أمالي الدلالات و مجالي الاختلافات (الطبعة الأقدم)

80580

دار بن حزم & المكتبة المكية
03/01/2009 – 01:14
4.00$
دين, فقه
أعاد فيه الشيخ عبدالله بن بيه غرس شجرة الدلالات في بستان أصول الفقه شارحا أصل جذورها و هو اللغة مرتقيا فروعها و أغصانها متدرجا من الأعم إلى الأخص غالبا ما لم يقتض المقام سوى ذلك لوجود مناسبة أو عموم أو خصوص من وجه حيث تشتبك الدلالات مستحضرا شهود النحاة والمتكلمين أمام محكمة الفقهاء والأصوليين مبينا الخلاف الواصب بين الأحناف و الجمهور مستعرضا الدلالات حسب الوضع و الشرع، والعرف والمجاز،

وحسب الوضوح والغموض من محكم و مفسر و نص وظاهر و خفي و مشكل و متشابه و مجمل محاولا وصف الظاهرة اللغوية و الشيات المعنوية بين المنطوق و أوضح المفهوم و قرن العام بالخاص و المطلق بالمقيد و الأمر بالنهي و الظاهر بالمؤول والمجمل بالمبين والاقتضاء بالإشارة “فبضدها تتبين الأشياء”

وأضاف باب النسخ لعلاقته بالبيان و العموم عند من يرى التخصيص نسخا. وألحق الشيخ معاني الحروف كما هي عند القرافي في التنقيح مقتبسة منه تتميما للفائدة وعلق عليها توسيعا لمعاني بعض الحروف ، و ألحق تتمة في الكلمات التي سببت اختلافا بين الفقهاء.

واسمع الشيخ يقول في طليعة هذا الكتاب: وبعد فإن هذه الشريعة المباركة ثابتة ومتطورة ثبوت سنن الله تعالى في الكون وتطور علاقة الإنسان باستكناه حقائقه والتوصل إلى دقائقه. فالشريعة الإسلامية لا تتغير ثوابتها ،

ولكن واقع الإنسان الذي يتراوح بين الضرورة والحاجة والتوسع والرفاهية هو المتغير ، وهو واجد في الشريعة حتماً حلولاً وأحكاماً لهذه التغيرات تارة يكون ذلك في صيغة نصوص تفصيلية وتارة ضمن مقاصد عامة تجلب المصالح وتحميها وتدرأ المفاسد وتنفيها ، وما أخطأ الشاطبي حين ادّعى أن هذه المقاصد الكلية قطعية لتواتر شواهد الشرع لها وتوافر دلائل الاعتداد بها ، ولقد أنتجت هذه المقاصد جملة من الأدلة الكبرى التي تغطي أكثر من نصف الشريعة بمعنى الأحكام التفصيلية للوقائع ، وهذه الأدلة التي تنتمي إلى المقاصد الكلية وإلى معقول النصوص دون ألفاظها ، منها القياس ، والمصالح المرسلة ، والاستحسان وسد الذرائع، والعمل بالعرف والعادة والاستصحاب ، وبخاصة استصحاب العدم الأصلي ، أو حكم العقل المبقي على النفي.

وقد وجد العلماء على تفاوت في الأخذ بهذه الأدلة – معيناً لا ينضب ولا يذوى ، وشباباً متجدداً لهذه الشريعة لا يشيخ ولا يبلى ، وعوضت كل طائفة – بنسب ودرجات متفاوتة – الامتناع عن العمل ببعضها الآخر ، فالظاهرية وهم الذين أخذوا اسمهم وينوا مذهبهم على ظواهر النصوص والنقول وهجروا بعض المقاصد ونتائج العقول – قد أغرقوا في الأخذ بالاستصحاب ، وبنوا عليه كل ما ليس منصوصاً في السنّة والكتاب . والشافعية – وهم أقرب إلى الظاهرية – زادوا القياس وانتفوا عما سواه من الأدلة ، أما المالكية فإنهم بنوا على المصالح المرسلة أكثر المسائل التي لا يستوعبها القياس ، واستعاض الأحناف بالاستحسان عن المصالح المرسلة بحثاً عن (الأرفق بالناس).

