بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الخاتم، وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين،
معالي الشيخ / نهيان بن مبارك آل نهيانحفظه الله وزير التسامح والتعايش أصحاب المعالي، أصحاب السعادة، أصحاب السماحة، أصحاب الغبطة والنيافة، أيها الحضور، كلٌّ باسمه وجميل وسمه،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
إن هذا المؤتمر بموضوعه الهام، وحضوره المتميزين، ورعاته السامين، جدير بالتنويه والإشادة، فشكراً للفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، على رعاية هذه المبادرة وعلى دعوة سموه الكريمة، للمشاركة في هذا اللقاء الهام.
أهمية هذا المؤتمر:
إن حماية الأطفال أولوية دائمة في كل وقت وحين، لأنه من تلك المواضيع التي تمس الإنسان (الفرد والعائلة) في أقرب البشر وأحبهم إليه وهم الأطفال، ومن ناحية أخرى فهي تمس وتخص المجتمع والدولة ككل لأنها تُعنى بالمستقبل بكل معانيه ومراميه، وتوقعاته الجميلة أو الأقل جمالا،
إنها تُعنى بالأجيال الناشئة التي تُعقد عليها آمال صناعة المستقبل، وقيادة المجتمع في العقود القادمة. كما أن مبادرات حماية الأطفال تصبح أكثر تعيناً وأعظم إلحاحاً في المناطق التي تشهد صراعات وحروباً مسلحة، والتي يتعرض جراءها الأطفال إلى أخطار كبرى تهدد حياتهم وتمزق كيانهم، إن هذه المناطق ينبغي أن تأخذ الأولوية في كل المشاريع الموجهة للأطفال.
إذا، فهذا الموضوع جدير بالتفكير والتأمل، محتاج إلى توحيد الجهود، واقتراح الحلول، وتفعيل الوسائل.
لقد اعتنى الدين الإسلامي بالطفل تربية لجسمه وعقله وتنمية لمواهبه ورعاية لجميع أحواله، وكانت التعاليم النبوية في شأن الأطفال مرجعاً للعلماء في تصنيف الكتب وتخصيص بنود كثيرة لمؤسسة حضانة الأطفال. فواجبات الأبوين والمجتمع تجاه الطفل من يوم خروجه إلى الدنيا مولودا صغيرا مرورا بكل أطوار نشأته، ومن أوضح ذلك رعاية الأيتام ومنع إيذائهم ومنع الاعتداء على الأطفال أو تجنيدهم في أوقات الحرب.
وهنا نشيد بما تقوم به دولة الإمارات من رعاية للأيتام ووقفات إنسانية لمساعدة الأطفال وخصوصا في الدول التي تشهد نزاعات أو حروبا وهو أمر يتماشى مع القيم والتعاليم الدينية السمحة، وهي أول دولة عربية تنضم إلى الشراكة العالمية لـ “إنهاء العنف ضد الأطفال”. كما نشيد في هذا الصدد بما تقوم به أم الامارات سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيس المجلس الأعلى للأمومة والطفولة من جهود كبيرة للعناية بالطفل على المستوى المحلي والدولي.
