لماذا لستُ مسلماً معتدلاً؟

أفضل أن يتم اعتباري “أصولياً” على أن اعتبر “معتدلاً”. إن الأصولية الحقيقية تعني الالتزام الحقيقي بتعاليم الدين

كامبردج-بريطانيا-

في الشهر الماضي تم اعتقال ثلاثة رجال مسلمين في بريطانيا لصلتهم بتفجيرات لندن عام 2005. في ضوء مثل هذه الحالات, فان هناك العديد من المسلمين وغير المسلمين يتطلعون إلى المسلمين المعتدلين ومحبي السلام للوقوف ضد مثل هذه الهجمات العنيفة التي بتم تنفيذها  باسم الإسلام. ولتفادي أي صلات مع الإرهاب, يتبنى بعض المسلمين شعار “الاعتدال” لوصف أنفسهم.

أنا مسلمة محبة ومعتنقة لمبدأ السلام. و لكن إذا كان علينا أن نحدد موقعنا في الصورة النمطية, فانا أفضل أن يتم اعتباري “أصولية” على أن أعتبر “معتدلة”.

ان كلمة “معتدل” تعطي تصوراً بان المسلمين الأكثر أصولية هم أكثر عنفاً و رجعية. و في الجو الثقافي الحالي الذي نعايشه, فان التقدم والسلام محصوران في المسلمين “المعتدلين”. أن تكون مسلماً “معتدلاً” يعني أن تكون “جيداً”, و طيعاً ليناً في نظر المجتمع الغربي.

لقد حضرت مؤخراً نقاشاً حول الليبرالية الغربية و الإسلام في جامعة كامبردج حيث أواصل دراستي لنيل درجة الماجستير. وقد توقعت أن يقدم  المناقشون من جهة لائحة تتضمن مجموعة من الشكاوى حول العنف في الإسلام وادعاءات حول عدم توافق الإسلام و الليبرالية, وقد كان ذلك.

و لكن الأمر المزعج كان في أن أولئك الموجودين على الطرف الآخر حيث قاموا بتقديم نظريات تتبنى انسجام الإسلام مع الليبرالية الغربية, ولكنهم اعتمدوا في نقاشهم على حجج زائفة وباطلة. و بينما كان المحاورون في هذا الطرف – و من ضمنهم شخصية حكومية سابقة معروفة و آخر حائز على جائزة نوبل – طيبو النوايا, فإنهم في الحقيقة قد أضروا أكثر مما نفعوا. فمن خلال إشاراتهم الضمنية إلى المسلمين المعتدلين قاموا بتقديم خطاب بسيط و أبوي مفاده أن المسلمين سيلتحقون يوماً ما بركب الحضارة الغربية.

وبعد أحداث 11 سبتمبر كثر الحديث حول الحاجة إلى وجود “مسلمين معتدلين” , ولكن أن تكون “معتدلاً” يعني أن أسامة بن لادن وشركاه يمثلون ذروة “الأصولية”, إن هذا المعيار للإسلام الأصولي يتضمن بشكل من الأشكال “العنف”؛ وعلى هذا فإنني اذا كنت مؤمنة بالسلام و معتنقة له فان ذلك يعني عدم التزامي بواجباتي الدينية.   

ولكني أرفض أن أعيش “كمسلم معتدل” اذا كانت أحد الآثار الجانبية لذلك أن القبول بهذه التفجيرات الانتحارية والقيام بها هو من العقيدة الأصولية للمسلمين.إن الأصولية الحقيقية تعني محاولة الالتزام الحقيقي والصحيح بخيمة الدين و التقوى. 

إن حملة العلاقات العامة حول “الإسلام المعتدل” تضر بالمجتمع الدولي ككل. فقد تؤدي الى مسح الألم بصورة مؤقتة عندما ينسب العنف الى المتطرفين الإسلاميين. و لكنها ستؤدي إلى خلق جروح أعمق ستحتاج الى ضمادات أقوى لأنها تصف الدين الإسلامي  ككل بشكل غير مباشر بالعنف.

ان مصطلح المسلم المعتدل مصطلح فضفاض. في التعاليم الإسلامية فان مصطلح “الوسطية” مصطلح مركزي. ان المسلمون مؤمنون بأن الإسلام هو الطريق الى الاعتدال, و “الوسطية” هي  جزء من اسم لمنظمة إسلامية بريطانية  وهذه المنظمة تقدم مبادرة لمواجهة السمعة غير الجيدة حول العنف في الإسلام بطريقة علمية حقيقية. 

وقد تم عرض كل ذلك في مؤتمر تحت رعاية هذه المنظمة في فبراير الماضي. وكان أفضل المتكلمين هو الشيخ عبدالله بن بيه, وهو رجل موريتاني مسن يلبس اللباس العربي الأبيض التقليدي ولديه لحية كثة.

ان الكلمات التي كانت تخرج من فم الرجل –وكلها بالعربية- كانت تقدمية بشكل ملفت للنظر. وقد واجه الافتراضات غير الصحيحة حول الإسلام, و تكلم عن التسامح و قام بإخبار زملائه من المسلمين حقيقة غير سارة و هي أنه :” أن كثيراً مما يحدث حولنا نحن تسببنا به”. و هذا نوع من التقريع و العتاب المؤدب. وقد لام المسلمين بسبب عدم شرحهم لتعاليم الإسلام بشكل صحيح وإعطائهم الفرصة لليبراليين للحديث باسم الإسلام.

لقد صدمت بشكل عنيف بكلامه و نقده اللاذع, بالنظر الى منظره التقليدي و الديني. وقد اضطربت بسبب هذه الصدمة فيما بعد. الى أي مدى وصلت الأمور معي كامرأة محجبة مسلمة مختصة في الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية؟ لقد غذيت ولفترة طويلة بمعلومات غير صحيحة عما تعنيه حقيقة الاسلام الأصولي.

ويكمل الشيخ كلامه متحدياً  تفسير بن لادن العنيف لمفهوم الجهاد, مستشهداً بآيات قرآنية وأحاديث نبوية. وأحال مصطلح الجهاد الى كل عمل جيد.  وقام بسرد محادثة جرت بينه وبين محامي غير مسلم سأله ما إذا كان التصويت لأشخاص جيدين في الانتخابات يعتبر جهاداً. فأجاب الشيخ “نعم لأن التصويت لشخص يدعم الحقيقة ويؤيد العدالة يصنف ضمن الأعمال الجيدة”. 

ان الشيخ, وليس ابن لادن هو الذي يصور و يجسد الاسلام الأصولي. ان الشيخ لا ابن لادن هو الذي تدرب في حقل الشريعة والقانون الإسلامي, و الشيخ و ليس ابن لادن هو العالم المسلم الحقيقي الذي يعتمد عليه. و لكن إطلاق صفة “مسلم معتدل” على الشيخ عبدالله  فيها مغالطة كبيرة. 

Comments are closed.