ارشيف ل December, 2019

حكم التبرك بالصالحين

* السؤال: ماحكم التبرك بالصالحين من الناس ؟

جواب العلامة عبدالله بن بيه

التبرك من حيث المبدأ جائز، والتبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم ثابت في الأحاديث الصحيحة، كانوا يتبركون بشعره صلى الله عليه وسلم، ولما حلق شعره أرسل نصفه إلى أم سليم وزوجها أبي طلحة والنصف الآخر للناس وكانوا يبتدرون بصاقه صلى الله عليه وسلم؛
في حال عدم ثبوت الخصوصية بمعنى أن هذا التبرك هو ببركته صلى الله عليه وسلم وبصلاحه، فقد أخذ العلماء من ذلك جواز التبرك بالصالحين، لكن التبرك غير العبادة، يجب أن نفهم ذلك، بمعنى أنك عند ما تتبرك فإنك لا تعبد هذا الشخص، فقط أنت تحبه في الله سبحانه وتعالى، والحب في الله وردت فيه أحاديث كثيرة ترغب في الحب في الله ومما يذكر عن السلف أن الإمام أحمد رحمه الله تعالى كان يغسل ثياب الشافعي، والشافعي كان يغسل ثياب أحمد وأن كلا منهم كان يتبرك بماء الثوب، فهذه الأخبار عن السلف وعن الصالحين تدل على أن التبرك لا بأس به، كما ذكر القاضي عياض في الشفاء أن الصحابة كانوا يضعون أيديهم على المنبر إذا لم يكونوا بحضرة أحد، فهذه الأعمال لا يوجد ما ينافيها إلا الترك، وبدعة الترك هي بدعة ضعيفة، أن تقول : ما فعلوه ولو فعلوه ما فعلوه، هذه بدعة ضعيفة، لأن النهي هو القول، ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، أما ما تركته فإنه لا يدل، مع ورود حديث آخر أنه صلى الله عليه كان يتوضأ مع الناس للتبرك بوضوء المسلمين، وقد ورد هذا الحديث أيضا وذكروه في الشمائل، فهناك نصوص وآثار تدل على هذا، فهو لا مانع منه، لكن يجب ألا يلتبس بالعبادة، ويجب أيضا ألا يكثر الإنسان من التبرك بأشخاص قد لا تكون فيهم بركة أصلا، فالبركة هي في اتباع السنة، وهي في العمل الصالح ، وفي الاستقامة على الشريعة .

*هذا النص هو تفريغ لحوار متلفز يمكنك مشاهدته هنا :

«الإمارات للإفتاء» يجيز تهنئة غير المسلمين بالأعياد

صحيفة الإتحاد – إبراهيم سليم (أبوظبي)

أجاز معالي العلامة عبدالله بن بيه رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، تهنئة غير المسلمين بأعيادهم ومناسباتهم، لما في ذلك من المصلحة، حيث أجاز معاليه تهنئتهم وتعزيتهم وعيادة مرضاهم، مستدلاً على ذلك بما ورد في الكتاب والسنة، وهي الفتوى التي تتوافق مع ما اختاره الشيخ تقي الدين ابن تيمية في آرائه المشهورة، وليس ما تحمله بعض الكتب. جاء ذلك رداً على فتوى حول جواز تهنئة غير المسلمين المسالمين والذين لا يقاتلونهم في دينهم ولم يخرجونهم من ديارهم، وذلك في أعيادهم ومناسباتهم وتعزيتهم في أتراحهم ومآسيهم، وجاء رد فضيلته بالإجازة على الموقع الرسمي لفضيلته، ومعلقاً على فتوى من المركز الإسلامي الأوروبي.

**

نص فتوى العلامة عبدالله بن بيه

**

وأوضح معاليه، أنه قد يكون من المناسب أن نضيف هنا أن تهنئة غير المسلمين مختلف فيها بين العلماء، وفي مذهب الإمام أحمد ثلاث روايات بالمنع والكراهة والجواز، وهذه الرواية الأخيرة هي اختيار الشيخ تقي الدين ابن تيمية، لما في ذلك من المصلحة، وهي التي نختارها فتجوز تهنئتهم وتعزيتهم وعيادة مرضاهم.

ودللت الفتوى في بيان موقف المسلم من هؤلاء بأن القرآن الكريم وضع دستور العلاقة بين المسلمين وغيرهم في آيتين، في سورة الممتحنة، ونزلت في شأن المشركين الوثنيين، فقال تعالى: «لا يَنْهَـكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَـتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَـرِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُواْ إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَـكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَـتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَـرِكُمْ وَظَـهَرُواْ عَلَى إِخْرَجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّـلِمُونَ” [الممتحنة: 8-9].

ففرقت الآيتان بين المسالمين للمسلمين والمحاربين لهم.

وأشارت الفتوى إلى أن القرآن أجاز مؤاكلتهم ومصاهرتهم، كما جاء في سورة المائدة: “الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَـتُ…».

كما استدلت فتوى الجواز فيما جاء بالسنة المطهرة: «وقد روى الشيخان عن أسماء بنت أبي بكر – رضي الله عنها – أنها جاءت إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، إن أمي قدمت علي وهي مشركة، وهي راغبة (أي في صلتها والإهداء إليها) أفأصلها؟ قال: «صلي أمك».

هل يجوز للمطلقة أن تزوج نفسها؟

*السؤال : هل يجوز للمطلقة أن تزوج نفسها ؟

جواب الشيخ عبدالله بن بيه  :

بسم الله الرحمن الرحيم  اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما

للعلماء في هذا الشأن ثلاثة مذاهب

– المذهب الأول : وهو مذهب الجمهور ويشترط الولي لصحة الزواج

– المذهب الثاني : هو مذهب أبي حنيفة وهو أن الولي ليس شرطا لصحة الزواج سواء كانت بكرا أم ثيبا

– المذهب الثالث : وهو يفرق بين البكر والثيب فيقول : البكر لا تزوج نفسها ، والثيب تزوج نفسها بينما الحديث يقول : الأيم أحق بنفسها من وليها ، وهذا الذي استدل به أبوحنيفة مع ظواهر أخرى ومع القياس ،

ونحن لا ننصح أن تزوج نفسها إلا إذا كانت في ظروف خاصة إذا خافت على نفسها أو عضلها وليها ، بحيث لم يزوجها وكان غير أب ، فالأب لا يثبت عليه العضل إلا بردٍ متكررٍ ، 《ولا يعضل أب بكرا إلا برد متكرر 》كما قال خليل المالكي

أما إذا سدت هذه الأبواب أو كانت في الغرب فنحن نقول:

نعم زوجي نفسك ولكن أحضري وليا ممن تثقين فيه من المسلمين وتقولين له زوجني ، ويكون ذلك بعد شئ من التروي حتى لاتقعي في فخ شخص متهور يتركك وبين أيديك أبناء بلا ولي ولا عائل …

 

فالزواج هو رابطة مقدسة وميثاق غليظ وبالتالي يجب علينا أن نبذل جهودا مضاعفة حتي نثبت هذه الخلية الأولى لأنها هي أساس كل شئ ، ولتقوم على أسس متينة  ( وجعل بينكم مودة ورحمة) ؛ هذه المودة وهذه الرحمة سكنا وهذا السكن علينا أن نحيطه بكل أسباب البقاء وأسباب الاستدامة والدوام.

