ارشيف ل January, 2013

ابن بيه لجريدة الرياض: المرأة في الأمور الشرعية مكلفة بما يكلف به الرجل والخطاب التكليفي جاء عاماً للرجل والمرأة

 

الرياض- «الرياض»

أكد فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله بن بيه الفقيه المعروف، بأن الشورى من أحسن ما أُنزل إلينا من ربنا، حيث إن الشورى فطرة زكّاها الإسلام وكانت قريش تجتمع في دار الندوة للتشاور، وجاء الإسلام ليعزز مكانة وأهمية الشورى  .

وأضاف بأن الشورى أقرها الإسلام وزكاها كقيمة اجتماعية وكنظام حكم، مبيناً أن مبدأ الشورى الذي قرره الإسلام هو تشريع للاختلاف الحميد بين أهل الحق وما دام في حدود الشريعة وضوابطها فلا يكون مذموماً، بل يكون ممدوحاً، ومصدراً من مصادر الإثراء الفكري، ووسيلة للوصول إلى القرار الصائب  .

وبيّن الشيخ بن بيه بأن مسألة دخول المرأة في المجالس الشورية هي من المسائل التي شغلت الناس كثيراً في هذه الأيام، مشيراً إلى أن المرأة في الأمور الشرعية مكلفة بما يكلف به الرجل، أي أن الخطاب التكليفي جاء عاماً للرجل والمرأة إلا ما اقتضته طبيعة كل منهما وبالتالي فإن المشاركة خاضعة للضوابط التي وضعتها الشريعة الإسلامية .

وأضاف بأنه يجب أن ننظر إلى مبدأ “المرأة حبيسة البيت” بأنه مبدأ غير صحيح في الإسلام، وقد تخرّج من المدرسة النبوية شاعرات ومجاهدات.

الالتزام بضوابط الشرع

وأوضح الشيخ عبدالله بن بيه  أن هناك سقفاً معيناً مقبولاً وهناك ضوابط شرعية لا بد من اعتبارها عند دخول المرأة المسلمة في المجالس النيابية والشورية، علماً بأن المرأة لا يمكن أن تكون رجلاً، كما لا يمكن للرجل أن يكون امرأة، فهذه فطرة الله -سبحانه وتعالى- ومن أراد تغيير هذه السنن فمصيره الفشل بلا شك لأنها سنن إلهية لا يمكن تغييرها، مضيفاً بأن هناك شيئاً لا يريد الغرب فهمه، وهو أن للمرأة سقفاً لا يمكن أن تتجاوزه، وهذا السقف تحدّده طبيعتها وفطرتها. ومع ذلك فالإسلام منح المرأة كل حقوقها، وحرّرها من كثير من القيود التي كانت في الجاهلية، اعتباراً لمكانتها، وبالتالي ففي حدود هذه الضوابط الإسلاميّة الفسيحة والمرنة يمكن للمرأة أن تشارك وتخدم مجتمعها.

ابن بيه: «صحيفة المدينة» لم تأخذ حقها في التطبيق و»الولاء والبراء بحاجة إلى دراسة ومراجعة

 

جريدة المدينة – ملحق الرسالة -غازي كشميم- جدة 

 

 

