القيم المشتركة

 

             بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه

 

القيم المشتركة 

نشكر للجهات التي دعتنا لنفكر معاً حول القيم لتكون أساسًا للتفاهم والتقارب والوئام، إذا بحثنا عن الأسس المشتركة، وفتشنا عن أصعدة الالتقاء في مجهود لإبراز كوامنها وتنمية دوافعها وحوافزها؟ ذلك ما انتهيت إليه لأبرّر لنفسي تقديم ورقة في هذا الموضوع.

ولهذا فلا تنتظروا أطروحة فلسفية تفك الاشتباك بين المدارس الفلسفية؛ سأتحدث حديثًا مختصرًا بعد تعريف القيم عن إشكالية وجود قيم مشتركة على ضوء الفلسفة، وعلى ضوء ما يستنتج من نصوص الشرع وأقوال العلماء.

دعونا أولاً نقول ما هي القيم. 

فما هي القيم ؟

إذا راجعنا ما يمكن أن يرادف هذه الكلمة في اللغات الغربية لوجدنا كلمة ETHIQUES     التي تدل على مجموعة قواعد السلوك، كما نجد كلمة VALEURS  باللغة الفرنسية، ومن معانيها ما يعتبر حقًا وجميلاً وخيرًا طبقًا لمعايير شخصية أو اجتماعية ويوظف كمعيار ومرجع لمبدأ خلقي.

أما ما تشير إليه الكلمة وتوحي به ظلالها في اللغة العربية، فالقيم جمع قيمة، وهي ما يكون به الشيء ذا ثمن أو فائدة، يقول المثل العربي: قيمة كل امرئ ما يحسنه”.

وتشير القيمة إلى الخصلة الحميدة والخلة الشريفة التي تحض الإنسان على الاتصاف بها كحرصه على اقتناء الأشياء ذات القيمة الثمينة والاحتفاظ بها، والقيمة ثمن الشيء الذي يقوم مقامه.

وترد القيم مفردًا مصدرًا، ومنه: دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ [إبراهيم:161]، في قراءة جماعة من القراء، وكذلك ورد في قوله تعالى: وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَامًا[النساء:5]، في قراءة نافع، أي بها تقوم أموركم.

والشيء القيّم الذي له قيمة عظيمة مبالغة، وأصله قويم على رأي الفراء، وفيعل شاذ على رأي سيبويه، وقرأت طائفة دِينًا قِيَمًا أي مستقيمًا أو كافيًا لمصالح العباد يقوم عليها.

وهي عند بعض الفلاسفة حكم يصدره الإنسان على الأشياء وينبع  منه الاعتراض والاحتجاج على الوجود كما هو قائم ومفروض لتحويل هذا الوجود وفق ما ينبغي أن يكون.

تبعًا لهذا الأصل اللغوي فإن القيم هي تلك المبادئ الخلقية التي تمتدح وتستحسن وتذم مخالفتها وتستهجن، ولعلنا لا نتوقف طويلاً عند وصف هذه المبادئ بأنها خلقية؛ لأن الأخلاق تحتاج إلى تعريف، وباختصار فهي تلك السجايا الكامنة في النفس، وهي أيضًا المظهر الخارجي لتلك السجايا.

وقد رأي بعضهم :أن الخلق هو صفة نفسية لا شيء خارجي، والمظهر الخارجي هو سلوك أو معاملة” ([1]).

وإذا كان الأمر كذلك فلا يسمى قيمة إلا ما كان مستحسنًا على أن يحظى باستحسان عام ومستمر، فما يحبه شخص من طعام لا يمكن أن يُسمي قيمة، لكن هذا الاستحسان العام قد يكون قاصرًا على مجتمع معين أو يكون عامًا للبشرية كلها.

لا أضيف لكم علماً إذا قلت إن الفلاسفة لم يكونوا متفقين على وجود قيم مشتركة واسمحوا لي بتقديم استشهادين لوجهتي نظر يوضحانها.

إن القيم الخاصة بالمجتمعات المعينة والتي مردها إلى العرف والعادة أو الدين أمر لا شك فيه، ولكن القيم العامة المشتركة هي أمر تردد فيه الفلاسفة.

