“ورشة الاجتهاد بتحقيق المناط : فقه الأقليات” الخلاصات والتوصيات

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

ورشة الاجتهاد  بتحقيق المناط : فقه الأقليات

لندن – المملكة المتحدة

01 – 02 محرم 1432/ 26 – 27نوفمبر 2011

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه أجمعين ، وبعد :

فبناء على ما ورد في توصيات بيان ماردين والبيان الختامي لورشة الرباط ( الاجتهاد بتحقيق المناط فقه الواقع والتوقع ) انعقدت بحمد الله وتوفيقه بلندن عاصمة المملكة المتحدة يومي الست والأحد – 02 محرم 1432/ 26 – 27نوفمبر 2011 ورشة الاجتهاد بتحقيق المناط :  فقه الأقليات  التي نظمها المركز العلمي للتجديد والترشيد بلندن ، والمركز العالمي للوسطية بدولة الكويت ، وذلك بإشراف معالي الدكتور عبد الله عمر نصيف وحضور معالي الدكتور عبد الله المعتوق ، وشارك فيه ثلة من علماء ومفكري الأمة الإسلامية وقادة العمل الإسلامي في الغرب ، لدراسة تحقيق المناط في فقه الأقليات . وقد استمع الحاضرون الى عروض ثرية من مختلف المشاركين  في الورشة وبخاصة الكلمة التي افتتح بها وزير العدل السابق بالمملكة المتحدة الأستاذ شاهد مالك ومعالي د عادل الفلاح وكيل وزارة الأوقاف بدولة الكويت .

وقد توصلت الورشة  إلى النتائج التالية  :

1-  اعتبرت الورشة الورقة العلمية التي أعدها فضيلة الشيخ العلامة عبد الله بن بيه سبقا علميا في تدقيق المفاهيم الرئيسة لموضوع تحقيق المناط في فقه الأقليات وعلاقته بالواقع والمتوقع ، وعليها بنيت أعمال الورشة . 

2-  يعتبر تحقيق المناط تسعة أعشار النظر الفقهي  كما قال الغزالي ، ومن ثم فان المفتي هو من يتوصل بمعرفة الواقع والتفقه فيه إلى معرفة حكم الله ورسوله ، ومعرفة الواقع تعني الإحاطة بحقيقة ما يحكم عليه من فعل أو ذات أو علاقة أو نسبة ليكون المحكوم به – وهو الحكم الشرعي  المشار إليه بالواجب في الواقع ، مطابقا لتفاصيل هذا الواقع ومنطبقا عليه على حد قول ابن القيم . فالواقع شريك في عملية استنباط الأحكام أي تنزيل الأحكام وان لم شريكا في تقرير اصل الحكم . 

3- الواقع المعاصر جعل العالم قرية واحدة تتعايش فيها الديانات والثقافات ، وتحكمها مواثيق دولية ، ويتأثر كل طرف منها بما يجري في الطرف الأخر .

4- المطلوب هو معرفة الواقع بكل تفاصيله ، وبماضيه الذي افرز الحاضر وأسس له ، مع استشراف مستقبل تتوجه إليه تداعيات الحياة وتفاعلات المجتمعات ؛ وذلك ما يسمى بالتوقع ؛ وبذلك تكتمل الصورة التي تمثل كلي الواقع .

 

-5 وسائل تحقيق المناط التي أسماها أبو حامد الغزالي الموازين ، هي: اللغة ، والعرف، والحس، والعقل، والطبيعة. ويمكن أن يضاف إليها ميزان المصالح والمفاسد ، والنظر في المآلات ،واعتبار الحاجات في إباحة الممنوعات كاعتبار الضرورات في إباحة المحظورات ، كما يقول ابن العربي.

 

6- تحقيق المناط في معظم القضايا – سواء كان في القضايا الاجتماعية أو المشكلات الاقتصادية أو الأوضاع السياسية أو النوازل الطبية – جدير بأن يكون ناشئا عن جهد جماعي ، ومنبثقا عن اجتهاد مجمعي.

 

7- واقع الأقليات هو واقع المجتمع الذي يعيشون فيه ونظمه وقوانينه ومدى مرونتها وصلابتها وفلسفتها وخلفياتها ، وواقع الأقلية من ضعف وقوة وفقر وثراء وتعلم وجهل وانسجام وخصام ، فواقعها يبحث عن أحكام استثنائية لأوضاع استثنائية..

 

8- يمكن اعتبار قواعد تحقيق المناط في فقه الأقليات قائما على :

أ- قاعدة الضرورات .

ب- قاعدة الحاجة.

ت- قاعدة المصلحة.

ث- قاعدة عموم البلوى.

ج- قاعدة عسر الاحتراز.

ح- قاعدة المآلات.

خ- التعاون على الخير على أساس المواطنة الصالحة انطلاقا من : الآية الكريمة ( وتعاونوا على البر والتقوى) ومن حلف الفضول، ومن وثيقة المدينة ، ومن حديث فديك، والهجرة إلى الحبشة المسيحية، وعمل النبي يوسف عليه السلام مع ملك مصر.. الخ

د- قاعدة أن الأصل في الأشياء والعوائد الإباحة ، سوى مانهي عنه.

ذ- قاعدة التدرج في التطبيق.

9- واجبات الأقلية المسلمة يجب أن يسير في ثلاثة اتجاهات:

أولا: المحافظة على ممارسة إيمانها ودينها ، ليس على مستوى الفرد فحسب بل أيضا على مستوى الجماعة.

