الشيخ العلامة عبد الله بن بيه

 نموذج للعالم المستنير الذي تحتاج إليه الأمة في هذا الظرف الدقيق

بقلم الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خبير بمجمع الفقه الإسلامي الدولي

يعود تعرفي على العلامة عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه إلى أواخر سبعينات القرن الماضي فقد حضرت بدعوة من رابطة العالم الإسلامي المؤتمر الإسلامي الإفريقي وكان ذلك في إطار تحرك قاري للتنسيق بين الهيآت والمنظمات والشخصيات التي تعمل في مجال الدعوة الإسلامية وقد استضافت هذا المؤتمر الجمهورية الإسلامية الموريتانية في عهد الرئيس المختار ولد دادة رحمه الله وكان الأستاذ عبد الله بن بيه وزيرا للتربية والتوجيه الإسلامي وقد أنابه الرئيس الموريتاني في افتتاح واختتام هذا المؤتمر ومرت بعد ذلك سنوات وترك الأستاذ بن بيه العمل الحكومي الذي كان في حياته عرضيا وان كان ترك فيه بصماته لما تميز به منذ ذلك الزمن المبكر منن الأصالة وحيوية وتمكن من الثقافتين: العربية الإسلامية والغربية الفرنسية بالخصوص.

 ومع انطلاق الفضائيات في السنوات الماضية اطل على المشاهدين المتابعين للبرامج الدينية الأستاذ عبد الله بن بيه فإذا بالرجل يبرز بين عشرات المطلين بخطاب ديني عميق ومتميز تميز الغرب الإسلامي، يتزاوج فيه النقل والعقل في تحقيق وتدقيق وتحرير وتنوير يأبى الحرفية السطحية التي تحجب كمالات وجمالات الإسلام المتمثلة في واقعيته ومرونته وسماحة تعاليمه التي تأبى الجمود والتحجر فالإسلام هو رحمة الله بعباده التي ينتفي معها كل حرج (ما جعل عليكم في الدين من حرج) وهو الرحمة المهداة المجسمة في سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام الذي قال في حقه ربه جل وعلا (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)

تخرج العلامة الشيخ عبد الله بن بيه حفظه الله على أيدي علماء شنقيط أولئك الذين أسسوا المحاضر وهي جامعات أهلية عريقة كانت في قلب الصحراء مقصد طلبة العلم من كل صوب وحدب لا سيما أولئك الذين يعيشون في بلدان ما وراء الصحراء تلقى عن العلامة الشيخ عبد الله بن بية عن وزالده القاضي الشهير الشيخ المحفوظ والعلامة الشيخ محمد سالم ابن الشين والعلامة الشيخ بية بن السالك المسومي وغير هؤلاء.

وجاء إلى تونس في أول دورة لتأهيل وتكوين القضاة الموريتانيين وحصل على المرتبة الأولى بين هؤلاء المبتعثين.

وعاد إلى موريتانيا ليتدرج في سلم المسؤوليات القضائية والإدارية وليتولى مسؤولية عديد الحقائب الوزارية كالتربية والتوجيه والإعلام والثقافة والرياضة والبريد فكان داعية التعريب وتأصيل التشريعات في موريتانيا وقد أهلته مواقعه الرفيعة للمشاركة في مؤتمرات القمة للدول الإسلامية والدول العربية ودول عدم الانحياز.

وبصفته العلمية والفكرية حضر دورات ملتقيات الفكر الإسلامي بالجزائر وحلقات الحوار الإسلامي المسيحي. وأحرز العلامة الشيخ عبد الله بن بيه على ارفع الأوسمة والجوائز من المملكة العربية السعودية والأردن والمغرب فضلا عن موريتانيا والشيخ العلامة عبد الله بن بية هو رئيس مجلس الأمناء ورئيس مجلس إدارة المركز العالمي للتجديد والترشيد في لندن (GCRC ) وهو عضو في مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة والمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث والمجمع الفقهي الهندي وهيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ومؤسسة آل البيت والمؤتمر الإسلامي ومؤسسة طابة واللجنة العلمية لجائزة نايف بن عبد العزيز للسنة النبوية وهو عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز بجدة منذ سنوات عديدة وقد تخرجت على يديه أجيال من الأساتذة الكبار في مختلف الاختصاصات الشرعية لا سيما في ما اختص فيه واهتم به أكثر من سواه اعني بذلك علم مقاصد الشريعة وقد تشرفت شخصيا بان احضر احد دروسه في بيته العامر بمدينة جدة فكان حفظه الله يجمع لطلبته بين الغذلئين العلمي الروحي والمادي الجسدي في كرم كبير وحفاوة صادقة خالصة من كل شائبة جزاه الله خيرا.

