ورشة الاجتهاد بتحقيق المناط: فقه الواقع والتوقع: الخلاصات والتوصيات
بسم الله الرحمن الرحيم
انعقدت بحمد الله وحسن توفيقه برباط الفتح عاصمة المملكة المغربية الشريفة يومي الإثنين والثلاثاء 02 و03 شعبان 1432 هـ/ 04-05 يوليو 2011 م ورشة ” الاجتهاد بتحقيق المناط: فقه الواقع والتوقع” التي نظمها المركز العالمي للتجديد والترشيد بلندن والمركز العالمي للوسطية بدولة الكويت ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمملكة المغربية، وشارك فيها ثلة من علماء ومفكرين من المشرق والمغرب بينهم ذوو تجربة وخبرة في إدارة الشأن العام تحقيقا للتكامل بين طاقات الأمة في فهم النص والواقع معا.
استندت أعمال هذه الورشة إلى ورقة علمية تأطيرية أعدها فضيلة العلامة الشيخ عبد الله بن بيه واعتبرها المشاركون سبقا علميا في تدقيق المفاهيم الرئيسة لموضوع تحقيق المناط في علاقته بالواقع والمتوقع، وصياغة مضامين الاجتهاد بتحقيق المناط ومجالاته ووسائله وآفاقه.
تدارس المشاركون هذه الورقة والعروض التي قدمها نخبة من العلماء في أربع جلسات: الأولى في مضامين الاجتهاد بتحقيق المناط،والثانية في علاقة الواقع المعاصر بتحقيق المناط، والثالثة في مجالات تحقيق المناط، أما الجلسة الرابعة فخصصت لترشيح المواضيع الحرية بالتدارس في المؤتمر قيد التحضير بدولة الكويت الذي نظمت هذه الورشة بنفس عنوانه تمهيدا له.
وقد خلص المشاركون في هذه الورشة إلى ما يلي:
أولا: في أهمية الموضوع:
أ- التنويه بموضوع المؤتمر وكل ما يمهد له من أوراش ومنابر للتفكير بالنظر إلى:
– الأزمة الحضارية والفكرية التي تعيشها الأمة وتفقدها الانسجام الضروري بين الضمير الديني والأخلاقي والواقع الإنساني المعاصر فتعجز عن المواءمة بين كلي الزمان وكلي الشرائع والإيمان.
– تعيّن الاجتهاد بتحقيق المناط مسلكا لمراجعة حال الأمة والخروج بها من أزمتها باعتباره اجتهادا يراجع الجزئيات على ضوء الكليات منسجما مع أنواع الاجتهاد الأخرى ومستوعبا غير المجتهدين من كفاءات الأمة وأهل الخبرة فيها.
– ما يترتب على ضعف تحقيق المناط في عصرنا من كوارث ومضار تزيد من تعميق حالة التخبط والتناحر في الأمة
– تبلور اتجاهات في التنظير والحركة تنزع النصوص الشرعية من سياقاتها وتنزلها على غير مناطاتها في قضايا تمس استقرار المجتمعات الإسلامية وتماسكها.
ب- اعتبار التنظير للموضوع والتدقيق فيه نوعا من تجديد الفقه والدين الذي هو سنة ماضية وضرورة شرعية، ومشروعا حضاريا تجديديا للأمة .
ت- تحقيق المناط دليل على ديمومة الشريعة وإمكانية تطبيقها في كل زمان ومكان.
ثانيا: في التحديد العلمي للمفاهيم الرئيسة في الورشة وتأصيلها:
أ- تحقيق المناط نوعان: تطبيق للقاعدة العامة في آحاد صورها أو إثبات علة متفق عليها في الأصل في الفرع إلحاقا للفرع بالأصل
ب- تحقيق المناط هو القنطرة الواصلة بين حكم معروف العلة وبين مناط موصوف وبين محل مشخص معين لتحقيقها؛ لجعلها حاقة -أي ثابتة- تترتب عليها الأحكام المنوطة بتلك العلة .
