مجلس الإمارات للإفتاء: يَحْرُمُ تواجد مريض كورونا بالأماكن العامة.

أصدر مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، منذ قليل، فتوى تحمل رقم ( 11 ) لسنة 2020، بخصوص ما يتعلق بأحكام أداء العبادات الجماعية مع انتشار فيروس “كوفيد – 19” المعروف باسم (كورونا)، أكد فيها أنه نظراً لما تقتضيه المصلحة العامة في التعامل مع انتشار الفيروس، وضرورة تعاون جميع الجهات في الدولة للتصدي لهذا المرض والحد من فشوه، واعتباراً لوجوب طاعة ولي أمر المسلمين في كل ما يأمر به من تعليمات، أصدر مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي بالتمرير الفتوى الآتية: أولاً، يجب شرعًا على جميع فئات وشرائح المجتمع الالتزام التام بكل التعليمات الصحية والتنظيمية الصادرة عن الجهات المختصة في الدولة، بالإضافة إلى اتخاذ جميع التدابير اللازمة لمنع انتقال المرض وانتشاره، ولا يجوز شرعًا مخالفتها بأي حال من الأحوال.

ثانيا : يحرم شرعًا على كل من أصيب بهذا المرض أو يشتبه بإصابته به التواجد في الأماكن العامة، أو الذهاب إلى المسجد لحضور صلاة الجماعة أو الجمعة أو العيدين، ويجب عليه الأخذ بجميع  هذه التعليمات، ومنها “غسل اليدين بالماء والصابون باستمرار”، فالنظافة من آداب الإسلام، حيث جاء في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استيقظ أحدكم من نومه، فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثا، وكذلك الاكتفاء بإلقاء السلام، وتجنب المصافحة باليد والعناق، والعناية بآداب العطاس من خلال تغطية الأنف والفم بالكوع أو بالمنديل).

وتحدثت الفتوى عن الاحتياطات اللازمة لمواجهة الفيروس، ومنها وجوب دخول المشتبه فيه الحجر الصحي، والتزامه بالعلاج الذي تقرره الجهات الصحية في الدولة، وذلك حتى لا يسهم في نقل المرض إلى غيره.

وأكد المجلس أنه يُرخص في عدم حضور صلاة الجماعة والجمعة والعيدين والتراويح لكبار المواطنين (كبار السن)، وصغار السن، ومن يعاني من أعراض الأمراض التنفسية، وكل من يعاني من مرض ضعف المناعة، على أن يؤدون الصلاة في بيوتهم، أو مكان تواجدهم، ويصلون صلاة الظهر بدلاً عن صلاة الجمعة.

وفيما يخص الحج والعمرة والزيارة النبوية، ذكرت الفتوى أنه يجب على الجميع الالتزام بالتعليمات التي تصدرها حكومة المملكة العربية السعودية، انطلاقاً من مسؤوليتها السيادية والشرعية في رعاية الحجاج والمعتمرين والزوار، وإعانة لها في الحفاظ على صحة الجميع وسلامتهم.

وشددت الفتوى على أنه يجب شرعًا على جميع الجهات التعاون مع الجهات المختصة وتقديم الدعم اللازم لها – كل بما يخصه – للحد من انتشار المرض والقضاء عليه، ومنع نشر الشائعات المتعلقة به من خلال الاقتصار على استقاء المعلومات الرسمية من الجهات المختصة، وتفويت الفرصة على المتربصين بأمن واستقرار الدولة عبر الشائعات التي يروجون لها.

ودعا المجلس جميع الجهات والأفراد لمد يدِ العون والمساعدة كل باختصاصه، وعدم استغلال مثل هذه الحالات من خلال رفع الأسعار خاصة الدوائية والعلاجية.

ودلل المجلس على فتواه بأدلة من: القرآن الكريم، والسنة النبوية، والإجماع، والقياس، ذاكراً منها، قول الله تعالى: (وَلا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رجيما) سورة النساء، الآية 29، وقول الله تعالى: ( وَلا تُلقوا بِأَيْدِيكم إلى التهلكة ) سورة البقرة، الآية 195، و قول الله تعالى: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) سورة النساء، الآية 83.

