حوار حول الثورات ووصول الاسلاميين للسلطة وتولي المرأة في الفقه الجديد

 

جريدة التحرير-   | إيمان عبد المنعم 

هو «أستاذ الجيل»، كما يلقبه محبوه وتلامذته، تجلس أمامه فترى أنك أمام شيخ هادئ، تحدثه فتجده شابا ثائرا، يسعى دائما إلى الوسطية، يرى أن التجديد يجب أن يمتد إلى الفتوى والاجتهادات السابقة، وأن تحقيق مناط الاعتدال لن يتحقق إلا على يد مفكرين تنوريين، هو نائب رئيس الاتحاد العالمى للعلماء المسلمين ورئيس مركز التجديد والترشيد عبد الله بن بيه .

أستاذ فى جامعة الملك عبد العزيز فى جدة، بن بيه الساعى دائما إلى الاعتدال يرى أن الثورات العربية كما فرضت أشكالا وأنظمة سياسية جديدة للوطن العربى، فأنها كذلك تفرض مراجعات على التيارات الإسلامية التى خرجت إلى النور بفضل الثورة، فهو يرى إجازة تولى المرأة الرئاسة فى حالة تعريف الرئاسة بما هو يخالف مفهوم الخلافة، وكذلك تولى المسيحى مناصب قيادية فى الدولة الإسلامية، بحسب المصلحة. اقتربنا منه أكثر فامتد الحديث حول قضايا عديدة.

قاعدة «عدم جواز الخروج على الحاكم» أساسية عند بعض التيارات السلفية، فهل ترى أنها تنطبق على الطغاة من الحكام العرب؟

أعتقد أن عصر الفتاوى العامة التى يجوز تطبيقها فى كل زمان ومكان قد انتهى، ويجب على كل مفتِ أن يزن فتواه قبل أن يصدرها، وأن يدرس الأوضاع والظروف والمآلات التى تقع على الشعوب فى حال الخروج. هناك أمر آخر يجب أن يكون محل اعتبار، وهو القاعدة الشرعية القائلة «إن حكم الابتداء ليس كحكم الدوام والانتهاء»، فالأمور تختلف من لحظة إلى أخرى، ومن الصعب إصدار فتوى فى ليبيا وسوريا واليمن على سبيل المثال، بالخروج على الحاكم، حتى لا تكون النتائج مفزعة، وحتى بعد الخروج فيصعب أن تفتى بالتوقف، فالتوقف أمام هذه الأنظمة الديكتاتورية معناه الإبادة.

الثورات العربية خرجت دون انتظار افتاء رجال الدين، فدور المؤسسات الدينية غائب بعد سيطرة الحكومات عليه. فأين دور الاتحاد العالمى للعلماء المسلمين؟

دورنا توجيهى وإرشادى، وما زلنا مؤسسة حديثة، ومع ذلك كنا نتحرك كمنظمات وأفراد، ولا أحد ينكر دور الشيخ يوسف القرضاوى الذى قام به، وكذلك كثير من قيادات الاتحاد. المشكلة فى عديد من العوائق التى تواجه الاتحاد، ومنها ما هو تنظيمى ومنها ما هو مادى، لإنشاء مركز دراسات وكذلك تجميع أعضاء مجلس الأمناء فى مكان يمكن فيه إجراء حوارات ورؤية مشتركة فهى عامل أساسى غائب عنها.

من أهداف الاتحاد التقارب بين المذاهب والتيارات الإسلامية فلماذا لم نلمس أى دور فى الحوار السنى-الشيعى؟

نحاول إزالة الحواجز بين التيارات الإسلامية قبل أن نصل إلى مرحلة التمانع وتنازع البقاء، وهو ما قد يؤدى إلى الفناء، لذلك نسعى إلى البحث عن المشتركات فى الاجتهادات. المشكلة بين السنة والشيعة لها عنوان وهو «قادة طهران» الذين يتمنعون عن إصدار بيانات واضحة وصريحة لأتباعهم بوقف استفزاز أهل السنة من خلال سب الصحابة -رضوان الله عليهم- كما أنهم ليسوا مستعدين للخروج عن مبدأ «التقية». هم يقودون زحفا شيعيا فى ديار أهل السنة من خلال أسلوب القوى الناعمة، ومن خلال إنشاء المعاهد والمراكز التعليمية والندوات، ولعل نيجيريا نموذج، فقبل 20 عاما لم يكن فيها شيعى واحد، أما اليوم ففيها مليون شيعى.

هل ترى أن الوطن العربى بحاجة إلى فقه جديد، بعد هذا الكم الهائل من القضايا الفقهية الخلافية خصوصا بعد ثورات الربيع العربى؟

من المهم إيصال الآراء الفقهية إلى من يقومون على العمل الإسلامى السياسى.

