مشاهد من المقاصد

عرض: محمد المنتار

صدر عن “مؤسسة الإسلام اليوم”

كتاب جديد للعلامة عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بية بعنوان: “مشاهد من المقاصد”، ط1، 2010م،

الذي ألفه الشيخ مؤخرا بعد حوالي شهرين عن تأليفه لكتاب “مقاصد المعاملات ومراصد الواقعات” .

ويعتبر هذا الكتاب، الذي خصصه المؤلف للمقاصد، مكملا لكتابه: “أمالي الدلالات ومجالي الاختلافات” الذي سبق

وخصص المؤلف جزأه الأول لمباحث دلالات الألفاظ، والجزء الثاني لدلالات المعاني.

وأصل هذا الكتاب الوجيز محاضرة بمكة المكرمة نظمها مركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلامية، أراد صاحبه أن يقدم من خلاله ورقة تعريفية للمقاصد تعرف هذا الاسم بالجنس والفصل والرسم، وترسم مسيرة تشكل المقاصد، وتاريخ الاكتشاف والاستشفاف، الذي كان منطلقه دعوة ربانية قرآنية لإعمال العقل المركب في الإنسان في التفكير والتدبر وتنبيهه على طرق النظر في آيات الخلق ودلالات الأمر.

وقد جاء في 194 صفحة موزعة على مدخل وستة فصول، ثم خلاصة.

ناقش المؤلف في الفصل الأول تعريف المقاصد لغة واصطلاحاً، وتحديد الضابط الذي به يعرف مقصد الشارع، كما تحدث عن العلة ومسالكها المعلومة في أصول الفقه، وعن الأحكام غير معلومة العلة وكيفية التعامل معها، وحدد أنواع سكوت الشارع عن الحكم، التي جعلها ضرين اثنين، لينتقل إلى عرض مختصر مقارن للجهات التي بها تعرف المقاصد عند كل من الشاطبي وابن عاشور، ليختِم هذا الفصل بتعريف للمقاصد.

وعرض في الفصل الثاني مسيرة العمل والتعامل مع المقاصد وبها؛ حيث رصد تطور النظر إلى المقاصد واستشفاف حكمها عند السلف ابتداءً بالصحابة الكرام مروراً بالمذاهب الأربعة، مع تقديم نماذج وأمثلة تطبيقية تقرب المقصود.

وخصص العلامة بن بية الفصل الثالث لعرض أقوال علماء الأمة في ثلاث مسائل أساسية؛ صنفها تحت العناوين التالية: من يعرف المصلحة؟ العقل أم النقل؟ والعبادات بين المعقولية والتعبد؟ والكلي والجزئي أيهما يقدم؟ مع ما تبع ذلك من عرض للأدلة وتوجيهها.

وفي الفصل الرابع تحدث العلامة عبد الله بن بيه عن أصناف المقاصد: العامة الكبرى التي ترجع إليها الشريعة وهي المقصد الضروري، والحاجي، والتحسيني.

والمقاصد الخاصة التي تعنى بباب من أبواب الفقه، أو مجال من مجالاته.

والمقاصد الجزئية وهي مقصد الشارع في كل حكم على حدة. وقد مثل لكل صنف بأمثلة علمية. ولم يفته كذلك الإشارة إلى تقسيمات أخرى للمقاصد باعتبارات مختلفة؛ ومنها المقاصد القدرية أو الكونية؛ والمقاصد العامة والكلية، والمقاصد الأصلية والتبعية. مع العناية ببيان معيار الانتماء للمقصد الضروري، ومناقشة تذبذب الانتماء لبعض القضايا بين الضروري والحاجي.

وفي الفصل الخامس تعرض الشيخ بن بية لاستنباط المقاصد واستخراجها، وهو ما تعرض له الإمام الشاطبي في الضابط الذي يعرف به مقصد الشارع من عدة جهات: ـ مجرد الأمر والنهي الابتدائي التصريحي. ـ اعتبار علل الأمر والنهي، المعلومة وغير المعلومة ومسالكهما وكيفية النظر فيهما. ـ اعتبار المقاصد الأصلية والمقاصد التابعة لأحكام الشريعة العادية والعبادية. ـ السكوت عن شرعية العمل. وقد بسط الشيخ بن بيه القول وفصله تفصيلا في أنواع السكوت، وتطرق إلى ما يسمى “بدعة الترك” ووصفها بالأمور الدقيقة التي وقع فيها الالتباس واختصم فيها الناس مستدلاً ببعض القضايا التي اختلف فيها العلماء تبعاً لاختلافهم في النظر إلى موضوع المسكوت عنه.