إن تحرير محل النزاع كما يقول أهل الأصول هو: ما هو مركز القيمة؟ وهل للخير الذي هو أساس القيم وجود موضوعي مطلق؟ وهل هناك خير بالمعني العام؟ أو هو دائمًا نسبي تبعًا لرضا فرد معين أو فئة معينة؟

لقد اختلف الفلاسفة في هذه المسألة الأساسية اختلافًا شديدًا وذهبوا فيها مذاهب، فكانوا طرائق قددًا من اقتصاديين واجتماعيين ونفعيين ومثاليين، أعفيكم من ذلك بل أُجمل الكلام في موقفين هما موقف من يقول بالنسبية، أي أن القيمة هي نسبية ولا توجد قيم عامة بغض النظر عن العنوان الذي يوضع ذلك تحته، ومن يقول بعموم القيم بغض النظر عن دوافعه، ثم أعرج على موقف الإسلام من ذلك، ثم أنتهي إلى مقولة لغوية.

إن أفضل ما يعبر عن النسبية واعتماد القيم على البيئة هذه الفقرات لوايتهيد في كتابه مغامرات الأفكار حيث يقول:وتفاصيل هذه المقاييس الخلقية تتعلق بالظروف الاجتماعية الخاصة بالمحيط المرافق للحياة في زمن معين على الجانب الخصب من الصحراء العربية، والحياة على المنحدرات السفلى من جبال الهملايا، والحياة في سهول الصين أو سهول الهند، والحياة في دلتا أي نهر عظيم.

كما أن معني المقاييس متغير وغامض، فهناك مثلاً مفاهيم الملكية والعائلة والزواج والعقل، والله سبحانه وتعالى، فالسلوك الذي ينتج في محيط ما وفي مرحلة ما مقياسه المناسب من الإشباع المتوافق قد يكون في محيط آخر وفي مرحلة أخرى منحطًا انحطاطًا مدمرًا، ولكل مجتمع نمطه الخاص من الكمال وهو يحتمل صعوبات معينة حتمية في مرحلته.

وهكذا فإن المفهوم القائل بوجود مفاهيم تنظيمية معينة مضبوطة ضبطًا كافيًا لإيضاح تفاصيل السلوك لكل الكائنات العاقلة على الأرض، وفي كل كوكب آخر، وفي كل مجموعة شمسية، وهو مفهوم يستحق الإهمال، فذلك هو مفهوم نمط واحد من الكمال يهدف إليه الكون كله” ([2])، وهذا هو مذهب النسبية.

وإلى جانبه المذهب المطلق، وعبّر عنه خير تعبير هنترميد بقوله: يمكن التعبير عن موقف المذهب المطلق باختصار بأنه يري أنه لا يوجد إلا معيار واحد أو في حالة الأخلاق قانون واحد هو الصحيح منذ الأزل، وهو الذي يسري على البشر أجمعين، هذا المعيار لا يسري على نحو عالمي شامل فحسب، بل إنه أيضًا مستقل عن العصر، وعن الموقع الجغرافي، والتقاليد الاجتماعية المألوفة، والعرف القانوني وكل شيء آخر، والأمر الذي يشكل التزامًا لي في هذا المكان والزمان هو بالمثل التزام للصيني أو الأسباني أو البولندي.

وهو فضلاً عن ذلك قد كان التزامًا لليوناني القديم والأوروبي في القرون الوسطي سواء أكان يعلم ذلك أم لم يكن، وهو سيكون التزامًا بالنسبة إلى جميع الأجناس والمدنيات التي ستعقب مدنيتنا، فما هو خير الآن كان خيرًا عندئذٍ وسيكون خيرًا في المستقبل البعيد، وما كان شرًا في الماضي ما زال شرًا وسيظل كذلك أبد الدهر، وليس هناك قانون أخلاقي للماضي وآخر للحاضر، ولا معيار للشرقي وآخر للغربي، وإنما الخير والحق شامل يسري على كل زمان ومكان”([3]).

إن نظرية المبدأ المطلق تجد سندها في الديانات السماوية وخصوصًا تلك التي تؤمن بالشمولية، ويعترف هنتر ميد بذلك أن الحضارة الغربية أصلها مسيحي، قائلا: وحين نقول المسيحي فإننا نعني بالنسبة للفلسفة “التوحيدي”، فالإيمان بإله واحد يحكم الكون الذي خلقه أساس للتفكير الديني للغرب.. وهذه الأوامر أوامر الإله شاملة تنطبق على الناس جميعًا في كل مكان”.

