العلامة ابن بيه امام شيوخ الأزهر: كان الفقه عبر التاريخ الملاذ لعلاج قضايا الأمة ومواجهة ما تتعرض له من تحديات.
أكد د.عبد الله بن بيه، نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين على أن المخرج الوحيد لخروج الأمة الإسلامية من مأزقها الذي تعانيه وتدرجها نحو النهضة والريادة يقتضي التجديد في أصول الفقه بما يتواءم مع مستجدات الحياة والواقع الذي نعيشه، لا سيما في ظلِّ وجود واقع جديد متغير في جميع مجالاته كواقعنا اليوم، مشيرًا إلى أن الفقه عبر تاريخ الأمة الطويل كان الملاذ لعلاج قضاياها ومواجهة ما تتعرض له من تحديات سياسية واقتصادية وعلمية وغيرها.
ودعا الإمام ابن بيه ، الشعب المصري وجميع قواه الوطنية والإسلامية إلى التوحد لإنجاز المرحلة الانتقالية، وبناء دولة الحكم الرشيد، مؤكدًا أن هذه المرحلة تهم العالم أجمع، باعتبار أن مصر هي قلب العالم الإسلامي والعربي، وأن الأمة الإسلامية جعلها الله وسطًا، وكرمها بأن جُعِلَت في وسط الأرض.
وتحدث الإمام ابن بيه خلال ندوة “التجديد في أصول الفقه أنموذجًا” التي نظمتها مشيخة الأزهر بحضور الامام الاكبر احمد الطيب والمفتي الدكتور علي جمعة ووزيز الشؤون الاسلامية الدكتور عبد الفضيل القوصي بمقرِّ مركز الأزهر للمؤتمرات- عن أهمية التجديد في أصول الفقه، وأن الأمة تعاني من الجمود في مجالاتها المختلفة، وأن التجديد يصل بين نصوص الشريعة، ويقف بين الكليات ونصوص الشريعة؛ حيث إن الأمة جعلها الله وسطًا في كل شيء لا من حيث الأفكار والاتجاهات فحسب، بل وسطًا في المكان من حيث موقعها على الخريطة الجغرافية
وأوضح أن الأمة منذ خمسة قرون وهي تعاني عللاً شتى في جميع المجالات، ويبدو أثر تلك العلل فيما نشهده اليوم من تفتيت الوحدة وشيوع الفرقة والخلاف، وسيادة حكم الفساد والاستبداد، وقيام الاقتصاد على الاستهلاك والاقتراض، لا على الإنتاج والاستثمار، إلى غير ذلك من الآثار التي لا يكاد يخلو منها مجال من المجالات، سواء كان ذلك على مستوى الفرد أو الجماعة.
وأكد أن الأمة بحاجة ماسة لمراجعة مضامين شريعتها في كلياتها وجزئياتها لتعيش زمانها في يسر من أمرها وسلاسة في سيرها، في مزاوجة بين مراعاة المصالح الحقة ونصوص الوحي الأزلية.
وشدد على أن القضايا الفقهية التي تمثِّل للمسلمين المنظومة التعبدية والقانونية، والتي تحكم النسق السلوكي والمعياري في حياة الفرد والجماعة، يجب أنْ تواكب مسيرة الحياة التي تشهد تغيرات هائلة وتطورات مذهلة من الذرة إلى المجرة، في شتى المجالات والقضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمالية، والعلاقات الدولية للتمازج بين الأمم، والتزاوج بين الثقافات إلى حدِّ التأثير في محيط العبادات، والتطاول إلى فضاء المعتقدات.
وأوضح نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن منهج أصول الفقه يوسع دوائر الاجتهاد في شتى المجالات الاجتماعية والاقتصادية والقانونية والمؤسساتية والسياسية والتعايشية؛ حيث إن كل مجال يمكن سرد عشرات القضايا التي لو درست بنظر كلي لأمكن أن تجد حلولاً تخفف من الاختلاف في الشريعة نصوصًا ومقاصد، ومصالح العباد، وموازين الزمان والمكان.
وأكد أنَّ المفهوم الغربي لنظامَ الدولة يعتمد على النصوص الدينية، وتمارسه سلطةٌ مفوضة من الإله معصومة، هذا هو مفهوم الثيوقراطية، وهذا ليس له أصل في الإسلام إلا بوجود نبي معصوم، موضحًا ضرورة أنْ يكون التشريعُ مستمدًا من النصوص الدينية، ولكن الذين يمارسون السلطةَ فيه ليسوا علماء دين، ولا رجال دين، بل مدنيون ملوك أو رؤساء، مع اختلاف في مرجعية الوصول إلى الحكم.
وأضاف أن نظام الدولة لا يكون التشريع فيه مستمدًا من نصوص الدين؛ لكنه يعترف بمرجعية دينية للشعب أو للدولة، فقد يستمد بعض قوانينه من الشريعة (كالأحوال الشخصية مثلاً)، أو من روح الشريعة ومقاصدها، وفي الوقت نفسه يقوم برعاية للمؤسسات الدينية كالمدارس الدينية ودور العبادة، وفي مقابل ذلك فإنه يتحمل التكاليف المادية اللازمة لتشغيل المؤسسات.
وأوضح الدكتور ابن بيه أنَّ الدولةَ في الإسلام هي آلة من آليات العدل وإقامة الدين، وليست دولة ثيوكراسية(دولة دينية) بل مدنية بمعنى من المعاني، لكنها بالتأكيد ليست دولة علمانية، إنها دولة يكون للدين فيها مكانه ومكانته في مزاوجةٍ مع المصالح واتساع من التأويل لا يقوم عليها رجال دين ولكن رجال مدنيون بمختلف الطرق التي يصل بها الحكام إلى الحكم، قد تكون بعض الطرق مفضلة بقدر ما تحقق من المصلحة والسلم الاجتماعي والاقتراب من روح الشرع ونصوصه.