كما استدل المجلس في فتواه من السنة النبوية على الحديث الشريف، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «فرّ من المجذوم كما تفر من الأسد » رواه البخاري . والجذام مرض معد، وفي الحديث الشريف الأمر بالفرار منه كي لا تقع العدوى، وفي ذلك دلالة على إثبات التأثير للعدوى بإذن الله تعالى والحث على البعد عن أسبابها.

 

وتابع المجلس: “عن أسامة بن زيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها ، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها» أخرجه البخاري. ومن أسباب نهي المصاب عن الخروج من بلد المرض لئلا ينقل المرض إلى غيره، بل يعزل عن الأصحاء في ذلك البلد، وقد ذكر ابن الأثير في الكامل في التاريخ 2 / 377 ما حاصله: “أنّ عمرو بن العاص رضي الله عنه، خرج بالناس عندما أصابهم طاعون عمواس إلى الجبال ، حتى رفعه الله عنهم ، وأن فعله هذا بلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه فلم ينكره “. – عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي، قال: « لا تُوردوا الْممرِض عَلَى الْمصِح » رواه البخاري. – عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: « لا ضرر ولا ضرار » رواه الإمام مالك في الموطأ.

وبحسب الفتوى الرسمية، فإن أحاديث وجوب الطاعة الكثيرة في صحيح مسلم وغيره ، الدالة على وجوب امتثال أوامره وتعليماته ، وتصرّفات الإمام منوطة بالمصلحة، إلا أنّ تقدير هذه المصالح موكول إلى الإمام وإلى الجهات الولائية، فكما يقول السرخسي في السير الكبير “إن أمرهم بشيء لا يدرون أينتفعون به أم لا، فعليهم أن يُطيعوه، لأنّ فرّضيّة الطاعة ثابتة بنصّ مقطوع به، وما تردّد لهم من الرّأي في أنّ ما أمر به مُنتفع أو غير مُنتفع به لا يصلح مُعارضاً للنّصّ المقطوع “، مشددة على أن أمر الحاكم يُصير الجائزات واجبة.

وذكرت الفتوى أنه استناداً إلى الإجماع، فقد أجمع العلماء على أنّ : ( الضرر يزال ) وجعلوا ذلك قاعدة كلية ؛ ومما يدخل ضمنها البعد عن مواطن الإصابة بالأوبئة المعدية حفاظا على النفس من الهلاك وسلامة البدن من الضرر.

وقالت: “وعن القياس، فقد ثبت أن الشرع الحنيف أمر مُن به رائحة مؤذية باعتزال المسجد وخروجه منه بل إخراجه دفعًا للأذى عن الناس، ففي صحيح مسلم : أنْ عُمَرَ بْنَ الْحُطاب رضي الله عنه حَطَبَ يَوْمَ الْجُمُعَةٍ فكان مما قال : ثمّ إنَّكُمْ أيُهَا النَّاسُ تَأْكُلُونَ شَجَرَتَيْنِ لا أَرَاهُمَا خبيثتين: هَذَا الْبَصَلَ وَالثَّوم، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنَ الرَّجُلِ فِي الْمَجدِ أَمَرَ بِهِ فَأَخرج إلى البقيع، فَمَنْ أكَلَهُمَاً فَلْيُمِنتهُمَا طَبَخًا).

وأوضحت أنه إذا كان هذا الإخراج لمجرد الأذية بالرائحة الكريهة، فكيف بأذية العدوى التي قد تودي بحياة الناس، وفي ذلك قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله في “التمهيد” ( 6 / 422 ): “وإذا كانت العلة في إخراجه من المسجد أنه يُتأذى به، ففي القياس: أن كل ما يتأذى به جيرانه في المسجد بأن يكون ذا ريحة قبيحة لسوء صناعته، أو عاهة مؤذية كالجذام وشبهه وكل ما يتأذى به الناس إذا وجد في أحد جيران المسجد وأرادوا إخراجه عن المسجد وإبعاده عنه كان ذلك لهم، ما كانت العلة موجودة فيه حتى تزول، فإذا زالت كان له مراجعة المسجد”.

ودعا المجلس جميع المسلمين إلى الالتجاء إلى الله بالدعاء وكثرة الاستغفار، فإن الاستغفار يرفع البلاء ويزيد من القوة ، كما في قوله تعالى حكاية عن هود على نبينا وعليه الصلاة والسلام : ( ويا قومي استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ) سورة هود، أية 52.

Comments are closed.