بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الخاتم،
وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدّين
كلمة معالي الشيخ عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه
في الملتقى التشاوري للساحل والسودان
يومي 20،19 يونيو 2023م، في نواكشوط
معالي السيد محمد ولد بلال، الوزير الأول بالجمهورية الإسلامية الموريتانية، معالي الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف بجمهورية مصر العربية، أصحاب المعالي والفضيلة، كل باسمه وجميل وسمه، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
يسعدني في مستهّل كلمتي أن أتقدم باسم الحاضرين بجزيل الشكر للحكومة الموريتانية بقيادة فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني حفظه الله على استضافتها لهذا الملتقى التشاوري لعلماء الساحل والسودان ولكم معالي الوزير الأول على تشريفكم فعاليات انطلاقته. كما أشكر القيادة الرشيدة بدولة الإمارات العربية المتحدة وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، على دعمها المتواصل لجهود الخير والسلام. والشكر موصول لكم ضيوف المؤتمر من علماء ووجهاء الساحل والسودان على تلبية الدعوة، متمنياً لكم مقاما سعيداً وأوبا حميداً. الحضور الكريم، اسمحوا لي بين يدي هذه الجلسة أن أسهم بكلمات موجزة في تأطير هذا اللقاء، وذلك من خلال الإجابة على الأسئلة التالية: لماذا هذا اللقاء؟ ما الذي نرجوه منه؟ وكيف نحقق ذلك؟ بالنسبة للسؤال الأول، فإن التفكير في هذا الملتقى أتى ضمن سياقين مختلفين، أحدهما طبيعي ومجدول، والأخر طارئ ومستعجل، وهذان السياقان هما سياقا الساحل والسودان. وفي حين كان اللقاء مجدولاً
بشكل مسبق لتدارس أحوال دول الساحل والتباحث حول المبادرات والمقترحات لمعالجة أزماتها، جاءت الأحداث المؤسفة في السودان واستشرى القتل والقتال وسالت الدماء، وحينئذ ارتأينا أن من الواجب الاسهام -ولو بجهد المقل- في اللقاء بإخواننا وأشقائنا السودانيين وبرفقة علماء الساحل ودول جوار السودان، للتشاور حول ما يجري والتباحث فيما يمكن الاسهام به في هذا الشأن. وهكذا كانت الدعوة لهذا اللقاء بين العلماء! وبين السودان والساحل وبقية اشقاءهم العرب والأفارقة من أواصر القربى والنسب ووشائج العلائق ما يحفز على التواصل ويساعد على التعاون. ثانياً، نود أن يوفر هذا الملتقى لعلماء ووجهاء وخبراء السودان كما علماء ووجهاء دول الساحل فرصة للتباحث حول الأوضاع الحاصلة في مناطقهم والتشاور حول أفضل السبل لمعالجتها. ونحن حريصون أن يكون هذا الملتقى منصة للتباحث والنقاش، وفضاء للتفكير الإيجابي في حل الأزمات.
ومنتدى أبوظبي للسلم -وفرعه المؤتمر الافريقي لتعزيز السلم- تجمع علمائي مهمته دعوة الناس إلى السلم وإلى العافية والبحث عن وسائل المصالحات والموائمات والملائمات لا يشتم أحدا ولا يخاصم طرفا إنه بمنزلة الإطفائي الذي يطفأ الحريق قبل أن يسأل عمن أضرم النار. ثالثاً، نرى أنه من خلال التعرف على الوضع الراهن ومسببات الأزمة، ومن خلال الحوار وتقديم الرؤى والأفكار، والمناقشة الجادة للمقترحات والتوصيات يمكن أن يخرج المشاركون بنداء للسلام وحقن الدماء وتغليب المصلحة العامة، كما يمكن من خلال ذلك أن يصلوا إلى صيغة توافقية لمبادرة للوساطة والمصالحة بين المتخاصمين. وإذا كانت أزمة السودان طارئة، وأحداثها تتدهور بشكل مؤسف، فإن الأزمات الحاصلة في بعض دول الساحل مستمرة ومأساوية، ولا تزيدها الأيام الا اشتعالا. إنها دوامة عنف وقتل ونهب لم يتوقف منذ عقد من الزمن، وتكاد بسببه تضيع أجيال كاملة من دولنا الشقيقة، لم تحظ بالتعليم المناسب ولا العمل اللائق وتنكبتها الدورات التنموية الحاصلة في باقي أركان المعمورة، في أزمات تفتات فيها جماعات مسلحة على مجتمعاتها باسم الدين والدين من فعلها براء.