ت- تحقيق المناط عمل اجتهادي مارسه الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون من بعده وسلف الأمة وإن لم يرتبط في هذه المراحل بمصطلح مستقر
ث- الواقع التقاء بين الزمان وبين المكان والحدث في لحظة محددة، أما المتوقع فيعني استناد الأحكام إلى المستقبل، والمجال الذي يغطيه فقه التوقع هو مجال تغطيه الذرائع والمآلات وتغطيه أيضا المترقبات ، وتبنى عليه قاعدة الانعطاف وقاعدة الانكشاف.
ثالثا: في مضامين الاجتهاد بتحقيق المناط:
أ- يتضمن هذا المنهج توسيع دوائر الاجتهاد بأنواعه الثلاثة وبخاصة تحقيق المناط ؛ ليرشح الكليات، ويرجحها على النظر الجزئي، وهي كليات ذات جذور ثلاثة: الشريعة نصوصاً ومقاصد، ومصالح العباد، وموازين الزمان والمكان، بذلك تصاغ تلك الكليات وتطوع الجزئيات.
ب- يحقق المناط بمعرفة نوعه ومرتبته، فمنه:تحقيق المناط في الأعيان، وفي الصفات المعنوية، وقد يتعلق بإبراز صفة خفية، لا يكون ظهورها بدهياً للسامع من النص المراد تطبيقه على القضية .
ت- المؤهل لتحقيق المناط هو العالم الرباني العاقل الحكيم الذي ينظر في كل حالة، ويعرف هذا الواقع حتى يعرف المتوقع لأن المتوقع هو في حقيقته مآل للواقع في أحد توجهاته.
ث- تحقيق المناط لا يختص بالمجتهد لأن علاقته بالتصديق؛ وهو بالضرورة النظر في تعيين المحل لتنزيل الحكم عليه.
ج- تحقيق المناط مستويات ومراتب بحسب الخطاب الشرعي؛ فمنه الموجه إلى الفرد في خاصة نفسه،والموجه إلى الجماعة، والموجه إلى الجهة الولائية،حتى يصل إلى السلطان.
ح- عدم تطبيق بعض الأحكام الشرعية يمكن أن يقابل بوجود ضرورات معينة حقيقية لا متوهمة تدخل في صلاحيات الإمام المسلم القائم على الشرع انطلاقا من الهدي النبوي – وهو القدوة والأسوة- في مداراة المنافقين مع القطع بنفاقهم
خ- القيم والفضائل والكليات بها تقوّم الأشياء والأعمال والتصرفات ومنها تنشأ النظم والأحكام الجزئية فلا تحتاج إلى تحقيق مناط لأن خطاب الوضع لا يتعلق بها؛ أما الأحكام الجزائية كإيقاع العقوبة الشرعية فلها شروطها وموانعها وضوابطها لأنها ليست من صلاحية الأفراد.
رابعا:في المجالات التي يشملها هذا الاجتهاد وتحظى فيه بالأولوية:
أ- مجال الأحكام السلطانية والسياسة الشرعية؛ وخاصة ما تطرحه قضية الدولة الإسلامية من تحديات للمسلمين داخليا وخارجيا.
ب- المجال الاجتماعي وخاصة ما يتعلق بالأسرة ، وقضايا المساواة بين الرجل والمرأة بوجه خاص.
ت- المجال الاقتصادي وعلى رأس موضوعاته الأزمة الاقتصادية العالمية،والربا،وبيع الديون والغرر.
ث- مجال الأقليات المسلمة في دول غير إسلامية لإيجاد فضاء من السعة ومناخ من التيسير؛ فقضايا الأقليات بحاجة إلى تحقيق مناط بناء على المكان والزمان وتغيرات الأحوال.
خامسا: في وسائل الاجتهاد بتحقيق المناط وأدواته:
أ- وسائل تحقيق المناط – أو مسالك التحقيق- هي في حقيقتها شارحة للواقع ، وهي خمسة: لغوية، وعرفية، وحسية، وعقلية، وطبيعية.
