أول استثمارات المقاصد الشرعية ترشيح المجتهد
دعا نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور عبدالله المحفوظ بن بيه إلى الاستنجاد واستثمار المقاصد الشرعية، مبينا «نعني أن المقاصد بعد استنباطها واستخراجها من مكامنها، كيف نجنى ثمرتها؟ وكيف تنجدنا وترفدنا وتسعفنا وتتحفنا بفوائد تشريعية؟».
وأوضح أن أول استثمار للمقاصد هو ترشيح المستثمر الذي هو المجتهد، ليكون مجتهدا موصوفا بهذا الوصف، مشيرا إلى أن الإمام الشاطبي بنى اجتهاد المجتهدين على دعامتين من المعرفة هما: معرفة اللغة العربية فيما يتعلق بدلالات الألفاظ ومقتضيات النصوص، ومعرفة مقاصد الشريعة جملة وتفصيلا إذا تعلق الاجتهاد بالمعاني من المصالح والمفاسد.
وأضاف: «لهذا فيمكن أن نقرر وجود مقاصد كبرى قطعية ثابتة بأكثر من دليل في حكم التواتر، ومقاصد ثانوية ثبوتها كثبوت العلل، ومقاصد عامة تنتشر في كل باب من أبواب الشريعة، ومقاصد خاصة تخص بابا واحدا أو طائفة من أحكام أحد الأبواب، وبهذا يتضح توالد المقاصد وترابطها وتضامنها وتسلسلها وتراتبها في سلم العموم والخصوص، تتدرج بين العام والخاص وبين الأعم والأخص، وهناك أيضا مقاصد المقاصد ومقاصد الوسائل».
وأكد أن ابن عاشور تعرض لاحتياج الفقيه إلى معرفة مقاصد الشريعة فيما قاله: إن تصرف المجتهدين بفقههم في الشريعة يقع على خمسة أنحاء.
وقال ابن بيه معقبا: «ولبيان ما دندن حوله أبو المقاصد أبو إسحاق الشاطبي والعلامة الشيخ الطاهر بن عاشور رحمهما الله تعالى نقول: إنه يستنجد بالمقاصد في أكثر من 30 منحى من مسائل الأصول يمكن أن نستعير لها كلمة المحائر والأكنسة، لأنها مكامن لؤلؤ الحكم ومكانس ظباء المقاصد وجذور أرومتها وأقناس أجناسها».
وبين أن المقاصد روح الشريعة وحكمها وغاياتها ومراميها ومغازيها، موضحا أن «آراء الباحثين تباينت حول المقاصد؛ من مبالغ في اعتبارها متجاوز لحدود عمومها، حيث جعله قطعيا وجعل شمولها مطردا غافلا أو متجاهلا ما يعتري العموم من التخصيص وما ينبري للشمول من معوقات التنصيص، فألغوا أحكام الجزئيات التي لها معان تخصها بدعوى انضوائها تحت مقصد شامل.
والنوع الثاني: مجانب للمقاصد متعلق بالنصوص الجزئية إلى غاية تلغى المقاصد والمعاني والحكم التي تعترض النص الجزئي وتحد من مدى تطبيقه، وتشير إلى ظرفيته، فهي كالمقيد له والمخصص لمدى اعتباره إلى حد المناداة بإبطال المصالح.
وأكد أن المنهج الصحيح وسط بين هذا وذاك، يعطى الكلي نصيبه ويضع الجزئي في نصابه، مبينا أن الإمام الشاطبي انتبه لهذه المزالق، حيث حذر من تغييب الجزئي عند مراعاة الكلي، ومن الإعراض عن الكلي في التعامل مع الجزئي.
وأوضح ابن بيه معقبا: القول الفصل إن للمقاصد أصولا كبرى فوق علم الأصول، وأصولا عامة مشتبكة بمباحث الأصول، وأخرى أخص من ذلك إلا أنها في خدمتها مفصلة لها مبينة تارة ومكملة تارة أخرى.
وخلص ابن بيه إلى القول؛ إن منظومة الشريعة لا يعزب عنها حكم ولا تغيب عنها حكمة، وقد تفطن الأصوليون للمقاصد الكبرى، وهي مقصد العبادة، ومقصد الابتلاء والامتثال في مبحث التكليف.
ويؤكد أن بحر المقاصد لا يزال زاخرا يتجدد عطاؤه وبخاصة في القضايا المتجددة وذلك في اتجاهين: قضايا لم يقم موجبها في الزمن الماضي ولم تظهر الحاجة إليها: فقام في هذا الزمان كما أشار إليه الشاطبي في أحداث الصحابة أحكاما في قضايا لم يكن مقتضاها قائما في زمنه عليه الصلاة والسلام، ولم يكن من نوازل زمانه كما يقول الشاطبي كجمع المصحف وتدوين العلم وتضمين الصناع.