قال نائب رئيس مجلس الامارات للإفتاء العلامة عبدالله بن بيه : إن جميع النصوص الشرعية المرتبطة بالعلاقة بالآخر تندرج تحت ما أسماه أربعة «عناوين»، وهي: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله»، و «حتى يعطوا الجزية عن يد»، و «وإن جنحوا للسلم فاجنح لها»، والعنوان الرابع هو «صحيفة أو وثيقة المدينة»؛ وأوضح ابن بيه أن ثلاثة من هذه العناوين تتعلق بالحرب بعد قتال، كما كشف ابن بيه أن من العلماء من بحث حديث «أمرت أن أقاتل الناس..» وقالوا هو خاص بالجزيرة العربية. وأضاف ابن بيه في تصريح لـ(الرسالة) : إن العنوان الرابع وهو «صحيفة المدينة» لم يعط حقه من البحث والممارسة. وأكد ابن بيه أن «صحيفة المدينة» جاءت لمجتمع متعدد الديانات والطوائف؛ كل طائفة منه دخلت دينها اختياراً اليهود والمسلمون، وأضاف : إن «الصحيفة» نظمت حال هؤلاء والعلاقة فيما بينهم، ورفض ابن بيه دعوى نسخ «صحيفة المدينة»، وأكد أنها ثابتة كما ذكرها بأن القيم في كتابه أحكام الذمة وكما حققنا من خلال كثير من النصوص والمراجع. ودعا ابن بيه إلى تبني مثل هذه الوثائق بدلاً من القول بنسخها، خاصة في مجتمعات متعدد الديانات ولم يسبق بينها قتال. كما أكد ابن بيه أنه يمكن تطبيق مثل هذه «الوثيقة» بالإضافة إلى مواثيق الأمم المتحدة التي أصبحت جزءاً من المواثيق الداخلية  .
وأشار بن بيه إلى أن غالبية النصوص في التعامل مع الآخر المختلف تندرج تحت هذه العناوين الرئيسة، وتبقى عناوين فرعية في مسألة الولاء والبراء وغيرها مما يحتاج إلى مزيد من الدراسة لنعرف أي ولاء وأي براء؟ ولنعرف هل هي قضية متعلقة بالدين أم بالقضايا الدنيوية  .

عبد الله بن بيه: بين الأصول والمقاصد

 

نعود إلى سياقنا وموضوعنا لهذا   اليوم، وهو: المقاصد في هذا العصر. وكنت تحدثت عن ابن عاشور وعن علال الفاسي…وغير بعيد عنهما أنتقل إلى أستاذنا الشيخ عبد الله بن بيه، فهو من العلماء المهتمين بمقاصد الشريعة في هذا العصر، تنظيرا وتطبيقا. فها قد وصلنا إلى المعاصرين الأحياء.
ومن هذا الباب هناك نكتة وقعت بالمغرب، وهي أن أحد الأساتذة كان يدرِّس بعض المواد الشرعية، وجاءه المفتش، وكان الكتاب المقرر الذي يعتمده الأستاذ من تصنيف المفتش نفسه، والأستاذ لا يدري. فكان يشرح ويقول للتلاميذ من حين لآخر: قال المصنف رحمه الله. في النهاية جاءه المفتش وقال له: أنت تقول عن المصنف رحمه الله، وأنا هو المصنف، فقال الأستاذ مندهشا: سبحان الله! وهل هناك مصنف باقٍ على قيد الحياة!! كان يظن أن المصنفين كلهم من الأموات. فلا تظنوا أنتم أن المصنفين في المقاصد كلهم من القدماء ومن الأموات.

الشيخ عبد الله بن بيه، له مكانة ورسوخ واجتهاد. فلذلك اخترته لتقديمه لكم، وإلا فالذين يكتبون اليوم في المقاصد عشرات وعشرات، ولكني أتحدث عمن لهم مكانة وعطاء ورسوخ.
الشيخ الفقيه ابن بية صدر له كتاب في المقاصد قبل نحو سنتين. وأصله محاضرة ألقاها بمكة المكرمة، ثم وسعها وجعلها كتابا اسمه “علاقة مقاصد الشريعة بأصول الفقه“.

المسألة الأساس لهذا الكتاب هي المعبر عنها في عنوانه. وقد سبق أن عرضنا لها فيما سبق. ولها مكان يأتي في اليوم الأخير من هذه الدورة إن شاء الله عز وجل.


وللشيخ حفظه الله آراء وإضافات واستدراكات وتطبيقات، في جميع مباحث الكتاب، غير أن الجديد الكامل في نظري هو مبحثه الرابع الذي سماه “الاستنجاد بالمقاصد واستثمارها “.
وقد بدأه بتأكيد ما ذهب إليه الشاطبي من قبل، فذكر أن «أول استثمار لها -أي للمقاصد- هو ترشيح المستثمر لها، الذي هو المجتهد، ليكون مجتهدا موصوفا بهذا الوصف. فلا بد من اتصافـه بـمعرفة المقاصد..