وأرجع أصل الخلاف إلى أربعة أصول: 

1ـ هل البدعة صنف واحد أم أنها أصناف بحسب الدليل الذي يشملها؟

2ـ هل الترك مع قيام الداعي في التعبديات له دلالة على النهي أو لا دلالة له على ذلك؟

3ـ الفرق بين الموجب والمقتضى.

4ـ الفرق بين إضافة المتروك إلى عبادة محدودة واعتقاده جزءاً مكملاً لها فلا يشرع أو عدم إضافته فيرد إلى أصل الإباحة أو الاستحباب.

وأضاف العلامة بن بيه ثلاثة ضوابط:

1ـ أن لايعطى حكماً شرعياً إذا لم يكن مشمولاً بدليل كالأدلة المتعلقة بالذكر الدالة على استحبابه في كل الأحوال فلا يجوز لمن اختار تلك الأذكار أن يقول إنها واجبة مثلاً.

2ـ أن لا يحكم لها بثواب معين.

3ـ أن لا يشمل المتروك دليل نهي بالتحريم أو الكراهة. والمسألة في نظر الشيخ بن بيه مجالها فسيح وميدانها واسع فعلاً وتركاً، إعمالا وإهمالا؛ لذلك لا ينبغي أن ينكر البعض على البعض في مواطن الاجتهاد.

وفي الفصل السادس بحث الشيخ بن بيه موضوع الاستنجاد بالمقاصد واستثمارها؛ وكيفية الحصول على الثمار المرجوة منها، شارحا لمجالات الاستنجاد بالمقاصد، وهي:

1ـ تفعيل أصول الفقه على ضوء إعمال المقاصد في بنيتها لتوسيع دوائر الاستحسان والاستصلاح واستنباط الأقيسة ومراعاة المآلات والذرائع…

2ـ اختيار الأقوال المناسبة التي تحقق المقاصد الشرعية حتى ولو كانت مهجورة ما دامت نسبتها صحيحة وصادرة عن ثقة ودعت إليها الحاجة.

3ـ تفعيل النظرية المقاصدية في وضع فلسفة إسلامية شاملة تجيب على الأسئلة التي يطرحها العصر في مختلف القضايا الكبرى التي تشغل الإنسان وشغلته منذ القدم في الكون والنظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية لتفسير مختلف الظواهر الإنسانية وتقديم قوانين عامة تنطلق من ثنائية الوحي والعقل.

وقبل تقديم خلاصات البحث ونتائجه تطرق الشيخ بن بيه كتابه بالحديث عن بعض المسائل المتعلقة بالأقليات الإسلامية في الغرب، منها: مسألة المرأة التي تسلم وزوجها نصراني التي قال فيها الجمهور بفسخ العقد، ذاكرا لبعض التفاصيل التي ناقشها المجلس الأوروبي في هذه الجزئية، بناءً على فقه المقاصد ومتغيرات العصر. وبهذا الصدد دعا الشيخ بن بيه إلى مراجعة الفتاوى وضبطها بمعيار يقوم على: ـ فحص الواقع لوزن المشقة والحاجة. ـ البحث عن حكم من خلال النص الجزئي الذي ينطبق عليه إذا وجد مع فحص درجته. ـ إبراز المقصد الشرعي كلياً أو عاماً أو خاصاً. ليخلص إلى نتائج وخلاصات مفادها أن كتاب “مشاهد من المقاصد” أراده الشيخ بن بيه أن يكون وجيزا حسب الإمكان وملمعا إلى ما وراءه من بيان؛ لأنه كان منصبا على موضوع العلاقة بين أصول الفقه ومقاصد الشريعة من زاوية تطبيقية من خلال تفعيل المقاصد عن طريق أبواب أصول الفقه في مناحي الاستنجاد مع ما اقتضته المنهجية من تعريف وتعرف وتصنيف.

Comments are closed.