ختام ندوة “تعميق الاجتهاد بتحقيق المناط” بمشاركة العلاّمة ” ابن بيه” ووزراء الشؤون الاسلامية في المغرب العربي

اختتمت، في الصخيرات بالمملكة المغربية، فعاليات ندوة” تعميق البحث في تحقيق المناط”، التي نظمها المركز العالمي للتجديد والترشيد بلندن والمركز العالمي للوسطية بدولة الكويت ووزارة الأوقاف والشئون الإسلامية  بالمغرب، خلال يومي الاثنين والثلاثاء 15 – 16 من ذي القعدة سنة 1433 هـ / 01 -02 أكتوبر 2012م. 

وشارك في هذه الندوة ـ التي هي امتداد لندوة رباط الفتح حول “الاجتهاد بتحقيق المناط: فقه الواقع والتوقع” (شعبان 1432 هـ/يوليو 2011 م)، وحلقة من الحلقات الممهدة لمؤتمر الكويت “فقه الواقع والتوقع” (فبراير 2013م) ـ نخبة من علماء الأمة ومفكريها من بلدان مختلفة من العالم الإسلامي وأوروبا وأمريكا، وازدانت باستضافة ومشاركة وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بكل من ليبيا وتونس الشقيقتين.

حيث استأنفت الندوة أعمالها بورقة منهجية لفضيلة العلاّمة الشيخ عبد الله بن بيه تهتم بالبحث الموضوع: دواعيَ اهتمام، ومفهوما، وقضايا، ومجالات، ومحاور بحث، ومآلات إحكام لها وإحجام عن اقتحام عقبته أو تخبط فيه، والآفاق التي يفتحها التعامل الراشد للأمة مع تحقيق المناطات.

كما ناقشت الندوة في جلساتها العلمية بعد الكلمة التأطيرية لفضيلة الشيخ عبد الله بن بيه محاور ثلاثة: الأول عن تعميق الاجتهاد في تحقيق المناط، والثاني عن تأثير الواقع في الأحكام الشرعية، والثالث في صياغة المفاهيم الفقهية.

يشار إلى أن تسعة بحوث قد تم تقديمها في المحاور السابقة وخلصت إلى تأكيد الخلاصات والنتائج التي انبثقت عن ندوة رباط الفتح “الاجتهاد بتحقيق المناط: فقه الواقع والتوقع” ومنها على الخصوص:

فقه الواقع والتوقع

التنويه بموضوع الندوة وكل ما يمهد لمؤتمر الكويت “فقه الواقع والتوقع”  من ندوات وورش ومنابر للتفكير بالنظر إلى : الأزمة الحضارية والفكرية، التي تعيشها الأمة وفقدانها الانسجام الضروري بين الضمير الديني والأخلاقي والواقع الإنساني المعاصر فتعجز عن المواءمة بين كلي الزمان وكلي الشرائع والإيمان.

كما تطرقت الندوة إلى أهمية الاجتهاد بتحقيق المناط مسلكا لمراجعة حال الأمة والخروج بها من أزمتها باعتباره اجتهادا يراجع الجزئيات على ضوء الكليات منسجما مع أنواع الاجتهاد الأخرى ومستوعبا غير المجتهدين من كفاءات الأمة وأهل الخبرة فيها.

وأُشير أيضا إلى ما يترتب على ضعف تحقيق المناط في عصرنا من كوارث ومضار تزيد من تعميق حالة التخبط والتناحر في الأمة.

ثم نوهت الندوة إلى ضرورة النظر وتبلور اتجاهات في التنظير والحركة تنزع النصوص الشرعية من سياقاتها وتنزلها على غير مناطاتها في قضايا تمس استقرار المجتمعات الإسلامية وتماسكها.

وتم تثمين ما ورد في الورقة الإطار للندوة من تصور للموضوع وإشكالاته ومجالاته ومآلاته، وحثت على ضرورة قراءة جديدة للواقع في ضوء الشرع للتذكير بالكليات التي مثلت لبنات الاستنباط بربط العلاقة بين الكليات وبين الجزئيات، واستكشاف كليات جديدة من تعاملات الزمان وإكراهات المكان والأوان.

كما أشير إلى ضرورة مراجعة مفاهيم فقهية وأصولية وصياغة مفاهيم جديدة تستوعب متغيرات الواقع حتى لا نعيد إنتاج فقه عقيم، وأهمية اعتبار التنظير للموضوع والتدقيق فيه نوعا من تجديد الدين ـ الذي هو سنة ماضية ضرورة شرعية ـ ومشروعا حضاريا وعلميا متكاملا يستحق أن تنصرف إليه الهمم وتتعاون عليه الجهود وتتكامل فيه التخصصات ويهيأ له الباحثون المقتدرون، ثم الارتقاء بعملية الاجتهاد بتحقيق المناط إلى مستوى المؤسسة التي تتكامل فيها الجهود والخبرات في تنزيل الأحكام.