ثم عرض رأي ابن عاشور الذي ذكرته سابقا، ثم قال :«ولبيان ما دندن حوله أبو المقاصد أبو إسحاق الشاطبي، والعلامة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور، رحمهما الله تعالى، نقول: إنه يُستنجَد بالمقاصد في أكثر من عشرين منحى من مسائل الأصول… ».

والحقيقة أنه قد أوصلها إلى ثلاثين وجها، هي كلها تقريبا عبارة عن قواعد أصولية، لغوية واستدلالية، تَمَّ تطعيمها وتسديد العمل بها، باستحضارالفكرة المقاصدية والنظر المقاصدي في إعمالها. ويمكن اعتبارها عملا نموذجيا لصياغة مقاصدية لعلم أصول الفقه.

وبعد أن استعرض الشيخ الجليل هذه المناحي الثلاثين للاستنجاد بالمقاصد، قال حفظه الله: «وهذه المناحي التي تسجَّـل لأول مرة، لو أردنا نشرها ـ كما تنشر بعد الطية الكتبُ ـ لكانت جزءا كبيرا، لكن مقصودنا من هذا هو الإشارة إلى أن المقاصد هي أصول الفقه بعينها، وهذه المناحي والمدارك أمثلة للوشائج الحميمة والتداخل والتواصل. ولو أمعنا النظر وأعملنا الفكر لأضفنا إليها غيرها. فأقول لطالب العلم: انحُ هذا النحو… ».

ومما يتميز به الشيخ ابن بيه، نشاطه وإنتاجه الإفتائي، في مختلف قضايا العصر، وهو ما يتيح له تطبيق رؤيته المقاصدية. وبحوثه المقدمة في مختلف المجامع الفقهية، هي خير ما أحيل عليه

 

حوار مع صحيفة عكاظ حول المقاصد و ترشيح «المجتهد»

 

 

عكاظ – طالب بن محفوظ

تنقسم المقاصد إلى «مقاصد عامة» و«مقاصد خاصة»، فالعامة تعني «تحقيق مصالح الخلق جميعا في الدنيا والآخرة»، ويتحقق هذا من خلال جملة أحكام الشريعة الإسلامية، أما الخاصة فهي «الأهداف التي تسعى الشريعة إلى تحقيقها في مجال خاص من مجالات الحياة كالنظام الاقتصادي أو الأسري أو السياسي وغيرها»، وذلك عن طريق الأحكام التفصيلية التي شرعت لكل مجال على حدة  .وتكون «المقاصد» تارة حكما وغايات، وتارة أخرى تكون أحكاما تحقق تلك الحكم، وتارة تكون نوايا المكلفين وغايتهم ـ

كما أوضح ذلك العلامة الإسلامي المعروف الدكتور عبدالله بن بيه ـ الذي أضاف أنها «فلسفة التشريع الإسلامي» معللا ذلك بتقديمها الإجابة لثلاثة أسئلة أساسية تواجه كل تشريع وهي: مدى استجابة التشريع للقضايا البشرية المتجددة وهو ما سماه بعض القدماء بالقضايا اللا متناهية كابن رشد، ومدى ملاءمة التشريع للمصالح الإنسانية وضرورات الحياة،والمكانة الممنوحة للاجتهاد البشري المؤطر بالوحي الإلهي  


كيف يمكن استكشاف المقاصد واستشفاف الحكم والفوائد؟   

الدعوة إلى كشف مقاصد الشريعة واستشفاف الحكم فهمها السلف فتجلت في فقه الراسخين في العلم وظهرت في قضاياهم وفتاواهم ـ رضي الله عنهم ـ في أمور لم يسبق فيها حكم أو أمر منه عليه الصلاة والسلام أو سبق فيها حكم أو عموم فخصصوه في الزمان، ويفتون فيما تجدد من قضايا اعتمادا على ما حفظوه من الوحيين وتارة اعتمادا على ما فهموه من دلالة المقاصد، وامتد هذا الفقه في عصر التابعين بنسب متفاوتة «فسالت أودية بقدرها» وأخذت كل مدرسة بنصيب ومع ذلك كانت الإشارة إلى مدرسة أهل المدينة بأنها مدرسة المقاصد إذ منها الفقهاء السبعة واستمر عمل أهلها على منهج ما ورثوه من تراث النبوة فوجد أوقافهم قائمة دليل على جواز الوقف


