نص كلمة العلامة عبدالله بن بيه في افتتاح حوار مجلس الحكماء المسلمين مع الطائفة الانجليكانية

                                    بسم الله الرحمن الرحيم

حرية المعتقد

هذه القضية ظلت على مر التاريخ وكر الزمان وتنوع المكان مشكلة من مشاكل الإنسان.

فأولاً: ما هو مفهوم الحرية؟

ما هو مفهوم المعتقد؟

المشكلة في العلاقة بين ممارسة الحرية وحرية التدين.

والعلاقة بين حقوق الفرد وبين حقوق الجماعة.

ومسألة النظام العام   – وعلاقة النكير العام بالتشريع؟

ثم القضايا العملية أي موقف الدين من نفسه؟

هل هو مركزي أو منفتح ؟

فإذا تجاوزنا مسألة الموقف النصي أو آراء الفقهاء في تفسيره بين النصوص العامة التي تؤكد أن (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِر)

فهل هي مسألة سلطانية أم هي مسألة تعبدية إيمانية؟

بمعنى أن للسلطان فيها تقديراً، حسب المصلحة، لأنها تهم المجتمع -القانون العام- وليس الأفراد. أم أنها تعبدية لا تملك الخيار في تعطيلها أو تبديلها.

ثم ما هو رأي المجتمع الذي يشرع له؟ وهل التحريم إلا نتيجة النكير الجماعي كما يقول القانون.

فهل يجوز أن نشرع ما لا يرضاه؟ فهل يجب على السلطة أن تدخل في حرب مع المجتمع؟ أم أن المقاربة الثقافية عليها أن تسير مع المقاربة القانونية.

وهل نحن أمام قناعات زائفة؟ تبحث عن البطولات وعن تشجيع غير مستحق من طرف أصدقائنا من الديانات الأخرى.

المادة 18 من إعلان حقوق الإنسان التي تفتح الباب لفهم النسبية باعتبار مراعاة النظام العام في كل بلد.

حيث يرى الفقهاء المسلمين القدامى أن جارك المسيحي إذا نفى نبوة النبي الخاتم فإنك لا تزعجه, لكن إذا شتم فلك الحق في رفعه إلى السلطات المختصة, لأن الأفراد لا يمارسون أخذ الحقوق، وقد يرى البعض أن رد الفعل الطبيعي هو ما قاله البابا فرانسيس في نفس الموضوع: من شتم أمك فإنك ستلطمه على خده.

إنها كلمة قوية للحد من الحماس الزائد لدى البعض لهدم القدسية بطرق بذيئة وغير متحضرة، وفي نفس الوقت، مسببة لحروب ودمار لا ضرورة له ولا فائدة.

أليس من الحكمة أن نعتبر ما قامت به دولة الإمارات في تحريم هذا السلوك يمثل إجراء عقلانياً وحصيفاً وحكيماً، وفي مصلحة الجميع سواء أولئك الذين لديهم الرغبة الجامحة في تحقيق ذاتهم من خلال الإيذاء وإهانة الغير.

وفي مصلحة بقية شرائح المجتمع التي تريد أن لا تتعرض مقدساتها لعبث بعواطفها العميقة، حيث أصبح هؤلاء يدركون أن الدولة تتحمل مسئوليتها (في الحفاظ على النظام العام وليس عليهم إلا أن يرفعوا الأمر لها)

أيها الزملاء الأفاضل:

لعلكم لا تنتظرون مني فتوى أو إعلاناً صحفياً للحكم على معتقدات الناس وضمائرهم بالقيود ووضع الجدران والحدود.

فهذا الأمر ليس إلي فضمائر الناس لا يملكها إلا رب الناس، وهو الذي يقول لنبيه الكريم (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِر) (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُر) (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِين).

كما أنكم لا تنتظرون مني أن أعلن براءة لمن يشتم رموز الإنسانية، الذين نؤمن بأن معنى الوجود والعلاقة بين الخالق والمخلوق وصل إلينا عن طريقهم (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)

فلن أدعوا أحداً لشتم الذين يؤمن مليارات البشر بإمكان الخلاص عن طريقهم

فهل ستكون المقاربة لاهوتية تيولوجية؟ طبقاً للتفسيرات والتأويلات وآراء الفقهاء وأكثرها معروف وبالتأكيد فإنه لا يبهج المصابين بهوس إيذاء المقدسات.

أم أن المقاربة مجتمعية تراعي أوضاع المجتمعات المسلمة والتراكمات التاريخية المتفاوتة في جوهرها وفي نتائجها، إلى حد القول بأن إعلان حقوق الإنسان والحريات لم تكن معنية به ولم تكن ممثلة في لجنته، فلم تمثل الدول الإسلامية في لجنة صياغة الإعلان، لقد كان الأستاذ شارل مالك قانونياً ممتازاً ولكنه كان عضوا بصفة شخصية.

هل المسألة من القضايا السلطانية أم من الأحكام التعبدية الإيمانية؟

وما هو تأثير الموضوع على السلم الاجتماعي؟

وما هو الميزان الصحيح بين الضمير الجمعي وبين السلوك الفردي؟

وما هو تأثير العولمة وخطاب المنظمات الغربية ؟ التي تستقطب بوسائلها الخاصة المجتمع.

كل تلك الأسئلة على العلماء وقادة الفكر أن يناقشوها في حوار داخلي للوصول إلى قرارات جماعية تأخذ بعين الاعتبار :

  • نصوص الشريعة ومقاصدها وسياقاتها الزمنية.
  • تغيرات البيئة العالمية
  • واقع المجتمعات المسلمة والمحافظة على السلم الاجتماعي.

وبذلك تكون تلك القرارات منسجمة مع ضمائرهم ومع مصالح المجتمعات في السلم، دون إهمال للمزاج العالمي.

وفي تلك اللحظة يمكن اللقاء مع إخواننا من المسيحيين وغيرهم، وفي مقدمتهم الكنيسة.

لتقديم نتائج عملنا ولنشاطرهم حكمتهم في السلام والحرية المسئولة التي هي وحدها السبيل إلى الوئام.

تلك هي المنهجية التي اتبعناها لتقديم إعلان مراكش الذي أعلن فيه العلماء الحقوق المتساوية والمواطنة الكاملة وحرية الممارسة الدينية للطوائف غير المسلمة في البلاد الإسلامية.

ولعلي لا أنهي هذه المداخلة قبل تقديم فقرات من هذا الإعلان الذي يخدم حرية المعتقد للطوائف كلها دون استثناء، وهو إعلان يصدر عن تجمع من العلماء لينضم إلى وثائق حقوق الإنسان و”الأقليات” –أفضل كلمة “الطوائف”.

ص60 الفقرة

مرجعية الإعلان = صحيفة المدينة

.

Comments are closed.