البيان الختامي للملتقى السادس لمنتدى تعزيز السلم

بسم الله الرحمن الرحيم

البيان الختامي للملتقى السادس لمنتدى تعزيز السلم

أبو ظبي 12-14 ربيع الثاني 1441 هـ / 09-11 ديسمبر 2019م

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين؛ وبعد

فانطلاقا من قول الله عز وجل (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا- الحج:40).

وتثمينا لإعلان عام 2019 عام ” التسامح” في بلد التسامح الإمارات العربية المتحدة” التي ما فتئت تزاوج بين ترسيخ نهج التعايش والتسامح اجتماعيا وثقافيا وتشريعيا وبين القيام بمبادرات لخدمة هذا النهج على الصعيد الدولي.

ووعيا بأثر رسوخ التسامح في الثقافة والسلوك على تعزيز السلم الاجتماعي والدولي، واستئنافا لما راكمه “منتدى تعزيز السلم” في ملتقياته ومبادراته السابقة من تأصيلات علمية وتنزيلات عملية كانت جميعها مندرجة ضمن الرؤية الخادمة للتسامح والتعايش السعيد…

وتتويجا لمسار من الجهود المتواصلة في تصحيح المفاهيم وتقريب وجهات النظر ومن المبادرات والشراكات والمواثيق الساعية إلى إرساء علاقات إنسانية قاعدتها السلم والأمان وأركانها الاحترام والثقة المتبادلان ومظلتها الأخوة الإنسانية والمشتركات القيمية ولحمتها التسامح والمحبة وغايتها التعاون على إسعاد الإنسان والأوطان بغض النظر عن الدين واللون والعرق والجنس

وتفعيلا لأولى توصيات الملتقى الخامس للمنتدى بإنشاء لجنة لإعداد ميثاق لحلف الفضول الجديد تقترح النصوص الأدبية والتنظيمية المتعلقة بتكوينه طبقا لقوانين دولة المقر.

 انعقد بأبوظبي الملتقى السنوي السادس لـ”منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة” حولدور الأديان في تعزيز التسامح: من الإمكان إلى الإلزاممن 09 إلى 11 ديسمبر 2019م برعاية كريمة متواصلة من سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي بدولة الإمارات العربية المتحدة -حفظه الله- وبتشريف ومتابعة من معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح في دولة الإمارات العربية المتحدة، وبرئاسة معالي العلامة الشيخ عبد الله بن بيه رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة ورئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي.

حظي الملتقى باستجابة قرابة ألف مشارك من خمس وسبعين دولة. وقد تدارس المشاركون في المحاور الخمسة لهذا الملتقى بتنوع وتكامل انتماءاتهم الدينية والفكرية ومواقعهم الرسمية والأهلية وتخصصاتهم النظرية وتجاربهم العملية -أفرادا ومؤسسات- معالم مفهوم جديد للتسامح يرتقي به من مجرد إمكان متاح في الأديان إلى واجب ديني، مبرزين الأصولَ الخُلقية لهذا المفهوم والحاجةَ إلى التربية في ترسيخه وسبلَ تنزيله بما يتوافق مع حقوق المواطنة ولا يخل بالسلم المجتمعي. كما تدارس المشاركون ميثاق حلف الفضول- الذي خصصت جلسة من جلسات الملتقى للتعريف به ووقع عليه المؤتمر وفي مقدمة الموقعين كبار الشخصيات الدينية – من حيث مبادئه وقيمه، ومن حيث كونه حلقة من حلقات المواثيق المرجعية للتسامح وحوار الأديان مثل وثيقة الأخوة الإنسانية الموقعة على أرض الإمارات العربية المتحدة مطلع هذه السنة. وتعززت هذه المدارسة بورشات نقاش حول سبل تفعيل ميثاق حلف الفضول الجديد في السياقات الإقليمية الآسيوية والشرق أوسطية والإفريقية والأوروبية والأمريكية.

وسلم معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح بدولة الإمارات العربية المتحدة بحضور فخامة البروفسير يمي أوسنباجو نائب رئيس جمهورية نيجيريا الاتحادية الذي حل ضيفا على المنتدى في دورته السادسة، ومعالي رئيس منتدى تعزيز السلم، “جائزة مولانا الحسن بن علي للسلم” هذا العام لمعالي الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي بالمملكة العربية السعودية لجهوده المشهود له بها على الصعيد الإسلامي والدولي في إبراز الصورة الحقيقية لسماحة الدين الإسلامي الحنيف وفي فتح قنوات الحوار والتعاون مع الجهات والمؤسسات المؤمنة بالحوار والتعاون بين الأديان.

وقد خلص المشاركون في الملتقى السادس لمنتدى تعزيز السلم بعد تبادل لوجهات النظر ونقاش صادق وصريح حول التسامح من حيث واقعه ومستقبله المتشوف إليه، وحول ميثاق حلف الفضول الجديد وكيفية استثماره بشكل يليق بقيمته كمنعطف تاريخي في تصور التسامح وتمثله وفي تدبير العلاقات بين الأديان، إلى ما يلي:

أولا – في المفهوم الجديد للتسامح:

– إن التسامح في أصله مفهوم فاعل في التأسيس للتعددية الإيجابية من خلال حماية المتديّن وحرية التديّن.

– إن مفهوم التسامح تتجاذبه تصوّرات مختلفة ورؤى وروايات متعددة.

–  إن اعتبار سنة 2019 عاما للتسامح في دولة الإمارات العربية المتحدة شكل مناسبة ثمينة لإطلاق حوار حضاري حول صياغة مفهوم جديد للتسامح يدمج مختلف رواياته ليصبح أكثر إنسانية وسخاء.

– إن ديانات العائلة الإبراهيمية جميعَها تعتبر مرتكزات متينة لمبدإ التسامح، بتعاليمها الأساسية عن عالمية الكرامة الإنسانية واحترام الاختلافات الدينية وبنصوصها الكثيرة عن السلام والتّعايش والتسامح.

–  إن قيمة التسامح ترتكز في الرواية الأصلية التي تلتقي حولها العائلة الإبراهيمية على مجموعة أسس من أهمها الوعي بالمشتركات الإنسانية وتثمينها وتعزيزها، وفي مقدمتها الكرامة الإنسانية بوصفها أول مشترك إنساني.

–  إن الإيمان المطلق بالدين لا يعني عدم قبول التنوع، ولا يتعارض مع التسامح.

– إن آية المعابد (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا) تؤصّل لمفهوم التعددية الدينية، وترتقي بالتسامح إلى التضامن وترفعه من مستوى الإمكان إلى مستوى الإلزام.

– إن المفهوم الجديد للتسامح الذي ينسجم مع مقاصد الأديان وتفرضه مصالح الإنسان والأوطان في عصرنا يرتقي بالتسامح من مجرد إمكان متاح في الدين إلى إلزام ديني وواجب إيماني ويسمو به من مجرد الاعتراف إلى التعارف والتعاون.

– إن الارتقاء بالحرية الدينية وعلاقات التعاون وقيم التسامح من مجرّد الإمكان إلى درجة الالتزام الأخلاقي والإلزام القانوني أمر ضروري ترشحه القيم ويفرضه الزمن، وهو يقوم على الوعي بانتقال الإنسانية من عصور التمايز والعيش المنفصل إلى عصر التمازج والعيش المتّصل.

– إن التسامح في الرواية الإسلامية ينبني على مبدإ أخلاقي روحي عميق، وهو وجوب التخلُّق بأسماء الله الحسنى، التي تصلح أن يقتدي بها العبادُ، ويتمثَّلوها في حياتهم، كما ينبني في الرواية الأصلية للعائلة الإبراهيمية على الوعي بالضعف الذاتي الملازم لماهية الإنسان، الذي يوقعه في الغلط والخطأ والخطيئة.