ب- المسالك العقلية لتحقيق المناط عسيرة دقيقة في الفهم لا يدركه كل متعاط ولو كان فقيهاً في الأحكام الشرعية ؛ لأنها ميزان قياس درجات
المصالح والمفاسد المؤثرة في العقود الجلية، وقياس الحاجات المنزلة منزلة الضرورات لإباحة المحظورات.
ت- وبناء عليه فإن تحقيق المناط في معظم القضايا -سواء كان في الأحكام السلطانية أو في القضايا الاجتماعية أو المشكلات الاقتصادية أو الطبية- جدير بأن يكون ناشئاً عن جهد جماعي ومنبثقاً عن اجتهاد مجمعي.
الاقتراحات والتوصيات:
د- إيلاء الأولوية في معالجة موضوع تحقيق المناط للمنظور الأصولي الكلي والمدخل المنهجي لصعوبة حصر القضايا الجزئية؛ولأن ضبط الكلي ييسر ضبط الجزئي.
ذ- ضرورة الصياغة العلمية لضوابط تحقيق المناط بما يمنع المتطفلين على المجال من التسرع في هذا الشأن ويكون عونا لأهل العلم على ممارسته تحقيق المناط.
ر- دراسة مستويات تحقيق المناط: بدراسة منهجية الاستنباط ومسالكها في تحقيق المناط، ومنهجية التلقين وخصائصها في تحقيق المناط،ومنهجية التطبيق وضوابطها في تحقيق المناط،ونظرية التطابق وصلتها بتحقيق المناط.
ز- العناية بدراسة علاقة تحقيق المناط بما يمكن أن يخدمه من مصادر أو مناهج أو أدوات في الاستنباط ( بمقاصد الشريعة، والقواعد الفقهية،وتخريج الفروع على الأصول…)
س- الاهتمام بدراسة المزالق المنهجية في تحقيق المناط التي تنتج تطبيقات فقهية يطبعها الغلو والتنطع والتطرف.
ش- إنجاز دراسات عن فقه تحقيق المناط في تطوره عبر تاريخ الأمة يبرز قيمته في تجديد فقه الأمة واستيعابه لحاجاتها المتجددة.
ص- المزيد من الاهتمام بفقه النوازل وخاصة في الغرب الإسلامي لما يختزنه هذا الفقه من قواعد منهجية وخبرة تطبيقية تكون عونا للمجتهدين والدارسين في تحقيق المناط في عصرنا هذا.
ض- إشراك أهل الخبرة بالواقع في مختلف مستوياته في هذه المدارسات المتعلقة بتحقيق المناط.
ط- تخصيص ورشة مستقلة لأهل الخبرة بالواقع تكون نتائجها وخلاصاتها بمثابة أرضية تنطلق منها المشاريع والدراسات المتعلقة بتحقيق المناط في مجالات الحياة المختلفة؛ وقد قدمت .
ظ- الحاجة إلى دراسات وصفية مركزة للواقع العام للبلدان الإسلامية.
ع- مراجعة مناهج مؤسسات تكوين العلماء ودارسي الفقه الإسلامي بما يؤهلها للإسهام في إيجاد المؤهلين لتحقيق المناطات بمختلف مستوياتها ومجالاتها.
وأخيرا يثمن المشاركون الضيافة الكريمة لوزارة الأوقاف والشؤون اسلامية بالمملكة المغربية وعلى رأسها الأستاذ أحمد التوفيق ؛ كما يشكر المجلس العلمي الأعلى ممثلا في كاتبه العام فضيلة الأستاذ الدكتور محمد يسف وعلماء المغرب الذين انتدبهم للإسهام في هذه الورشة المباركة؛ كما يشكر جميع المسهمين في إنجاح هذه الورشة من العلماء والباحثين الكرام وطاقم التنظيم.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
وحرر بالرباط يوم الثلاثاء 03 شعبان 1432 هـ الموافق ل 05 يوليو 2011