 

 

*هذا النص هو تفريغ لحوار متلفز يمكنك مشاهدته هنا :

https://www.youtube.com/watch?v=tIhj9PMqKGc

البيان الختامي للملتقى السادس لمنتدى تعزيز السلم

بسم الله الرحمن الرحيم

البيان الختامي للملتقى السادس لمنتدى تعزيز السلم

أبو ظبي 12-14 ربيع الثاني 1441 هـ / 09-11 ديسمبر 2019م

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين؛ وبعد

فانطلاقا من قول الله عز وجل (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا- الحج:40).

وتثمينا لإعلان عام 2019 عام ” التسامح” في بلد التسامح الإمارات العربية المتحدة” التي ما فتئت تزاوج بين ترسيخ نهج التعايش والتسامح اجتماعيا وثقافيا وتشريعيا وبين القيام بمبادرات لخدمة هذا النهج على الصعيد الدولي.

ووعيا بأثر رسوخ التسامح في الثقافة والسلوك على تعزيز السلم الاجتماعي والدولي، واستئنافا لما راكمه “منتدى تعزيز السلم” في ملتقياته ومبادراته السابقة من تأصيلات علمية وتنزيلات عملية كانت جميعها مندرجة ضمن الرؤية الخادمة للتسامح والتعايش السعيد…

وتتويجا لمسار من الجهود المتواصلة في تصحيح المفاهيم وتقريب وجهات النظر ومن المبادرات والشراكات والمواثيق الساعية إلى إرساء علاقات إنسانية قاعدتها السلم والأمان وأركانها الاحترام والثقة المتبادلان ومظلتها الأخوة الإنسانية والمشتركات القيمية ولحمتها التسامح والمحبة وغايتها التعاون على إسعاد الإنسان والأوطان بغض النظر عن الدين واللون والعرق والجنس

وتفعيلا لأولى توصيات الملتقى الخامس للمنتدى بإنشاء لجنة لإعداد ميثاق لحلف الفضول الجديد تقترح النصوص الأدبية والتنظيمية المتعلقة بتكوينه طبقا لقوانين دولة المقر.

 انعقد بأبوظبي الملتقى السنوي السادس لـ”منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة” حولدور الأديان في تعزيز التسامح: من الإمكان إلى الإلزاممن 09 إلى 11 ديسمبر 2019م برعاية كريمة متواصلة من سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي بدولة الإمارات العربية المتحدة -حفظه الله- وبتشريف ومتابعة من معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح في دولة الإمارات العربية المتحدة، وبرئاسة معالي العلامة الشيخ عبد الله بن بيه رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة ورئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي.

حظي الملتقى باستجابة قرابة ألف مشارك من خمس وسبعين دولة. وقد تدارس المشاركون في المحاور الخمسة لهذا الملتقى بتنوع وتكامل انتماءاتهم الدينية والفكرية ومواقعهم الرسمية والأهلية وتخصصاتهم النظرية وتجاربهم العملية -أفرادا ومؤسسات- معالم مفهوم جديد للتسامح يرتقي به من مجرد إمكان متاح في الأديان إلى واجب ديني، مبرزين الأصولَ الخُلقية لهذا المفهوم والحاجةَ إلى التربية في ترسيخه وسبلَ تنزيله بما يتوافق مع حقوق المواطنة ولا يخل بالسلم المجتمعي. كما تدارس المشاركون ميثاق حلف الفضول- الذي خصصت جلسة من جلسات الملتقى للتعريف به ووقع عليه المؤتمر وفي مقدمة الموقعين كبار الشخصيات الدينية – من حيث مبادئه وقيمه، ومن حيث كونه حلقة من حلقات المواثيق المرجعية للتسامح وحوار الأديان مثل وثيقة الأخوة الإنسانية الموقعة على أرض الإمارات العربية المتحدة مطلع هذه السنة. وتعززت هذه المدارسة بورشات نقاش حول سبل تفعيل ميثاق حلف الفضول الجديد في السياقات الإقليمية الآسيوية والشرق أوسطية والإفريقية والأوروبية والأمريكية.

وسلم معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح بدولة الإمارات العربية المتحدة بحضور فخامة البروفسير يمي أوسنباجو نائب رئيس جمهورية نيجيريا الاتحادية الذي حل ضيفا على المنتدى في دورته السادسة، ومعالي رئيس منتدى تعزيز السلم، “جائزة مولانا الحسن بن علي للسلم” هذا العام لمعالي الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي بالمملكة العربية السعودية لجهوده المشهود له بها على الصعيد الإسلامي والدولي في إبراز الصورة الحقيقية لسماحة الدين الإسلامي الحنيف وفي فتح قنوات الحوار والتعاون مع الجهات والمؤسسات المؤمنة بالحوار والتعاون بين الأديان.

وقد خلص المشاركون في الملتقى السادس لمنتدى تعزيز السلم بعد تبادل لوجهات النظر ونقاش صادق وصريح حول التسامح من حيث واقعه ومستقبله المتشوف إليه، وحول ميثاق حلف الفضول الجديد وكيفية استثماره بشكل يليق بقيمته كمنعطف تاريخي في تصور التسامح وتمثله وفي تدبير العلاقات بين الأديان، إلى ما يلي:

أولا – في المفهوم الجديد للتسامح:

– إن التسامح في أصله مفهوم فاعل في التأسيس للتعددية الإيجابية من خلال حماية المتديّن وحرية التديّن.

– إن مفهوم التسامح تتجاذبه تصوّرات مختلفة ورؤى وروايات متعددة.

–  إن اعتبار سنة 2019 عاما للتسامح في دولة الإمارات العربية المتحدة شكل مناسبة ثمينة لإطلاق حوار حضاري حول صياغة مفهوم جديد للتسامح يدمج مختلف رواياته ليصبح أكثر إنسانية وسخاء.

– إن ديانات العائلة الإبراهيمية جميعَها تعتبر مرتكزات متينة لمبدإ التسامح، بتعاليمها الأساسية عن عالمية الكرامة الإنسانية واحترام الاختلافات الدينية وبنصوصها الكثيرة عن السلام والتّعايش والتسامح.

–  إن قيمة التسامح ترتكز في الرواية الأصلية التي تلتقي حولها العائلة الإبراهيمية على مجموعة أسس من أهمها الوعي بالمشتركات الإنسانية وتثمينها وتعزيزها، وفي مقدمتها الكرامة الإنسانية بوصفها أول مشترك إنساني.

