التكفير.. لماذا وكيف الخلاص؟! (2 ـ 2)

كنا قد أشرنا في المقال السابق الى النقاش حول تعريفات التكفير، واستعرضنا شطرا منها،

ونكمل فنقول ان من هذه التعريفات تبرز العناصر التالية:

أولها: وهو أساس التعريف وحقيقة الحد المتمثل في الجنس والفصل هو ما عرف به ابن عرفة المالكي، فإن قوله: «كفر» هو جنس للردة، ويدخل فيه الكفر الأصلي والطارئ، وقوله: «بعد إسلام تقرر» هو الفصل أخرج به الكفر الأصلي، وما إذا لم يتقرر الإسلام أي لم يثبت.

أما تعريف صاحب تنوير الأبصار وصاحب المغنى فهو تعريف لاسم الفاعل وهو المرتد أي الراجع، فالرجوع هو الجنس وكونه عن «دين الإسلام إلى الكفر»، هو الفصل، وهذه التعريفات متقاربة إلا أنها لا توضح كيفية الخروج، غير أن ملحقات الحد بينت ذلك.

فقال تنوير الأبصار: «وركنها إجراء كلمة الكفر على اللسان بعد الإيمان»، ويجعل التعريف مركبًا إذ كونه ركنًا يدل على أنه جزء لماهية، ولكن ابن عابدين قال: «هذا بالنسبة للظاهر الذي يحكم به الحاكم وإلا فقد تكون بدونه، كما لو عرض له اعتقاد باطل أو نوي أن يكفر بعد حين».

وهذا الكلام يجعل الاعتقاد ركنًا إلى جانب الكلام. أما ابن عرفة فقد جعل الكلام ونحوه وسيلة فقط لظهور الردة وليس جزءًا من الماهية فقال: عن ابن شاش: «ظهور الردة إما بتصريح بالكفر أو بلفظ يقتضيه أو فعل يتضمنه».

وهكذا فإن هذه الثلاثة هي مظاهر الردة، وقد نقل ابن عرفة كلام ابن شاش في عقد الجواهر الثمينة فيما تظهر به الردة ولكنه لم يتبعه في التعريف، فابن شاش عرّف الردة بأنها: «عبارة عن قطع الإسلام من مكلف»، وبهذا تكون الردة أمرًا قلبيًا مظهرها الخارجي الذي يحكم به قول صريح أو مقتض أو فعل متضمن.

وقد اقتصرت الأحناف على القول فيما مر إلا أنهم أضافوا الفعل، فقد قال ابن عابدين في الحاشية: «وكما لو سجد لصنم ووضع مصحفًا في قاذورة فإنه يكفر وإن كان مصدقًا؛ لأن ذلك في حكم التكذيب، كما أفاده في شرح العقائد».

أما تعريف الزركشي الذي نقلنا فهو تعريف للكفر وهو أعلم من الردة وجعل الجنس فيه الإنكار والفصل فيه هو ما عظم من الدين ضرورة، وهذا التعريف للرازي وهو مثل تعريف الأحناف الذي يعتبر إجراء كلمة الكفر عن اللسان ركنًا للردة، وقد ناقشه الزنجاني قائلا: «إن الإنكار يختص بالقول والفكر قد يقع بالفعل».

ولكن الزركشي بعد نقله لاعتراض الزنجاني على الرازي ناقشة قائلاً: «وما أورده من التكفير بالأفعال كلبس الزنار ونحوه على الضابط فجوابه أنه ليس على الحقيقية كفرًا لكن لما كان عدم التصديق باطنًا جعل الشرع له معروفات يدور الحكم الشرعي عليها. والظاهر أن من صدق الرسول صلى الله عليه وسلم لا يأتي بهذا ونحوه فلم يخرج الكفر عن أول التصديق».

بعد هذه المناقشات يبدو أن الردة مردها إلى القلب وأن وسيلته هي اللسان، أما الأفعال فقد تعطي حكم التصريح إذا كانت واضحة، وقد بالغ بعض العلماء بالتمسك بالعقد القلبي كأساس فريد للكفر،

فقال الشوكاني: «فلا بد من شرح الصدر بالكفر وطمأنينة القلب به وسكون النفس إليه، فلا اعتبار بما يقع من طوارق عقائد الشر، لا سيما مع الجهل بمخالفتها لطريقة الإسلام، ولا اعتبار بصدور فعل كفري لم يرد به فاعله الخروج عن الإسلام إلى ملة الكفر، ولا اعتبار بلفظ تلفظ به المسلم يدل على الكفر وهو لا يعتقد معناه». وإذا كان الأمر مردودًا إلى القلب لأن الكفر نقيض الإيمان، والإيمان محله القلب، فإن العلامات التي تترجم عن القلب يجب أن تكون واضحة شارحة غير غامضة ولا مشتبهة ولا محتملة لخطورة أمر الردة.

لما تقدم نرى أن ترسيخ ثقافة التسامح وقبول الاختلاف أمر ضروري لإطفاء نار فتنة التكفير التي تحرق الأخضر واليابس وتصيب القائم والجالس.

*المصدر:جريدة الشرق الأوسط(الخميـس 27 ربيـع الثانـى 1427 هـ 25 مايو 2006 العدد 10040)

Comments are closed.