أما الحنابلة فإنهم مع المالكية اعتمدوا على سد الذرائع ، وأخذوا من كل هذه الأدلة بنصيب لا ينأى بهم (الحنابلة) عن مبدأ التمسك بالأثر ما وجدوا إليه سبيلاً . علماً بأن المالكية عملوا بثلاثة أنواع من الاستحسان ، والأحناف عملوا بالاستصحاب في الدفع دون الاستحقاق .

إن مآخذ المذاهب المختلفة من هذه الأدلة وغيرها هو سبب اختلاف المختلفين، وتجاذب أنظار المجتهدين مما كوَّن ثروة كبيرة سمّاها الباحثون (المبادىء المتطورة) في الشريعة ، ولكنه عند التحقيق والتدقيق نجد أنها ثوابت لكنها تجيب على المسائل المتجددة . وقد اهتم بها فريق من السلف وفرق من الخلف اعتبروها الأساس الوحيد للتطور والسعة في هذه الشريعة الخاتمة وفاتهم أساس آخر يشكّل ثروة هائلة ومساحة واسعة لاجتهاد العلماء واختلاف الآراء، ألا وهو ألفاظ النصوص الشرعية من كتاب وسنّة.

ومدلولات هذه الألفاظ كانت الوابل الصيب الذي سالت منه أودية الأولين بقدرها وأمسكت الماء الزلال وأنبتت كل زوج بهيج من ثمرات علوم مختلفاً ألوانها اختلافاً هو الانسجام، وتنوعاً هو الاتساق والانتظام. ولكن المتأخرين كعّوا ونكصوا دون متابعة ذلك المعين فسدَّ عنهم باب عظيم من أبواب الاجتهاد ، فلم يلجوه وصدوا عن سبيل من سبل التجديد فلم يسلكوه فرددوا مسائل الاختلاف دون تحقيق في أسبابها أو توثيق لأنسابها .

وذلك لفكّهم الارتباط بين اللغة العربية مفردات ونحواً وصرفاً وأساليب، وبين الفقه أصولاً وقواعد. ولعمري إنَّ العلاقة بين اللغة العربية والفقه هي أهم أساس من أسس الشريعة إلى جانب المقاصد ، وهي ” مجر عوالي ” اختلاف العلماء و ” مجري السوابق ” من خيولهم ، وإنَّ أصول الفقه هو أجلى مثال لهذا الارتباط وأفسح ميدان لهذا الالتقاء ، وبخاصة في أبواب الدلالات ، فيها تتجلى أسباب الاختلاف وبواعث الائتلاف ، وتظهر مذاهب الفقهاء لواحب واضحة إلى (المحجة البيضاء) فيسلك المقلد ما شاء منها ويرجح المستبصر ما استضاء منها ، ويستنير المجتهد بجميعها . فلا محيد عن سلوك اللغة لاستجلاء سبلهم ، ولا مناص عن اقتفاء آثارهم وتلقف أخبارهم.

ولقد نشأت ناشئة ونبتت نابتة حاولت القفز على الحواجز ، فعزّتهم الأرداف وخانتهم النواقز . وقالت هذه الفئة الفتية : نأخذ بالكتاب والسنّة دون الفقه الذي ينظر إلى المقاصد كما دوَّنها الشاطبي ، ولا مقتضيات الألفاظ كما هي عند الخليل وسيبويه ودوَّنها الشافعي .

فضللوا الناس وظنوا بالفقهاء والأئمة ظن السوء، فعميت عليهم الأنباء وأخلفتهم الأنواء ، فعابوا خلافاً لم يبلغوا مداه . كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسـداً وبغضاً إنه لدميم كأنهم استصعبوا الفقه فتجنَّبوه وتجنّوا عليه ، واستعجمت عليهم اللغة فتجهموها وسام العلم من لم يميز المنطوق من الفحوى ، ولم يتبين الأبيض من الأحوى.

Comments are closed.