–  إن الإيمان المطلق بالدين لا يعني عدم قبول التنوع، ولا يتعارض مع التسامح.

– إن آية المعابد (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا) تؤصّل لمفهوم التعددية الدينية، وترتقي بالتسامح إلى التضامن وترفعه من مستوى الإمكان إلى مستوى الإلزام.

– إن المفهوم الجديد للتسامح الذي ينسجم مع مقاصد الأديان وتفرضه مصالح الإنسان والأوطان في عصرنا يرتقي بالتسامح من مجرد إمكان متاح في الدين إلى إلزام ديني وواجب إيماني ويسمو به من مجرد الاعتراف إلى التعارف والتعاون.

– إن الارتقاء بالحرية الدينية وعلاقات التعاون وقيم التسامح من مجرّد الإمكان إلى درجة الالتزام الأخلاقي والإلزام القانوني أمر ضروري ترشحه القيم ويفرضه الزمن، وهو يقوم على الوعي بانتقال الإنسانية من عصور التمايز والعيش المنفصل إلى عصر التمازج والعيش المتّصل.

– إن التسامح في الرواية الإسلامية ينبني على مبدإ أخلاقي روحي عميق، وهو وجوب التخلُّق بأسماء الله الحسنى، التي تصلح أن يقتدي بها العبادُ، ويتمثَّلوها في حياتهم، كما ينبني في الرواية الأصلية للعائلة الإبراهيمية على الوعي بالضعف الذاتي الملازم لماهية الإنسان، الذي يوقعه في الغلط والخطأ والخطيئة.

– إن التربية على التسامح ليست مجرّد مواد تدرس أو مضامين تلقّن، إنها مسار إنساني متكامل تلعب فيه شخصية المعلم القدوة دورا أساسيا. وبدون هذه الشخصية لن نتمكن من تنشئة الأجيال على سلوكيات إيجابية متسامحة.

– إن العامل التربوي على أهميته لا يغني عن البعد القانوني في تحقيق التسامح. فالحاجة ماسة بناء على أسس متينة من الحقوق والواجبات المتبادلة إلى نصوص قانونية ملزمة ترفع التسامح من مستوى الإمكان إلى مستوى الإلزام وتقوم الدول على ضمان حمايتها بالقانون والقضاء.

– إنه بعد عصور طويلة من الجدل والنقد المتبادل قد آن الأوان لمرحلة تاريخية جديدة بين أبناء العائلة الإبراهيمية يرتقون فيها بالتسامح من الاعتراف إلى معنى أسمى هو معنى التعارف والتعاون.

– إن التعارف ينشأ من الوعي بالمصير المشترك، فنحن جميعا مثلُ ركاب السفينة، تجمعنا وحدة المصير والمسار، فلا نجاة لبعضنا إلا بنجاة الجميع.

– إن واجبنا أن نحافظ على روح التسامح المفعم بالأمل والإيمان؛ حيث لم تزل غالبية الإنسانية -شرقا وغربا- تؤمن بإمكانية العيش المشترك.

ثانيا- في حلف الفضول الجديد أهدافا وقيما وميثاقا:

– إنّ حلف الفضول الجديد تحالف على الفضيلة والقيم المشتركة، يسعى أصحابه إلى تمثُّل هذه القيم في علاقاتهم وإلى الدعوة إلى نشرها وامتثالها في حياة الناس. ولهذا كان لزاما أن يتعاهد المتحالفون على ميثاق يبين القيم والفضائل التي يدعون إليها، ويذكر بمبادئهم المشتركة وأهدافهم النبيلة، ويشير إلى وسائلهم ومجالات عملهم.

– إن حلف الفضول الجديد سعى إلى أن لا يكون حوارا دينينا تقليديا للتبشير بالحقيقة الدينية والدعوة إليها. كما لا يهدف إلى التنازل عن ما يعتقده الأطراف حقوقا أو حقائق، وإنما يهدف إلى التعايش السعيد في هذا العالم الذي نعيشه اليوم، باعتبار أن ذلك ضرورة حاقة وواجب ديني تدعو إليه جميع الديانات.

– إن ميثاق حلف الفضول الجديد يسعى إلى الارتقاء من الحق إلى الفضيلة. فالتعامل انطلاقا من مبدإ الحقوق يقتضي الاقتصار على منح الآخر ما هو أصلا له، أو الكفِّ عن التعدي عليه. بينما التعامل انطلاقا من الفضائل يحتوي معنى المكارمة والإحسان. فهو بذل في غير مقابل وتنازل للآخر عن ما ليس له بحق.

– إن ميثاق حلف الفضول الجديد يرتكز في مرجعيته على الأرضية الصلبة التي تشكلها المشتركات سواء المشترك الخاص بديانات العائلة الإبراهيمية أو المشترك الإنساني الأشمل الذي هو القيم الكونية.

– إن ميثاق حلف الفضول الجديد يستثمر التراث العقدي والأخلاقي المشترك بين أديان العائلة الإبراهيمية لكنه نصا وروحا مفتوح لكل العقلاء من أهل الإيمان، ويدعوهم إلى أن ينهلوا من تراثهم لترسيخ قيم السلم والتسامح والتعايش بين الناس.

– إن السلم يقع في مقدمة أهداف حلف الفضول الجديد ومقاصد الشراكة بين أطرافه، حيث يتعهد أبناء العائلة الإبراهيمية بأن يقدموا قيم التعاون بدل قيم التنازع. فالتنازع على البقاء يؤدي إلى الفناء بينما التعاون هو سبيل البشرية إلى النجاة.

– إن ميثاق حلف الفضول الجديد يقوم على مبادئ الكرامة الإنسانية والحرية والعدالة والوفاء بالعهود كما يدعو في الآن نفسه إلى مبادئ السلم والرحمة والبر والتضامن؛ مؤسسا لنموذج متوازن من التسامح المهذّب والحرية المسؤولة والمواطنة الإيجابية.

– إن ميثاق حلف الفضول يربط جميع الحقوق والحريات باستراتيجية السلم، مؤكدا على أهمية ممارسة الحقوق والواجبات في إطار السلم المجتمعي.

– إن ميثاق حلف الفضول الجديد، الذي انطلق التعاهد عليه في هذا الملتقى ليس مبادئ نظرية، لا فاعلية لها، بل هو مشروع لمنهج عملي وبرنامج تطبيقي، يتنزّل في المدارس تعليما للناس، وفي المعابد تعاليم للمؤمنين، وفي ساحات الصراع وميادين النزاع، طمأنينة تحل في النفوس وأَمَلا يَعْمُر القلوب.

– إن سنة التسامح لا تعني نهاية التسامح، بل تعني بداية متجدّدة لمسيرته، مسيرة لا تنقطع، وجهودا لا تتوقف، وتلك هي مهمة حلف الفضول الجديد، التي يتعاهد عليها في ميثاقه.