وإذا أضيفت هذه الازمة الطارئة على تلك الازمات المستمرة، زادت متاعب قارتنا الافريقية وهناً على وهنٍ. كما يمكن أن يؤدي استمرار هذه الازمات -لا قدر الله- إلى هزات ارتدادية ونزاعات متلاحقة في أجزاء أخرى من القارة، لم تزل حتى الآن بِمَنْأىً عن التوترات الراهنة، وهو ما يقتضي من الجميع تعاونا واسهاما في حلها، والتخفيف من آثارها. وفي السودان كما في الساحل، نرى أن المبادرات الرامية لحل الازمات لابد أن تكون محلية، يقودها أبناء البلد فـ”هل مكة أدرى بشِعابها”;، وبالتالي يكون دورنا هو مباركة هذه الجهود، والدعم بما نستطيع لإنجاحها. كما نعي تماما، أن كثيراً من هذه الأزمات، مركب ومعقد، ولا يمكن بسهولة إرجاعها إلى عامل واحد، لكن ذلك لا ينبغي أن يثني عزمنا عن محاولة الإسهام في حلها، مركزين على السلم وإيقاف القتل والقتال كنقطة ارتكاز، وحجر أساس، ولبنة أولى يبني عليها كل شيء آخر. أخيرا، بقيت ثلاث كلمات للتذكير والتنبيه، أما الأولى، فتذكير بما جاء عن الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من التحذير من إزهاق الأرواح وقتل الأنفس البريئة،
6 قال تعالى (مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا )، وقال صلى الله عليه وسلم ( لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ) وقال عليه السلام (إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل، والمقتول في النار، قيل يا رسول الله، هذا القاتل فما شأن المقتول؟ قال: لأنه كان حريصًا على قتل صاحبه) وأما الثانية، فالتذكير بنبذ العصبية للعرق أو القبيلة، فقد قال صلى الله عليه وسلم ( لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ، ولا لأبيضَ على أسودَ، ولا لأسودَ على أبيضَ: إلَّا بالتَّقوَى، النَّاسُ من آدمُ، وآدمُ من ترابٍ)، وقال في حادثة الأوس والخزرج:( يا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، اللَّهَ اللَّهَ، أبِدَعْوى الجاهِلِيَّةِ وأنا بَيْنَ أظْهُرِكُمْ..) وقال في حديث آخر (دَعُوها فإنَّها مُنتنةٌ);. والثالثة في الحث على الصلح والوساطة بين المتنازعين، قال سبحانه وتعالى ( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)
وقال عز وجل( لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا);. وقال تعالى: ( فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) وهي الآية التي اتخذها ملتقاكم شعاراً لهذا اللقاء. وقال صلى الله عليه وسلم في سبطه الامام الحسن بن علي رضي الله عنهما (ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين);، وكان ما أخبر به الصادق المصدق صلى الله عليه وسلم من الموقف العظيم الذي وقفه سبطه رضب الله عنه حين أصلح بين فئتين عظيمتين من المسلمين، حقنا للدماء وصونا لهم من الفناء. فهذه أمور ثلاثة نذكر بها أنفسنا وأهلنا في الساحل والسودان، لعلها تجد آذانا صاغية وقلوبا واعية. إننا بمنهجية الإطفاءيين لا نتهم طرفا أو آخر، وإنما نهتم أولاً وقبل كل شيء، بكيفية إطفاء الحريق وإنقاذ الضحايا، كيفية إقناع أطراف الصراع بإيقاف النار ووقف القتل. إننا ندعو الأطراف جميعا إلى الجنوح إلى السلم، ووقف إراقة الدماء المعصومة، وانتهاك الحرم المصونة،
والتمسك بقيم السودان الأصيلة، قيم الصبر والسلم، والحلم والعلم، قيم الضيافة والكرم. إن هدفنا وأمنيتنا أن يسهم هذا الملتقى في إطفاء نيران الحروب المشتعلة، وإيقاف دوامة القتل المستشرية، والصلح بين الأطراف المتنازعة، وتبيين الرأي الشرعي وتقديم بدائل للحرب في النزاعات الحاصلة. ولقد صدق العبّاس بن مرداس السلمي رضي الله عنه حين قال: السَّلْمُ تأْخُذُ منها ما رَضِيتَ به***وَالْحَرْبُ يَكْفِيكَ مِنْ أَنْفَاسِهَا جُرَعُ
أيها الحضور الكريم، إن الأمة اليوم محتاجة إلى تنزل السكينة والطمأنينة في النفوس، والسكينة وضع نفسي يجعل المرء يزن الأمور بميزان العقل والحكمة، وتحمله على استشعار معاني الرحمة والرأفة والتقوى، والسكينة مفتاح النجاح، ولذلك امتن الله بها على نبيه صلى الله عليه وسلم وعلى صحابته الكرام في اللحظات الحرجة، قال تعالى: ( ;إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا ) وقال جلا وعلا( ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) وقال سبحانه وتعالى: ( هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ )، فلنبتهل جميعا إلى المولى سبحانه أن يمن علينا وعلى أمة نبينا صلى الله عليه وسلم وعلى العالم بسكينة تثمر طمأنينة تحلُّ في النفوس، وأملا يعمر القلوب ومحبة للخير وسلاما مبذولا للعالم. نسأل الله أن يحفظ الأوطان، وينشر الأمن والأمان، ويصلح الأعمال، ويحقق الآمال، وأن يجعل اجتماعنا اجتماع خير وأن يكلله بالنجاح والتوفيق. وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
|