حوار مع جريدة الحياة حول الحج :رمي الجمرات 24 ساعة “رأي قوي جدا”


 

الرياض – مصطفى الأنصاري    –  الحياة    –

 

منذ أهل على مهبط الوحي شهر ذي الحجة، والديار المقدسة، باتت أشبه بخلية النحل التي ينشط كل أفرادها في مجالات مهمة. ففي الوقت الذي تنظم فيه وزارة الحج ندوة عن الأثر الثقافي لمكة والقيم السلوكية في الحج، تنظم رابطة العالم الإسلامي ندوة أخرى عن مناهج التعليم الإسلامي، مثلما يفعل الأمر نفسه معهد خادم الحرمين لأبحاث الحج، إذ كان للفقهاء والباحثين معه يوم سنوي لمناقشة القضايا النازلة والحساسة في الحج. 


أحد الشخصيات الإسلامية التي تنشط في هذه الندوات وتلقى آراؤها اهتماماً بالغاً في الميدان الفقهي والفكري الدكتور عبدالله بن بيه، الذي تحدث إلى «الحياة» عن بعض القضايا التي تشغل الرأي العام في الحج، ويتحاور فيها المثقفون من العالم الإسلامي في مكة هذه الأيام، مثل المناهج، والجمرات، والحوار مع الآخر، والتيسير في الحج، فإلى الحوار: 

  

 

> تقام في مكة هذه الأيام ندوة عن مناهج التعليم الإسلامي، هل بعض المسلمين يشارك الغرب في التشكيك في المناهج الدينية؟
 
 

 

 

– مراجعة المناهج من جانب المسلمين ليس للتشكيك فيها وانتقادها، ولكن من باب تنقيتها وتطويرها… الذي لا يتحسن ولا يترقى هو الجماد، وكل عمل الناس معرض للتجربة والخطأ والصواب… طبعاً الحديث هنا ليس عن الثوابت التي لا تتبدل ولا تتغير، وإنما عن الأساليب والكيفيات في العلوم الإنسانية والتكنولوجية. 


 

  

 

  

> إذاً لا ترى تواطؤاً غربياً مع بعض الليبراليين العرب مثلاً في نبذ المناهج الإسلامية بتفريخ الإرهاب؟
  

 

– الأمر يحتاج إلى تفصيل فالأمر ليس مطلقاً… مناهج التعليم ليست براء، بمعنى الكيفيات والأساليب التي تدرس بها الوسائل التي من خلالها نقدم المعلومة معرضة للنظر والمراجعة، مع أن مناهج التعليم تعاني انكماشاً واضحاً في الاجتهاد الفقهي ما نتج عنه عجز في مواكبة مستجدات العصر، كما أننا يجب أن ننظر إلى مناهجنا بعين الآخرين، كما لو أننا ننظر في مرآتنا حتى نرى صورتنا وكيف تكون عند الآخر أيضا، إلا أن هذا الأمر لا يجوز أن يدفع  إلى تجاوز المسلمات الدينية، فإن ذلك يعني التنازل. 

 

 

> على رغم كل هذا الحديث عن المراجعة والتغيرات منذ سنين لا يزال الصوت الغربي مرتفعاً، هل هذه المناهج مجرد قميص عثمان آخر؟
 
 

 

– هذا أمر مؤكد، أعتقد أن الصوت الغربي لا يجوز لنا أن نمضي في الإنصات إليه، قبل أسبوعين كنت في كندا، كانوا يتهمونني بأشياء تتحدث عنها صحفهم، فقلت لهم أثبتوا أنني قلت ما لا يتناسب مع القوانين، فأقدم اعتذاراً لكم… قصدي من ذلك أننا إذا تركنا العالم يستهتر بنا ونحن فقط مجرد منفذين لمطالبه، فإن ذلك يوقعنا نحن المسلمين في هوة لا نهاية لها.
في المقابل، لا بد أن يكون لدينا قدر من الشجاعة يجعلنا نعترف بسلبياتنا ونقوم بمعالجتها، والتوفيق بين ما نرفضه من الضغط الغربي وما نأخذ به من نقده وملاحظاته، مسألة تحتاج إلى دقة ووعي، بحيث نقول: «نعم» في مكانها، و«لا» أيضا في الوقت المناسب.
 


 

فتوى الأزهر وجيهة 

 

> قبل أسابيع اجتمع المسلمون لتطوير آليات العمل الإسلامي المشترك، ومن بين ذلك مجمع الفقه، ونحن الآن أمام مناسبة كبرى على الأبواب، هي الحج. أليست النظرة الواحدة في مسائل الحج الفقهية يجب أن تتطور إلى مفهوم عالمي وإسلامي أشمل؟
 
 

 

– في المنظور الفقهي قضايا الحج فيها سعة كبيرة من الاختلاف، وهذا الأخير واقع ولا إشكال فيه، وهو ما سماه ابن القيم «الاختلاف بالحق»، وهذا الاختلاف يجب أن نفعله، والرأي الواحد في قضايا الحج من الأساس كان خطأ… النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل عن شيء في الحج إلا قال افعل ولا حرج، في التقديم وفي التأخير هنالك  خيارات عدة مفتوحة أمام المرء، والإسلام ترك للمكلفين مساحة واسعة في ذلك.

 

> الآن هنالك مسائل نازلة في الحج، فنحن نرى الأزهر مثلاً أفتى بجواز رمي الجمار على مدى 24 ساعة باعتبار أيام وليالي التشريق كلها أوقات للرمي، فكيف تنظرون إلى مثل هذه الآراء ومبدأ التيسير فيها؟

 


– هذه الآراء لها احترامها، لأنها مستندة إلى أقوال بعض العلماء المعتبرين، والحج عبادة مبنية على رفع الحرج، ولم يرد في أي عبادة في القرآن الكريم شرط الاستطاعة نصاً إلا في الحج، وإن كانت الاستطاعة شرطاً في كل العبادات، فقضية الاستطاعة في غاية الأهمية، ولا بأس أن نختلف هل الأيام كلها وقت واحد، أم أنه فقط الليل والنهار، وجواز الرمي في الليل والنهار أقوال قوية جداً، من المفروض أن لا نختلف فيها أصلاً، أعني بعد الظهر إلى الفجر، فكل يوم يلد الليلة التي بعده، فالمسلمون إذا رتبوا أنفسهم باستغلال هذا الوقت الذي ليس فيه إلا خلاف يسير، تحل المشكلة.
 الأمر فيه سعة، والعلماء جميعاً مع الوقت وضغط الواقع أظنهم سيقدمون كليات الشريعة على جزئياتها، والمقصود بالكليات: مقاصد الشريعة، التي من بينها التيسير، «يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر».

 

> هنالك حديث عن حملات تقدم خدمات «خمس نجوم» في الحج، كيف ترى هذا النوع من الحج الفخم، هل يفقد الحج مساواته بين البشر؟
 

 

– الله لا يظلم أحداً، ولذلك توسعة الإنسان على نفسه في الحج لا حرج فيها، ولكن لا يجوز أن يكون ذلك على حساب الآخرين.

 

> تعني الترف والتوسع في المباحات أثناء الحج كما في غيره لا ترى فيه بأساً؟
 

 

– لا أرى فيه مانعاً، كل المــباحات لا مـانع منها، الله يقول: «قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق»، نحن لا نحرم ما أحل الله، وهذا غلو، ونحن لا نريد أن نكون غلاة.

 

Comments are closed.