ثالثًا- التوصيات:

– تنظيم مؤتمرات وندوات وورشات عمل دولية وإقليمية لبيان مقاصد ميثاق حلف الفضول الجديد ودعوة المؤسسات والشخصيات المؤثرة والأفراد إلى الانخراط فيه.

– إنشاء كرسي حلف الفضول الجديد بالتعاون مع جامعات عالمية.

– تخصيص جائزة تشرف عليها مؤسسة حلف الفضول الجديد للدراسات المتميزة في خدمة أهداف الحلف وقيمه

– رعاية مبادرات إقليمية لحلف الفضول في آسيا وإفريقيا وأوروبا وأمريكا

– تخصيص منح مالية لأفضل المشاريع الاجتماعية والثقافية التي تتوافق في رؤيتها وأهدافها مع ميثاق حلف الفضول الجديد

– تعميم تجربة قوافل السلام الأمريكية بما يتناسب مع بيئة وثقافة كل قارة من قارات العالم.

 والمشاركون في الملتقى السادس لـ”منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة” إذ يهنئون “المنتدى” وشركاءه على هذا الإنجاز التاريخي يتوجهون بجزيل الشكر وخالص الامتنان لدولة الإمارات العربية المتحدة على هذا الاحتضان وعلى المعهود منها من التكريم والإكرام ، ويعبرون عن أسمى مشاعر العرفان لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله وألبسه تاج الصحة والعافية، وإلى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبو ظبي، وإلى أصحاب السمو حكام الإمارات؛ حفظهم الله.

كما يتقدم المؤتمرون بشكرهم وتقديرهم لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد ابوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بدولة الإمارات العربية المتحدة، حفظه الله، على الاستقبال الكريم الذي حظيت به القيادات الدينية المشاركة في المؤتمر في يومه الأول.

ويضرع المشاركون في هذا الملتقى إلى العلي القدير أن يمطر سحائب غفرانه ورحمته على رمز الأخوة الإنسانية والتسامح والتضامن والعطاء الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وأن يبقي صرح التسامح في هذا البلد شامخا ملهما للناس محوطا بنعمة الأمان والرخاء والسعادة.

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

وحرر بأبو ظبي في 14 ربيع الثاني 1441 هـ/الموافق لـ 11 ديسمبر 2019م

لجنة البيان الختامي

صور من منتدى تعزيز السلم2019

الكلمة التأطيرية لمنتدى تعزيز السلم السادس : ميثاق حلف الفضول – العلامة عبدالله بن بيه

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الخاتم، وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين:

أصحاب المعالي، أصحاب السعادة، أصحاب السماحة، أصحاب الغبطة والنيافة، أصحاب الفضيلة،

أيها الحضور الكريم، كل باسمه وجميل وسمه،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

يلتئم ملتقاكم السادس اليومَ في المكان المناسب وفي الزمان المناسب وتحت العنوان المناسب، فالعنوان هو:”التسامح” والزمان هو عام “التسامح” والمكان “وطن التسامح العالمي”، الإمارات العربية المتحدة.

 نحتفي في الإمارات بالتسامح عنوانا لسنة 2019، حيث اختاره صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة قيمة مركزية عليها مدار كافة المبادرات والتدابير طيلة العام، فأطقلت البرامج التوعوية والتعليمية والتثقيفية واتخذت التدابير العملية التربوية والقانونية لغرس ثقافة التسامح وترسيخ معاني الأخوة الإنسانية وتعزيز السلم في العالم.

..

شاهد فيديو الكلمة التأطيرية 

 

وقد أسهم منتداكم في هذه الجهود، تأصيلا وتنزيلا، فأطلق جزء التسامح من موسوعة السلم في الإسلام، الذي حاول أن يجيب على الأسئلة من خلال الكشف عن الأسس المنهجية في الإسلام وسائر ديانات العائلة الإبراهيمية التي وضعت رؤية واسعة للتسامح العابر لكل أنماط المغايرة والمباينة في الاعتقاد أو الأعراق أو الثقافة.

كما حرص المنتدى على حمل رواية التسامح ورؤية السلم في المحافل الدولية، في واشنطن ونيويورك، وألمانيا وماليزيا، وجنيف، ومؤخرا في الفاتيكان، حيث اجتمعت العائلة الإبراهيمية لأول مرة لتجسّد اتفاقها في القيم والأصول وتنزّله على مستوى التّطبيقات العملية الفرعية، من خلال موقف موحّد من قضايا إنهاء الحياة،  وقد اتفقت ديانات العائلة الإبراهيمية على الدعوة إلى كرامة الإنسان التي لا تزول أو تحول، بزوال الصحة أو تحوّل القوة والتذكير بضروري الحياة الذي صارت تمتمدّ إليه يدُ العابثين من كلّ صوب، بالإجهاض قبل الإيجاد، و بالإرهاب والاحتراب أثناء الحياة، وبالإجهاز لدى الممات.

لا جَرَم أن التسامح من القيم المركزية في المنظومة الأخلاقية لجميع الديانات والفلسفات الإنسانية. ولكن هذا المفهوم رغم فشوّه وذيوعه في الاستعمال، ما يزال أقرب إلى ألفاظ الإثارة التي تثير المعنى في النفس وتحوم حوله من غير أن تضبطه، وإنما تتجاذبه تصوّرات مختلفة وتتعاوَرُه روايات متعددة.

ولعل هذا الغموض وغياب التحديد هو الذي أدى إلى عزوف بعض الباحثين والمفكرين عن مفهوم التسامح بوصفه مفهوما تاريخيا قد استفرغ طاقته الإبداعية واستنفد فاعليته التربوية، بيد أنه -كما يقول إمبرتو إيكو – لا بد من التسامح مع التسامح، فنحن نعتقد والواقع يشهد، أن هذا المفهوم على علّاته ما يزال مفهوما أساسيا، قد يفتقر إلى ترميم وتحيين، ولكن عاديات الزمان لم تفقده راهنيته وفاعليته.

فالتسامح ما يزال كما كان في أصله مفهوما فاعلا في التأسيس للتعددية الإيجابية، من خلال حماية المتديّن وحرية التديّن.

وكما في كلّ مرّة، ينطلق منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة في تناوله للقضايا المُهمّة من رؤيته لمركزيّة السلم وأولويته، يؤسّس على ما راكمه في ملتقياته السّابقة من تأصيلات علمية وتنزيلات عملية، وفق منهجيّته الأصيلة التي تعتمد استثارة النصوص الدينية لاستمداد الأسس المتينة للتسامح ونماذج مضيئة يسهم إحياؤها في إرساء قيمه في النفوس، عن طريق التأويل الملائم للزمان والمكان ومصالح الإنسان.

