جلب المصالح ودرء المفاسد في التعاون الإقليمي والدولي

 

جلب المصالح ودرء المفاسد 

في التعاون الإقليمي والدولي

الشيخ/ عبد الله بن بيه

وزير العدل الموريتاني ـ سابقا ـ

أستاذ بجامعة الملك عبد العزيز  ـ جدة

 

 1.     اعتبار المصلحة في الشريعة.

2.  التعاون الإقليمي ضرورة لولوج التعاون العالمي من موقع أقل سلبية من دخول كل دولة منفردة ـ مفهوم التكتل الإقليمي.

3.     التعددية الحضارية والاعتراف بالآخر.……

4.     الشراكة المعرفية بين الحضارات: موقف الإسلام من الآخر.

5.     مفهوم الجهاد.

6.     المعاهدات والاتفاقات.

7.     النتائج: جواز دخول المنظمات والتوازن بين المصالح والضوابط.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه

 

مقدمة

لقد وجدنا الشريعة الإسلامية المطهّرة تحث على المصالح وتحذر من المفاسد قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُم} (الأنفال: من الآية1) {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} (الأعراف:170) {وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا} (الأعراف: من الآية56) {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِح} (البقرة: من الآية220). ويقول موسى عليه السلام لأخيه هارون عليه السلام (اخلفني في قومي وأصلح).

قال الشاطبي: لما انبنت الشريعة على قصد المحافظة على المراتب الثلاث من الضروريات والحاجيات والتحسينات وكانت هذه الوجوه مبثوثة في أبواب الشريعة وأدلتها غير مختصة بمحل دون محل ولا بباب دون دون باب ولا بقاعدة دون قاعدة كان النظر الشرعي فيها أيضاً عاماً لا يختص بجزئية دون أخرى لأنها كليات تقضي على كل جزئي تحتها وسواءً علينا أكان جزئيا إضافياً، أم حقيقياً إذ ليس فوق هذه الكليات كلي تنتهي إليه، بل هي أصول الشريعة، وقد تمت فلا يصح أن يفقد بعضها حتى يفتقر إلى إثباتها بقياس أو غيره فهي الكافية في مصالح الخلق عموماً وخصوصاً لأن الله تعالى قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (المائدة: من الآية3) وقال: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (الأنعام: من الآية38) وفي الحديث: (تركتكم على الجادة). وقوله: (لا يزيغ عنها إلا هالك).

ونحو ذلك من الأدلة الدالة على تمام الأمر وإيضاح السبيل.

وإذا كان كذلك وكانت الجزئيات وهي أصول الشريعة فما تحتها مستمدة من تلك الأصول الكلية شأن الجزئيات مع كلياتها في كل نوع من أنواع الموجودات فمن الواجب اعتبار تلك الجزئيات بهذه الكليات عند إجراء الأدلة الخاصة من الكتاب والسنة والإجماع والقياس إذ محال أن تكون الجزئيات مستغنية عن كلياتها فمن أخذ بنص مثلا في جزئي معرضاً عن كليه فقد أخطأ.

وكما أن من أخذ بالجزئي معرضاً عن كليه فهو مخطئ، كذلك من أخذ بالكلي معرضاً عن جزئيه.

وبيان ذلك أن تلقي العلم الكلي إنما هو من عرض الجزئيات واستقرائها وإلا فالكلي من حيث هو كلي غير معلوم لنا قبل العلم بالجزئيات ولأنه ليس بموجود في الخارج وإنما هو مضمَّن في الجزئيات حسبما تقرر في المعقولات فإذاً الوقوف مع الكلي مع الإعراض عن الجزئي وقوف مع شيء لم يتقرر العلم به بعد دون العلم بالجزئي والجزئي هو مظهر العلم به.

قال الرازي: كل حكم يُفرض: فإما أن يستلزم مصلحة خالية عن المفسدة أو مفسدة خالية عن المصلحة أو يكون خالياً عن المصلحة والمفسدة بالكلية أو يكون مشتملا عليهما معاً.

وهذا على ثلاثة أقسام: لأنهما إما أن يكونا متعادلين وإما أن تكون المصلحة راجحة وإما أن تكون المفسدة راجحة فهذه أقسام ستة:

أحدها:      أن يستلزم مصلحة خالية عن المفسدة وهذا لا بدّ وأن يكون مشروعاً لأن المقصود من الشرائع رعاية المصالح.

وثانيها:     أن يستلزم مصلحة راجحة وهذا أيضا لا بدّ وأن يكون مشروعاً لأن ترك الخير الكثير لأجل الشر القليل شر كثير.

وثالثها:     أن يستوي الأمران فهذا يكون عبثاً فوجب ألا يشرع.

ورابعها:    أن يخلو عن الأمرين وهذا أيضا يكون عبثاً فوجب ألا يكون مشروعاً.

وخامسها:   أن تكون مفسدة خالصة ولا شك أنها لا تكون مشروعة.

وسادسها:   أن يكون ما فيه من المفسدة راجحاً على ما فيه من المصلحة وهو أيضا غير مشروع لأن المفسدة الراجحة واجبة الدفع بالضرورة.

وهذه الأحكام المذكورة في هذه الأقسام الستة: كالمعلوم من الدين بالضرورة أنها دين الأنبياء وهي المقصود من وضع الشرائع والكتاب والسنة دالان على أن الأمر كذلك تارة بحسب التصريح وأخرى بحسب الأحكام المشروعة على وفق هذا الذي ذكرناه.  غاية ما في الباب: أنا نجد واقعة داخلة تحت قسم من هذه الأقسام ولا يوجد لها في الشرع ما يشهد لها بحسب جنسها القريب لكن لا بد وأن يشهد الشرع بحسب جنسها البعيد على كونه خالص المصلحة أو المفسدة أو غالب المصلحة أو المفسدة فظهر أنه لا توجد مناسبة إلا ويوجد في الشرع ما يشهد لها بالاعتبار: إما بحسب جنسه القريب أو بحسب جنسه البعيد.

وإذا ثبت هذا وجب القطع بكونه حجة للمعقول والمنقول:

أما المعقول: فلأنا إذا قطعنا بأن المصلحة الغالبة على المفسدة – معتبرة قطعاً عند الشرع ثم غلب على ظننا أن هذا الحكم مصلحته غالبة على مفسدته – تولد من هاتين المقدمتين ظن أن هذه المصلحة معتبرة شرعاً والعمل بالظن واجب لقوله عليه الصلاة والسلام: ” أقضى بالظاهر”. ولما ذكرنا أنَّ ترجح الراجح على المرجوح من مقتضيات العقول وهذا يقتضى القطع بكونه حجة.

أما النص فقوله تعالى( فاعتبروا) أمر بالمجاوزة والاستدلال بكونه مصلحة على كونه مشروعاً مجاوزة فوجب دخوله تحت النص.

وأما الإجماع: فهو أن من تتبع أحوال مباحثات الصحابة علم قطعاً أن هذه الشرائط التي يعتبرها فقهاء الزمان في تحرير الأقيسة والشرائط المعتبرة في العلة والأصل والفرع ما كانوا يلتفتون إليها بل كانوا يراعون المصالح لعلمهم بأن المقصد من الشرائع رعاية المصالح فدل مجموع ما ذكرنا على جواز التمسك بالمصالح المرسلة.    

 

التعاون الإقليمي مقدمة ضرورية للتعاون العالمي

أولا: ما هو مفهوم التعاون وبشكل أدق التكتل الإقليمي.

ثانياً: ما هي فوائده

التكتل الإقليمي هو عمل مؤسساتي منظم في شكل اتفاقيات يضم عدداً محدوداً من دول تجمع بينها روابط مشتركة، أبرزها الجغرافية والاقتصادية والثقافية والتاريخية وقد تجمعها رؤى سياسية مشتركة.

ومن جهة أخرى يشير إلى مصالح مشتركة تربط بين دول الإقليم في مجالات الأمن والاقتصاد والثقافة، وهو ينشأ عن شعور هذه الدول بالتميز.

وأما الفوائد فإن التكتلات الإقليمية توفر قوة تفاوضية مع المنظمات الدولية كمنظمة التجارة العالمية وتوفر فرصة لتنمية متجانسة ومشتركة في مجالات كثيرة والاستفادة من القوة العاملة.

التي تكون أقرب ثقافيا ودينياً لها وكذلك إيجاد مراكز البحث العلمي المشترك.

ولهذا نجد أشد الدول تحمساً للعالمية والعولمة تحرص على تكوين تكتلات إقليمية تتيح لها فضاءً جغرافياً مباشراً للتبادل.

فالولايات المتحدة الأمريكية تنشئ مع كندا والمكسيك منظمة نافتا وتحاول أن تضم إليها دول أمريكا الجنوبية لتكون آفتا.

 

التعددية

إن التعددية أمر معهود لا يضيق به ديننا الإسلامي ذرعاً على المستويين العام والخاص أو في الفضائين الداخلي والخارجي ذاك أن هذا الدين الكريم هو موازنة أو قل مواءمة بين متعددين المطلق والزمني وعالم الغيب وعالم الشهادة وبين الروح والبدن.

تظهر التعددية بالنسبة للفضاء الخاص أو داخل الأمة في فتح آفاق الاجتهاد تحت مظلة التوحيد وفي إطار الثابت في مجال المتغير فيأخذ الاجتهاد الذي يرادف الاختلاف المقبول حظه في عالم المتغيرات والمصالح بحيث لم يسلم باب من أبواب الفقه من اختلاف العلماء بما فيها أبواب العبادات وهو اختلاف ناشئ عن اختلاف الفهوم في لغة الخطاب في معانيها وظلالها وفي الأسباب التي وردت فيها فهل يخصص السبب أو أن خصوص السبب لا يمنع عموم الحكم. خلاف أصولي يراجع له.

وفي مجملاتها ومبيناتها وفي مطلقاتها ومقيداتها ومنسوخها وناسخها وهو اختلاف في دلالات الألفاظ.

قال ابن سيده أن الأسباب ثمانية.

وهناك اختلاف آخر فيما يسمى بمعقول النص يرجع إلى الأقيسة والمصالح المرسلة وسد الذرائع والاستحسان.

وهي اختلافات حميدة ولهذا سماها ابن القيم بالاختلاف السائغ بين أهل الحق.

وقال الإمام أحمد عن إسحاق بن راهويه: إنه أعلم من عبر الجسر وإن كنا نختلف معه فما زال الناس يختلفون.

وقد بلغ قبول الرأي الآخر أن بعضهم جعل مراعاة خلاف الآخر دليلا يعتمد عليه – وهو مالك رحمه الله – الذي رفض رفضاً باتاً أن يحمل الخليفة هارون الرشيد الناس على مذهبه في الموطأ.

وقد فسر الفخر الرازي في تفسيره حكمة الله تعالى في جعل القرآن الكريم حمَّال وجوه بقوله: لو كان القرآن محكما- واضحا- بالكلية لما كان مطابقاً إلا لمذهب واحد وكان تصريحه مبطلا لكل ما سواه من المذاهب وذلك ما ينفر أرباب المذاهب من قبوله والنظر فيه (2/117)

أما المستوى الثاني من الاختلاف الذي أقره الإسلام وقننه ووضع له أسس التعايش وميزان العدل فهو الاختلاف مع الفضاء الخارجي في نطاق أمة الدعوة وهو ما سميناه بالفضاء العام أو الخارجي وهو يمثل الموقف من الآخر فقد مثله قوله تعالى {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} (هود: من الآية118)

ووضع الحوار القرآني مبدأ الاعتراف بالغير مدخلا للحوار {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} (الكافرون:6) مع الدعوة إلى كلمة سواء.

ولهذا كانت الحضارة الإسلامية سباقة إلى الاعتراف بالحضارات الأخرى والتفاعل معها أخذاً وعطاءً حيث يعتبر الاختلاف آية من آيات الله تعالى {مِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَاَلْوَانِكُمْ (الروم: من الآية22). {وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ} (فاطر: من الآية27)

 

الشراكة المعرفية بين الحضارات و موقف الإسلام من الآخر:

وانطلاقاً من ذلك كونت الشراكة المعرفية منذ العصر العباسي مع الحضارة اليونانية والهندية والفارسية وأخيراً مع الغرب الذي كان متلقياً وقتها عن الحضارة الإسلامية كما يقوله المنصفون من الغربيين فيقول رانيلا على سبيل المثال في كتابه “الماضي المشترك أصول الآداب الشعبية الغربية”: إن الجزء الأكبر من المعارف الإغريقية في العلم والفلسفة عن طريق البيزنطيين من خلال الترجمة العربية التي نمّت المعارف، وانتقلت في العصور الوسطى إلى الغرب حيث كانت إسبانيا وصقلية جسرين للمشروعات الضخمة للترجمة.

وقد كانت هناك شراكات اقتصادية وسياسية.

إن الدين الإسلامي ليس دعوة إلى الحرب وليس سبيلا للكراهية وإنما هو دعوة إلى الحب والوئام والعدل والتعاون ويظهر ذلك في نقطتين أولاهما: الإسلام دعوة إلى البر والقسط.

والثانية: مفهوم الجهاد.

وسنقدم ذلك في آيات حاكمة – محكمة بمعنى أن المتشابه يرد إليها (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَان) (المائدة: من الآية2). وقال سبحانه وتعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة:8). وهذه الآية  كما يقول القاضي أبو بكر بن العربي الأندلسي في أحكامه ويقول المفسر عبد الحق بن عطية في تفسيره الوجيز محكمة أي أن حكمها باق إلى الأبد و لأن بعض الآيات تكون مؤقتة الحكم وهذا ما يسمى بالنسخ فإن هذه الآية ليست من الأحكام المؤقتة.

وهذا يعني أن العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين محكومة بهذه الآية فدعونا نتأمل في معانيها إنها تبدأ بنفي النهي وهو بمنزلة رد على من يتوهم ويظن أنه لا يجوز أن يقيم علاقة طيبة مع غير المسلمين وتذكر وصفين لغير المسلم الذي لم يقاتلنى من أجل أني مسلم وهذا معنى الذين لم يقاتلوكم في الدين فحرف “في” للسببية من أجل دينكم.

أما الوصف الثاني فهو غير المسلم الذي لم يجبرني على النزوح من أرضي ووطني وهذا معنى “ولم يخرجوكم من دياركم ”

 فما هو جزاء هذا الرجل أو الأمة التي لم تشن عليّ الحرب من أجل الدين ولم تهجرني من بلادي ؟

 جزاؤها هو البر والقسط والإقساط ومعناه إعطاء قسط من أموالنا لهم كما يقول أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن.

 

مفهوم الجهاد

لم يكن الجهاد والحروب المتبادلة عائقاً دون التبادل الثقافي والاقتصادي.

ومفهوم الجهاد له إطلاقات متعددة تتمثل أولاً في:

1.     مجاهدة العدو الظاهر.

2.     مجاهدة الشيطان. 

3.     مجاهدة النفس.

والمعنيان الأخيران وردا في أحاديث منها ما رواه الأمام أحمد في مسنده وأبو داود في سننه عن فضالة بن عبيد أنه صلى الله عليه وسلم قال: والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله عز وجل.” وهو حديث حسن.

 وقد جاء في حديث ضعيف رواه البيهقي عن جابر أنه عليه الصلاة والسلام قال- عند عودته من آخر غزوة له “تبوك”: رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر.

 وفسره بمجاهدة الهوى. وخدمة الوالدين جهاد قال عليه السلام: ففيهما فجاهد.”

وكثير من العلماء يعتبر مجاهدة النفس أساس الجهاد قال أبو الوليد الباجي الأندلسي: وجاهد عن اللذات نفسك جاهداً فإن جهاد النفس خير جهاد، فما هذه الدنيا بدار إقامة فيعتد في أغراضها بعتاد.  

أما المعنى الأول وهو جهاد الناس فهو المعنى الأكثر انتشارا وهو جهاد غير المسلمين الذي يعني عمليات القتال والحرب والذي وردت فيه آيات كثيرة وأحاديث في فضله وشروطه وضوابطه وكانت  له ممارسات في التاريخ بين المسلمين وغيرهم لا تزال أصداؤها تتردد في أسماع التاريخ ومازالت إلى يومنا هذا موضوع أخذ ورد إفراطاً وتفريطاً وإعجاباً وشجباً فكم من أناس برروا حروبا عدوانية ومطامع دنيوية بدعوى الجهاد وكم آخرون فرطوا في الجهاد فتقاعسوا عن ردِّ العدو ونكصوا عن مقارعة العدو فكانت النتائج وخيمة وكم حركات غير منضبطة بضوابط الجهاد شوهت سمعة الإسلام وأورثت المسلمين عنتاً وضياعاً.

 وكم متجنٍ على الإسلام معتبرا أن الجهاد لا ينتظر مبرراً وأنه دعوة إلى القتال الدائم ضد غير المسلمين كما يقول القس هانز فوكنج في مقاله المنشور بجريدة ألمانية في فرانكفورت 1991م كما يحكيه مراد هوفمان.

وأمثال هذا في المقالات الاستشراقية كثير وهم بذلك يبررون حرباً عدوانية ضد المسلمين لتمدينهم وجعلهم مسالمين.

 والحق أن مفهوم الجهاد في الإسلام ليس مرادفا دائما للقتال فالجهاد مفهوم واسع فهو سعي إلى الحق ودعوة إليه باللسان وهذا هو المعنى الأول قال تعالى: {وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً} (الفرقان: من الآية52) في سورة الفرقان أي بالقرآن الكريم أقم عليهم الحجة وقدم لهم البرهان تلو البرهان ومعلوم أن تلاوة القرآن لا تتضمن أعمالا حربية فليس كل جهاد قتالاً وليس كل قتال جهاداً.

 إلا أن الجهاد قد يكون أعمالاً حربية كما أن هناك أعمالاً حربية وليست جهادا ولهذا قسم ابن خلدون الحرب إلى أربعة أنواع وذلك حسب دوافعها قائلا: إن أصل جميع الحروب إرادة الانتقام. نوعان منها حروب بغي وفتنة: حرب المنافسة (التوسع) وحرب العدوان التي تقوم بها الأمم المتوحشة.

 ونوعان عادلان: حرب غضب لله تعالى ودينه وهي جهاد.

وحرب على الخارجين عن السلطان وهي حرب للعناية بالملك كما سماها.

 

Comments are closed.