المصدر المنطقي: ربما كان “كانت” أشهر العقلانيين في ميدان الأخلاق، فقد كان “كانت” يعتقد أن التحليل يستطيع على الدوام أن يثبت أن خرق القانون الأخلاقي هو أيضًا خرق لقانون المنطق. فاللاأخلاقية تنطوي دائمًا على تناقض، ولنقتبس أشهر الأمثلة التي ضربها “كانت” في هذا الصدد.

فعندما نعطي وعدًا دون أن يكون في نيتنا الوفاء به فإن سلوكنا يكون شرًا؛ لأننا نتصرف على أساس مبدأين متناقضين في آنٍ واحد أول هذين المبدأين هو أن الناس ينبغي أن يؤمنوا بالوعد ولكني أخلفت وعدي، فمعني ذلك أن لكل شخص الحق في أن يخلف وعوده ما دام القانون الأخلاقي ينبغي أن يكون شاملاً، ولو أخلف كل شخص وعوده لما عاد أحد يؤمن بالوعود ولكان لنا مبدأ آخر هو أن من الصحيح أن أحدًا لا ينبغي أن يؤمن بالوعد، وهو مبدأ يتناقض مع الأول”.([4])

أما نحن المسلمين فكل تصوراتنا الفكرية تشير إلى أساس مشترك للقيم بين الإنسان على الأسس التالية:

1- قرر الإسلام مبدأ المساواة المطلقة بين الناس وردهم إلى أصل واحد، لأن رّبهم واحد وأباهم واحد، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا[الحجرات:13].

وقال عليه الصلاة والسلام: يا أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كُلّكم لآدم، وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربي على أعجمي، ولا أعجمي على عربي، ولا لأحمر على أبيض، ولا أبيض على أحمر فضل إلا بالتقوى.([5])

لهذا فأنا مع وجهة النظر التي تؤمن بوجود قيم مشتركة واعتقد أن العولمة في العالم الحالي ووسائلها والمواصلات والتواصل ألغت الحاجز المادي الذي تحدث عنه الفيسلوف وايتهد إلا أن الحاجز النفسي لا يزال قائماً.

ورسالة النبي الخاتم سيدنا محمد  هي للناس كافة، قال تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ[الأعراف:158].

قرر الإسلام أن النزعة إلى الخير والإيمان والحق فطرة لكل الناس. قال تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ[الروم:30].

إنه مهما استغرق المرء في مجادلات فكرية حول المبدأ المطلق والنسبي، وتلوت به النظريات الفلسفية في معارج منعرجات لا نهاية لها، فإن من البديهي أنه توجد قيم مشتركة وأن العقل الذي هو أحسن الأشياء توزيعاً بين الناس كما يقول ديكارت واللغة هما خير برهان على ذلك.

فكل عقل وكل لغة يعتبر فيها “العدل” كلمة نبيلة حبيبة على النفوس، وكلمة “الصدق”، وكلمة “الحرية”، “التسامح”، “الوفاء” وغيرها من الألفاظ المحمودة عند كل الأقوام.

وفيها نقيض تلك الألفاظ وهو مذموم لا يقبله أحد مثل “الجور”، “الظلم”، فلو قلت لأشد الناس جورًا إنه جائر لسخط من ذلك وأحب أن يوصف بالعدل “الكذب” حتى الكذّاب لا يريد أن يوصف بذلك، “التعصب”، “الخيانة”، “الغدر”، إنها صفات مذمومة كريهة إلى النفوس ممقوتة من جميع الأقوام، الفطرة والعقل يمجّانها. أليس ذلك دليلاً عمليًا وبرهانًا ساطعًا على وجود قيم مشتركة؟

إنه بتفعيل قيم الأخلاق الكريمة وليس فقط حقوق الإنسان التي تمثل الحد الأدنى الذي لا غنى عنه لتعايش البشرية : كالرأفة والرحمة والإيثار والتضامن ومساعدة المحتاج من الفقراء والعاجزين دون التفات إلى عرقهم أو دينهم أو أصولهم الجغرافية من شأن ذلك أن يقدم مفهوماً جديداً للإنسانية يتجاوز المبدأ المحايد لحقوق الإنسان المتمثل في المساواة وعدم الاكتراث بالاختلاف إلى الإيجابية في التعامل التي تشعر الآخر بدفء المحبة والأخوة.

وهو يوافق الحكمة العربية المأثورة: عامل الناس بما تحب أن تعامل به. والحديث النبوي يشير إلى معان أعمق عندما يقول: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”.

