الحمد لله رب العالمين نحمده على رحمته لنا بالإسلام ونعمته علينا بالإيمان وتفضله علينا بالانتماء إلى دين سيد الأنام سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وعلى آله الأبرار وصحابته الكرام.
سعادة الدكتور مظفر كاملوف -حفظه الله تعالى-
مستشار رئيس جمهورية أوزبكستان للشؤون الدينية
أصحاب المعالي والفضيلة والسماحة، أيها المشاركون كل باسمه وجميل وسمه، السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
بداية أشكر القائمين على هذا المؤتمر العلمي الدولي على الدعوة الكريمة للمشاركة في هذا اللقاء، وأعتذر عن عدم التمكن من الحضور معكم شخصياً لارتباطات سابقة، لكن ما لا يُدرك كله لا يُترك جُله، فآثرت الاستجابة ولو بالمشاركة عن بعد.
ويسرني أن أُنَوِّه بعلاقات الصداقة المتميزة بين بلدينا الامارات العربية المتحدة وجمهورية أوزبكستان، إن قيادة دولتنا الرشيدة تشاطر دولتكم مَسَاعِيها الحميدة في نشر قيم التسامح والسلام.
في هذه الكلمة الموجزة سأقتصر على بعض المسائل ذات الصلة بعنوان المؤتمر ومحاوره، راجياً أن تكون مفيدة لكم إن شاء الله.
أولا: الإسلام-دين السلام والخير
إن اختياركم موفق لهذا العنوان ليكون شعاراً جامعاً للمؤتمر ولتنضوي تحته محاوره المتعددة ومواضيعه المتنوعة. إذا نحن نتحدث عن ديننا الحنيف الإسلام، ونخص بالذكر خصلتين من خصاله السامية وهما السلام والخير.
لقد جاء هذا الدين العظيم –الذي يدين به ربع البشرية اليوم أو نحو المليارين من البشر– لسعادة الناس في الدارين، وذلك من خلال توحيد الله وإفراده بالعبادة والإقرار بنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. والدين الإسلامي يشمل الإسلام والإيمان والإحسان كما في حديث جبريل الشهير، ويمكن إيجازاً أن نعرف هذه المستويات الثلاثة المذكورة في الحديث؛ بأن الإسلام هو الأعمال الظاهرة، والإيمان هو الأعمال أو الاعتقادات القلبية، والإحسان هو الأعمال الروحية.
فالإسلام وفق هذا التعريف هو الأعمال الظاهرة الداخلة في أركان الإسلام كالصلاة والزكاة والصوم وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً وغيرها.
والإحسان كمال لا حدود له، وتسامٍ لا سقف له، فهو شعور بالحضور والشهود مقارنا للعبادة. فلا العبادة في نفسها تمثل الإحسان، ولا ذلك الشعور المتسامي والشهود المتعالي يمثل الإحسان، حتى يجتمعا معا كما وصفها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المذكور بقوله: “أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك“.
فأرض الإيمان هي الأعمال وسماؤه الإحسان، فلا بد أن ينبت في تربة الأعمال ليرتقي إلى سماء الإحسان.
وتتفرع من هذه الشعب الثلاث سائر تكاليف الدين التي تهدف الى حفظ الكليات الخمس الدين والعقل والنفس والملكية والعائلة، من خلال منظومة المقاصد الكبرى الثلاثة الضروري والحاجي والتحسيني التي ترجع إليها الشريعة، وشبكة القواعد الخمس التي يرجع إليها الفقه، وروح القيم الناظمة للشريعةَ المطهرةَ وهي: الحكمة، والمصلحة، والعدل، والرحمة.
وجاء هذا الدين داعياً الى الخير والبر كما في قوله تعالى: ﴿ِإنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون﴾، كما جاء متمماً لمكارم الأخلاق كما في الحديث “إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ“.
وهكذا يزرع هذا الدين في الإنسان دافعاً لأفعال الخير والإحسان إلى القريب والغريب، كما يقيم في نفسه وازعاً وفي ضميره رادعا عن الوقوع في أذى الناس أو الإساءة إليهم، فالمسلم (مَن سَلِمَ الناس مِن لِسانِه ويَدِه).
إنَّ البشرية وهي تواجه تحديات وجودية من قبيل الحروب والأوبئة والمجاعات لفي أمس الحاجة إلى استلهام روح هذا الدين السامية ومقاصده الرفيعة لإنقاذ سفينة البشرية وحماية كوكب الأرض.
ثانيا: التربية على التسامح
إن التربية على قيم التعايش والتسامح أمر في غاية الأهمية وخاصة في العصر الحاضر الذي تمازجت فيه الحضارات وتزاوجت فيه الثقافات واشتبكت فيه المصالح والعلاقات وأصبح مصير البشرية مشتركاً وضرورة لا يخطئها البصر ولا تنبو عنها البصيرة.
وهكذا فالحاجة ماسة لبث روح جديدة هي روح الرحمة، وروح المحبة، وروح إفشاء السلام كما في حديث ” والَّذي نفسي بيدِه لا تدخلوا الجنَّةَ حتَّى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتَّى تحابُّوا أولا أدلُّكم علَى شيءٍ إذا فعلتُموهُ تحاببتُم أفشوا السَّلامَ بينَكم” وروح بذل السلام للعالم كما في صحيح البخاري من حديث عمار الموقوف المحكوم له بالرفع “ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالم، والإنفاق من إقتار“. والسلام هنا ليس لفظ السلام فقط بل السلام هو الأخلاق وأسباب المحبة والمودة كما أشار إليه الحافظ ابن حجر في كتابه فتح الباري.
كل ذلك يمثل منظومة يقتضي تنزيلها على حياة الناس، وتنزُّلها في قلوبهم، رحلة قد تكون شاقة لكنها مشوقة ومحمودة الغبّ، بالاستعانة والاعتماد على نور الوحي، والاستمداد من مشكاة أنوار النبوة، فبهما يمكن رسم خارطة طريق تهدي مسيرة البشرية.
إن صيدلية الإسلام تقدم لنا أنجع العلاج، وتضع لنا برامج لإعادة التأهيل النفسي والروحي، فمن القرآن الكريم ومن سيرة أفضل المرسلين يمكن أن نعمل مركبات الدواء التي تُحل السلم في النفوس وتصرف أعراض الكراهية والاحتراب.
ومن خلال ذلك يمكن وضع مناهج لتربية الأجيال على التعايش مع عموم البشر بمختلف أديانهم وأعراقهم بناء على المشتركات الإنسانية والسعي في الخير والبر ونشر السلام وإعلاء كرامة الإنسان، والتعارف بين الناس، طبقاً لقانون المصالح والمفاسد.
متمثلين روح رُكَّاب السفينة التي ضرب بها النبي صلى الله عليه وسلم المثل، هؤلاء الذين يؤمنون بالمسؤولية المشتركة وبالحرية المسؤولة المرشّدة وبواجب التّضامن والتعاون.
ختاماً، أشكركم على إصغائكم، متمنياً لأعمال هذا المؤتمر التوفيق والنجاح، وأدعو الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا ويوفقكم لكل خير، وأن يصرف عنا وعنكم كل شر، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.