ولفتت الندوة إلى الحاجة إلى تحقيق حد أدنى من التوافق بين علماء الأمة فيما بينهم وبين المؤسسات العلمية الشرعية؛ حتى لا تبقى الآراء والرؤى والفتاوى في تحقيق المناطات المصيرية متضاربة ومتناقضة تمكن للفوضى وتخلط المفاهيم.

وشدد المجتمعون على ضرورة دعوة علماء الأمة وباحثيها عموما ومن واكبوا مسيرة البحث في هذا الموضوع أو اطلعوا على أوراق ندواته وورشه بوجه خاص إلى تحمل مسؤوليتهم أمام الله عز وجل وأمام أمتهم باقتحام عقبة تعميق النظر في تحقيق المناط ومعالجة قضاياه النظرية ومقتضياته التطبيقية كل بحسب موقعه وطاقته وتخصصه.

وأكدت الندوة على أهمية إيلاء موضوع ضوابط إعمال تحقيق المناط في الواقع ما يستحقه من بحث سواء تعلق الأمر بالتكليف الفردي أو الاجتماعي أو الموكول إلى الجهات الولائية  ضمانا لمنع الإفراط والتفريط وسدا لذرائع، وتأكيد الحاجة إلى اقتراح تصورات أكثر ملائمة لواقع الأمة الحالي ومستقبلها المتوقع فيما يتعلق بتكوين الفقهاء والخبراء لإيجاد صيغة أفضل من التلاقح والتكامل في تحقيق المناط.

ثم تطرق الحاضرون إلى ضرورة إعطاء العناية في الدراسات الأكاديمية والبحوث العلمية للعوامل البيئية والاجتماعية النفسية التي توثر في شخصية المجتهد وفي مباشرته لتحقيق المناط، وتأكيد كون البحث في تحقيق المناط لا يبتغي تبريرا لقرارات ولا تصرفات أحد أو جهة ما؛ بل هو عود بالأمور إلى نصابها وبالفقه إلى وظيفته وعلاقته بمقاصد الشريعة وواقع المكلفين.

والتنويه كذلك إلى استدعاء الباحثين في تخصصات إنسانية كالفلسفة للإسهام في كشف غموض الموضوع وتحليل المفاهيم وتركيبها

التوصيات

وأوصت الندوة بإيجاد مؤسسات ومراكز بحوث لتحقيق المناط يكون لها من السلطة العلمية والمعنوية ما يؤهلها لتبدي رأيها في أهم قضايا الخلاف الشرعي والفكري والسياسي في الأمة، إضافة إلى توزيع قضايا تحقيق المناط على عدد من الطلبة والباحثين النبهاء يقتحمون عبابه تأصيلا وتفصيلا في أطروحات أكاديمية تكون نتائجها سندا علميا لما نحن فيه ويتهيئون بها لتحمل أمانة البحث في هذا المشروع.

كما أوصى المجتمعون بجرد لائحة بالأفكار والمقولات، التي تروج في الساحة العلمية والثقافية وتشكل عائقا في وجه تأصيل وتوصيل جهود تحقيق مناطات القضايا المصيرية في واقع الأمة ومستقبلها، فضلا عن ضرورة استدعاء باحثين من تخصصات علمية وإنسانية مختلفة في الندوات والورش المقبلة وفي مؤتمر الكويت “فقه الواقع والتوقع” لضمان معالجة تجمع بين شمولية الرؤية ودقة العلم والخبرة.

وأوصت الندوة كذلك باستكتاب المتخصصين والباحثين في القوانين الوضعية، باعتبار خبرتهم في تكييف الوقائع وهي زبدة النظر القانوني وأقرب المجالات إلى تحقيق المناط في الفقه الإسلام، واستكتاب علماء وباحثين مرموقين في قضايا محددة تداركا للنقص الحاصل فيتناولها بالدراسة؛ والتي منها وسائل معرفة الواقع وإدراكه ودراسته، وتحقيق المناط وتعليق الأحكام القطعية أو الفرق بين دائرة الإيمان ودائرة التنزيل وعلاقة ذلك بخطاب الوضع شروطا وأسبابا وموانع ورخصا وعزائم وصحة وفسادا.

ومنها أيضا المنحى التطبيقي؛ لبحث تحقيق المناط من خلال بحث مجالات التكليف المختلفة في واقعنا: السياسية ـ داخليا وخارجيا ـ والاقتصادية والاجتماعية والتربوية، وتتبع التحقيق التاريخي للمناطات؛ بدءا من تحقيق الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وتركيزا على جهود العلماء الأعلام عبر التاريخ في الموضوع.

Comments are closed.