نص كلمة العلامة عبدالله بن بيه في ملتقى تحالف الأديان : كرامة الطفل في العالم الرقمي.

 

كلمة في ملتقى تحالف الأديان لأمن المجتمعات

“كرامة الطفل في العالم الرقمي”

 

أبوظبي- 19 نوفمبر 2018

 

معالي الشيخ عبد الله بن بيه

رئيس منتدى تعزيز السلم

رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي

الحمد لله رب العالمين ،

اللهم صلِّ وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه وعلى جميع إخوانه من النبيين وسلِّم تسليما، الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان،

أصحاب المعالي والفضيلة والنيافة والاحترام،

أيها الحضور، كلٌّ باسمه وجميل وسمه،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

سأحاول أن أسهم في هذا الملتقى بكلمات قليلة ورسائل مختصرة.

ولكن دعوني أولا أثني على هذا الملتقى وأشكر القائمين عليه، فأشكر الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، وأنوه بجهود الدولة الإمارات العربية افي دعم هذه المبادرات المهمة. وإنه لمن حسن الاتفاق والتوفيق أن يعقد هذا الملتقى في عام المغفور له زايد الخير الذي كان ذا بصيرة صادقة ورؤية رائدة في العناية بالأجيال وتنشئتها وحمايتها.

ثم أقول :

عن حماية الطفل في الإسلام

إن الحديث عن الطفل هو حديث عن المستقبل، هو اهتمام بمصير الإنسانية، فمسقبل الإنسان وحضارته منوط بأطفال اليوم، رجال ونساء الغد. ولهذا كانت رعاية حقوق الطفل وحمايته من أهم الحقوق التي جاءت بها الشرائع في كافة الديانات، واعتنت بها التشريعات الوضعية في مختلف الحضارات.

لقد كفلت الشريعة حقوق الأفراد والجماعات البشرية بل وكل الكائنات في هذا الكون ( وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق)، وبخاصة المخلوقات الهشّة التي تحتاج في المحافظة على وجودها إلى حماية ورعاية، ولم تكتفِ بوصايا ونصائح يطبّقها من شاء ويذرها من شاء، بل قننتها في نصوص ملزمة يرعاها المجتمع تطبيقا للأوامر الربانية وصيانة للكينونة الإنسانية.

ومن هذه الفئات التي رعتها الشريعة حقُّ الرعاية للطفل، وسنّت لذلك قواعد عامةً وأحكاما جزئية ترجع إلى مقاصد العدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، الناظمة في مجملها للحقوق والواجبات ومحاسن الأخلاق والمعاملات والعادات.

فهيأت له من قبل وجوده، البيئة الملائمة لاستقباله من خلال تأسيس الأسرة المتماسكة والمتضامنة، القائمة على روح المودة والرحمة،. ووضعت له المؤسسات الشرعية التي تقوم على رعايته وحمايته، والعناية به إيجادا وإمدادا بأسباب البقاء والنماء، ليكون إنسانا صالحا يضطلع بدوره الإيجابي في هذا العالم.

ومن المؤسسات الشرعية الفريدة في هذا المجال، مؤسسة الحضانة التي لايوجد لها نظير في النظم الوضعية على الرغم من التطورات الحديثة فيما يتعلق بحقوق الطفل التي ما يزال أكثرُها توصيات غير محدّدة المعالم، لا من حيث طابع عدم الإلزام فحسب، بل أيضا من حيث الجهات المكلفة بها، ففي هذه المواثيق حقوق بدون جهات تجب عليها. وهذا الإغفال مخالف للتصور الإسلامي في الترابط بين الحقوق والواجبات، لأنّ كل حقوق لأشخاص هي واجبات على آخرين ، فلولا وجود الواجب في مقابل الحق ما كان للحقوق أي أساس من الإلزام، فحقوق الطفل هي واجبات على والديه أو من يقوم مقامهما من أقاربه أو من المجتمع أو الدولة.

والحضانة في الشرع هي حفظ من لا يستقلُّ بأموره وترتبيته بما يصلحه. وهي صيانة العاجز والقيام بمصالحه في مبيته ومؤنة طعامه ولباسه ومضجعه وتنظيف جسمه. ومقتضى الحضانة حفظ المحضون وإمساكه عما يؤذيه وتربيته لينمو وذلك بعمل ما يصلحه وتعهده بكل ما يحتاجه. وتتعلق بالحضانة ثلاثة حقوق: حقٌ لله عزّ وجلّ، وحقٌ للحاضن، وحق للطفل.