ثانيا : قيام الأقلية بواجباتها تجاه المجموعات الأخرى التي يجب أن تتواصل معها بحيث لا تصبح ديانة الأقلية جدار عزل وفصل بل جسر تواصل ووصل، بمعنى أنه يفعل المشترك الإنساني مع غيرهم من المجموعات التي لا تشاطرهم المعتقد من خلال تفعيل القيم الدينية التي يشتمل عليها الدين من دعوة إلى الرحمة والمحبة والتعارف بين البشرية واحترام حقوق الإنسان في نفسه ودينه وممتلكاته.

ثاللثا : تسهيل الحياة الدينية وتيسيرها ، ليعلم المسلم أن له فسحة في دينه ويسرا في أمره

10- المقاصد التي تعتبر في فقه الأقليات:

أولا : مقصد عام وهو المحافظة على الحياة الدينية للأقلية المسلمة على مستوى الفرد والجماعة.

ثانيا: التطلع إلى نشر دعوة الإسلام في صفوف الأكثرية مع مايستتبع ذلك من تمكين تدريجي للإسلام في الأرض.

ثالثا: التأصيل لفقه العلاقة مع الغير في الواقع الحضاري والعالمي وهو أمر قد لايختص بالأقلية لتداخل الأوضاع العالمية لإيجاد حالة من الثقة المتبادلة والقبول.

رابعا: التأصيل لفقه الجماعة في حياة الأقلية بمعنى الانتقال من الحالة الفردية إلى الحالة الجماعية.

11- التأكيد على ماجاء في بيان مؤتمر ماردين ، ومن ذلك :

أن تصنيف الديار في الفقه الإسلامي تصنيف اجتهادي أملته ظروف الأمة الإسلامية وطبيعة العلاقات الدولية القائمة حينئذ. إلا أن تغير الأوضاع الآن ووجود المعاهدات الدولية المعترف بها ، وتجريم الحروب غير الناشئة عن رد العدوان ومقاومة الاحتلال ، وظهور دولة المواطنة التي تضمن في الجملة حقوق الأديان والأعراق والأوطان، استلزم جعل العالم كله فضاء للتسامح والتعايش السلمي بين جميع الأديان والطوائف في إطار تحقيق المصالح المشتركة والعدالة بين الناس، ويأمن فيه الناس على أموالهم وأوطانهم وأعراضهم ، وهو ما أقرته الشريعة ونادت به منذ هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، ووضع أول معاهدة ، تضمن التعايش بين جميع الطوائف والأعراق في إطار العدالة والمصالح المشتركة ، ولا يسوغ  التذرع بما يشوبها من نقص أو خرق دول معينة لها، للتنكر لها وافتعال التصادم بينها وبين الشريعة السمحة.

        إن مفهوم الولاء والبراء لايكون مخرجا من الملة ما لم يكن مرتبطا بعقيدة كفرية ، وما سوى ذلك فهو أنواع تتناولها الأحكام التكليفية الخمسة وبناء عليه لايجوز حمله على معنى واحد يكفر به المسلمون.

 

الاقتراحات والتوصيات :

أ‌-     إجراء دراسة وصفية مركزة للواقع العام للبلدان التي توجد بها أقليات تكون عونا وسندا للاجتهاد بتحقيق المناط.

ب‌-            الاهتمام بدراسة المزالق المنهجية في تحقيق المناط التي تنتج تطبيقات فقهية خاطئة لا تراعي الواقع الحقيقي للأقليات المسلمة ، خاصة أن بعضها أضر كثيرا بأقليات مسلمة في دول كبرى لها وزنها العالمي.

ت‌-            التأكيد على ضرورة إشراك أهل الخبرة بالواقع في مختلف مستوياته في هذه المدارسات المتعلقة بتحقيق المناط.

ث‌-            العمل على تكوين علماء من أبناء الأقليات المسلمة ليكونوا مؤهلين لتحقيق مناطات واقعهم بمختلف مستوياته ومجالاته انطلاقا من الجهد المشكور والمقدر من المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث الذي كان مؤسسة رائدة في إرشاد المسلمين وتبصيرهم بأمور دينهم.

ج‌-دعوة الأقليات المسلمة إلى التركيز على التربية الإسلامية لتأهيل أبنائهم للاندماج في مجتمعاتهم بما يحفظ هويتهم الإسلامية ، ودعوتهم إلى الإحسان إلى جيرانهم ومجتمعاتهم التي يعيشون فيها ليجسدوا الأخلاقيات الإسلامية ويبرزوا الصورة الحقيقية للإسلام التي تشوهت في كثير من المجتمعات الغربية بسبب أعمال خارجة عن القانون وعلى الشرع ، قام بها أفراد لا يمثلون الإسلام والمسلمين.

ح‌-دعوة الأئمة والخطباء والدعاة وقادة الفكر والرأي في الأقليات إلى ترسيخ ثقافة التعايش والتآلف والتعاون على البر والخير وتجسيد ذلك في مبادرات وأنشطة عملية.

 

وفي الختام يشكر الحاضرون المركز العالمي للتجديد والترشيد والمركز العالمي للوسطية على جهودهما الخيرة في ترشيد الفكر الإسلامي المعاصر وترسيخ ثقافة الوسطية بين المسلمين في العالم، كما يشكرون وزارة الخارجية البريطانية على التسهيلات التي قدمتها لضيوف الورشة القادمين من الخارج . ويشيد الحاضرون بما عليه المجتمع البريطاني من قيم التسامح وتشجيع العيش المشترك بين الأعراق المختلفة وتكافؤ الفرص تحت مظلة المواطنة وخدمة الصالح العام الذي بدا واضحا في تحقق السلم والأمن الاجتماعي .

 

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

 

وحرر بلندن في ثاني محرم 1433 هـ / السابع والعشرين من نوفمبر 2011 م

 

 

Comments are closed.