تقنين الفقه أم تدوينه؟

 

 

 ما رأيكم فيما يدعو إليه بعض الداعين اليوم من تقنين الفقه؟


 

في الحقيقة المسألة كما تعلم فيها أخذ و رد، من العلماء من يعارضها خيفة أن تكون وسيلة لتبديلِ الأحكام و تغييرها من منطلق بشريّ بحت، و منهم من لا يرى مانعاً من جعل هذه الأحكام في مدونة ـ ولنقل تدوين الفقه ـ يكون فيها مشهور المذهب الذي يحكم به، فنحن هنا في المملكة العربية السعوديّة نحكم بمشهور مذهب الإمام أحمد، و هذا هو الذي تجري عليه المحاكم، ومن أراد أن يعدل عنه فعليه أن يخبر لمحاكم العليا و مجلس القضاء الأعلى بنيّته تلك، ويقدم الحيثيات التي على أساسها خرج عن المذهب. 

ومعنى هذا أنّ هناك فعليّاً نوعاً من التقنين للفقه في هذه المحاكم.

وبعض الكتب كالمقنع و غيره هي محاولات لتلخيص مشهور المذهب، فتدوين مشهور المذهب قد لا يكون أمرا إدّاً، وعليه فأنا أقترح أن نبتعد عن مصطلح (تقنين الفقه) ونستبدل به مصطلح (تدوين الفقه) أو تدوين المشهور من المذهب.

في هذا الإطار ليس ثمت مانع من أن يدوّن مشهور المذهب ويوضع بين يدي الفقهاء بشكل واضح بناء على أنهم في الغالب ليسوا مجتهدين، والحق أنّ المحاكم في هذا الزمان تحتاج إلى تدوين الفقه حتى لا يميل القاضي، و حتى نتمكّن في المحاكمات الدوليّة وعند الاتصال بمحامين دوليين أنْ نقول: راجع في مدونتنا الصفحة الفلانية و اقرأها بتمعن. 

وينبغي أن تتضمَّنَ هذه المدونة فصولاً حول كيفية تقديم المرافعات إلى القاضي، وكيفية نظر القاضي في الدعاوى بحيث يفهم المحامي كيف يقدم الدعوى، ومارد الفعل الذي سيكون من القاضي، و يعرف أن الدعوى إذا كانت لها حيثيات مقبولة شرعاً فإن القفاضي سيقبلها، و يأمر الكاتب بتسجيلها، و سيوجه المدعي لتقديم البينات، وسيستجلب المدَّعَى عليه، ثم نَصِلُ إِلى مرحلة القرائن والأدلة و الأيمان ثم تصل إلى مرحلة البت و تدوين الحكم، هذا طيب جداً.


* إذن أنتم تؤيّدون (تقنين الفقه) على أن يسمّى (تدويناً) خروجاً من المحاذير.

نعم، أنا مع تغيير المصطلح، ومع تغيير المفهوم أيضاً؛ لأنه في الحقيقة تدوين كما فعل فقهاؤنا الأوائل عندما قاموا بتدوين المشهور من مذهب الإمام أحمد، وأحصوا الروايات والوجوه عارية عن الدليل.


* ألا تقودُ هذه التدوينات المذهبية إلى نزعةٍ إقليمية؟

لا أتصوّر هذا، لأن المسألة لا تعدو نوعاً من التقنين والتهذيب لما هو موجود أصلاً، فالمحاكم الشرعية في كل بلدٍ تحكم بمذهب من المذاهب، ولن يختلف شيءٌ إذا قلنا: اصنعوا مدوّنة قضائيّة لهذا المذهب أو ذاك.

ودعني أضيف لك بعداً جديداً من فوائد هذه المدوّنات، عندما تعلن بلادٌ ما رغبتها في تطبيق الشريعة فستكون هذه المدوّنات خير معين لها.

وقد أشرفت يوم كنت وزيراً للعدل على مدوناتٍ كتبت في موريتانيا في الأحوال الشخصية.

نحن نفهم الخشية التي عند العلماء من تحول الفقه إلى أمر تعمل فيه المراسيم و النظم، ولكننا نفهم أيضا أهمية أن تكون لدى المحاكم في هذا الزمان مدوّنات حاصرة نظراً لاتساع نظرها، وكثرة أعمالها، وقلة إحاطةِ بعضٍ من قضاتها بالفروع.

Comments are closed.