إنه يضيف قيمة “الحب” وقيمة “الأخوة الإنسانية” التي تشعر بوشيجة القربى. ليس ذلك التفسير من قبلي للمناسبة. فالعلماء قبل قرون من الزمن كابن رجب الحنبلي في شرحه للأربعين والشبراخيتي قالوا إن الأخوة في الحديث هي الأخوة الإنسانية.

إن الحب قيمة جميلة لأن كل إنسان يحب أن يكون محبوباً بل قل أن تجد إنساناً يود أن يبغضه الآخرون ومن المفارقات أن بعضهم يحارب الآخرين بدعوى أنهم لا يحبونه إنه يخطئ الوسيلة كما قال صاحبنا الموريتاني.

فإذا تحقق الحب من الجانبين انتفى العدوان إن الحب عواطف وسلوك وعنوان وإعلان ولهذا جاء في الحديث: ” إذا أحب أحدكم أخاه فليعلمه بذلك”.

لماذا هو قيمة لأن كل الناس يعجبون به حتى من لم يسلك طريقه وذلك هو معيار القيمة لا يرضى أي شخص إلا أن يتصف بها فلا يرضى أحد إلا أن يكون عادلاً إلا أن يكون متسامحاً.

إلا أن هذه القيم قد تذبل إذا لم تتعهد وتنمى بالتربية ولهذا يقول الشاعر: 

     هي الأخلاق تنبت كالنبات       إذا ُسقِيَت بماء المكرُمات

إن أهم قيمة يمكن أن تكون مفتاحاً لحل مشاكل العالم هي احترام الاختلاف بل حب الاختلاف بحيث ينظر إليه كإثراء كجمال كأساس لتكوين المركب الإنساني.

إنه بحسن إدارتنا للاختلاف وترقية الفضيلة –قانون الفضيلة- إلى جانب قانون حقوق الإنسان يمكن أن نضع أساساً لتفعيل القيم المشتركة ليكون الاختلاف انسجاماً والعداوة محبة طبقاً للآية أدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم  إنه قانون أخلاقي يثبته القرآن “الإحسان” يورث الإحسان والحب يعطي الحب.

فهل لنا أن نأمل في تنمية جوانب الخير والقيم الإنسانية الخيرة المشتركة، إن سلوكنا الفاضل، وتسامحنا، وسخاءنا، وصدقنا، ووفاءنا، وأمانتنا من شأنه أن يقنع الآخر، وهو الإنسان الذي حمل نفس الإعجاب بتلك القيم أن يعاملنا بنفس المعاملة النبيلة، فالخير يدعو للخير، والسخاء يستدعي السخاء. إن إقناعنا للغير بسلوك سبيل الخير أهم قضية إنسانية. ونقتبس من أفلاطون قوله:إن خُلُق العالم هو تعبير عن غلبة الإقناع على القوة.

وتتألف قيمة البشر من قابليتهم للإقناع، فهم يستطيعون أن يقنعوا ويقتنعوا بإظهارهم على مختلف الوسائل التي يمكن أن يُستعاض بإحداها عن الأخرى، فمنها الأحسن ومنها الأسوأ، والحضارة هي الحفاظ على النظام الاجتماعي بواسطة الإقناع الفطري الذي يتجسد باختيار الأفضل.

أما استخدام القوة مهما يكن ذلك حتميًا فإنه يكشف عن فشل الحضارة سواءً كان ذلك بالنسبة للمجتمع العام أم بالنسبة للأفراد”.

 وكذلك فإن هذا الانسجام لن يكون مقتصراً على المجتمعات المختلفة الثقافة بل إننا بحاجة إلى إيجاد هذا الانسجام في حياة كل فرد والذي قد ينتمي إلى ثقافات مختلفة وبالتالي قد ينشأ في نفسه نوع من صراع القيم الذي يجب أن يتحول إلى انسجام وإلى إثراء لشخصيته فهو مثلاً آسيوي بأصوله مسلم بالديانة بريطاني المولد والمنشأ.

وهكذا كنا ندرسه في تراجم العلماء الأقدمين فهو ثراء وليس تناقضاً أو يمكن أن يكون كذلك

كذلك فلنجرب فلنبدأ حتى يكون رجاؤنا مبنياً على أساس وإلا فإنه ليس برجاء إنما هو غرور فلا يمكن أن تتصور إذا كنت لم تقدم أي وسيلة للحب أن تصل إليه إنما هو غرور كما يقول أبوحامد الغزالي إنه كحال من لم يزرع ولم يبذر الزرع وهو ينتظر الحصاد أو من لم يتزوج وهو ينتظر الأولاد .

