عبد الله بن بيه: بين الأصول والمقاصد

 

نعود إلى سياقنا وموضوعنا لهذا   اليوم، وهو: المقاصد في هذا العصر. وكنت تحدثت عن ابن عاشور وعن علال الفاسي…وغير بعيد عنهما أنتقل إلى أستاذنا الشيخ عبد الله بن بيه، فهو من العلماء المهتمين بمقاصد الشريعة في هذا العصر، تنظيرا وتطبيقا. فها قد وصلنا إلى المعاصرين الأحياء.
ومن هذا الباب هناك نكتة وقعت بالمغرب، وهي أن أحد الأساتذة كان يدرِّس بعض المواد الشرعية، وجاءه المفتش، وكان الكتاب المقرر الذي يعتمده الأستاذ من تصنيف المفتش نفسه، والأستاذ لا يدري. فكان يشرح ويقول للتلاميذ من حين لآخر: قال المصنف رحمه الله. في النهاية جاءه المفتش وقال له: أنت تقول عن المصنف رحمه الله، وأنا هو المصنف، فقال الأستاذ مندهشا: سبحان الله! وهل هناك مصنف باقٍ على قيد الحياة!! كان يظن أن المصنفين كلهم من الأموات. فلا تظنوا أنتم أن المصنفين في المقاصد كلهم من القدماء ومن الأموات.

الشيخ عبد الله بن بيه، له مكانة ورسوخ واجتهاد. فلذلك اخترته لتقديمه لكم، وإلا فالذين يكتبون اليوم في المقاصد عشرات وعشرات، ولكني أتحدث عمن لهم مكانة وعطاء ورسوخ.
الشيخ الفقيه ابن بية صدر له كتاب في المقاصد قبل نحو سنتين. وأصله محاضرة ألقاها بمكة المكرمة، ثم وسعها وجعلها كتابا اسمه “علاقة مقاصد الشريعة بأصول الفقه“.

المسألة الأساس لهذا الكتاب هي المعبر عنها في عنوانه. وقد سبق أن عرضنا لها فيما سبق. ولها مكان يأتي في اليوم الأخير من هذه الدورة إن شاء الله عز وجل.


وللشيخ حفظه الله آراء وإضافات واستدراكات وتطبيقات، في جميع مباحث الكتاب، غير أن الجديد الكامل في نظري هو مبحثه الرابع الذي سماه “الاستنجاد بالمقاصد واستثمارها “.
وقد بدأه بتأكيد ما ذهب إليه الشاطبي من قبل، فذكر أن «أول استثمار لها -أي للمقاصد- هو ترشيح المستثمر لها، الذي هو المجتهد، ليكون مجتهدا موصوفا بهذا الوصف. فلا بد من اتصافـه بـمعرفة المقاصد..

ثم عرض رأي ابن عاشور الذي ذكرته سابقا، ثم قال :«ولبيان ما دندن حوله أبو المقاصد أبو إسحاق الشاطبي، والعلامة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور، رحمهما الله تعالى، نقول: إنه يُستنجَد بالمقاصد في أكثر من عشرين منحى من مسائل الأصول… ».

والحقيقة أنه قد أوصلها إلى ثلاثين وجها، هي كلها تقريبا عبارة عن قواعد أصولية، لغوية واستدلالية، تَمَّ تطعيمها وتسديد العمل بها، باستحضارالفكرة المقاصدية والنظر المقاصدي في إعمالها. ويمكن اعتبارها عملا نموذجيا لصياغة مقاصدية لعلم أصول الفقه.

وبعد أن استعرض الشيخ الجليل هذه المناحي الثلاثين للاستنجاد بالمقاصد، قال حفظه الله: «وهذه المناحي التي تسجَّـل لأول مرة، لو أردنا نشرها ـ كما تنشر بعد الطية الكتبُ ـ لكانت جزءا كبيرا، لكن مقصودنا من هذا هو الإشارة إلى أن المقاصد هي أصول الفقه بعينها، وهذه المناحي والمدارك أمثلة للوشائج الحميمة والتداخل والتواصل. ولو أمعنا النظر وأعملنا الفكر لأضفنا إليها غيرها. فأقول لطالب العلم: انحُ هذا النحو… ».

ومما يتميز به الشيخ ابن بيه، نشاطه وإنتاجه الإفتائي، في مختلف قضايا العصر، وهو ما يتيح له تطبيق رؤيته المقاصدية. وبحوثه المقدمة في مختلف المجامع الفقهية، هي خير ما أحيل عليه

 

Comments are closed.