بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الخاتم، وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين
أصحاب المعالي والسعادة، أصحاب السماحة والفضيلة،
أصحاب الغبطة والنيافة،
أيها المشاركون كل باسمه وجميل وسمه،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
بادئ ذي بدء، يسرني أن أقدم جزيل الشكر للقائمين على تنظيم هذا المؤتمر حول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في خدمة السلام، والذي يعقد بمدينة هيروشيما في اليابان، بالشراكة مع الأكاديمية البابوية للحياة، وأديان من أجل السلام في اليابان.
مع الاعتذار لعدم التمكن من الحضور معكم مباشرة لكن ما لا يدرك كله لا يترك جله، واسمحوا لي بين يدي هذه الجلسة أن أقدم بعض الأفكار السّريعة التي أرجو أن تكون مساهمة في التفكير في هذا الموضوع الملح ومنطلقا للحوار حوله.
الأخوة والأخوات،
إن البشرية اليوم تعاني من حروب وأزمات في مختلف مناطق العالم، كما تواجه تحديات كلية جسيمة على صعيد البيئة والاوبئة والمجاعات.
وفي خضم ذلك، فإن التطورات التقنية يجب أن تتجه لحل هذه المعضلات التي تواجه البشرية، والحد من الأزمات التي تعاني منها، أي أن تكون التقنية في خدمة الانسان ومن أجل الإنسانية جمعاء.
وفي هذا السياق، يأتي مؤتمرنا ساعياً إلى بحث سبل تسخير الذكاء الاصطناعي في خدمة السلام. ولاشك أن هذا المسعى مهم وعاجل، فالبشرية في حاجة وتطلع إلى كل ما من شأنه إنهاء الصراعات وإيقاف الحروب والتقليل من النزاعات.
إن الجواب على سؤال “لماذا”: أي لماذا نجعل الذكاء الاصطناعي في خدمة السلام؟ واضح وجلي فيما ذكرناه آنفا. ويبقى سؤال “كيف”: أي كيف نجعل الذكاء الاصطناعي في خدمة السلام؟ وهو السؤال العملي الذي يحتاج إلى بحث وتدبر. والجواب على هذا السؤال يمكن أن ينظر إلى زاويتين متكاملتين أي إلى ما يسمى جانب الوجود وجانب العدم. فمن ناحية الوجود، أن تكون منتجات الذكاء الاصطناعي قادرة على المساهمة في نشر قيم السلم والتسامح والمساعدة في إيقاف الحروب وتخفيف النزاعات وتعزيز الثقة بين الناس. ومن ناحية العدم، ألا تساهم هذه المنتجات في زيادة التوترات أو اشعال الفتن بين البشر أو رفع وتيرة سباق التسلح، وهذا داخل في عموم الحديث الشريف: ” لا ضَررَ ولا ضِرارَ”، أي الامتناع عن إلحاق الضرر بالآخرين بأي وسيلة وتحت أي ذريعة.
وفي الحالين، تحضر الحاجة إلى دمج الاخلاق في منتجات الذكاء الاصطناعي، لتكون أخلاق الصدق والحق والعدل والرحمة وغيرها هي الموجه والمؤطر لأعمال الذكاء الاصطناعي، ومن خلال ذلك يكون العمل على منتجات متنوعة يمكن أن تسهم في التخفيف من الصراعات، وتساعد على زيادة التفاهم بين البشر، وتحد ممن الاستخدام الخاطئ للتقنية…الخ.
ويبقى الوصول إلى غاية إدماج منظومة الأخلاق، وإقناع الفاعلين العموميين والخصوصيين بمراعاتها، ووضع الأطر والتشريعات المساعدة والداعية إلى حصر استخدام الذكاء الاصطناعي في الاستخدامات السلمية، هي التحديات النظرية والعملية التي يعمل عليها مؤتمركم والتي ستحتاج ولاشك إلى تعاون واسع بين مختلف الفاعلين.
الحضور الكريم،
إن رمزية عقد هذا المؤتمر في مدينة هيروشيما واضحة إذ كانت هذه المدينة شاهدة على إحدى أكبر مآسي استخدام التقنية المتطورة بشكل مدمر ووحشي في التاريخ الحديث. إنه درس قاس وخالد في النتيجة التي يمكن أن تترتب على الاستخدام الخاطئ للقدرات التقنية.
إنه تذكير وتحذير يدعو للتفكير في كيف لمنتجات الذكاء الاصطناعي ألا تزيد أُوَار التوترات الحاصلة حول العالم ولا لهيب الحروب والنزاعات الجارية. كيف تبقى هذه التقنيات في خدمة البشرية ولأجل نفع البشر وألا تستخدم لقتلهم ولا افنائهم. هذا هو التحدي الذي على مطوري هذه التقنيات التعامل معه وعلى صناع القرار الدولي العمل من أجله وعلى المجتمع المدني والقيادات الدينية التعريف به والحث عليه.
إن تحقيق هذا الهدف يحتاج إلى عمل مشترك وتعاون دولي لبناء الثقة بين الفاعلين الرئيسين حول العالم وتوحيد الجهود نحو تطوير منتجات ذكاء اصطناعي غايتها تحسين حياة الناس وصون كرامتهم، وفي القرآن الكريم يأمرنا الله سبحانه وتعالى بالتعاون فيما فيه صلاح الخلق، قال تعالى: ” وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ”.
وفي هذا الصدد، تقوم دولة الإمارات العربية المتحدة بجهود كبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي حتى أصبحت في مصاف الدول الرائدة في هذا المجال، استثمارا وتطويرا واستفادة، وهي ماضية في هذا السياق وبناء الشراكات من أجل تسخير هذه التقنيات لخدمة الانسان، كما جاء في خطاب صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، “حفظه الله” ضمن فعاليات قمة السبع المنعقدة الشهر الماضي ” إنّ دولةَ الإماراتِ حريصةٌ على إيجاد منظومة متكاملة للذكاء الاصطناعي سواء من خلال البرامج والتشريعات أو المبادرات والشراكات مع الأصدقاء بما يسهم ويساعد على توظيف هذه التقنيات في إيجاد الحلول الفاعلة لاستدامة الطاقة وضمان أمنها وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة”.
وفي هذا السياق، بادر منتدى أبوظبي للسّلم إلى الانخراط في نداء روما لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي إلى جانب كبريات المؤسسات والهيئات الدولية الناشطة في هذا المجال، وتوقيع اتفاقية مع كلية الحياة في الفاتيكان ومعهد فراداي للعلم والايمان في جامعة كامبردج، والمشاركة في تأسيس لجنة الدين والمجتمع المدني للذكاء الاصطناعي في المملكة المتحدة.
أشكركم على إصغائكم، وأتطلع إلى مواصلة متابعة نتائج أعمالكم، متمنياً لهذا المؤتمر التوفيق والنجاح، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
|