 

وأيضا فإن هناك مشكلة اتساع الخلف بين القول والعمل. كما يقول الطغرائي إنه النفاق.

فهناك اختلاف كبير بين سياسات الساسة وبين القيم وهو اختلاف لو انكمش لأمكن تجنب كثير من التضحيات الحمقاء إنها تعمى الأبصار .

توجيه النظر إلى زاوية قيم التسامح بدلاً من الكراهية والعنف وصرف طاقات الشباب وشجاعتهم في قنوات الإبداع والمصالح العامة بدلاً من إكراههم على الحروب في الجيوش أو تطوعهم للموت في الفرق الانتحارية وتقديم بدائل للوصول إلى المصالح بدون حروب مطلقاً أو بعمليات عسكرية واستخبارية أقل كلفة وأقل عدوانية.

إن صحوة ضمير عالمي ضرورة لإعادة كتابة دستور للفضيلة وللتذكير بحقوق الإنسان من جديد وإنها لكل إنسان ؛ ولكن عندما نسمع السجال بين الديمقراطيين والجمهوريين في أكبر قوة عالمية تدرك أن هذه الصحوة مازالت بعيدة المنال إذ كل الجدال حول الوسائل وليس حول الأهداف ولا المبادئ ، إنه أمر مزعج يدل على أن ساعة الانتظار مازالت طويلة وأن فك الاشتباك لا يتوقع قريباً.

وأخيراً : فإنه اختلاف في القيم الأساسية الكبرى كالحق في الحياة والكرامة والحرية ، ولكن لعل الاختلاف في التفاصيل المتمثلة فيمن يستحق الحياة ومن يستحق الحرية.

إن احترام الاختلاف وترسيخ أهميته ومد جسور الوحدة وغيره هو وحده الذي يعيدنا إلى قيمة الإنسان وهو أننا جميعاً نستحق هذه القيم.    

وفي الختام : فإنه لترسيخ هذه القيم وتحجيم القيم المضادة يجب أن يكون رجال الدين جزءاً من الحل وليس جزءاً من المشكلة كما شاهدناه من انزلاق بعضهم على الضفتين ومن مختلف الديانات في إثارة نعرات الخلاف ومحاولة إرضاء جمهوره بما يعود سلباً على قيم التضامن الإنساني وحسن التفاهم.

كما أن وسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني والجامعات ومراكز البحث مدعوة لأن تلعب دوراً إيجابياً في تنمية القيم كما أن القادة السياسيين مدعوون للانخراط في جهد جاد لتخفيف وطأة الظلم والفقر حيثما وجدا لإيجاد حلول للقضايا المزمنة ولو نصف حلول أو نصف عدالة لأن الحل بالوسائل العسكرية غير أخلاقي وأيضا غير ممكن تلك إحدى الحقائق.         

إننا هنا لا نملك أكثر من الوعظ الذي يحاول أن يركز على ثلاثة أهداف أساسية:

أولاهم: تقديم دروس قيم مقنعة لأهل أوربا وبخاصة لشباب المسلمين تردعهم وإلى الأبد عن ارتكاب حماقات الإرهاب والجريمة.

ثانياً: دعوة الجهات المعنية في الغرب بمنحهم حقوقهم وبخاصة الحقوق الثقافية ليكونوا عنصراً فعالاً له خصائصه التي لا تتناقض مع المجتمع الأوربي في الخطوط الأساسية.

ثالثاً: دعوة الغربيين إلى إعادة النظر في العلاقة بالعالم الإسلامي على ضوء القيم لإيجاد تعايش أكثر إسعاداً للجميع لأنه أكثر أخلاقية وأكثر ذكاء وسخاء.             

 


 


[1] أحمد أمين       الأخلاق   ص63  

([2]) مغامرات الأفكار: وايتهيد، ترجمة أنيس زكي حسن، ص439.

([3]) هنتر ميد: الفلسفة أنواعها ومشاكلها، ص 264 ترجمة فؤاد زكريا.

([4]) هنتر ميد: المرجع نفسه، ص267.

[5]– أخرجه الترمذي.

Comments are closed.