مؤتمر ماردين

 

ماردين.. دار السلام

 

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد 

فقد انعقد بعون الله وتوفيقه مؤتمر قمة السلام( ماردين دار السلام ) في مدينة ماردين التركية وفي حضن جامعتها (أرتوكلو) يومي السبت والأحد 11-12 ربيع الثاني 1431ه/27-28 مارس 2010م برعاية المركز العالمي للتجديد و الترشيد(لندن)وبالتعاون مع كانوبوس للاستشارات (لندن) وجامعة أرتوكلو(ماردين) وبمشاركة ثلة مباركة من علماء الأمة الإسلامية من مختلف التخصصات ذات العلاقة لتدارس إحدى أهم أسس العلاقات بين المسلمين وإخوانهم في الإنسانية؛ وهي تصنيف الديار في التصور الإسلامي وما يرتبط به من مفاهيم الجهاد والولاء والبراء والمواطنة والهجرة؛ لأهمية هذا التصور الفقهي في تأصيل التعايش السلمي والتعاون على الخير والعدل بين المسلمين وغيرهم إذا أحسن فهمه وفقا لنصوص الشريعة الإسلامية السمحة وقواعدها ومقاصدها العليا. وقد اختار منظمو المؤتمر فتوى شيخ الإسلام ابن تيميةرحمه اللهفي تصنيف مدينة ماردين في عصره منطلقا للبحث لما تختزنه من دلالات علمية وحضارية ورمزية متميزة. ذلك أن ابن تيمية بما ألهمه الله من فهم للشريعة وفقه للواقع تجاوز في تصنيفه لمدينة ماردين تقسيم الديار الشائع بين فقهاء المسلمين إلى دار إسلام الأصل فيها السلم ودار  كفر الأصل فيها الحرب ودار عهد الأصل فيها المعاهدة والمهادنةإلى غير ذلك من التقاسيمليخصها بتصنيف مركب يمتنع بموجبه فتنة المسلمين في دينهم وتصان فيه دماءهم وأموالهم وأعراضهم، وتتحقق فيه العدالة بينهم وبين غيرهم. وهي فتوى متميزة في طرحها مشابهة في واقعها إلى حد كبير لعصرنا حيث اختلف الواقع السياسي للعالم عن واقع الفقهاء السابقين الذي كان مناطا لتقسيمهم للديار على هذا الأساس وهو ما راعاه ابن تيمية في فتواه وهو ما يقتضي أن يعيد الفقهاء المعاصرون النظر في هذا التقسيم لاختلاف الواقع المعاصر الذي ارتبط فيه المسلمون بمعاهدات دولية يتحقق بها الأمن والسلام لجميع البشرية و تأمن فيه على أموالها وأعراضها وأوطانها واختلط فيه المسلمون بناء على ذلك بغيرهم اختلاطا غير مسبوق في كثير من جوانبه السياسية والاجتماعية والاقتصادية ولحاجة المسلمين إلى الرؤية الشرعية الصحيحة التي لا تخالف النصوص الشرعية وتتوافق مع مقاصد الشريعة وتتكيف مع الواقع المعاصر .

وفي ضوء ذلك تدارس الحاضرون بحوث وأوراق عمل المؤتمر التي وناقشوها 

وخلصوا إلى النتائج والتوصيات التالية: 

 

أولا: النتائج: 

إن فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية في ماردين لايمكن بحال من الأحوال أن تكون متمسكا ومستندا لتكفير المسلمين والخروج على حكامهم واستباحة الدماء والأموال وترويع الآمنين والغدر بمن يعيشون مع المسلمين أو يعيش معهم المسلمون بموجب علاقة مواطنة وأمان بل هي فتوى تحرم آل ذلك فضلا عن كونها نصرة لدولة مسلمة على دولة غير مسلمة وهو في آل ذلك موافق ومتبع لعلماء المسلمين في فتاويهم في هذا الشأن ولم يخرج عنهم.ومن استند على هذه الفتوى لقتال المسلمين وغير المسلمين فقد اخطأ في التأويل وما أصاب في التنزيل.