وتثمينا لقرار دولتنا اعتبار سنة 2019 عاما للتسامح، ارتأى المنتدى أن يجعل من هذه السنة مناسبة ثمينة لإطلاق حوار حضاري حول صياغة مفهوم جديد أكثر إنسانية وسخاء يدمج مختلف الروايات ليرتقي بالتسامح من الإمكان إلى الإلزام ومن الاعتراف إلى التعارف والتعاون.

فبَدَل اعتبار التّسامح مجرّد إمكان متاح في الدين من بين إمكانات متعدّدة، حان الوقت لاعتباره إلزاما دينيا وواجبا إيمانيا، فلا نكتفى بالملائمة بين الدّين والتسامح بوصفهما غير متناقضين، بل ينبغي أن نرتقى لإدراك الملازمة بينهما، بحيث يصبح التسامح واجبا شرعيا وجزءا من الدين.

 

 

نحو صياغة مفهوم جديد

أيها الحضور الكريم،

لئن كان بعض الدارسين يقول إنّ “التسامح هدية البروتستانتية للعالم”، فنحن نعتقد أن الديانات المنتمية للعائلة الإبراهيمية جميعها تحمل في نصوصها الكثير من الأسس التي تدعو إلى التّعايش والتسامح والتي لا تخطئها العين، وأن تعاليمها الأساسية حول السلام والتعايش وحول عالمية الكرامة الإنسانية، واحترام الاختلافات الدينية هي مرتكزات متينة لمبدإ التسامح.

في الإسلام يُعبّر عن التسامح بأربعة مصطلحات قرآنية تغطي حقله الدلالي، وهي: العفو والصفح والغفران والإحسان، قال تعالى: (فاعف عنهم واصفح إن الله يحبّ المحسنين)، قال تعالى (وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم).

ومن ثمّ كان التسامح في الإسلام معنى فوق العدل، فبينما يكتفي العدل بإعطاء كل ذي حق حقّه، يسمو التسامح ليبذل الخير لا في مقابل، فهو من قبيل الإحسان الذي يمثل قمة البرّ وذروة سنام الفضائل.

ترتكز قيمة التسامح في الرواية الأصلية التي تلتقي حولها العائلة الإبراهيمية على مجموعة أسس من أهمها الوعي بالمشتركات الإنسانية وتثمينها وتعزيزها، مثل وحدة الأصل الإنساني (يأيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد)، إن الآخر في هذه الرواية ليس عدوا ولا خصما بل هو على حد عبارة الإمام عليّ رضي الله عنه: ” أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخَلْقِ”، فالآخر هو كما تقول العرب الأخُ بزيادة راء الرحمة والرأفة والرفق، إنه الأخ الذي يشترك معك في المعتقد أو يجتمع معك في الإنسانية.

ويتجلى هذا بسُمُوٍّ في تقديم الكرامة الإنسانية بوصفها أولَ مشترك إنساني، لأن البشر جميعا على اختلاف أجناسهم وألوانهم ولغاتهم ومعتقداتهم كرّمهم الله عز وجل بنفخة من روحه في أبيهم آدم عليه السلام، (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا)(سورة الإسراء الآية 70). ولهذا فإن الكرامة الإنسانية سابقة في التصوّر والوجود على الكرامة الإيمانية .

كما أن مفهوم التسامح مفهوم وظيفي يقصد إلى تحييد التأثير السلبي للاختلاف في المعتقد والاختلاف الجبلي في الآراء والرؤى، ويؤسس للتعددية الإيجابية، من خلال رفع التعارض بين الإيمان والتنوع، فالإيمان المطلق بالدين لا يعني عدم قبول التنوع ، فالمسلم ينبغي أن يؤمن بدينه كما ينبغي أن يتقبل التنوع بوصفه شيئا إيجابيا ومظهرا من مظاهر الجمال في الكون. ولا يمكن أبدا أن يكون هذا التنوّع مبررا للتدابر والتقاطع.

هذه التعددية الدينية نجدها بوضوح في نصوص كثيرة وأكيدة من القرآن الكريم وأحاديث نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، حيث تدعو هذه النصوص إلى احترام الأديان الأخرى ووجوب حماية دور عبادتها ورفض كل اضطهاد يوجّه إلى أقلية دينية أو عرقية أو ثقافية، ورفض استغلال الدين في هذه الأعمال الشنيعة التي لا يبرّرها عقل أو يقرُّها دين، ومن هذه النصوص “آية المعابد” في “سورة الحج”، قال تعالى: ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا)، حيث تؤصّل هذه الآية لمفهوم التعددية الدينية، وترتقي بالتسامح إلى التضامن وترفعه من مستوى الإمكان إلى مستوى الإلزام، فقد رُوي عن ابن عباس والحسن البصري، أنّ هذه الآية توجب على المسلمين الدفاع عن كنائس النصارى وبِيَع اليهود كما يدافعون عن مساجدهم، وقد علّل ابن عباس ذلك بأن الله أقرّهم عليها شرعا وقدرا وهو يحب أن يذكر ولو ممن ليس بمسلم. وهذا التفسير رجّحه ابن القيم ووافقه عليه كثيرون منهم ابن عاشور الذي يرى أن الدّفاع المذكور في الآية دفاعٌ عن الحق والدّين ينتفع به جميع أهل الأديان من اليهود والنصارى والمسلمين، وليس هو دفاعا لنفع المسلمين خاصة.

إن هذا هو مفهوم التّعددية إذا نحن ترجمنا اللغة الدينية إلى لغة الفضاء العام SPHERE PUBLIQUE، لغة الحياة المدنية والقانون، كما يقول هابرماس.

إن الارتقاء بالحرية الدينية وعلاقات التعاون وقيم التسامح من مجرّد الإمكان إلى درجة اللالتزام الأخلاقي والإلزام القانوني أمر ضروري ترشحه القيم ويفرضه الزمن، وهو يقوم على الوعي بطبيعة العصر، فكثير منا ما يزال يعيش وكأن شيئا لم يكُن، ما يزال يرى العالم كما كان في العصور الوسطى، عصور التمايز والعيش المنفصل ويتجاهل ما استجدّ من أسباب التمازج والعيش المتّصل.

كل هذه المتغيرات ترتقي بالتسامح من إمكان متاح من بين إمكانات عديدة في التراث إلى إلزام ديني وواجب إيماني.

وفي هذا السياق وتأكيدا على وجوب احترام دور العبادة لجميع الأديان، اقترحت على الأمم المتحدة في جلسة شاركت فيها في نيويورك تخصيص يوم دولي في السنة لذكرى الاعتداء على أماكن العبادة، تقام فيه الصلوات وترفع الدعوات من أجل السلام والأخوة الإنسانية.

