حوار مع الشرق الوسط حول المجاعة في الصومال وواجب الدول والمنظمات الاسلامية
الشرق الأوسط – نادر العبد الرحمن
قام الدكتور عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين رئيس مركز الترشيد والتجديد ضمن حوار أجرته معه “الشرق الأوسط” بدعوة ما أسماها حكومات الدول الإسلامية الكبرى لإيصال المساعدات إلى المنكوبين بالمجاعة الحالية القائمة هناك، وذكر أن على الأمة أن تبذل أقصى جهدها لإنجاد الصوماليين وتحقيق معنى الجسدية والعضوية التي تختص بها الأمة الإسلامية.
* دكتور عبد الله كيف تسجل مشاعر المسلم في وقت يتزامن فيه شهر رمضان المبارك مع واحدة من أكبر المجاعات والمسابغ التي مرت بتاريخ الأمة الإسلامية؟
الحقيقة أنني لا أستطيع الحديث عن مشاعر كل مسلم بمناسبة كهذه على حدة لأن كل واحد يمكنه أن يعبر عنها بالطريقة التي تناسبه والطريقة التي يجدها.
* أقصد يا دكتور ما يجب أن تكون عليه تلك المشاعر؟
يجب على المسلم أن يتعاطف مع المؤمنين تحقيقاً لمعاني الجسدية والعضوية في الأمة، وهذه المعاني تجعل كل المسلمين على وجه الأرض يشعرون بما يشعره الصوماليون من الجوع والمرض، وهو الجوع الذي استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله “اللهم إني أعوذ بك من الجوع فانه بئس الضجيع، ومن الخيانة فإنها بئست البطانة“، ويعيش الصوماليون اليوم حالة معاكسة تماماً لما جاء في قول الله تعالى “أطعمهم من جوع وءامنهم من خوف”.
*معاليك أحد أصحاب الصوت المسموع العابر للقارات ونائب لرئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، فما نداءكم للحكومات الإسلامية وللمنظمات الخيرية ورجال الأعمال حيال ذلك؟
نقول للأمة أن الأمر لم يعد يتعلق بحرب بين جهات في تلك البلاد، الأمر تجاوز ذلك كثيراً فآلاف من النساء والأطفال والشيوخ يموتون يومياً ولماذا، فقط لأنهم لا يجدون المأكل أو المشرب الذي يسد رمقهم، وهذه فرصة ليبرهن المسلم سواء كان مسئولاً أو تاجراً أو رجل أعمال أو فرد على إيمانه فالنبي صلى الله عيه وسلم يقول “الصدقة برهان” وهي برهان على الإيمان والسخاء والكرم والتضامن، فعليهم بهذا أن يقرضوا الله قرضاً حسناً ويحيوا تلك الأنفس المؤمنة ليجدو ذلك القرض في آخرتهم.
* وهل هذا خاص بالمسلمين من الجوعى؟
النبي صلى الله عليه وسلم أرسل المساعدات إلى قريش، وهي يوم ذاك على الشرك بل كان لها رصيد في إيذاءه وصد دعوته.
* دعنا معالي الدكتور نركز على دور حكومات الدول الإسلامية في هذا السياق؟
واجب الحكومات يبلغ أقصاه في مثل هذه الأوقات، إذ أن عليها فوق إرسال المساعدات والمعونات الغذائية والطبية تأمينها حتى تصل إلى مستحقيها خاصة في حال الاضطراب الذي يعيشه بلد كالصومال، فهو ليس فقد بلد إسلامي وعربي بل هو في عمقنا وعلى بوابة أمننا على الساحل الغربي من البحر الأحمر، وعلى الحكومات ألا تشارك في قتل الصوماليين بتركهم، لأن القتل كما يأتي بالفعل فإنه أيضاً يأتي بالترك.
*لكن وصول هذه المساعدات أمر غير وارد إلا بصعوبة بالغة حسبما أطلعتنا في “الشرق الأوسط” الهيئات الإغاثية والمنظمات الخيرية، وذلك بسبب حركة الشباب المجاهدين التي تقف في وجهها؟
هنا يجب على حكومات الدول الكبرى منها أن توصل هذه المساعدات ولو بالقوة، وعبر القوات الإفريقية الموجودة هناك، لأن الوضع لا يحتمل فالشعب يموت موتاً بطيئاً، وقد يتفاقم الأمر لكارثة تاريخية في قادم الأيام، كما أن المتبرعين من دول وأفراد ومنظمات، يريدون التأكد من وصول ما يدفعونه لأفواه الصوماليين لا إلى جهات أخرى فعدم تأكدهم سيمنعهم طبعاً من دفع الأموال.
* طالما أن الحديث وصل بنا للشباب المجاهدين، ما الرسالة المناسبة للتوجه إليهم مقابل تصرفهم هذا؟
نحن قلنا ولا نزال نقول لهم “ادخلوا في السلم كافة” و”أصلحوا ذات بينكم” ولا تنجرفوا طويلاً وراء حرب جاهلة جاهلية، خاصة أن هذه الحرب اليوم وصلت حد القتل السلبي بمنع المساعدات عن مدنيين أبرياء جوعى، وقد وجهناهم ولا نيأس من هذا التوجيه..
* لكن الصومال لا يزال ينهار..
الشدائد اليوم والتي تشمل الجميع يجب أن تجمع الشمل وأن تزيل الأحقاد التي ندعوهم لنسيانها، وأن يفكر الجميع في وضع الصومال الذي يموت موتاً بطيئاً كما أسلفت.