اتجاهات متعارضة
المقاصد ظلت ماثلة في فقه الأئمة ومع ذلك ظهر التباين مبكرا في اجتهاد الفقهاء السبعة، اتساعا وضيقا، لصوقا بالنص وبعدا منه.. لماذا؟

يصف الإمام الشاطبي هذه الاتجاهات المتعارضة في موقفها من التعامل مع النص
فأولا: الاتجاه الظاهري الذي لا يهتم بالمعاني وإنما يقتصر على ظواهر النصوص وهم يحصرون مظان العلم بمقاصد الشارع في الظواهر والنصوص.

والاتجاه الثاني: يرى أن مقصد الشارع ليس في الظواهر ويطرد هذا في جميع الشريعة فلا يبقى في ظاهر متمسك وهؤلاء هم الباطنة وألحق بهؤلاء من يغرق في طلب المعنى بحيث لو خالفت النصوص المعنى النظري كانت مطرحة.

والثالث: أن يقال باعتبار الأمرين جميعا، على وجه لا يخل فيه المعنى بالنص، ولا بالعكس؛ لتجري الشريعة على نظام واحد لا اختلاف فيه ولا تناقض، وهو الذي أمّه أكثر العلماء الراسخين؛ فعليه الاعتماد.


اتجاهات داخل المذاهب

يعترف بعض العلماء ـ وأنت واحد منهم ـ أن تقسيم الإمام الشاطبي تقسيم دقيق، إلا أنهم يرون أنه يحتاج إلى تجلية.. كيف تفسرون ذلك؟

اختلفت المدارس الفقهية بين متمسك بظاهر النصوص مع دليل واحد هو الاستصحاب، وهؤلاء هم أهل الظاهر، بينما قال الشافعية مع الظاهرية بظاهرها وزادوا بالقياس مع اضطراب في مذهبهم حول الاستصلاح، وهؤلاء أقرب إلى حرفية النص، وزادت المدارس المالكية والحنبلية والحنفية على الظاهر والقياس فقالت بالاستدلال وهو لغة طلب الدليل. قال الشوكاني: «وهو في اصطلاحهم ما ليس بنص ولا إجماع ولا قياس».
وفي آخر القرن الثاني بدأت تتبلور صورة المشهد المتباين والمتساكن والمتداخل والمتقابل، وإن كان أئمة المذاهب الثلاثة الحنفية والمالكية والحنبلية لم يعلنوا عن هويتهم إلا من خلال اجتهاداتهم المتناثرة في المسائل التي تجسدت فيما بعد في قواعد فإن الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ سطر أصوله التي كان لدلالات الألفاظ فيها النصيب الأوفر والحظ الأوفى ولم يكتف بذلك فقد أوضح موقفه من الآخرين وبذلك قدم لنا مواقفهم كما يراها فتحدث عن الاستحسان وعن الذرائع معلنا موقفه المبدئي الحاسم منها، وهكذا تميزت اتجاهات داخل المذاهب الأربعة التي تجمع بينها روابط نسب العلم بالأخذ المباشر بين أئمتها.


ذكرتم في إحدى محاضراتكم أن «المقاصد» خرجت من عباءة هذا الجدل، وأن من المفارقات أن يكون الشافعية في طليعة مؤسسي الفكر المقاصدي من خلال مقولات إمام الحرمين الجويني وردوده اللاذعة على مذهب مالك وأبي حنيفة.. كيف تفسرون ذلك؟

