العلامة ابن بيه:الشورى لم تحظ تاريخيًا بفرصة التحول إلى حالة مؤسسية
محمد صبح – جدة
رفع نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين العلامة الشيخ عبدالله بن بية سقف الاجتهاد المتعلق بالفقه السياسي أو الفقه الكلي للأمة الإسلامية بصورة مطلقة، متواصلًا في ذلك مع مقولة إمام الحرمين أن «مظان الأحكام الشرعية التي تتعلق بالإمامة لا يوجد فيها يقين»، وهي المقولة التي دفعته صدقيتها إلى التأكيد على أن الفقه السياسي مساحة مرنة جدًا .
وأوضح العلامة ابن بيه بحسب ما أوردت شبكة إسلام أون. نت أن المقولة تعد إطارا يقرأ ضمنه قوة وكثافة التغيرات التي حدثت في الوطن العربي، وإن كان قد تجاوز الحدود الجغرافية بالنظر إلى اعتباره أن التغيرات التي تحيط بنا عالمية الطابع، وأنها تغيرات تأتي في فضاء عولمي يجعل التحيز المكاني الجغرافي غير ذي قيمة من حيث علاقة أي قطر بما يتفاعل حوله من متغيرات .
وحول تقديره لنصيب العالم العربي من التغيرات الحادثة، آثر فضيلته النظر إلى المسألة من ناحية وضع العلاقة بين الشورى والديمقراطية في التاريخ العربي، على اعتبار أن الديمقراطية تمثل مطلبًا مركزيًا في التغيرات العربية، ولفت الانتباه إلى أن الديمقراطية ولدت في الغرب كنظام سياسي وتجاوزت الحالة القيمية باتجاه البناء والتكوين المؤسسي، بينما لم يكن الحال كذلك بالنسبة للشورى التي أقرها الإسلام وزكاها كقيمة اجتماعية وكنظام حكم؛ فلم تحظ عبر تاريخنا بفرصة التحول إلى حالة مؤسسية وإن كانت قد تركت موروثا فقهيا كبيرا؛ تجاوز حضور الشورى فيه المجال السياسي لتبسط حضورها حتى على الصعيد التشريعي والفقهي .
وأفاد بأن التغيرات التي تشهدها أوطاننا ستؤثر بلا شك على نظام الحكم، ورأى فضيلة في أن يكون هذا التأثير مؤصلا شرعا بما يدفع المفاسد ويحقق المصالح، كما رأى ضرورة أن تنشأ حالة اجتهادية تعمل على معالجة اغتراب الفقيه عن الأفكار والأنظمة السياسية المعاصرة التي تمتلك صلاحية تجاوز خصوصيات الثقافات، وتوطين الوعي بها، والاتجاه نحو تفعيل قيمة الشورى من خلال مؤسسات الديمقراطية. ويعتقد أن الاحتراز في هذا الإطار التوطيني واجب، وأنه متاح في إطار تلك البلاد التي مرت بخبرات أسفرت في النهاية عن اتجاه إرادتها نحو الاحتكام للديمقراطية لتجنب الأسوأ، وأوضح دواعي هذا الاحتراز بالنظر إلى أن الفلسفة السياسية الغربية تقوم اليوم بمراجعة قيمة الديمقراطية التعددية، ابتداء من رؤى أرسطو التي كانت تعيب في الديمقراطية، وانتهاء بالنقد المعاصر للديمقراطية؛ وبخاصة الديمقراطية التعددية، وأكد على ضرورة بناء ديمقراطيتنا على التراضي وليس مجرد الاحتكام؛ مشيرا إلى أن التراضي وسيلة لإرضاء التفاوتات لا القفز عليها، وفي هذا الإطار دعا للنظر إلى الأنظمة السياسية الوافدة نظرة نقديةبناءة .
وفيما يتعلق بالتجديد الفقهي المرتبط بتغير الوضع السياسي في العالم العربي، واتجاه الفقه الكلي أو الفقه السياسي لوضع الأمة وليس السلطة في مركز بنائه، أشار إلى صعوبة تحول فرض الكفاية إلى فرض عين، لافتا الانتباه إلى أن الإمامة من فروض الكفاية، وأن خبرة النبي صلى الله عليه وسلم في ممارسة الإمامة كانت من خلال تحويلها لفرض كفاية، حيث كان دائما يعامل الناس من خلال نوابهم ونقبائهم، وأكد أن حق الإمامة هو حق لخدمة الأمة باعتبارها صاحبة البيعة، وأن للأمة أن تفوض بعض حقوقها لوكلاء عنها حتى تتمكن من ممارسة هذه الحقوق، والبيعة لا تتم إلا بالتراضي، مشيرًا إلى حكم أمير المؤمنين عمر بأن الإكراه في البيعة العامة مدعاة لقتل من نصب على الناس بغير رضاهم.
ودعا الشيخ العلامة ابن بيه إلى عدم استبعاد البعد الرباني من عقد البيعة، باعتبار أن البعد الرباني في الممارسة السياسية يبقي الضمير حيا، وبخاصة ضمير السياسي الحاكم، وفي هذا الإطار أكد ضرورة أن تعمل الأمة على تفعيل أدوارها الرقابية التي أقرتها الشريعة وزكتها بقدر ما زكت ضرورة حسن اتباع الإمامة، وأوضح أن الموازنة بين الرقابة الصارمة وحسن اتباع الإمامة هو من دلالات وسطية هذه الأمة التي قدر لها موقعها الجغرافي الوسطي بقدر طابعها الثقافي الوسطي أن تستفيد من كل من الشرق والغرب وأن تأخذ النافع وتوازن في تناول الوافد.
شاهد فيديو :