التكفير.. لماذا وكيف الخلاص؟! (1-2)

 

 

التكفير لا يجوز أن يكون حكما جماعياً على جماعة من الناس من أجل أن شيخهم قال كذا أو الكتاب الفلاني من كتبهم اشتمل على مخالفات، قد تكون خطيرة، لما يؤدي إليه مثل ذلك من الأحقاد والفتن كما يقول أبوحامد الغزالي في كتابه «الاقتصاد في الاعتقاد»: فإن استباحة الدماء والأموال من المصلين إلى القبلة المصرحين بقول لا إله إلا الله محمد رسول الله خطأ.

والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك محجمة من دم مسلم.


وقد قال صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فإذا قالوا فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها.


وهذه الفرق منقسمون إلى مسرفين وغلاة، وإلى مقتصدين بالإضافة إليهم، ثم المجتهد يرى تكفيرهم وقد يكون ظنه في بعض المسائل وعلى بعض الفرق أظهر.

وتفصيل آحاد تلك المسائل يطول ثم يثير الفتن والأحقاد، فإن أكثر الخائضين في هذا إنما يحركهم التعصب واتباع تكفير المكذب للرسول، وهؤلاء ليسوا مكذبين أصلاً ولم يثبت لنا أن الخطأ في التأويل موجب للتكفير، فلا بد من دليل عليه ، وثبت أن العصمة مستفادة من قول لا إله إلا الله قطعاً، فلا يدفع ذلك إلا بقاطع.

وهذا القدر كاف في التنبيه على أن إسراف من بالغ في التكفير ليس عن برهان فإن البرهان إما أصل أو قياس على أصل، والأصل هو التكذيب الصريح ومن ليس بمكذب فليس في معنى الكذب أصلاً فيبقى تحت عموم العصمة بكلمة الشهادة.


فالردة أمر شخصي يحكم به قاض عالم مستكمل الشروط على شخص معين بإقراره أو بينة وليست فتوى تصدر ضد جماعة أو طائفة فإذا كان الأمر كما ذكر فما هو تعريف الردة ـ أعاذنا الله منها ـ قال في القاموس ـ ممزوجًا بالتاج ـ: والردة بالكسر اسم من الارتداد، وقد ارتدَّ عنه تحول، والاسم منه الرِّدِّة”.


وذكر العلماء عدة تعريفات منها قول ابن عرفة المالكي: الردة كفر بعد إسلام تقرر. وقال في تنوير الأبصار: المرتد هو الراجع عن دين الإسلام، وركنها إجراء كلمة الكفر على اللسان بعد الإيمان.


قال ابن قدامة: المرتد هو الرجع عن دين الإسلام إلى الكفر.

وقال الزركشي الشافعي في المنثور في تعريفه للكفر: هو إنكار ما علم ضرورة من دين محمد (صلى الله عليه وسلم)، كإنكار وجود الصانع، ونبوته، وحرمة الزنى ونحوه، وهذا كما أن الإيمان تصديق الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ في كل ما عليم بالضرورة مجيئه به.


وإنكار ما يثبت بالإجماع قد يخرج عن الضروريات، وهو كفر في الأصح، وأيضًا فإننا قد نكفر المجسم والخارجي وبطلان قولهم ليس من الضروريات، وأيضًا فالطاعن في عائشة ـ رضي الله عنها ـ بالقذف كافر إجماعًا وبراءاتها تثبت بالقرآن، والأدلة اللفظية عنده غير موجبة للعلم فضلاً عن الضروري، وشرط الحد أن يكون منعكسًا. قال: ولا يخفي أن بعض الأقوال والأفعال صريح في الكفر وبعضها في محل الاجتهاد.


ومن الأئمة من بالغ فيه وجعل يعد ألفاظًا جرت بها عادت العوام سيما الشطار منها ما يساعد عليه ومنها ما لا.


وفي الجملة تعداد الصور مما يتعذر أو يتعسر حتى قالوا: من أنكر مسألة الشرع فهو كافر، وهو خطأ عظيم وجهل ظاهر، وأما المسائل المجتهد فيها ينكرها المخالفون فلا شك أنّ أحد الطرفين شرع فليزم أن يكن أحد المجتهدين كذلك بالجملة، فالتكفير والتضليل والتبديع خطر والواجب الاحتياط، وعلى المكلف الاحتراز عن مواقع الشبهة ومكان الزلل ومواضع الخلاف.


 

*المصدر:جريدة الشرق الأوسط(الخميـس 20 ربيـع الثانـى 1427 هـ 18 مايو 2006 العدد 10033)

 

Comments are closed.