عندما يلج النزاع ويحتدم الجدال وتلتك البراهين على حياض الاجتهاد في محاولة لضبط أوجهه خارج نصوص الكتاب والسنة والإجماع والقياس فيما سمي لاحقا بالاستدلال، كانت المقاصد الوسيلة والمعيار لهذا الضبط لأنها كلية مشككة وإن كانت قطعية بتفاريق أدلة شتى حسب عبارة الغزالي تقريبا.وقد بدأ البحث عن المقاصد انطلاقا من الرسالة ورد الفعل عليها والجدل حولها الذي اشترك فيه علماء من مختلف المذاهب أرسخهم القاضي أبو بكر الباقلاني، إلا أن الفلسفة المقاصدية كانت مع الجويني سنة 478 هـ، وتلميذه أبي حامد الغزالي سنة 505 هـ، وتلميذه أبي بكر ابن العربي سنة 543 هـ، والعز بن عبدالسلام سنة660 هـ، وتلميذه القرافي سنة 682هـ، مع آخرين كالرازي وأبي الخطاب وأبي الحسين البصري وغيرهم من الأصوليين والمتكلمين

وإن تأخر رد فعل الأحناف ليكون في القرن الثالث فإنهم انخرطوا في جدل مع الشافعية وغيرهم في مختلف قضايا الخلاف التي يرجع بعضها إلى دلالات الألفاظ وبعضها إلى معقول النص أي المقاصد، إلا أن تدخل المدارس الكلامية كالأشعرية والماتريدية والمعتزلة والشيعة أثرى الفكر المقاصدي، وأوجد أسسا جديدة للحوار الدائر حول المسألة المقاصدية من خلال طرح إشكالية التحسين والتقبيح العقليين ووجوب الصلاح والأصلح أساسا لتعليل أحكام الباري جل وعلا وأفعاله ومسألة الباعث في التعليل فكان الفقيه الأصولي مدفوعا لخوض غمار علم الكلام وأحيانا السباحة في بحر الفلسفة الأرسطية دون أن يكون قد أعد لها زورقها.


استنباط المقاصد

 وماذا يعني الاستنجاد بالمقاصد واستثمارها ؟

نعني بهذا أن المقاصد بعد استنباطها واستخراجها من مكامنها كيف نجني ثمرتها، وكيف تنجدنا وترفدنا وتسعفنا وتتحفنا بفوائد تشريعية، فأول استثمار لها هو ترشيح المستثمر الذي هو المجتهد ليكون مجتهدا موصوفا بهذا الوصف، لابد من اتصافه بمعرفة المقاصد، ولقد بني الشاطبي اجتهاد المجتهدين على دعامتين من المعرفة، أولاهما: معرفة اللغة العربية فيما يتعلق بدلالات الألفاظ ومقتضيات النصوص، وثانيهما معرفة مقاصد الشريعة جملة وتفصيلا إذا تعلق الاجتهاد بالمعاني من المصالح والمفاسد.ولهذا فيمكن أن نقرر وجود مقاصد كبرى قطعية ثابتة بأكثر من دليل في حكم التواتر، ومقاصد ثانوية ثبوتها كثبوت العلل، ومقاصد عامة تنتشر في كل باب من أبواب الشريعة، ومقاصد خاصة تخص بابا واحدا أو طائفة من أحكام أحد الأبواب.وبهذا يتضح توالد المقاصد وترابطها وتضامنها وتسلسلها وتراتبها في سلم العموم والخصوص، تتدرج بين العام والخاص وبين الأعم والأخص، وهناك أيضا مقاصد المقاصد ومقاصد الوسائلوتعرض ابن عاشور لاحتياج الفقيه إلى معرفة مقاصد الشريعة فقال: إن تصرف المجتهدين بفقههم في الشريعة يقع على خمسة أنحاء
ولبيان ما دندن حوله أبو المقاصد أبو إسحاق الشاطبي والعلامة الشيخ الطاهر بن عاشور ـ رحمهما الله تعالى ـ نقول: إنه يستنجد بالمقاصد في أكثر من ثلاثين منحى من مسائل الأصول يمكن أن نستعير لها كلمة المحائر والأكنسة، لأنها مكامن لؤلؤ الحكم ومكانس ظباء المقاصد وجذور أرومتها وأقناس أجناسها.

