هل يتمكن الحكمان من التفريق بدون رضا الزوج؟
السؤال
وأما عن سؤالكم هل يتمكن الحكمان من التفريق بدون رضا الزوج؟
الجواب
فالجواب عليه ، هو أن في المذهب(المالكي) قولين مبنيين على الخلاف في كونهما حكمين أو وكيلين أو شاهدين:
فالقول المفتى به في المذهب هو الأول من كونهما حكمين لا وكيلين ولا غير ذلك، وعليه فلا يشترط رضا الزوج ولا الحاكم إذا حكما بالطلاق.
والدليل على هذا ما ذكره القرطبي في تفسيره قال: ” قال: جاء رجل وامرأة إلى علي مع كل واحد منهما فئام من الناس، فأمرهم فبعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها، وقال للحكمين: هل تدريان ما عليكما؟ عليكما إن رأيتما أن تفرقا فرقتما. فقالت المرأة: رضيت بكتاب الله بما علي فيه ولي. وقال الزوج: أما الفرقة فلا. فقال علي: كذبت، والله لا تبرح حتى تقر بمثل الذي أقرت به. وهذا إسناد صحيح ثابت روي عن علي من وجوه ثابتة عن ابن سيرين عن عبيدة، قال أبو عمر: فلو كانا وكيلين أو شاهدين لم يقل لهما: أتدريان ما عليكما؟ إنما كان يقول: أتدريان بما وكلتما؟ وهذا بين(1).
كما استدل ابن العربي على ذلك بالنظر، فقال: “فإن الله خاطب غير الزوجين إذا خافا الشقاق بين الزوجين بإرسال الحكمين، وإذا كان المخاطب غيرهما فكيف يكون ذلك بتوكيلهما؟، ولا يصح لهما حكم إلا بما اجتمعا عليه، والتوكيل من كل واحد لا يكون إلا فيما يخالف الآخر، وذلك لا يمكن هاهنا”(2).
قال ابن شاس: “ثم المبعوثان حكمان لا وكيلان ، وإن كان البعث من جهة الزوجين، ألا ترى أن للزوجة دخولاً في التحكيم ، ولا مدخل لها في تمليك الطلاق. وقيل: بل هما وكيلان.
وإذا فرعنا على الأول ، فينفذ تصرفهما في التطليق والخلع إن رأياه ، لعجزهما عن الإصلاح من غير افتقار إلى إذن الزوج ، ولا إلى موافقة حكم حاكم البلد”(3).
وقال الباجي : (مسألة ) وما يحكم به الحكمان فعلى وجه الحكم لا على وجه الوكالة , والنيابة فينفذ حكمهما, وإن خالف مذهب الحاكم الذي أنفذ سواء جمعا أو فرقا ، والدليل على ذلك قوله تعالى {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} فسماهما حكمين, والحكَم لا يحتاج فيما يوقعه من الطلاق إلى إذن الزوج كالولي(4).
وقال المواق عند قول خليل في المختصر: ( ونفذ طلاقهما وإن لم يرض الزوجان والحاكم ولو كانا من جهتهما ): انظر قوله “ولو كانا من جهتهما” هو فرع: هل هما وكيلان أو حكَمان من غير إذن الزوج وحكم الحاكم. ابن الحاجب: وهما حكمان ولو كانا من جهة الزوجين لا وكيلان على الأصح ، فينفذ طلاقهما من غير إذن الزوج وحكم الحاكم(5).
ويقول الخرشي: المشهور أن الحكمين طريقهما الحكم لا الوكالة ولا الشهادة ولو كانا من جهة الزوجين فإذا حكما بطلاق ولو خلعا نفذ ولا يحتاج إلى مراجعة حاكم البلد ولا إلى رضا الزوجين ومحل نفوذ طلاقهما إن لم يزيدا في حكمهما على طلقة واحدة وإلا فلا ينفذ الزائد على الواحدة لأن الزائد خارج عن معنى الإصلاح الذي بعثا إليه وإذا حكم أحدهما بواحدة والآخر بأكثر أو بألبتة فلا يلزم الزوج إلا واحدة لاتفاقهما عليها (6).
ويقول الدسوقي : (قوله لأن طريقهما الحكم) أي على المشهور، أما على القول بأن طريقهما الوكالة عن الزوجين فلا ينفذ طلاقهما إلا إذا رضي به الزوجان بعد إيقاعه؛ لأنه قد يدعي أحد الزوجين أن ذلك الطلاق خلاف المصلحة، وأما على القول بأن طريقهما الشهادة عند الحاكم بما علما فلا ينفذ طلاقهما إلا إذا رضي به الحاكم ونفذه(7).
وقال العدوي: “واعلم أن ظاهر العبارة أن يقول: الحكمان إما طريقهما الحكم أو الشهادة أو الوكالة، فتكون الثلاثة متقابلة، وليس كذلك. بل المراد أن يقول: طريقهما الحكم على وجه الحكم لا على وجه الوكالة كما أفصح به الباجي، فقال: حكمهما على وجه الحكم لا الوكالة فينفذ وإن خالف مذهب من بعثهما. انتهى أي فحكمهم متفق عليه بل النزاع إنما هو في حكمهم الذي حكموا به هل هو على وجه الحكم أو الوكالة(8).
ويقول ابن جزي: (الحالة الثالثة) أن يشكل الأمر وقد ساء ما بينهما وتكررت شكواهما ولا بينة مع واحد منهما ولم يقدر على الإصلاح بينهما، فيبعث حكمان من جهة الحاكم أو من جهة الزوجين أو من يلي عليهما لينظرا في أمرهما وينفذ تصرفهما في أمرهما بما رأياه من تطليق أو خلع من غير إذن الزوج ولا موافقة الحاكم وذلك بعد أن يعجزا عن الإصلاح بينهما(9).
([1]) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 5/177.
([2]) أحكام القرآن لابن العربي 1/538.
([3]) عقد الجواهر الثمينة لابن شاس 2/158.
([4]) المنتقى للباجي 4/114.
([5]) التاج والإكليل للمواق 5/265، كتاب القسم والنشوز.
([6]) شرح مختصر خليل للخرشي 4/9.
([7]) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير 2/345.
([8]) حاشية العدوي على شرح مختصر خليل للخرشي 4/10.
([9]) القوانين الفقهية لابن جزي ص 142.