وتزداد أهمية مؤسسة الحضانة في السّياق المعاصر حيث بدأت المعايير المؤسسة للمجتمع تختلف وغدت النزعة الفردية متغلّبة وسادت روح المماكسة في التعامل فابتعد الإنسان رويداً رويداً عن روح التسامح والسماحة  واستجدّت أوضاع جديدة ومتغيرة في وظائف أطراف العقد العائلي، مما أصبح يُعرّض الطفل لمخاطر الضياع ويجعله غرضا سهلا لكل المتربصين في الفضائين الحقيقي والرقمي.

وقد كان الإسلام سبّاقا إلى العناية بحماية الطفل في الحروب وتجنيبه الاستغلال والعدوان، فقد ثبت في السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقبل مشاركة الأطفال في المعارك ويَرُدّهم حتى في أشد الظروف احتياجا إلى الحشد والنفير، فردّ في يوم أُحد عددا من المراهقين من بينهم أسامة بن زيد ، وعبد الله بن عمر بن الخطاب ، وعمرو بن حزم وغيرهم. وهكذا كانت الشريعة الإسلامية سبّاقة في منع تجنيد الأطفال، والوقوف في وجه استغلالهم في الحروب.

وكذلك وقف الإسلام في وجه العدوان على الفئات الضعيفة في الحروب ومن بينها فئة الأطفال، حيث كان النبي صلى الله عليه وسلّم يأمر قادة جيوشه المدافعة قائلا: ” لَا تَقْتُلُوا شَيْخاً فَانِياً ، وَ لَا صَبِيّاً ، وَ لَا امْرَأَةً”. وقد كرّر هذه الوصية أبو بكر الصديق عند تجهيزه لجيش أسامة.

عن قانون وديمة الإماراتي:

لقد طبعت هذه المبادئ الإسلامية قانون “وديمة” الذي أصدرته دولة الإمارات لحماية حقوق الطفل ورعاية نموه وتطوره. كما يستفيد هذا القانون الريادي من تجربة الإنسانية وخبراتها التي راكمتها، على مرّ العصور، والتي تجسّدت في مواثيق الأمم المتحدة ومنظمة الامم المتحدة للطفولة.

تضمّن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 25 إشارة سريعة إلى حقوق الطفل : “للأمومة والطفولة الحق في مساعدة ورعاية خاصتين ، وينعم كل الأطفال بنفس الحماية الاجتماعية”.

بينما تكفّل قانون وديمة بتبيين جميع حقوق الطفل سواء كانت حقوقا أساسية مقترنة بحقه في الحياة والأمان أو حقوقا أسرية  أو صحية أو ثقافية أو اجتماعية أو تعليمية. ونصت المادة 33 على ضرورة حماية الطفل من “التعرض للاستغلال من قبل التنظيمات غير المشروعة وفي الإجرام المنظّم كزرع أفكار التعصُّب والكراهية أو تحريضه على القيام بأعمال العنف والترويع”. كما وضع القانون آلياتٍ لتمكين الطفل من هذه الحقوق رعايةً وحمايةً، بتحديده أدوار ومسؤوليات كل الجهات والأفراد، كالآباء، والمعلمين، ومديري المدارس، والممرضين، والأطباء، وإنشائه وحدات لحماية الأطفال. وهو بهذا يتلافى النقص والقصور الواقع في إعلان حقوق الإنسان، الذي لم يعين الجهات المنوط بها واجب التمكين من هذه الحقوق.

عن أهمية تحالف الأديان في خدمة الإنسان:

  إن أهمية هذا الملتقى لا تنبع من أهمية موضوعه فحسب، بل يكتسي مزيدا من الأهمية بالنظر إلى المقاربة التي يتبناها القائمون عليه، واختيارهم الاعتماد على الجهد المشترك بين الأديان، والوعي بالمسؤولية الملقاة على عاتق رجال الدين للسعي من مواقعهم وانطلافا من دوائر تأثيرهم واهتمامهم ليسهموا في استعادة الضمير الأخلاقي للإنسانية، وإرساء قيم الفضيلة واستشعار الواجب تجاه الفئات الهشة وخصوصا تجاه الأطفال، بوصفه واجبا دينيا وإنسانيا لا غنى للبشرية عنه.

إننا في منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة نشاطركم هذا الوعي وتلك القناعة وقد شرعنا منذ سنوات في صناعة تحالف أخلاقي بين ديانات العائلة الإبراهيمية الثلاث بكل فصائله ومذاهبها، وبمشاركة أيضا كل محبي الخير من أبناء العائلة الإنسانية الكبرى، وقد توّج هذا المسعى في بداية هذه السنة بإطلاق حلف فضول جديد بين الأديان في مؤتمر واشنطن.

Comments are closed.