إن تصنيف الديار في الفقه الإسلامي تصنيف اجتهادي أملته ظروف الأمة الإسلامية وطبيعة العلاقات الدولية القائمة حينئذ.إلا أن تغير الأوضاع الآن و وجود المعاهدات الدولية المعترف بها وتجريم الحروب غير الناشئة عن رد العدوان ومقاومة الاحتلال وظهور دولة المواطنة التي تضمن في الجملة حقوق الأديان والأعراق والأوطان استلزم جعل العالم آله فضاء للتسامح و التعايش السلمي بين جميع الأديان والطوائف في إطار تحقيق المصالح المشتركة والعدالة بين الناس ويأمن فيه الناس على أموالهم وأوطانهم وأعراضهم وهو ما أقرته الشريعة ونادت به منذ هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ووضع أول معاهدة تضمن التعايش بين جميع الطوائف والأعراق في إطار العدالة والمصالح المشتركة ولا يسوغ التذرع بما يشوبها من نقص أو خرق دول معينة لها للتنكر لها وافتعال التصادم بينها وبين الشريعة السمحة.

    من الأولويات التي على علماء الأمة ومؤسساتها العلمية الاضطلاع بها التحليل والتقويم للأفكار المسوغة للتطرف والتكفير        والعنف باسم الإسلام؛ فالتدابير الأمنية مهما كانت عادلة لا تقوم مقام البيان بالحجة والبرهان.ومن ثم تقع المسؤولية على    علماء الأمة في إدانة آل أشكال العنف في التغيير أو الاحتجاج داخل المجتمعات المسلمة وخارجها بوضوح وصراحة  وجرأة  فيقول الحق منعا للالتباس وإزالة للغموض.

   –إن علماء الإسلام ما فتئوا يؤكدون عبر العصور أن الجهاد الذي يعتبر ذروة سنام هذا الدين ليس نوعا واحدا بل هو انواع     متعددة منها القتال في سبيل الله وهذا النوع أناط الشرع صلاحية تدبيره وتنفيذه بأولي الأمر (الدولة) باعتباره قرارا            سياسيا  تترتب عنه تبعات عظيمة؛ ومن ثم فلا يجوز للفرد المسلم ولا لجماعة من المسلمين إعلان حرب أو الدخول في جهاد    قتالي من تلقاء أنفسهم درءا للمفاسد و إتباعاً للنصوص الواردة في هذا الشأن .

 وأصل مشروعية الجهاد إن ما كان دفعا لعدوان (وقاتلوا في سبيل الله الذين ولا 

 تعتد وان الله لا يحب المعتدين) أو نصرة للمستضعفين (ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله ……) أو دفاعا عن

  التدين (اذن للذين ) وليس ناشئا عن اختلاف في الدين أو بحثا عن المغانم.

إن شأن الفتوى في الإسلام خطير ولهذا شدد العلماء في شروط المفتي ومنها أن يكون ذا أهلية علمية كاملة وفي شروط الفتوى خاصة تحقيق المناط في المكان والزمان والأشخاص والأحوال والمآل .

إن مفهوم الولاء و البراء لا يكون مخرجا من الملة ما لم يكن مرتبطا بعقيدة كفرية وما سوى ذلك فهو أنواع تتناولها الأحكام التكليفية الخمسة وبناء عليه لا يجوز حمله على معنى واحد يكفر به المسلمون.

ثانيا:التوصيات :يوصى المؤتمرون بالتوصيات التالية : 

 

 عقد مؤتمر سنوي في أوروبا لتعميق البحث في التصور الإسلامي للسلام والتعايش السلمي بين الأمم والأديان.

 تأسيس مركزماردين”  لدراسة النظرية السياسية في الإسلام.

 إحداث شعب وأقسام دراسية في الجامعات والمعاهد الإسلامية العليا تعنى بالبحوث والتدريب والتأهيل في مجال الإفتاء في القضايا العامة للأمة.

تشجيع الدراسات العلمية النظرية والتطبيقية في مجال تنقيح المناط ودراسة علاقة الزمان والمكان والأشخاص والأحوال بتغير الفتوى 

تشجيع الدراسات والبحوث العلمية الأكاديمية التي تعنى بدراسة الظروف والملابسات التاريخية لفتاوى أئمة الإسلام.

بذل مزيد من الجهد في مراجعة وتحقيق ودراسة تراث شيخ الإسلام ابن تيميةرحمه اللهوتراث العلماء المقتدى بهم باعتبار أثرهم في الأمة وما يرجى من فهم تراثهم فهما سليما من ترشيد وتوجيه للعامة والخاصة.

رفع هذا البيان إلى المجامع الفقهية في العالم الإسلامي لإثرائه وتعميق النقاش حوله وتعميم الفائدة منه.

وفي الختام يتقدم منظمو المؤتمر والمشاركون المؤتمر بأسمى آيات الشكر والتقدير لكل من ساهم في إنجاح أعمال هذا المؤتمر، وعلى رأسهم حضرة والي مدينة ماردين، وسعادة رئيس جامعة أرتكلو وفضيلة مفتي ماردين.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

Comments are closed.