– إن التربية على التسامح ليست مجرّد مواد تدرس أو مضامين تلقّن، إنها مسار إنساني متكامل تلعب فيه شخصية المعلم القدوة دورا أساسيا. وبدون هذه الشخصية لن نتمكن من تنشئة الأجيال على سلوكيات إيجابية متسامحة.

– إن العامل التربوي على أهميته لا يغني عن البعد القانوني في تحقيق التسامح. فالحاجة ماسة بناء على أسس متينة من الحقوق والواجبات المتبادلة إلى نصوص قانونية ملزمة ترفع التسامح من مستوى الإمكان إلى مستوى الإلزام وتقوم الدول على ضمان حمايتها بالقانون والقضاء.

– إنه بعد عصور طويلة من الجدل والنقد المتبادل قد آن الأوان لمرحلة تاريخية جديدة بين أبناء العائلة الإبراهيمية يرتقون فيها بالتسامح من الاعتراف إلى معنى أسمى هو معنى التعارف والتعاون.

– إن التعارف ينشأ من الوعي بالمصير المشترك، فنحن جميعا مثلُ ركاب السفينة، تجمعنا وحدة المصير والمسار، فلا نجاة لبعضنا إلا بنجاة الجميع.

– إن واجبنا أن نحافظ على روح التسامح المفعم بالأمل والإيمان؛ حيث لم تزل غالبية الإنسانية -شرقا وغربا- تؤمن بإمكانية العيش المشترك.

ثانيا- في حلف الفضول الجديد أهدافا وقيما وميثاقا:

– إنّ حلف الفضول الجديد تحالف على الفضيلة والقيم المشتركة، يسعى أصحابه إلى تمثُّل هذه القيم في علاقاتهم وإلى الدعوة إلى نشرها وامتثالها في حياة الناس. ولهذا كان لزاما أن يتعاهد المتحالفون على ميثاق يبين القيم والفضائل التي يدعون إليها، ويذكر بمبادئهم المشتركة وأهدافهم النبيلة، ويشير إلى وسائلهم ومجالات عملهم.

– إن حلف الفضول الجديد سعى إلى أن لا يكون حوارا دينينا تقليديا للتبشير بالحقيقة الدينية والدعوة إليها. كما لا يهدف إلى التنازل عن ما يعتقده الأطراف حقوقا أو حقائق، وإنما يهدف إلى التعايش السعيد في هذا العالم الذي نعيشه اليوم، باعتبار أن ذلك ضرورة حاقة وواجب ديني تدعو إليه جميع الديانات.

– إن ميثاق حلف الفضول الجديد يسعى إلى الارتقاء من الحق إلى الفضيلة. فالتعامل انطلاقا من مبدإ الحقوق يقتضي الاقتصار على منح الآخر ما هو أصلا له، أو الكفِّ عن التعدي عليه. بينما التعامل انطلاقا من الفضائل يحتوي معنى المكارمة والإحسان. فهو بذل في غير مقابل وتنازل للآخر عن ما ليس له بحق.

– إن ميثاق حلف الفضول الجديد يرتكز في مرجعيته على الأرضية الصلبة التي تشكلها المشتركات سواء المشترك الخاص بديانات العائلة الإبراهيمية أو المشترك الإنساني الأشمل الذي هو القيم الكونية.

– إن ميثاق حلف الفضول الجديد يستثمر التراث العقدي والأخلاقي المشترك بين أديان العائلة الإبراهيمية لكنه نصا وروحا مفتوح لكل العقلاء من أهل الإيمان، ويدعوهم إلى أن ينهلوا من تراثهم لترسيخ قيم السلم والتسامح والتعايش بين الناس.