وكيف يتم ذلك؟

لدينا بالفعل مشروع تجديدى للأمة يقوم به 45 عالما من العلماء التنويرين، ويهدف هذا المشروع الذى ينتهى فى ديسمبر 2012 إلى وضع فقه جديد يتناسب مع المرحلة، ويتوافر فيه تطبيق الأحكام على واقع متغير فى المجال السياسى والاقتصادى والاجتماعى والعلاقات الدولية والتربوية، الهدف من هذا المشروع هو ترشيد أوضاع التيارات الإسلامية، ودراسة المستجدات وإخراجها فى شكل كليات فى جميع المستجدات.

التعددية السياسية والحزبية ومشاركة المرأة فى الانتخابات ووصولها إلى الحكم نموذج من تلك المشكلات فما رأيك؟

التعددية السياسية باتت أمرا واقعا لا يمكن تجنبه، وبالتالى علينا أن نتعامل معه، لأن البديل ربما يؤدى إلى حروب أهلية، علينا المشاركة من أجل الانسجام الوطنى والسلم الاجتماعى والبعد عن الاقتتال الداخلى والتناحر. هناك سقف للمشاركة تتمثل فى الكليات الخمس، وتتمثل فى الدين والنفس والعقل والمال والعرض، وهى تعد مرجعية وقيم عليا ومبادئ حاكمة ومشتركة بين جميع الديانات، وهى تختلف من وطن إلى وطن، ومن نظام مجتمعى إلى نظام آخر، إذا التزمنا بهذه القيم فإننا نكون قد حافظنا على دائرة الإيمان، ويجب أن نراعى المصالح والمفاسد، وكلما غلبت المصلحة ودرأت المفاسد، والتيار الإسلامى بالمناسبة يسير فى هذا الاتجاه. أما عن ترشح المرأة، فجائز فى البرلمان، وفى الانتخابات الرئاسية، ولكن بشرط تحديد ماهية النظام، برلمانى أم رئاسى. علينا فى البداية أن ندرس الواقع الذى نعيشه، وكذلك نفرق بين السيدة والحكم التنفيذى، وكما فرق جاك روسو بينهما، فالأمر لا يبتعد كثيرا فى الفقه الإسلامى.

لقد سئلت فى إندونسيا عن تولى المرأة، وكانت هناك مرشحة تتمع بشعبية عالية، فقلت لهم، إذا رياح الانتخابات أتت بها لمنصب الرئاسة فيجب أن لا تقوم حرب أهلية من أجل عدم ولاية المرأة، وقلت لهم اجعلوا الانتخابات تذهب بها كما أتت بها.

إذا ترشح مسيحى فى الانتخابات. فهل يجوز التصويت له؟

يجوز التصويت له بحسب المصلحة، ولو درسنا السيرة النبوية لوجدنا بها كثيرا من نماذج الأقباط الذين تولوا مناصب قيادية.

وصلتم القاهرة كمحطة قبل الانطلاق إلى قطر للتعليق والمشاركة فى تفعيل وثيقة الأزهر، فما تقييمك لها؟

الوثيقة فى مضمونها جيدة، لكنها تحتاج إلى توضيح النصوص الخاصة بالكليات الشرعية، التى تحتاج إلى تفسير، ويجب احترامها، لأنها لا بد أن تغطى المساحة المطلوبة فى ظروف وأوضاع كالتى نعيشها، والمهم أنه لا توجد وثيقة كاملة عدا القرآن الكريم.

وماذا عن دعوات انتخاب شيخ الأزهر من خارج مصر؟

الأزهر منذ نشأته وهو مظلة إسلامية لكنها مصرية، وهى قلب العالم الإسلامى، فدعوة خروج المنصب عن مصر متروك لمشايخ الأزهر والجهات المعنية، والأمر ليس مشكلة كبيرة.

هناك عديد من الرموز الإسلامية أعلنت ترشحها فى الانتخابات الرئاسية فى تونس ومصر، فهل ترى أن الظروف مناسبة لوصول الإسلاميين إلى الحكم؟

فوبيا وصول الإسلام إلى الحكم لا تزال تثير ذعر الغرب، وعلينا أن نبدأ معهم الحوار، قبل أن نطرح صورة الإسلام الحاكم، هناك حركات إسلامية مقبولة فى الغرب، كالإخوان مثلا، وعن رأيى الشخصى أرى أن هناك أولوية الآن، وهى التنمية، وينبغى وأن نجعلها فى المقدمة.

هل تجوز المشاركة فى البورصة؟

جائزة، ولكن ما يفسد المشاركة هو ما يفسد العقود، من الربا والغرور والجهالة، وهذه من الأمور التى تحتاج إلى اجتهاد ومن الأمور المطروحة فى مشروعنا.

ماذا رأيت فى مقتل القذافى؟

المشهد نفسه لا يحبه أى إنسان، لكنه عبرة لمن يعتبر. والقذافى ليس شهيدا بالتأكيد

Comments are closed.