والعلامة الشيخ عبد الله بن بيه هو في ترحال متواصل في شتى أرجاء العالم الإسلامي وخارجه حيث تحرص الجهات المنظمة للمؤتمرات العلمية والفكرية على توجيه الدعوة إليه ليكون ابرز محاضريها وقد تشرفت بحضور بعض هذه اللقاءات فكان ولا يزال الشيخ العلامة عبد الله بن بيه النجم الساطع بما يلهمه من آراء واستنباطات واستنتاجات تحظى بالقبول والإعجاب وذلك من فضل الله عليه وفضله سبحانه وتعالى على الأمة أن يكون من بين علمائها ودعاتها الشيخ العلامة عبد الله بن بيه الذي جمع بين العلم والحكمة والهدوء والإخلاص وهو اليوم مدرسة متميزة بوسطيتها وتفتحها وسماحتها ومواكبتها للمستجدات فجاءت بحوثه وقناواه مستجيبة لتطلعات جمهور الأمة في ديار الإسلام وخارجها هناك حيث الملايين من المسلمين الذين يعيشون في بلاد الغرب والشيخ عبد الله بن بيه يخاطب أبناء الجيل الثاني والثالث باللغة الفرنسية التي يتقنها و يتكلمها بطلاقة ويمتلك ناصيتها وتلك ميزة تميزه عن غيره ممن ظل خطابهم موجها إلى من هم في الحقيقة والواقع ليسوا في حاجة ماسة إلى الإقناع.

للأستاذ العلامة عبد الله بن بيه تلاميذ يحتلون ارفع المواقع على امتداد الساحة الإسلامية مشرقا ومغربا وهو لا ينفك يستجيب لدعواتهم كي يبصر وينور . لقد وجدوا فيه امتدادا لمدرسة الشاطبي وابن عبد السلام وابن عاشور رحمهم الله أولئك الذين ألفوا في المقاصد وأصول الفقه وحكمة التشريع،

 إن الشيخ العلامة عبد الله بن بيه يقدم الإضافة كل مرة وهو يمثل الوئام بين مختلف المدارس الإسلامية: مذهبية وفكرية وروحية وهو لذلك لا يكاد يستقر، إن حياته ترحال متواصل حيث حل لاقى التقدير والاحترام

أما بحوثه وفتاواه فهي من الغزارة والكثرة بحيث لا يمكن الإتيان عليها في هذا الحيز الضيق يكفي ذكر عنوان أو عنوانين مثل كتاب مشاهد من المقاصد، وكتاب صناعة الفتوى وفقه الأقليات وغيرهما من العناوين الهامة التي يمكن الإطلاع عليها وعلى آرائه الأصيلة والمستجدة والموجودة على شبكته في الفايسبوك وتويتر وفليكر واليوتيب فلقد قيض الله للشيخ العلامة عبد الله بن بيه أبناء بررة يتابعون مسيرته العلمية والفكرية ويوثقونها أدق تدقيق ويقدمونها لجمهور المسلمين باللغات العربية والفرنسية والانجليزية فهنيئا له وللأمة بهم وجعلهم الله قرة عين لأبيهم العلامة الشيخ عبد الله بن بيه وجازاهم الله خير الجزاء عن الأمة ودينها وحسبنا في هذا المقال ان نساهم في إشاعة وإذاعة عطاء هذا الشيخ الجليل أمد الله في أنفاسه فهو نموذج رائع للعالم الرباني الذي يجمع ولا يفرق و ينير و لا يثير.    

………………………………………………………………..

رئيس مؤسسة الحبيب المستاوي للبحوث

و الدراسات العلمية و التكوين