خلاصة القول: إن المقاصد روح الشريعة وحكمها وغاياتها ومراميها ومغازيها


ذكرتم في وقت سابق تباينا بين الباحثين حول المقاصد.. من أي جانب يكون هذا التباين؟ 
نعم.. تباينت آراء الباحثين حول المقاصد من مبالغ في اعتبارها متجاوز لحدود عمومها، حيث جعله قطعيا وجعل شمولها مطردا غافلا أو متجاهلا، وما يعتري العموم من التخصيص وما ينبري للشمول من معوقات التنصيص، فألغوا أحكام الجزئيات التي لها معان تخصها بدعوى انضوائها تحت مقصد شامل، ومن مجانب للمقاصد متعلقا بالنصوص الجزئية إلى غاية تلغي المقاصد والمعاني والحكم التي تعترض النص الجزئي وتحد من مدى تطبيقه وتشير إلى ظرفيته، فهي كالمقيد له والمخصص لمدى اعتباره إلى حد المناداة بإبطال المصالح.
منظومة الشريعة


ما هو في نظركم المنهج الصحيح في هذا التباين بين العلماء؟

 المنهج الصحيح وسط بين هذا وذاك، يعطى الكلي نصيبه ويضع الجزئي في نصابه، وقد انتبه لهذه المزالق الشاطبي ـ رحمه الله تعالى ـ حيث حذر من تغييب الجزئي عند مراعاة الكلي، ومن الإعراض عن الكلي في التعامل مع الجزئيوهذا نكون قد رمينا نظرية استقلال المقاصد عن أصول الفقه بالفند، وأبنا الاندماج بينهما اندماج الروح في الجسد والمعدود في العدد. والقول الفصل إن للمقاصد أصولا كبرى فوق علم الأصول وأصولا عامة مشتبكة بمباحث الأصول وأخرى أخص من ذلك إلا أنها في خدمتها مفصلة لها مبينة تارة ومكملة تارة أخرى.
فمنظومة الشريعة لا يعزب عنها حكم ولا تغيب عنها حكمة وقد تفطن الأصوليون للمقاصد الكبرى وهي مقصد العبادة ومقصد الابتلاء والامتثال في مبحث التكليف
لكن بحر المقاصد لا يزال زاخرا يتجدد عطاؤه وبخاصة في القضايا المتجددة وذلك في اتجاهين: قضايا لم يقم موجبها في الزمن الماضي ولم تظهر الحاجة إليها: فقام في هذا الزمان كما أشار إليه الشاطبي في أحداث الصحابة أحكاما في قضايا لم يكن مقتضاها قائما في زمنه عليه الصلاة والسلام ولم يكن من نوازل زمانه كما يقول الشاطبي كجمع المصحف وتدوين العلم وتضمين الصناع

العلامة ابن بيه لصحيفة عكاظ : ليس هناك ما يمنع من تهنئة غير المسلمين بأعيادهم

 

صحيفة عكاظ- طالب بن محفوظ (جدة  ( 

 

لم يمانع الشيخ الدكتور عبدالله المحفوظ بن بيه رئيس المركز العالمي للتجديد والترشيد، من تهنئة المسلمين في الغرب لغير المسلمين في تلك البلدان بأعيادهم، وبخاصة ممن تربطهم بهم روابط تفرضها الحياة، مثل الجوار في المنزل والرفقة في العمل والزمالة في الدراسة  . 


وفرق ابن بيه بين المسالمين للمسلمين والمحاربين لهم، لقوله تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين، إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون  (

.
وأشار ابن بيه إلى أن «المسالمين» مشروع برهم والإقساط إليهم؛ فالقسط يعني العدل، والبر يعني الإحسان والفضل، وهو فوق العدل لأن العدل أن تأخذ حقك، أما البر فهو أن تتنازل عن بعض حقك، فالعدل أو القسط أن تعطي الشخص حقه لا تنقص منه، والبر أن تزيده على حقه فضلا وإحسانا  . 