في الرواية الإسلامية ينبني التسامح على مبدإ أخلاقي روحي عميق، وهو وجوب التخلُّق بأسماء الله الحسنى، التي تصلح أن يقتدي بها العبادُ، ويتمثَّلونها في حياتهم، والتي تعرف بأسماء التخلق في مقابل أسماء التعلُّق، وهي الغفور والصبور والرحيم والكريم والجميل والرؤوف والعدل والحليم، وما أشبه هذه الأسماء، التي تكون بالنسبة للإنسان قيما إيجابية تحكم حياته.

وكذلك ينبني التسامح على الوعي بالضعف الذاتي الملازم  لماهية الإنسان، (خلق الإنسان ضعيفا)، الضعف الروحي الذي يوقع الإنسان في الغلط والخطأ والخطيئة. هذا الضعف الذي يستشعره كل واحد من نفسه يجعله قادرا على أن يتسامح مع الآخر، وهو ما عبّرت عنه الحكمة المروية في الموطأ عن سيدنا المسيح عليه السلام (ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب، وانظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد، وإنما الناس مبتلى ومعافى، فارحموا أهل البلاء، واحمدوا الله على العافية)،

ونجد هذا التصور لدى فولتير حين يكتب: (وما هو التسامح؟ إنه نتيجة ملازمة لكينونتنا البشرية، إننا جميعا هشّون وميالون إلى الخطإ، لذلك دعونا نسامح بعضنا، ويغفر بعضنا لبعض هفواته وزلاته، فذلك هو أول قانون من قوانين الطبيعة).

لكن الإشكال الأساسي هو كيف نغرس ثقافة التسامح في النفوس،  فكما قال الفيلسوف أمانويل كانت ” إن ثمة اكتشافين إنسانيين يحق للمرء أن يعدهما أصعب الأمور، وهما: فن حكم الناس وفنُّ تربيتهم” .

إن التربية على التسامح ليست مجرّد مواد تدرس أو مضامين تلقّن، إنها مسار إنساني متكامل تلعب فيه شخصية المعلم القدوة دورا أساسيا، قد يكون أمرا يسيرا أن تدرس الرياضيات أو الأحياء، ولكن الصعوبة تظهر عندما نحاول أن ننشأ الأجيال على سلوكات إيجابية متسامحة.

نعتقد أنه لا بد من اتخاذ كلّ الوسائل التثقيفية، وفي مقدمتها التعليم والتربية، والإعلام الجماهيري، لإيجاد تلك القيم، والتصورات، لضبط وكبح جماح النفوس الميالة إلى العنف، وترجيح كفة التسامح، وحسن تقبل الغير، وباختصار إيجاد الروح الاجتماعية، والتعايش البناء بين أفراد المجتمع.

إن العمل في الاتجاه التربوي في غاية الأهمية لكنه وحده غير كاف، حيث علينا أيضا أن لا ننسى السياق القانوني لمفهوم التسامح، فينبغي أن نؤكّد الجهود التربوية بنصوص قانونية ملزمة ترفع التسامح من مستوى الإمكان إلى مستوى الإلزام، بناء على أسس متينة من الحقوق والواجبات المتبادلة، في صورة قانونية تقوم الدول على ضمان حمياتها بالقانون والقضاء.

ولعل هذا هو ما تَــغَــيَّـاهُ إعلان المبادئ حول التسامح الصادر عن اليونسكو في 16 تشرين الثاني / نوفمبر 1995م حيث ربط بين التسامح وحقوق الإنسان والسلم، وارتقى بالتسامح إلى صورة قانونية تتطلب الحماية من قبل الدول والمجتمع الدولي بأسره.

فلا بد من إحداث تكامل بين المنظور التربوي والمقاربة القانونية، فإن تفعيل القوانين والتوصيات التي تدعو إلى التسامح والعيش المشترك والقيم الإنسانية النبيلة لابد أن يواكبه العمل على غرس ثقافة هذه القيم حتى لا يكون التعايش قهريا لا يرقى إلى مستوى القناعات النفسية التي تفرز ضوابط سلوكية من شأنها أن تشيع الأمن في النفوس، وتجافي الجنوح إلى العنف.

من الاعتراف إلى التعارف

أيها الحضور الكريم،

إن الارتقاء بالتسامح من الاعتراف إلى التعارف هو المفهوم الجديد الذي يعيد للتّسامح فاعليّته، وهو عنوان المرحلة التاريخية بيننا نحن أبناءَ العائلة الإبراهيمية، فبعد عصور طويلة من النّقد المتبادل الذي لم يعدم كلّ طرف فائدته، والجدل الذي أبان رغم حدته أحيانا عن الاتفاق الأصلي في الرواية، على يد أمثال ابن حزم القرطبي وتوما الأكويني وموسى بن ميمون وغيرهم، نرى أنه حَان الوقت لنرتقي بالتّسامح إلى معنى أسمى هو معنى التّعارف والتّعاون.

التعارف كما يعلمنا القرآن الكريم غاية للوجود ومقصد للتنوّع، قال تعالى: ﴿يَأَيُّهَا النَّـاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾، هذه دعوة إلى الالتقاء والتعاون، فالتعارف فعل تشاركي ، يقتضي تفاعلا بين الطرفين، وإرادة من الجهتين.

بالتعارف يتم تجاوز ضيق الأنا إلى فُسحة النّحن، وينتقل من تشرذم الأقليات والهويات الضيقة إلى وحدة الأكثرية الجامعة، المجتمع الواحد، مجتمع الإنسانية الكبرى.

ينشأ التعارف من الوعي بالمصير المشترك، فنحن جميعا مثلُ ركاب السفينة، تجمعنا وحدة المصير والمسار، فلا نجاة لبعضنا إلا بنجاة الجميع ولا خلاص لأمة دون أمة أو دين دون بقية الأديان، ولا خلاصَ للجميع إلا بالتعاون على الخير، بذلك أمرتنا النصوص المقدسة وإليه دعتنا العقول المستنيرة، ففي القرآن الكريم، خطابا لجميع الناس، على اختلاف أديانهم وأعراقهم: “وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان”، وهذه الآية كما قال الطبري خطاب لجميع الخلق، فالمسلمون وغيرهم من أهل الدّيانات الأخرى بل سائر البشر مأمورون بالتّعاون على المحبّة في ما بينهم وهو المعبّر عنه بالبر وعلى ما فيه رضى ربهم سبحانه وهو المعبر عنه بالتقوى.

فالتعاون هو الوجه الثاني والمكمّل للتعارف، الذي ينبغي أن يوجّه فَهمنا الجديد للتسامح، حيث نستشعر جميعا الحاجة إلى أن تتكامل أدوارنا، انطلاقا من مواقعنا ودوائر تأثيرنا، لنسهم في استعادة الضمير الأخلاقي للإنسانية، الذي يعيد الفاعلية لقيم الرحمة والغوث ومعاني التعاون والإحسان.

بروح التسامح التي تتجاوز منطق الاعتراف إلى أفق التعارف والتعاون، تستقبل الإنسانية غدا مشرقا، يفتح فيه بعضها لبعض حضنه، ليرى كل واحد في الآخر أخا له، نظيرا له في الخلق وشريكا في الوطن، فلا يضيق به صدرا ولا أرضا:

 لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها   ولكن أخلاق الرجال تضيقُ.

