كلمة العلامة ابن بيّه في افتتاح مسابقة “التحبير للقرآن الكريم وعلومه”

   
 

كلمة العلامة عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيّه

رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي

 
       

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين.

الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، حفظه الله تعالى ورعاه، الحضور الكريم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

إنه لمن دواعي السرور أن أتشرف بأن أكون معكم في هذه المناسبة المباركة في ليلة مباركة لهدف مبارك. الزمن: هو العشر الأواخر من رمضان، والموضوع: هو الاحتفاء بالقرآن. ليلة الخامس والعشرين من رمضان من الليالي التي يرجى أن تكون ليلة القدر كما في الحديث عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (التَمِسُوها في العَشرِ الأواخِرِ مِن رمضانَ، ليلةُ القَدْرِ في تاسعةٍ تبقى، في سابعةٍ تبقى، في خامسةٍ تبقى).[1]

إن رعايتكم وعنايتكم بأهل القرآن من أعظم الأعمال وأهمها فالقرآن حبل الله الممدود، ففي الحديث (كتاب الله هو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض)[2]. و(أهل القرآن هم أهل الله وخاصته)[3]، فضلهم يتعدى ليعم الجميع. يرفع الله به والديهم درجات، ويلبسون بهم حلل الكرامات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ القرآن وتعلَّم وعمل به أُلبس والداه يوم القيامة تاجاً من نور ضوؤه مثل ضوء الشمس، ويكسى والداه حلتين لا تقوم لهما الدنيا فيقولان: بم كسينا هذا؟ فيقال: بأخذ ولدكما القرآن)[4]. وقد نظم معناه الإمام الشاطبي رحمه الله في ألفيته حيث قال مخاطباً طالب القرآن:  

 

                هَنِيئاً مَرِيئاً وَالِدَاكَ عَلَيْهِما          مَلاَبِسُ أَنْوَارٍ مِنَ التَّاجِ وَالحُلاْ

                فَما ظَنُّكُمْ بالنَّجْلِ عِنْدَ جَزَائِهِ      أُولَئِكَ أَهْلُ اللهِ والصَّفَوَةُ المَلَا

                أُولُو الْبِرِّ وَالإِحْسَانِ وَالصَّبْرِ وَالتُّقَى حُلاَهُمُ بِهَا جَاءَ الْقُرَانُ مُفَصَّلَا

 

إن نهج الاهتمام بالقرآن وأهله وتقدير العلماء هو نهج راسخ ولله الحمد في دولتنا وهو امتداد لإرث المغفور له الشيخ زايد الذي لا زالت آثار أياديه البيضاء على العلماء تستجلب له الدعوات الصالحة.

 

سمو الشيخ، إن القرآن الكريم مزهرٌ بستانُه، معجزٌ بيانُه وبرهانُه، ينير الدروب ويشرح القلوب، ولعلي في هذه الكلمة المختصرة أتطرق إلى القيم العظيمة الإنسانية التي تضمنتها الوصايا العشر في سورة الأنعام فصارت منهجاً أخذ به الأنام.

{قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ مِّنْ إمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ* وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ* وَأَنَّ هَـذَا صِراطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.

 

يمكن تقسيم منظومة القيم التي تضمنتها هذه الآيات، كما أشار إلى ذلك الطاهر بن عاشور، إلى ثلاثة أقسام: قسم هو أحكام بها إصلاح الحالة الاجتماعية، وقسم فيه حفظ نظام تعامل الناس، وقسم ثالث فيه صيانة العقيدة، وقد ذيل الله ذلك كله بقوله: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ}، مرة للتعقل ومرة للذكرى ومرة للتقوى. فهي بحق أهم الوصايا الأخلاقية للإنسان: تحفظ الكليات الخمس: الدين والنفس والعقل والعرض والمال.

بعبارة أخرى فهذه الآيات تعطي خطوطاً عامة لعلاقة الإنسان مع ربه التي يحكمها التوحيد، وعلاقته مع مجتمعه القريب والإنساني والتي يحكمها البر والإحسان وحفظ العهد. وقد ورد عن ابن مسعود: (من أراد أن ينظر إلى وصية محمد ﷺ التي عليها خاتمه فليقرأ هذه الآيات).[5]

ومن لطف الله سبحانه وتعالى بعباده أن جعل هذه الوصايا متعلقة بقدرة الإنسان واستطاعته: {لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۖ}. ولذا نقول دائماً لأبنائنا وطلابنا: “شريعتك استطاعتك”، فديننا دين يسر لا دين عسر، ودين رحمة لا دين غلو وقسوة.

 

إن هذه الآيات تحتوي قيماً من قيم القرآن الكريم، وقيمه كثيرة لا تفنى ولا تبلى.

ومن أهم القيم القرآنية، المشتركة بين الأديان بعد الإيمان بالله سبحانه وعبادته، قيمة إعلاء كرامة الإنسان واحترام عصمته: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}[6].

ومن القيم كذلك قيمة السلام، فالسلام اسم من أسماء الله تعالى وفي القرآن الكريم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً}[7]. والسلام طريق يوصل لقيمة قرآنية أخرى ألا وهي قيمة الحب التي وردت في مواضع كثيرة، قال تعالى: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}[8]، {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ}[9]. وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحب من شروط الإيمان، ففي الحديث: (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أوَلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم)[10]. وإفشاء السلام يتضمن كل الأفعال والأقوال التي تؤدي إلى المحبة والألفة كما نبه عليه الحافظ بن حجر.

إلى غير ذلك من قيم القرآن الكثيرة التي تحتاجها البشرية اليوم مثل قيم الرحمة والتضامن والتعارف.

 

وفي الختام أدعو الله أن ينفعنا ويرفعنا بالقرآن الكريم وأن يجعل هذه الرعاية الكريمة في موازين حسناتكم، وأن يرحم الشيخ زايد، وأن يحفظ قيادتنا وبلدنا وأمننا، وأن يرفع الغمّة عن البشرية جمعاء، وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

والسلام عليكم ورحمة الله. 

[1] رواه البخاري.

[2] أخرجه غير واحد من حديث أبوسعيد الخدري.

[3] أخرجه ابن ماجة، وأحمد من حديث أنس بن مالك.

[4] أخرجه الحاكم من حديث بريدة.

[5] أخرجه الترمذي.

[6] سورة الإسراء، الآية 70.

[7] سورة البقرة، الآية 208.

[8] المائدة، الآية 54.

[9] البقرة، الآية 165.

[10] أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة.

Comments are closed.