– إن السلم يقع في مقدمة أهداف حلف الفضول الجديد ومقاصد الشراكة بين أطرافه، حيث يتعهد أبناء العائلة الإبراهيمية بأن يقدموا قيم التعاون بدل قيم التنازع. فالتنازع على البقاء يؤدي إلى الفناء بينما التعاون هو سبيل البشرية إلى النجاة.

– إن ميثاق حلف الفضول الجديد يقوم على مبادئ الكرامة الإنسانية والحرية والعدالة والوفاء بالعهود كما يدعو في الآن نفسه إلى مبادئ السلم والرحمة والبر والتضامن؛ مؤسسا لنموذج متوازن من التسامح المهذّب والحرية المسؤولة والمواطنة الإيجابية.

– إن ميثاق حلف الفضول يربط جميع الحقوق والحريات باستراتيجية السلم، مؤكدا على أهمية ممارسة الحقوق والواجبات في إطار السلم المجتمعي.

– إن ميثاق حلف الفضول الجديد، الذي انطلق التعاهد عليه في هذا الملتقى ليس مبادئ نظرية، لا فاعلية لها، بل هو مشروع لمنهج عملي وبرنامج تطبيقي، يتنزّل في المدارس تعليما للناس، وفي المعابد تعاليم للمؤمنين، وفي ساحات الصراع وميادين النزاع، طمأنينة تحل في النفوس وأَمَلا يَعْمُر القلوب.

– إن سنة التسامح لا تعني نهاية التسامح، بل تعني بداية متجدّدة لمسيرته، مسيرة لا تنقطع، وجهودا لا تتوقف، وتلك هي مهمة حلف الفضول الجديد، التي يتعاهد عليها في ميثاقه.

ثالثًا- التوصيات:

– تنظيم مؤتمرات وندوات وورشات عمل دولية وإقليمية لبيان مقاصد ميثاق حلف الفضول الجديد ودعوة المؤسسات والشخصيات المؤثرة والأفراد إلى الانخراط فيه.

– إنشاء كرسي حلف الفضول الجديد بالتعاون مع جامعات عالمية.

– تخصيص جائزة تشرف عليها مؤسسة حلف الفضول الجديد للدراسات المتميزة في خدمة أهداف الحلف وقيمه

– رعاية مبادرات إقليمية لحلف الفضول في آسيا وإفريقيا وأوروبا وأمريكا

– تخصيص منح مالية لأفضل المشاريع الاجتماعية والثقافية التي تتوافق في رؤيتها وأهدافها مع ميثاق حلف الفضول الجديد

– تعميم تجربة قوافل السلام الأمريكية بما يتناسب مع بيئة وثقافة كل قارة من قارات العالم.

 والمشاركون في الملتقى السادس لـ”منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة” إذ يهنئون “المنتدى” وشركاءه على هذا الإنجاز التاريخي يتوجهون بجزيل الشكر وخالص الامتنان لدولة الإمارات العربية المتحدة على هذا الاحتضان وعلى المعهود منها من التكريم والإكرام ، ويعبرون عن أسمى مشاعر العرفان لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله وألبسه تاج الصحة والعافية، وإلى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبو ظبي، وإلى أصحاب السمو حكام الإمارات؛ حفظهم الله.

كما يتقدم المؤتمرون بشكرهم وتقديرهم لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد ابوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بدولة الإمارات العربية المتحدة، حفظه الله، على الاستقبال الكريم الذي حظيت به القيادات الدينية المشاركة في المؤتمر في يومه الأول.

ويضرع المشاركون في هذا الملتقى إلى العلي القدير أن يمطر سحائب غفرانه ورحمته على رمز الأخوة الإنسانية والتسامح والتضامن والعطاء الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وأن يبقي صرح التسامح في هذا البلد شامخا ملهما للناس محوطا بنعمة الأمان والرخاء والسعادة.

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

وحرر بأبو ظبي في 14 ربيع الثاني 1441 هـ/الموافق لـ 11 ديسمبر 2019م

لجنة البيان الختامي

Comments are closed.