* البعض قد يلوم العلماء وغياب دورهم فيما يتعلق بالصومال طوال العامين السابقين وأثناء استعار الحرب بين الحكومة والشباب المجاهدين ما ردكم على ذلك؟
لقد بذلنا بالتعاون مع الجهات الإسلامية والدولية المختلفة جهوداً عدة حرضنا فيها الصوماليين لتحريم الدم ورمي السلاح وللانضواء تحت الحكومة التي أقرها أهل الحل والعقد في هذه البلاد العزيزة على العالم الإسلامي..
* لكن الحركة ترى أن الحكومة صنيعة غربية وأنها لن تطبق الشريعة الإسلامية ولديها الكثير من التحفظات على علاقاتها الخارجية..
لقد عقد مركزنا المركزالعالمي للتجديد والترشيد مؤتمرا عالميا بدبي بدولة الإمارات العربية المتحدة بحضور رئيس جمهورية الصومال وممثلين عن منظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة ومؤتمر العالم الإسلامي وجمع من علماء الأمة ومفكريها، في مارس (آذار) من العام 2010 وخصص لتدارس وبحث مشكلة الصومال والسبل الشرعية للخروج منها، قمنا بالدعوة إلى هدي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم الذي أوقف الحرب مع أعدائه من كفار مكة ورضي بشروطهم حقنا للدماء ومراعاة لأواصر القرابة والدم حينما، وقال في الحديبية لما رأى وفد كفار مكة قادمين للتفاوض (والذي نفسي بيده لا تسألني قريش اليوم أمرا فيه بر أو صلة رحم إلا أجبتها إليه)، وتحقيقا لمقاصد الشريعة الإسلامية التي جاءت لحفظ الأنفس والأموال وقياما بواجب النصح والتبليغ وبيان الحق، علماً بأن هذا كان مع الأعداء من الكفار، فكيف بحكومة مسلمة رضي بها أهل الحل والعقد واعترف بها العالم بما فيه جيرانها.
* وكيف يجب أن يتعامل الشعب الصومالي المغلوب على أمره مع ذلك؟
الواجب على الجميع التوحد تحت لواء هذه الحكومة وجهاد النفس على ذلك حتى لا يقع من خالف في الوعيد الشديد الوارد في هذا الباب وحتى لا يوصف الحاملون للسلاح بعد ذلك بالبغاة شرعا.
* لكن ربما هذا الجهد من قبل العلماء لم يكن كافياً للحفاظ على دولة..
الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يعني كل العلماء المسلمين بمختلف مذاهبهم وأفكارهم في العالم أصدر أيضاً بياناً موقعاً من طرف سماحة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي يدعو فيه إلى الالتفاف حول قيادة شريف وبياناً آخر لفضيلة الشيخ سلمان العودة رئيس مؤسسة “الإسلام اليوم” وغيرهم، ومهما كانت هذه الجهود فإن بعض الفصائل لم تتخل عن فكرة المغالبة بحد السلاح رغم ما أوضحناه من الحجج والبراهين، وهو ما عقد الأمور، وزاد من حاجة الحكومة إلى المساعدات، فكان تصرف هذا الفصيل مخلا بالأمن ووسيلة إلى تدخل الآخرين الذين استجابوا للطلب من جهة وحرصا على مصالحهم من جهة أخرى.
* لكن المشكلات والعوالق لا زالت موجودة بعد الانتخاب، فالصومال بلد شديد التعقيد وذا رصيد مثقل بالحروب..
هنا كان يجب أن تتغلب لغة العقل والمنطق فيتحاور أهل الصومال لحل مشكلاتهم أو يختلفوا اختلافاً سلمياً، أما الاستمرار في حرب عبثية في حرب عبثية لا نهاية لها لا يمكن أن يكون مرغوباً ولا مقبولا، والحوار اعتمده أمير المؤمنين عليُّ رضي الله عنه وسيلة مع من خرجوا عليه، وما قاتلهم حتى هيجوا، ذلك ما ندعو إليه دائما.
* دكتور عبد الله أخيراً ماذا عن أبرز المقتضيات الفقهية المتعلقة بمواسم المجاعات والقحط خاصة بالنسبة لشهر رمضان المبارك؟
أهل الصومال لا يجب عليهم الصوم طبعاً في وضعهم هذا بل قد يصل درجة التحريم، وهو يسقط عنهم إذا تسبب في المشقة المتوسطة أو الكبرى إذ أنه اجتمع عليهم مرض وجوع، بل أننا نذهب أبعد من ذلك ونؤكد على أن مساعدة الجائعين والمنكوبين والمرضى في الصومال أوجب من صيام شهر رمضان المبارك بالنسبة للعاملين في الهيئات الذين يشق عليهم الصوم.
* هل ثمة كلمة أخيرة معالي الدكتور؟
أخيراً نقول للصوماليين إن الشجاعة والقوة لا تتمثل أخلاقيا في الجرأة على الحرب، وخوض غمار الحروب، ولكن الشجاعة تتمثل في القدرة على التوقف عن الحرب والتمسك بالسلام ومراجعة النفس والاعتراف بالحق، وترجيح المصلحة العامة على المصالح الأنانية، وندعو الله يهدينا ويهديهم وأن يوفقنا ويوفقهم، وأن يؤلف بين قلوبهم، وأن يحقن دمائهم، ودماء هذه الأمة.