إن واجبنا أن نحافظ على هذه الروح، روح التسامح المفعم بالأمل والإيمان، حتى أمام أحلك الأزمات، وتنامي حركات تبني فكرها على فرض التناقض بينها وبين الغير، وتدعوا إلى المفاصلة الدينية وصدام الحضارات، فكلّ هذا المشهد المتغيّر المحلولك لا يمكن أن ينسينا الجانب المضيء، حيث لم تزل غالبية الإنسانية شرقا وغربا، تؤمن بإمكانية العيش المشترك، وتتصدّى لخطاب العنف والكراهية، وتدفع المبادرات الميدانية والحملات التوعوية وهبات التضامن الأخوية.

تجسيدا لهذا النموذج التعارفي، أَسَّسَتْ قوافلُ السلام الأمريكية منذ سنتين نوعا جديدا من الحوار، إنّه حضور الذوات في الحيّز المكاني والزماني ولو لمدة محدودة، حضور يتمثل في التشارك في العيش في الحركة معا والأكل معا والنوم معا، وكلهم يقوم بشعائر دينه التي هي جزء من حياته اليومية بمرأى ومسمع من الآخر، إنهم يتكلمون ويبحثون ولكن الأهم أنهم يشاهدون ويشهدون ويكتشفون في النهاية أنهم إخوة يشتركون في أكثر مما يتصورون.

وستظل هذه التجربة نموذجا للتعارف ولعملية الحوار بل لعملية التعارف الإيجابي والتعاون على البر في حركة أسست لما نحن بصدده من تدشين عهد جديد في العلاقات بين أبناء العائلة الإبراهيمية وبالتالي بل فاتحة عهد في التعاون بين أصحاب العقول النيرة وذوي النهي لتصحيح مسيرة الإنسانية.

 النجاح الذي حققته هذه القوافل جدّد الأمل وأكد القناعة بضرورة المضي قدما في مسار ترسيخ هذا النموذج، من خلال صناعة تحالف أخلاقي بين ديانات العائلة الإبراهيمية الثلاث بكل فصائلها ومذاهبها، وبمشاركة محبّي الخير من أبناء العائلة الإنسانية الكبرى.

لقد سعى هذا الحلف – الذي اختار اسم حلف الفضول الجديد، استلهاما لذكر حلف الفضول التاريخي- ، إلى أن لا يكون حوارا دينينا تقليديا، يقع فيه التبشير بالحقيقة الدينية والدعوة إليها. كما لا يهدف هذا الحلف إلى التنازل عن ما يعتقده الأطراف حقوقا أو حقائق، وإنما يهدف إلى التعايش السعيد في هذا العالم الذي نعيشه اليوم، باعتبار أن ذلك ضرورة حاقة وواجب ديني تدعو إليه جميع الديانات.

 

 

من الوثيقة إلى الميثاق

أيها السادة والسيدات

إنّ حلفنا هو حلف فضيلة وتحالف قيم مشتركة، يسعى أصحابها إلى تمثُّل هذه القيم في علاقاتهم وإلى الدعوة إلى نشرها وامتثالها في حياة الناس؛ وسبيلُها تقديم النموذج والمُعَبّر عنها هو الحوار والإقناع، وغايتها حسن التعايش بين البشر في ظلّ سلام لا يحميه السلاح، ولكن تحميه الأخلاق وقيم التسامح والعدل والمحبّة واحترام الإنسانية.

ولهذا كان لزاما أن يعقد المتحالفون بينهم ميثاقا، يتعاهدون عليه، يبين القيم والفضائل التي يدعون إليها، ويذكر بمبادئهم المشتركة وأهدافهم النبيلة، ويشير إلى وسائلهم ومجالات عملهم. وقد وضعنا في ملتقانا السابق المحاور الكبرى لصياغة هذا الميثاق وانطلاقا من تلك المحاور  أشرف قادة القوافل الأمريكية للسّلام مع ثلة من أبناء العائلة الإبراهيمية على صياغة ميثاق حلف الفضول الجديد، وشرعنا في واشنطن في الدعوة له وفتح باب الانضمام إليه من خلال التوقيع على مشروع الميثاق. وقد وقع عليه قادة العائلة الإبراهيمية في أمريكا.

يتكوّن الميثاق من ديباجة وستة فصول، تضمّ سبعة عشر مادة، تغطي بواعث الحلف ومبادئه وأهدافه ومجالات عمله.

يعتمد هذا الميثاق الجديد على العهود والمواثيق الدولية التي تتغيّا إحلال السّلام وتعزيزه ووقف الصّراعات ودعم روح الوئام والإخاء بين البلدان والشعوب والثقافات.

كما يستمدّ ويؤسس على كلّ الوثائق والإعلانات التي سبقته، خلال العقدين الماضيين انطلاقا من رسالة عمّان وكلمة سواء مرورا بإعلان مراكش لحقوق الأقليات الدينية في البلدان المسلمة، وإعلانات أبوظبي لمنتدى تعزيز السلم، وإعلان واشنطن لتحالف القيم ووثيقة الأخوة الإنسانية التي أصدرها مطلع السنة الجارية فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر أحمد الطيب والحبر الأعظم بابا الكنيسة الكاتوليكية البابا فرانسيس، هنا في أبوظبي بصيافة ورعاية واحتضان من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ووثيقة مكة المكرّمة التي أشرفت عليها رابطة العالم الإسلامي.

فقد شكّلت هذه الوثائق بمجموعها معالم بارزة في مسيرة التعاون بين الأديان لإرساء قيم التعايش وتحقيق التوافق بين مكونات المجتمع الإنساني، يأتي الميثاق اليوم ليؤكدها ويستند إليها.

وسأذكر هنا باختصار بأهمّ أهداف هذا الميثاق وعناصره:

أولا: ميثاق للقيم والفضائل

يسعى ميثاق حلف الفضول إلى الارتقاء من الحق إلى الفضيلة، إذ مفهوم الحق يقتضي اختصاص طرف، أو أرجحيته، بسبب من أسباب التخصيص أو الترجيح، فالتعامل انطلاقا من مبدإ الحقوق يقتضي الاقتصار على منح الآخر ما هو أصلا له، أو الكفِّ عن التعدي عليه، بينما التعامل انطلاقا من الفضائل يحتوي معنى المكارمة والإحسان فهو بذل في غير مقابل وتنازل للآخر عن ما ليس له بحق.

إنّ ميثاق حلف الفضول الجديد يقدم مفهوما جديدا للإنسانية يتجاوز المبدأ المحايد لحقوق الإنسان ليرتقي إلى إيجابية قيم الفضيلة، قيم المحبة والأخوة، والرأفة والرحمة والإيثار والتضامن ومساعدة المحتاج من الفقراء والعاجزين دون التفات إلى عرقهم أو دينهم أو أصولهم الجغرافية.