الفرص والتحديات في العصر الحاضر :
إننا في عصر يتسم بالحركة السريعة والمفارقات الواضحة، عصر التواصل الكثيف والعزلة الشديدة، عصر العلم المتقدم والجهل المستشري، عصر الدقة والتضليل، عصر استكشاف المجرات والغياب عن الذات، إنه عصر يشبه في مفارقاته ، إلى حد بعيد تلك الحقبة التي وصفها تشارلز ديكنز في مفتتح روايته “قصة مدينتين”: «كان أحسن الأزمان، وكان أسوأ الأزمان. كان عصر الحكمة، وكان عصر الجهالة. كان زمن النور، وكان زمن الظلمة. كان ربيع الأمل، وكان شتاء القنوط». إن ما يتيحه هذا العصر من إمكانات تقنية، تشكل بمجموعها سياقا من الفرص والتحديات في حماية الأطفال. إن وسائل التواصل ومنصات المحتوى المتعددة، جعلت البشر يعيشون في عالم واحد بكل معنى الكلمة (مشاعرهم وأحلامهم، طموحاتهم ومظاهرهم كلها أصبحت مشتركة -إلى حد بعيد)، هذا التواصل الكثيف قد يكون أداة للتعارف والتآلف، وقد يكون تحدياً في ترسيخ الهوية والقيم على مستوى العائلة والمجتمع المحلي. إن هذا الواقع يتطلب تعاملا على مستويات عدة تشمل: مستوى القوانين، ومستوى التربية والتعليم، ومستوى العائلة والمجتمع، ومستوى الصحة النفسية والجسدية. وإذا كانت حماية الأطفال في الماضي مرتكزة على خارج المنزل أو خارج المحضن التربوي، فإنها اليوم -أكثر من أي وقت مضى- ترتكز على العالم الافتراضي حيث التخوف الكبير من تعرضهم للتنمر الالكتروني والاعتداءات بأنواعها، والاستغلال بأشكاله والتضليل ومخاطر التطرف أو التجنيد من قبل الشبكات الإجرامية، وأضرار العزلة والمعاناة النفسية. وهكذا، فحتى حين يكون الأطفال بيننا في بيوتنا، فإنهم عرضة لخطر داهم، وتحدي حمايتهم قائم. لذلك، تحتاج العوائل والمجتمعات إلى وعي جديد بهذه التحديات، لتطوير طرق مناسبة لمواجهتها بشكل شامل للحفاظ على رفاه الاطفال البدني والعقلي والعاطفي.
أخيرا، ما الذي يمكن لقادة الأديان أن يقوموا به؟
لقد أثبتت المجتمعات الدينية دورها البارز من خلال عملها الدؤوب في قضايا الحوار والتسامح، وقد ضاعف هذا الدور من واجب القيادات الدينية لأن تنجز أعمالا ميدانية تبرهن للعالم أن الدين في أصله رحمة للعالمين. ولذا فإن من واجب القيادات الدينية أن تعزز بين أتباعها الشعور الواعي بأهمية حماية الأطفال، وتحث المؤمنين على العمل الفعال لمواجهة هذا التحدي. إن الأديان -بصفتها مرجعا للفضائل والأخلاق والسلوك الحسن، مدعوة للعمل معاً للحد من المخاطر التي تواجه الأطفال في هذا العصر من خلال ما يلي: – ترسيخ القيم في الناشئة (قيم الرحمة واللين، والتعاطف والتضامن، والبذل والحكمة)، – تعزيز التكامل بين التربية والتعليم، – التعريف بنماذج القدوة الحسنة، – بناء الشراكات والتحالفات مع أصحاب المبادئ من رجال ونساء الأعمال لتطوير ميثاق أخلاقي يقوم على ضمان حماية الأطفال في جميع ما يُنتج ويُعرض ويُتداول في الفضائيين الحقيقي والافتراضي، -إيجاد منصة تفاعلية تشجع الشركات التي تلتزم بمعايير حماية الأطفال وتُعرّف بها لتكون نموذجا يحتذى من بقية المؤسسات التجارية حول العالم. إن هذا المؤتمر خطوة مهمة نحو تعزيز التعاون بين القيادات الدينية والشركاء من مختلف القطاعات الحكومية والخاصة. وعلينا معا صياغة حلول مبتكرة تعكس التزامنا المشترك بحماية الأطفال. أرجو أن تكلل جهودنا المشتركة بالنجاح لتظل براءة الطفولة حاضرة، والأمل في مستقبل البشرية مشرقا ومزدهرا.
أجدّد لكم الشكر على حسن الاستماع، وأتمنى لكم أوقاتا سعيدة في رحاب دولتنا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
|