أما المحاربون للمسلمين؛ فقد نهى القرآن الكريم عن موالاتهم، فهم عادوا المسلمين وقاتلوهم وأخرجوهم من أوطانهم بغير حق إلا أن يقولوا: ربنا الله، كما فعلت قريش ومشركو مكة بالرسول ـــ صلى الله عليه وسلم وأصحابه  .
وأوضح الشيخ ابن بيه أن القرآن الكريم أجاز مؤاكلة غير المسلمين، بمعنى أن يأكل من ذبائحهم ويتزوج منهم، لقوله تعالى: (اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم (


وأضاف الشيخ ابن بيه أن الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ حث على الرفق في التعامل مع غير المسلمين، وحذر من العنف والخشونة في ذلك، كما في الحديث عندما دخل بعض اليهود على النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ ولووا ألسنتهم بالتحية وقالوا: السام عليك يا محمد، ومعنى «السام» الهلاك والموت، وسمعتهم عائشة ــ رضي الله عنها ــ فقالت: وعليكم السام واللعنة يا أعداء الله، فلامها النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ على ذلك، فقالت: ألم تسمع ما قالوا يا رسول الله؟، فقال: (سمعت، وقلت: وعليكم)، يعني الموت يجري عليكم كما يجري علي، (يا عائشة الله يحب الرفق في الأمر كله(

.
وأكد ابن بيه مشروعية تهنئة غير المسلمين بأعيادهم إذا كانوا يبادرون بتهنئة المسلم بأعياده الإسلامية، فقد أمرنا الله أن نجاري الحسنة بالحسنة، وأن نرد التحية بأحسن منها أو بمثلها على الأقل (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردودها)، ولذلك لا يحسن بالمسلم أن يكون أقل كرما وأدنى حظا من حسن الخلق من غيره، والمفروض أن يكون المسلم هو الأوفر حظا والأكمل خلقا، كما جاء في الحديث (أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم أخلاقا)، (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق(

.
وقال الدكتور ابن بيه معقبا: «فلا مانع إذن من أن يهنئ الفرد المسلم أو المركز الإسلامي غير المسلم بأعيادهم، مشافهة أو بالبطاقات التي لا تشمل على شعار أو عبارات دينية تتعارض مع مبادئ الإسلام، ولا تشتمل كلمات التهنئة على أي إقرار على دينهم أو رضا بذلك، وإنما هي كلمات مجاملة معتادة تعارفها الناس».
وأضاف «لا مانع من قبول الهدايا منهم، ومكافأتهم عليها، فقد قبل النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ هدايا غير المسلمين مثل المقوقس عظيم القبط بمصر وغيره، بشرط ألا تكون هذه الهدايا مما يحرم على المسلم كالخمر ولحم الخنزير


وزاد ابن بيه «لا ننسى أن نذكر هنا أن بعض الفقهاء مثل شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم قد شددوا في مسألة أعياد المشركين وأهل الكتاب والمشاركة فيها، ونحن معهم في مقاومة احتفال المسلمين بأعياد المشركين وأهل الكتاب الدينية، كما نرى المسلمين الغافلين يحتفلون بـ (الكريسماس) كما يحتفلون بعيدي الفطر والأضحى وربما أكثر، وهذا ما لا يجوز، فنحن لنا أعيادنا وهم لهم أعيادهم، ولكن لا نرى بأسا من تهنئة القوم بأعيادهم لمن كان بينه وبينهم صلة قرابة أو جوار أو زمالة، وغير ذلك من العلاقات الاجتماعية التي تقتضي حسن الصلة ولطف المعاشرة التي يقرها العرف السليم

العلامة عبد الله بن بيه يصل الدوحة للمشاركة في ندوة “أخلاقيات الطب الحيوي”

يشارك معالي العلامة عبد الله بن بيه في ندوة حول “أخلاقيات الطب الحيوي”، ينظمها مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق، عضو كلية الدراسات الإسلامية في قطر، ويشارك فيها نخبة من علماء الشريعة الإسلامية وخبراء من مختلف التخصصات العلمية الأخرى، وذلك في الفترة من 5 – 7 يناير 2013 بمقر الكلية في مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع.

يذكر أن مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق هو مركز بحثي معنيّ بالبحث في الرؤية الإسلامية للأخلاق والتشريع فكراً وتطبيقاً. ويسعى المركز للإسهام في تجديد الفكر الإسلامي في مجال الأخلاق بتقديم قراءة معاصرة تنطلق من القرآن والسنة، وتهتدي بمقاصد الشريعة الإسلامية، كما يسعى المركز إلى صياغة حلول عملية أخلاقية قابلة للتطبيق في مختلف العلوم والمجالات.