إن أبناء العائلة الإبراهيمية يؤمنون أن الأخلاق الدينية ما تزال قادرة على أن ترشد العالم إلى سبيل الخلاص من مشكلاته العضالية، ويهدفون بحلفهم الجديد إلى تفنيد الدعوى التي راجت على يد كثير من الفلاسفة منذ عصر التنوير، وخاصة ثلاثي الشك – كما يسميهم بول ريكور – ماركس ونيتشه وفرويد، وغيرهم ككانت وداروين، من الربط الواصب بين الدين والعنف، حتى أعلنوه قانوناً اجتماعياً، على أساسه يدعون إلى المفاصلة بين الدين والدنيا كحلٍّ وحيد لإرساء أسباب التسامح والتعايش في المجتمع.

ثانيا: ميثاق ينمي المشتركات ويحترم الخصوصيات

يرتكز ميثاق حلف الفضول الجديد في مرجعيته على الأرضية الصلبة التي تشكلها المشتركات سواء المشترك الخاص بديانات العائلة الإبراهيمة أو المشترك الإنساني الأشمل.

وذلك أن الميثاق ينطلق من الإيمان بوجود مشتركات عامة وأخرى خاصة يهدف الميثاق إلى تنميتها من غير أن ينفي أو يرفض أوجه الخصوصية والتمايز.

إننا نحن أبناء العائلة الإبراهيمية نشترك على مستوى أول في مشتركات الإيمان، المبثوثة في كل رسائل ودعوات الأنبياء، تلك المشتركات تدور حول ما أسماه الفقهاء المسلمون بالضروريات الخمسة، وهي ضروري الدين وضروري الحياة وضروري العقل وضروري الملكية وضروري العائلة، والتي نعتبر في الإسلام أنها هي أساس المشترك الديني بين كل الشرائع والملل، وخاصة أديان العائلة الإبراهيمية، فجميعها جاءت بحفظها ورعايتها، حيث إنّها المقاصد الكبرى الحافظة لكرامة الإنسان.

كما نشترك على مستوى أشمل مع سائر البشرية في المشترك الإنساني الذي هو القيم الكونية التي لا تختلف فيها العقول ولا تتأثر بتغيّر الزمان أو محددات المكان، أو نوازع الإنسان، إنها الحقوق الطبيعية الفطرية التي يرثها كل إنسان بفضل وجوده، “وهي حقوق إلهية المصدر ممنوحة للمؤمن وغير المؤمن”، كما جاء في الفصل الأول من الميثاق.

ثالثا: ميثاق للسلم:

يقع السلم في مقدمة أهداف حلف الفضول الجديد ومقاصد الشراكة بين أطرافه، حيث يتعهد أبناء العائلة الإبراهيمية بأن يقدموا قيم التعاون بدل قيم التنازع، فالتنازع على البقاء يؤدي إلى الفناء بينما التعاون هو السبيل الصحيحة للبشرية.

كما ينطلق الميثاق من القناعة بأن الأديان جميعا وأديان العائلة الإبراهيمية خصوصا تمثل في أصلها طاقة إيجابية للسلام، طاقة إعمار وازدهار وليست طاقة تخريب وتدمير، ولذلك يتعهّد المتحالفون على الاضطلاع بواجبههم وهو التعاون لنزع اللبوس الأخلاقي الذي يستقوي به الخطاب التحريضي وسلبه الشرعية الدينية التي تلبّس بها، وإظهار الدين على حقيقته قوةً صانعةً للسلام والمحبة وعامل جذب بين المختلفين.

فهذا الميثاق يمثل دعوة إلى السلام إلى المحبة والوئام، إلى الارتقاء بالإنسانية من وهدة الحروب إلى ربوة الازدهار والاستقرار.

رابعا: ميثاق للتسامح المهذّب والحرية المسؤولة:  

يقوم ميثاق حلف الفضول الجديد على تشجيع مبادئ الكرامة الإنسانية والحرية والعدالة، كما يدعو في الآن نفسه إلى مبادئ التسامح والسلم والرحمة والتّضامن، مؤسسا لنموذج متوازن من التسامح المهذّب والحرية المسؤولة والمواطنة الإيجابية.

ينطلق الميثاق في هذا التصور من ربط جميع الحقوق والحريات باستراتيجية السلم، فلا حقوق ولا حريات خارج أفق الوئام المجتمعي، فالتسامح المطلق يؤدي إلى اللاتسامح وإلى تلاشي التسامح، تلك هي مفارقة التسامح التي تحدث عنها كارل بوبر وغيره.

فالتسامح والحرية لا يعنيان الانفلات أو التشغيب على النظام العام، ولا التعدّي على حدود الآخرين.  بل التسامح والسلم صنوان، ووجهان لعملة واحدة.

 ومن هذا المنطلق دعا ميثاق حلف الفضول الجديد المؤمنين إلى احترام بعصهم بعضا باعتبار أن احترام دين الآخر هو في جوهره من الاحترام للكرامة الإنسانية، فميثاقنا ميثاق احترام متبادل للرموز والمقدسات والمعابد لدى الجميع، يقدم صياغة مناسبة تجلي التوازن المطلوب بين الحرية والسلم وبين الفرد والجماعة وبين حرية التدين وحرية التعبير.

أيها الحضور الكريم،

إن سنة التسامح لا تعني نهاية التسامح، بل تعني بداية متجدّدة لمسيرته، مسيرة لا تنقطع، وجهودا لا تتوقف، وتلك هي مهمة حلفنا حلف الفضول الجديد، التي يتعاهد عليها في ميثاقه.

عندما اجتمعنا السنة الماضية كان حديثنا عن الحلف تصوّراتٍ وآمالا، وحديثنا هذه السنة تصديق وتحقيق، بفضل جهود ثلة من إخوانكم من قادة القافلة الأمريكية السلام وبعض قيادات العائلة الإبراهيمية في أمريكا، الذي ثابروا طيلة السنة في لقاءات متكرّرة في واشنطن وغيرها، بنقاشات وحوارات صريحة وثريّة، أتاحت لنا الخروج بهذا الميثاق الذي نضعه اليوم بين يديكم، لبحث ودرسه، والمصادقة عليه، والدعوة إليه، وتفعيله،كلّ في مجاله، ونطاق عمله.

إن ميثاق حلف الفضول الجديد، الذي ستتعاهدون عليه، ليس مبادئ نظرية، لا فاعلية لها، بل إنّه تمكن ترجمته وبلورته في منهج عملي وبرنامج تطبيقي، يتنزّل في المدارس تعليما للناس، وفي المعابد تعاليم للمؤمنين، وفي ساحات الصراع وميادين النزاع، طمأنينة تحل في النفوس وأَمَلا يَعْمُر القلوب.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.