دروس من جائحة كورونا المستجد

 

بالايمان والتراحم نتجاوز الأزمات

 
  دروس من جائحة كورونا المستجد   

بيدَ أنّ هذه الأزمة علمتنا دروسا وأشهدتنا حقائقَ منسية، منها هشاشة الجنس البشري وضعفه الملازم لكينونته، المطبوع في جبلته، (وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا)[1]، ومنها محدودية العلم الإنساني وقصوره المعرفي الباعث على التواضع، (وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا)[2]، كما جعلتنا نستشعر في أنفسنا أن ليس جنس من البشرية مهما ارتقى ولا صنف مهما تطوّر بمنأى عن الطوارق أو بمفازة من الطوارئ. وأنّ رحلة أهل الأرض ليست دائماً مأمونة ولا مضمونة. كما أنّ ساكنة هذا الكوكب كركاب السفينة الواحدة ولو كانت ذات درجات متفاوتة إلا أنها في النهاية محكومة بمسار واحد ومحكوم عليها بمصير واحد. فمصائر البشرية متحدة ومساراتها متواشجة فنحن جميعاً من طينة واحدة. فالبارئ جلت قدرته وتعالت حكمته أظهر الإنسان على ضعفه ليتواضع وعلى جهله ليتعلم وسخر له الكون ليعمل (وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه)[3].  

ولذا فإنّ قيماً مركزية ظهرت ضرورتها في هذه الأزمة. ومن أهمها قيمة التضامن بين البشرية لمواجهة خطر لا يفرّق بين شعب وشعب ولا بين لون ولون ولا يَمِيزُ طبقة اجتماعية عن أخرى أو يتنكّب أرضا دون أخرى، بل يصيب الجميع، على تنوع أعراقهم وتعدد نحلهم وأديانهم، وتفاوت طبقاتهم ومستوياتهم.

فبدا جليا حاجتنا إلى تجديد القيم  وتأكيد الوعي بأن الخلق كلهم عيال الله وأنّ أحبّ الخلق إليه أنفعهم لعياله، كما في الحديث (الخلقُ كلُّهم عيالُ اللهِ ، وأحبُّكم إلى اللهِ من أحسن إلى عيالِه)[4]. من هنا كانت دعوة الكثير من العقلاء وأولي بقية إلى هبة ضمير عالمية تؤكّد على وحدة المصير الإنساني وعلى الأخوة الإنسانية. ذلك ما نرجوه وندعو الجميع إليه. فربّ محنة في طِيّها منحة.

إنه ما من منحى من مناحي الحياة اليوم بمنأى عن تبعات هذه الأزمة وآثارها، ففقد تَسَلَّلَتْ إلى أدقِّ تفاصيل الحياة الإنسانية، وشملت كل النواحي، فوجب لذلك استنفار كل المهتمين بلا استثناء، فبالإضافة إلى الأطباء الذين يقومون على ثغرة مهمة ويسدون ثلمة حيوية، ينبغي ألا نغفل مناحي أخرى لها أهمية كبرى، فعلى سبيل المثال طرحت هذه الأزمة إشكالات تتعلق بالاقتصاد وكيف يضمن الناسُ أسباب عيشهم ومكاسبهم واستمرار أعمالهم وصنائعهم واستمداد أقواتهم واستيراد ميرتهم، وكذلك طرحت إشكالات تتعلق بالمنحى الاجتماعي، فيقتضي الأمر أن ينهض العالم الاجتماعي أو العالم النفساني ليبحث الحالة الاجتماعية وما طرأ عليها والناحية النفسية وكيف أثرت فيها الجائحة. وعلى هذا النحو جدّت أمور كثيرة من الناحية الدينية والعلاقات الروحية، فشَمِلَتْ العبادات الفرديّة والجماعية وطاولَت العقود والمعاملات بل تطاولت لتشمَل الأفكار والمعتقدات.

 

كل ذلك يدعو الى استنهاض الهمم ليتحرّك كل عالم في مجاله حتى يحصل التوازن وتمضي الحياة على الوتيرة المعتادة، حسب الإمكان. إنما مثل هذه الحالة كمثل من يضطر للنزول بالمظلة، إذ يتطلب منه ذلك تدابير خاصة أو كالذي يستخدم قارب النجاة في البحر. إن هذا كله يقتضي استنفاراً للطاقات الذهنية واستجماع الجهد الفكري لعلاج موضوع جديد بالنوع قديم بالجنس.

 

*هذا النص جزء من الكلمة التأطيرية لمؤنمر فقه الطوارئ.

الكلمة التأطيرية لمؤتمر فقه الطوارئ

Comments are closed.