مقدمة لبحث: ” إناطة الأحكام الشرعية بمقاصدها” ومؤلفه الدكتور جاسر عودة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه

 

قد اطلعت على البحث الجسور للأخ الفاضل الأصولي البارع الدكتور جاسر عودة حول: ” إناطة الأحكام الشرعية بمقاصدها” 

إن هذا البحث توجه إلى موضوع دقيق له خطره وأثره في عملية استنباط الأحكام لعلاقته بتوسيع أوعية الاجتهاد الفقهي وتجديدها إذا لم نقل إنه يطمح إلى إيجاد أوعية جديدة غير تلك التي فصلها الأصوليون على مقاس ما فهموه من النصوص الجزئية والقواعد الكلية وتواضعوا على ألقابها ومصطلحاتها وحددوا مضامينها وضبطوا وسائل وسبل تطبيقها.

لقد كان التطور الهائل للدراسات الأصولية وبخاصة في القرن الخامس الهجري نتيجة تنوع المذاهب الفقهية والمشارب الفلسفية في التعاطي مع عملية الاستنباط من الأصلين المنشئين للأحكام وهما الكتاب والسنة وقد برز هذا التنوع والاختلاف واضحاً مع أبي المعالي إمام الحرمين الجويني حيث ظهرت صياغة ما يمكن أن نسميه فلسفة التشريع مع ظهور المقاصد كأداة من الأدوات الأصولية وضابطة لمعتبر المصالح بعدما فرض المصالح المرسلة لتستوعب ما عجز عنه القياس. 

لقد كان بحث فضيلته معالجة مفيدة أصلت بتعريف موجز للمقاصد وبنماذج من عمل الصحابة بالمقاصد وتعاملهم معها وبخاصة في الفقه العمري الثري وضرب أمثلة منها مسألة منع المؤلفة قلوبهم باعتبار المقصد الشرعي من إعطائهم هو إعزاز الإسلام وليس ترغيبهم في الإسلام. وقد نبه القرافي في الذخيرة إلى مقصد الإعزاز في الجهاد. 

وكذلك مقصد العدالة في توزيع الثروة في الخراج ومقصد عالمية الشريعة في مسألة التوسيع أوعية الأموال الزكوية: إلى غير ذلك من الأمثلة التي تدل على ما وراءها. 

ومهما يكن من مجال لمناقشة هذه الأمثلة لوضعها في خانة من خانات الأدلة الأصولية التي هي في حقيقتها تعتبر قوالب تفرغ فيها المقاصد كالاستحسان والمصالح المرسلة فإنها أمثلة تبيين بوضوح اعتبار الصحابة للمقاصد ، فالصحابة كما يقول الباقلاني: لا يقيمون مراسم الجمع والتفريق ويقتصرون على المرامز الدالة على المقاصد. 

وقد انتبه فضيلته لمعضلة العلاقة بين المقصد وبين العلة والحكمة لما بين هذه الألقاب من التداخل في حقول التعليل والتأصيل وهو تداخل في اللغة وفي الآثار المترتبة. 

أما في اللغة فإن الترادف الدلالي بينهن قد جعل الباحثين وبينهم فضيلته يبذلون جهداً في محاولة للتفريق عن طريق تحديد مجال لكل واحد من المصطلحات من خلال الظهور والانضباط والتعدية والاعتبار مع الاختلاف الذي أشار إلى بعضه وهو خلاف شامل فالتعليل بالقاصرة هو مذهب جماعة من الاصوليين: وعللوا بما خلت من تعدية. كما قال مراقي السعود. 

 ولعل المجهود الموفق الذي بذله كان من أفضل ما بذل.

أما الآثار فإن ترتب الحكم الناشئ عن تعدية الحكم عن محله إلى المحال الأخر ى التي يقوم بها الوصف هو الأثر المتنازع فيه وهو الذي ثبت لقياس العلة .

وقد عبر فضيلته عن هذا التداخل في ص 20 بقوله: لأن الحكمة قد تختلف عن المقصد وقد تكون جزء من المقصد وقد تساوى المقصد.

ومعنى هذا الكلام أن المقصد أعم وكما أنه سبق أن أشار إلى أن تعريف العلة عند بعض الأصوليين يقترب من تعريف المقصد.

وهذا هو مربط الفرس وربع عزة هذا الباب فالتعليل بالحكمة وبالمقصد العاري عن الانضباط والظهور وعن الرجوع إلى أصل معين هو المراد إثباته.

وأحسب أن البحث المركز الواقع ف سبع وعشرين صفحة والذي استمتعت بمطالعته يطرح إشكالية تأثير المقاصد والمصالح وهي مسألة قديمة جديدة أو كما يقال قديمة بالجنس حدثية بالنوع وهو بحث لا تنقصه الجسارة فصاحبه هو أصولي ناشئ وهو الشيخ الفاضل جاسر عودة ونحن ندعوه إلى متابعة الموضوع والحفر والتنقيب مع التركيز على القضايا المعاصرة التي تحاصرنا في كل وجه وبخاصة في فقه الأقليات مع التماس مقاصد جديدة فالمقاصد لم يدع أحد حصرها وإنما ادعوا حصر الأحكام الشرعية في المقاصد المذكورة فهي الحكم والغايات الكلية والجزئية.

فنسأله سبحانه وتعالى له التوفيق والتسديد في المبدإ والعود والعود أحمد وما ذاك على همة جاسر عودة ببعيد.           

 

 

Comments are closed.