الحوار وثقافة الاختلاف
اعداد : الاستاذ طالب بن محفوظ
صحيفة عكاظ
عبدالله المحفوظ بن بيه *
الاختلاف بين أهل الحق سائغ وواقع، وما دام في حدود الشريعة وضوابطها فإنه لا يكون مذموماً؛ بل يكون ممدوحاً ومصدراً من مصادر الإثراء الفكري، ووسيلةً للوصول إلى القرار الصائب، وما مبدأ الشورى الذي قرره الإسلام إلا تشريعاً لهذا الاختلاف الحميد “وشاورهم في الأمر”، فكم كان النبي صلى الله عليه وسلم يستشير أصحابَه، ويستمع إلى آرائهم، وتختلف وجهاتُ نظرهم في تقرير المُضي في حملة بدر ونتائج المعركة، وكان الاختلاف من الموقف من الأسرى .
فعندما استشارهم في المضي قدماً لنزالِ المشركين بعد أن تبين كثرة جيوشهم بالنسبة للمسلمين كان النبي صلى الله عليه وسلم ينصت إليهم وما ليمَ أحدٌ على رأي أبداه أو موقف تبناه وما تعصب منهم أحد ولا تحزب، بل كان الحقُّ غايتَهم والمصلحةُ رائدَهم.
وقد يقرُّ النبي صلى الله عليه وسلم كلاً من المختلفين على رأيه الخاص ، وبدون أن يبدي أي اعتراض أو ترجيح ، كما في مسألة أمره عليه الصلاة والسلام بصلاة العصر في بني قريظة، فقد صلاها بعضهم بالمدينة ولم يصلها البعض الآخر إلا وقت صلاة العشاء ، ولم يُعنف أحداً منهم كما جاء في الصحيحين.
وموضوعات الاختلاف كثيرة جداً ، ولكنها تحسم بالحوار وبالتراضي بالرجوع إلى رأي البعض، ويسجل لعمر رضي الله عنه كثرة رجوعه إلى آراء إخوته من الصحابة واعترافه أمام الملأ بذلك قائلاً: امرأةٌ أصابت ورجلٌ أخطأ. وتأصيله للقاعدة الذهبية وهي: “أن الاجتهادَ لا يُنقض بالاجتهاد” وهي قاعدة تبناها العلماءُ فيما بعد ، فأمضوا أحكام القضاة التي تخالف رأيهم واجتهادهم، حرصاً على مصلحة إنهاء الخصومات وحسم المنازعات، وهي مصلحة مقدمة في سلم الأوليات على الرأي المخالف، الذي قد يكون صاحبه مقتنعا به.
*نائب رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين