ فِيها الصَّحَابَةُ. فَكانَ ابنُ مَسعُودٍ يَرى ذَلِكَ وكانَت عائشَةُ لا تَرى ذَلِك. والخِلافُ يَرجِعُ إلى تَفسِيرِ قَولِهِ تَعالى: ( ولا يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا ما ظَهَر مِنها )

فَذَهَبَ بَعضُ الصَّحابَة إلى أَنَّ الوَجهَ والكَفَّينِ مِما ظَهَرَ مِن الزِّينَةِ وذَهَبَ بَعضُهُم إلى أَنَّ ما ظَهَرَ مِنها هُوَ ما يَظهَرُ فَوقَ اللِباسِ. بِمَعنى؛ أَنَّ الجَسَدَ الذي يَراهُ الإنسانُ بَعدَ أَن تَكُونَ المَرأَة قَد لَبِسَت كامِلَ ثِيابِها فَما يُرى مِن وَراءِ السَّترِ هُو الظّاهِرُ. ثُمَّ اختَلَفَ العُلَماءُ بَعدَ ذَلِكَ بَعدَ عَصرِ الصَّحابَةِ فِي المَسأَلَةِ. فَذَهَبَ جُمهُورٌ مِنهُم إلى أَنَّ الوَجهَ والكَفَّينِ لَيسا بِعَورَةٍ وهَذا مَذهَبُ مالكٍ والشّافِعيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ وهوَ رواية عَن الإمامِ أَحمَدَ. قُيِّدَ عَلى الصَّحِيحِ فِي هَذِهِ المَذاهِبِ إذا لَم تُخشَ الفِتنَةُ.

فَإذا خُشِيَتِ الفِتنَةُ فَاختَلَفَ العُلَماءُ عَلى قَولَينِ لِمَن يُجِيزُونَ الكَشفَ عَن الوَجهِ والكَفَّينِ. بَعضُهم قالَ أَنَّ عَلى الرَجُلِ أَن يَغُضَّ بَصَرَهُ ولا يَجِبُ عَلى المَرأَةِ أَن تُغَطِّي وَجهَها وهَذا قَولُ القاضِي عياضٍ مِن المالِكِيَّةِ مُحتَجّاً بِحَديثِ الخَثعَمِيَّةِ التي جاءت إلى النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ والنَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ فكانَ يَصرِفُ وَجهَ الفَضلِ ولَم يَأمُرها بِتَغطِيَةِ وَجهِها.

وذَهَب جَمهَرَةٌ إلى أَنَّ المَرأَة تُغَطِّي وَجهَها إذا خِيفَتِ الفِتنَةُ؛ أَي خِيفَت شَهوَةٌ يَقَعُ مِن وَرائها فِعلٌ مُحَرَّمٌ.

فَالمَسأَلَةُ مَسأَلَةٌ خِلافِيَّةٌ. الصَحِيحُ عَن مَذهَبِ الإمامِ أَحمَدِ أَنَّ المَرأَة يَجِبُ عَلَيها أَن تُغَطِّيَ وَجهَها وَكَفَّيها بِحَضرَةِ الأَجانِبِ. فَفِي البِيئاتِ التي يُغَطَّى فِيها الوَجهُ والكَفَّينِ؛ نَحنُ نُفتِي بِتَغطِيَةِ الوَجهِ والكَفَّينِ.

وفِي بِيئاتٍ أُخرى؛ نَحنُ نَشكُرُ المَرأَةَ إذا غَطَّت رَأسَها، إذا فَعَلت الحَدَّ الأَدنى. فَالمَسأَلَةُ لَيسَت حَرباً شَعواءَ. ونَحنُ لَدينا مَشاكِلَ كَثِيرةً ومُهِمّاتٍ أَكبَرُ مِن هَذِهِ القَضايا الفَرعِيَّةِ الخِلافِيَّةِ.

فَعلى الدُعاةِ جَزاهُم اللهُ خَيراً أَن يَصرِفوا جُهدَهُم فِي قَنَواتٍ نافِعَةٍ، أَن يَصرِفُوا جُهدَهُم فِي أَمرٍ يَنفَعُ هَذِهِ الأُمَّةِ، يَجمَعُها عَلى الخَيرِ لا يُفَرِّقُها. فَالخِلافُ فِي الفُرُوعِ. بِخاصَّةٍ؛ إذا كانَ خِلافاً مُعتَبَراً مِن عَهدِ أَصحابِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ، خِلافٌ يَعتَمِدُ عَلى نُصُوصٍ مِن الكِتابِ والسُنَّةِ وعَلى تَفسِيرٍ وتَأوِيلٍ فَهوَ خِلافٌ مَقبُولٌ وغَيرُهُ مُطَّرَحٌ.

ولا يُنسَبُ مَن يَقُولُ بِهِ إلى رِقَّةِ الدِّينِ ولا ضَعفِ المُرُوءَةِ. بَل يُعتَرَفُ أَنَّهُ قَولٌ مُحتَرَمٌ ورَأيٌ مَقبُولٌ إن شاء اللهُ.

هذا الذي نُوصي بِهِ ونَوَدُّ أَن يَتَنازَلَ بَعضُ الذِينَ يَرَونَ هَذِهِ الآراءِ لِيَفهَمُوا الخِلافَ فِي هَذهِ المَسأَلَة. وأَلا يُكَفِّرَ بَعضُهُم بَعضاً وأَلا يُفَسِّقَ بَعضُهُم بَعضاً وأَلا يُبَدِّعَ بَعضُهُم بَعضاً.

فَالأَمرُ فِيهِ سَعَةٌ واللهُ سُبحانَهُ وتَعالى ما جَعَلَ عَلَينا فِي الدِّينِ مِن حَرَجٍ ( وما جَعَلَ عَلَيكُم فِي الدِّينِ مِن حَرَجٍ ).

أَن تَقُولَ للمَرأَة فِي أُورُوبا مَثَلاً أَن تُغَطِّيَ وَجهَها وَكَفَّيها، وبالتّالِي أَن تَدخُلَ فِي صِراعٍ بِسَبَبِ تَغطِيَةِ الوَجهِ والكَفَّينِ مَعَ الشُّرطَةِ ومَع الجَوازاتِ فِي المَطارِ فِي ( بارِيسْ ) أَو فِي ( لَندَنْ )، هَذا لا يَجُوزُ؛ هَذِهِ فَتوى جِداً خارِجَةٌ عَن مَقاصِدِ الشَّرِيعَةِ. فِي هَذا الوَضعِ؛ عَليها أَن تَجلِسَ في أَرضِها فِي بِلادِها لِتُغَطِّيَ وَجهَها وكَفَّيها.

أَمّا إذا خَرَجَت عَن بِلادِها فَتَغطِيَتُها لِوَجهِها وكَفَّيها يُؤَدِّي إلى فِتنَةٍ أَكبَرَ مِن التي يُؤَدِّي إلَيها لَو كَشَفَت عَن وَجهِها وكَفَّيها واللهُ سُبحانَهُ وتَعالى أَعلَمُ وأَحكَمُ.

Comments are closed.