قيمة الحب في حقوق الإنسان
اعداد : الاستاذ طالب بن محفوظ
صحيفة عكاظ
د.عبدالله المحفوظ بن بيه*
بتفعيل قيم الأخلاق الكريمة وليس فقط حقوق الإنسان التي تمثل الحد الأدنى الذي لا غنى عنه لتعايش البشرية: كالرأفة والرحمة والإيثار والتضامن ومساعدة المحتاج من الفقراء والعاجزين دون التفات إلى عرقهم أو دينهم أو أصولهم الجغرافية من شأن ذلك أن يقدم مفهوماً جديداً للإنسانية يتجاوز المبدأ المحايد لحقوق الإنسان المتمثل في المساواة وعدم الاكتراث بالاختلاف إلى الإيجابية في التعامل التي تشعر الآخر بدفء المحبة والأخوة. وهو يوافق الحكمة العربية المأثورة: عامل الناس بما تحب أن تعامل به. والحديث النبوي يشير إلى معان أعمق عندما يقول: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)
إنه يضيف قيمة «الحب» وقيمة “الأخوة الإنسانية” التي تشعر بوشيجة القربى. ليس ذلك التفسير من قبلي للمناسبة. فالعلماء قبل قرون من الزمن كابن رجب الحنبلي في شرحه للأربعين والشبراخيتي قالوا إن الأخوة في الحديث هي الأخوة الإنسانية .
إن الحب قيمة جميلة لأن كل إنسان يحب أن يكون محبوباً بل قل أن تجد إنساناً يود أن يبغضه الآخرون ومن المفارقات أن بعضهم يحارب الآخرين بدعوى أنهم لا يحبونه إنه يخطئ الوسيلة كما قال صاحبنا الموريتاني .
فإذا تحقق الحب من الجانبين انتفى العدوان إن الحب عواطف وسلوك وعنوان وإعلان ولهذا جاء في الحديث: (إذا أحب أحدكم أخاه فليعلمه بذلك)
لماذا هو قيمة لأن كل الناس يعجبون به حتى من لم يسلك طريقه وذلك هو معيار القيمة لا يرضى أي شخص إلا أن يتصف بها فلا يرضى أحد إلا أن يكون عادلاً إلا أن يكون متسامحاً. إلا أن هذه القيم قد تذبل إذا لم تتعهد وتنمى بالتربية ولهذا يقول الشاعر :
هي الأخلاق تنبت كالنبات إذا ُسقِيَت بماء المكرُمات
إن أهم قيمة يمكن أن تكون مفتاحاً لحل مشاكل العالم هي احترام الاختلاف بل حب الاختلاف بحيث ينظر إليه كإثراء كجمال كأساس لتكوين المركب الإنساني.
إنه بحسن إدارتنا للاختلاف وترقية الفضيلة –قانون الفضيلة- إلى جانب قانون حقوق الإنسان يمكن أن نضع أساساً لتفعيل القيم المشتركة ليكون الاختلاف انسجاماً والعداوة محبة طبقاً للآية (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) إنه قانون أخلاقي يثبته القرآن «الإحسان» يورث الإحسان والحب يعطي الحب.
فهل لنا أن نأمل في تنمية جوانب الخير والقيم الإنسانية الخيرة المشتركة، إن سلوكنا الفاضل، وتسامحنا، وسخاءنا، وصدقنا، ووفاءنا، وأمانتنا من شأنه أن يقنع الآخر، وهو الإنسان الذي حمل نفس الإعجاب بتلك القيم أن يعاملنا بنفس المعاملة النبيلة، فالخير يدعو للخير، والسخاء يستدعي السخاء. إن إقناعنا للغير بسلوك سبيل الخير أهم قضية إنسانية. ونقتبس من أفلاطون قوله:إن خُلُق العالم هو تعبير عن غلبة الإقناع على القوة.
وتتألف قيمة البشر من قابليتهم للإقناع، فهم يستطيعون أن يقنعوا ويقتنعوا بإظهارهم على مختلف الوسائل التي يمكن أن يُستعاض بإحداها عن الأخرى، فمنها الأحسن ومنها الأسوأ، والحضارة هي الحفاظ على النظام الاجتماعي بواسطة الإقناع الفطري الذي يتجسد باختيار الأفضل.
*نائب رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين