ورقة حول الإرهاب

 

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه 

 

عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيـّـه  

وزير المصادر البشرية ووزير العدل والشئون الإسلامية والتعليم بموريتانيا 

والأمين الدائم لحزب الشعب – سابقاً- 

أستاذ بجامعة الملك عبد العزيز – جدة 

عضو المجلس الأوربي للإفتاء بدبلن – خبير بالمجمع الفقهي العالمي 

 


 

– ففي هذه الأيام وفي هذه الحقبة المميزة من تاريخ البشرية – أترك لكم وصف التميز- اضطربت المفاهيم وتضاربت الآراء واختلطت المصطلحات وعميت على القوم الأنباء ولبس القول – كما يقول العرب – أعمى من حندس الظلماء .

إنها الفتنة بكل تداعياتها من هذه المصطلحات التي تبرر كل شيء وتبيح كل شيء وتدخل كل بيت في جو تطرفت فيه فئات تائهة فغلت وأوغلت في الجريمة فأفسدت في الأرض بتفجيرات لا تخدم هدفاً ولا تحقق غاية سوى قتل الأبرياء وتدمير المنشئات وتشويه صورة الإسلام وإشاعة الفوضى في ديار الإسلام الآمنة.

وتطرفت فيه طائفة من أهل الغرب فجعلت من الإرهاب حصان طروادة وقميص عثمان فامتطت صهوة الإرهاب الذي صار مفهوماً فضفاضاً يتسع جلبابه ويجر ذيوله على مجالات وميادين بعيدة عن الإرهاب كل البعد ومنافية له كل المنافاة فاتهمت الزكوات والصدقات ووصمت به الحجاب والمحجبات .

بله دفاع المدافعين عن الحقوق والحرمات فصار الإرهاب صفة لازمة لمناطق جغرافية واسعة إن لم نقل لحضارة عالمية عريقة وديانة سماوية عظيمة .

في هذا الوضع وفي هذا العمى والعمه الفكري والثقافي والسياسي تتوجب عدة أمور منها :

 

أولا : تعريف الإرهاب تعريفا على ضوء المبادئ العقلية والمنطقية والشرعية لوضع الأمور في نصابها وجلاء سحب ضبابها.

ثانياً: أن نصدر إدانة قوية للإرهاب الذي يعتبر إفساداً في الأرض أفكاراً ونتائج لأن الإسلام براء من الإرهاب والإرهاب لا دين له .

ثالثاً : أن ندعو الغرب إلى كلمة سواء لمعالجة هذا الداء وذيوله وتداعياته لتقديم المشروع الإسلامي لمكافحة الإرهاب الذي ينزع عن الإرهاب صفة الجهاد.

 

فتكون كلمتنا عن هذه النقاط الثلاث فلنبدأ بتعريف جريمة الإرهاب وما يقابلها في الشريعة وسنذكر تعريف الإرهاب مستقى من نبعه الأصلي ومقتطفاً من منبته الغربي فيعرفه معجم روبير الصغير الفرنسي بأنه ” تيار يتخذ الإجراءات الاستثنائية العنيفة بانتظام للوصول إلى أهداف سياسية وهو أيضا مجموعة الأعمال العنيفة : الاعتداء – التدمير إلى آخرة التي ينفذها تنظيم سياسي لتخويف الناس وخلق جو من الرعب والإرهابي هو كل عضو في منظمة من هذا النوع “.

ويعرفه لاروس الفرنسي بأنه عبارة عن جملة أعمال العنف التي ترتكبها منظمة من أجل خلق جو من الرعب أو من أجل قلب نظام الحكم .

إن تعريف لاروس على اختصاره يشتمل على عناصر تكوين الجريمة:

 

1-    قيام بأعمال عنيفة فعلا

2-    أن يكون القائم بها منظمة

3- وفيما يتعلق بالهدف فهو أحد أمرين إما أن يكون لخلق جو من الرعب ونشر الذعربين الناس أو أن يكون الهدف قلب نظام الحكم .

فبينما لا يشترط لاروس أن تكون المنظمة سياسية فإن روبير يشترط ذلك ويتحدث عن أهداف سياسية وليس بالضرورة ( قلب نظام الحكم ) الذي تحدث عنه لاروس وقلب نظام الحكم الذي سماه الفقهاء ( خلع الإمام).

 

ولعل الأفكار المتداولة في أروقة مؤتمرات وزراء الداخلية والعدل العرب تجاوزت اشتراط الصبغة السياسية للتنظيم أو هدف العمل التخريبي وركزت على العمل نفسه لتجعله أساسا لتكييف الجرم لعل ذلك على الأقل ما يوحي به تصريح  الأمين عام مجلس وزراء الداخلية العرب بالقاهرة حيث عرف الإرهاب بأنه : كل أعمال العنف المنظمة التي تسبب الرعب والفزع للأبرياء والمدنيين وتستهدف تدمير المنشآت واختطاف الطائرات .

والإرهابي هو المتورط بارتكاب هذه الأفعال والإرهاب لا وطن ولا دين له .

إن هذا التطور يجعل الإرهاب حرابة وبخاصة على مذهب مالك الذي لا يشترط أن تكون الحرابة مغالبة لأخذ مال فقطع الطريق وتعطيل قدرة الناس على الخروج إلى معايشهم هو حرابة لكن لا يمكن إغفال النية السياسية لبعض قضايا الإرهاب فيكون بذلك جريمة بغي وبخاصة عند مالك الذي لا يشترط لجريمة البغي أن يكون الباغي جماعة بل الواحد يكون باغياً إذا اعتمد طريق العنف في مواجهة ولي الأمر … السلطة الشرعية .

ولهذا فإن التعريف سيكون من فصلين أحدهما يتعلق بالأعمال بغض الطرف عن نية فاعلها والآخر يتعلق بالأعمال ذات الهدف السياسي .

فلا بد إذا من كلمة عن هذه الجرائم في الشريعة وهي الجرائم الموازية أو المرادفة ويمكن بإعادة صياغتها أن تكون مرادفة لجريمة الإرهاب لأنها تغطى مجال هذه الجريمة .


وهي جريمة الحرابة وجريمة البغي وجريمة الإفساد في الأرض:

 

1- الحرابة : هي قطع الطريق على الناس بترويعهم وأخذ مالهم وعرفها الحنابلة بأن : المحاربين هم الذين يعرضون للقوم بالسلاح في الصحراء فيغتصبونهم المال مجاهرة”. هكذا عرفها أبو القاسم الخرقي وهو مذهب أحمد وأبي حنيفة أما الشافعية فقد أضافوا عنصراً آخر وهو أن المحارب هو من يفعل ما تقدم من غصب أموال الناس وإشهار السلاح ولكنهم لم يشترطوا أن يكون ذلك في صحراء بل لو فعله في مصر لكان محارباً أيضا.

أما المالكية فقد عرفوه بأنه قاطع الطريق الذي يمنع الناس من سلوكها هذا العنصر يكفي لاعتباره محارباً يقول خليل ” المحارب قاطع طريق لمنع سلوك”.

الوصف الثاني : المحارب هو الذي يأخذ مال مسلم أو غير مسلم “معاهد” على وجه يتعذر معه الغوث كما يقول خليل أيضا.

وصف ثالث : من يقدم المسكرات أو المخدرات للناس ليأخذ ما معهم من الأموال.

وصف رابع : من يخادع الصبيان أو غيرهم لأخذ ما معهم .

وصف خامس : من يهاجم الناس في ليل أو نهار في الشوارع الضيقة أو في منازلهم ويقاتلهم لأخذ مالهم .

وصف سادس : من يعتدي على الأبضاع : الفروج بالقوة بشكل من الأشكال السابقة فهو محارب .

هذه الأوصاف الستة كل واحد منها يكفي لوصف الجريمة بأنها جريمة حرابة والقتل غيلة يعتبر حرابة هذا مذهب مالك .

عناصرها الأساسية هي : إخافة الطرق ترويع الآمنيين الاعتداء عليهم في ظروف غير عادية في بيوتهم أو في الشوارع الضيقة أو المهجورة أو الاغتصاب أو سقي المسكر وتقديم المخدر سواء قطع طريقا أو لم يقطعها.

 

2- جريمة البغي أو البغاة أو الباغية : فالأول مصدر لبغى يبغى إذا طغى وظلم واعتدى قال تعالى ( وإن كثيراً من الخلطاء ليبغى بعضهم على بعض) .

قال الشاعر:

 

وإن الذي يبغى على الناس ظالما      تصبه على رغم عواقب ما صنع

 

وبغى سعى بالفساد أيضا واسم الفاعل باغ وجمعه بغاة وإذا كان وصفا لمؤنث كفئة قلت فئة باغية تلك التصاريف اللغوية هي أصل اصطلاح الفقهاء فقد عرفه الفقهاء بأنه الخروج على الإمام الحق بغير حق .

وعرفه ابن قدامة في المغنى بأنهم ” قوم من أهل الحق يخرجون عن قبضة الإمام ويرومون خلعه لتأول سائغ وفيهم منعة يحتاج في كفهم إلى جمع الجيش فهؤلاء هم البغاة “.

وجمهور العلماء على أن البغي هو الخروج على طاعة الإمام الحق بتأويل ممن له شوكة وكذلك الامتناع من أداء حق واجب يطلبه الإمام .

عناصر هذا التعريف هو خروج على الطاعة وأنها طاعة الإمام الحق وأن يكون الخارج متأولا وأن يكون الخارج جماعة لهم شوكة .

ولكن كيف يتجسد الخروج على الإمام ؟ هل لا بد أن يقوموا بفعل مخل بالأمن كالتعرض لحرمة أهل العدل أو يتظاهروا على خلع الإمام الذي انعقدت له البيعة كما يفيده الماوردي أو يكفي أن يخرجوا فقط مع إظهار الغلبة وإن لم يوجد إخلال فعلي بالأمن وهذا ما يراه الرملي الشافعي قائلا : إن بقاءهم تتولد منه مفاسد قد لا تدرك ما داموا قد خرجوا عن قبضة الإمام وتهيئوا للقتال “.

وهذا ما استظهره بعض المالكية كما يفيده الزرقاني قائلا : والمراد بالغلبة إظهار القهر وإن لم يقاتل كما استظهره بعض”.

من هو الإمام الحق ؟

 هو من انعقدت له البيعة كما يفيد الماوردي لكن ابن قدامة يوضح بأنه من ثبتت إمامته ببيعة أو عهد من إمام قبله أو تغلب”.

أن يكون الخروج بتأويل وإلا كان محارباً كما يقول ابن قدامة وغيره وسنرى موقف المالكية من هذا الشرط والذي بعده كما أنه يجب أن يكون الخارج جماعة ذات شوكة فإن كانت فئة قليلة كالواحد والاثنين إلى العشرة فهؤلاء أيضا قطاع طريق.

إلا أننا مرة أخرى سنتوقف مع تعريف المالكية الذين توسعوا في مفهوم البغي فوسعوا جيوبه وسحبوا ذيوله على عناصر ليست مشمولة بمفهوم البغي عند الجمهور فقد عرفه خليل المالكي بقوله “الباغية فرقة خالفت الإمام لمنع حق أو لخلعه”. يقول شروحه : لا مفهوم لفرقة فالواحد إذا خرج يعتبر باغياً.

والإمام ولو كان جائراً لا يجوز الخروج عليه قال عياض جمهور أهل السنة من الحديث والفقه والكلام أنه لا يخلع السلطان بالظلم والفسق وتعطيل الحقوق ولا يجب الخروج عليه بل يجب وعظه .

ولا فرق بين ولي أمر المسلمين ونائبه عند المالكية كما يفيده ابن عبد السلام المالكي .

قلت : قد ينطبق تعريف الإمام على من يصلون إلى الحكم عن طريق الانقلاب العسكري لأنهم في حكم المتغلب بشروط أن يستتب الأمن على أيديهم فإذا لم يستتب الأمن فلا يعتبر إماماً كما يفيده التغلب .

الشرط الثاني : أن لا يكفر كفراً بواحاً بتصريح بكلمة الكفر وهو أمر في غاية الصعوبة إثباته فيحكم له بحكم الإسلام فيما عدا ذلك .

كما أن المالكية لا يشترطون أن يكون الخارج متأولا بل كل من يخرج عن طاعة الإمام فهو باغ فاتضح من مذهب مالك رحمه الله تعالى توسعه في مفهوم البغي فكل خروج عن طاعة الإمام أو نائبه بمغالبة ولو كان الإمام جائراً أو فاسقاً سواء كان الخارج جماعة أو فرداً وسواء كان متأولا أو غير متأول فهو بغي فهي تماماً جريمة في المصطلح الحديث عقوبة البغي هي القتال والقتل مع منح الإمام صلاحيات واسعة لتقدير الظروف وتدبر الأمور وعلى ضوء المصلحة ينزل العقوبة الملائمة . عبر بعض بوجوب قتال البغاة كقول ابن قدامة : فمن خرج على من ثبتت إمامته بأحد هذه الوجوه: البيعة – ولاية العهد – التغلب وجب قتاله”.

 

3- جريمة الفساد في الأرض : وهذه جريمة تفرد المالكية بها بدون أن يذكروا  لها حداً جامعاً مانعاً فإن أمثلتها تشير إلى أن كل ما يثير الفتن ويؤدي إلى المحن يمكن اعتباره جريمة فساد في الأرض توقع عليها أشد العقوبات باجتهاد ولي أمر المسلمين .

المثال الأول : من يستبيح دماء الناس وأموالهم ويكفر العموم ولو لم يقم بأي عمل مخل بالأمن يعتبر مجرماً جريمة فساد في الأرض .

كذلك فإن الجاسوس الذي يتجسس لفائدة العدو ولو كان مسلماً تعتبر جريمته فساداً في الأرض فيحكم بقتله .( ابن فرحون   تبصرة الحكام 2/302)

وخالفه الأئمة الثلاثة في ذلك فلم يجيزوا قتله ففي كشاف القناع ” وإن تجسس لم يقتل”.

إن الإشكال الذي كان ولا يزال يواجه المسلمين والعرب هو : كيف نميز بين جريمة الإرهاب وأعمال المقاومة الوطنية المشروعة ضد البغي والاحتلال أو الدفاع المشروع كذلك الجاري في فلسطين ضد القرصان الإسرائيلي الكبير إن ذلك يقتضى منا أن نلح على أهمية الدوافع في ميزان العدالة الذي لا يسمح بإعطاء الجلاد صفة الضحية والظالم وضع المظلوم.


وانطلاقاً مما تقدم فإني أقترح تغيير مصطلح هذه الجريمة فإن الإرهاب في اللغة كما يقول الزبيدي : الإزعاج والإخافة ولكنه قد يكون من أمر بسيط كما يكون من أمر عظيم ثم إنه ليس وصفيا بمعنى أنه لا يصف الأعمال الناشئ عنها الخوف والانزعاج .

كما اقترح صياغة تعريف الجريمة وتوصيفها على ضوء جريمتي الحرابة والبغي والتطور في الفكر القانوني الناشئ عن الممارسة ودمج بعض الجرائم المنظمة الأخرى كترويج المخدرات التي تعتبر حرابة عند الإمام مالك ليكون مصطلح الفسادأي الأعمال العنيفة التي ترمي إلى التدمير والإفساد وترويع الآمنيين بقتل الأبرياء وتدمير المنشآت وترويج المخدرات وكذلك الأعمال العنيفة التي تقوم بها العصابات ضد السلطة الشرعية لخلق جو عام من العصيان يشل النشاط العام ويخوف المدنيين أو لقلب النظام الشرعي القائم .

إن هذا التعريف في رأيي يستجيب للهموم التي يشعر بها المتعاطي مع قضية الأمن وينطلق من أرضية الفقه والتراث والبيئة العقدية للأمة كما أن مصطلح “الإفساد” هو مصطلح واضح يفهمه المثقف والعامي على السواء .

وهذه الشريعة المباركة تتسع لوصف كل جرم وتطبيق العقوبة الملائمة وهي بعموماتها وتفاصيلها وتفريعاتها محكماتها ومؤولاتها بالإضافة إلى آراء مختلف المذاهب التي تشكل ثراء وتكاملا وكمالا تشكل مصدراً فقهياً لا يفنى ومعيناً لا ينضب ولا يذوي من قبل عزائمها بذلت له رخصها ومن آمن بوعيدها قدمت له وعدها في ظلال الأمن والأمان ذلك ما يجب أن  يعيه أبناؤها ليعودوا إلى أحضانها الحانية ويقتطفوا من قطوفها الدانية .

2- يجب إصدار إدانة قوية للإرهاب الذي هو ظاهرة كما يقول مراد هوفمان :

 تحكمها عوامل مختلفة منها المحليُّ والسياسي لكن الإسلام بريء من الإرهاب لا يقرّه ولا يدعو إليه فالعكس هو الصحيح ..

غاية الأمر أن تزن بين ذلك وبين استعداد الآخرين للعنف ظناً منهم أيضا بوجوب اليأس من المسيحية التي خيبت ظنهم وإلى هؤلاء ينتمي أتباع “جماعة التحرير الديني لجنوب أمريكا”. وحروب العصابات في مدن شمال إيرلندا وأعضاء “جناح الجيش الأحمر”الألماني والإرهابيون الفرنسيون في حزب”التعامل مباشرة : اكتسيون ديركت والإرهابيون الإيطاليون في الهيئات الحمراء : بريجاته روسّي ومع ذلك فإن ظاهرة وجود تيار داخلي إسلامي مستعد للعنف أمر معروف يجب أن نتخذ موقفاً منه”.

3- دعوة الغرب إلى كلمة سواء لمعالجة ظاهرة الإرهاب والفساد في الأرض إن العالم الإسلامي – وهو يدين الإرهاب بشدة وقوة- مدعو لتقديم مشروع متماسك ولإقناع  الغربيين به حتى لا يكون ضحية المشروع الغربي وحتى يحد – على الأقل- من خسائر معركة لا تلوح في الأفق نهايتها .

1- يجب أن يحدد المشروع الإسلامي مفهوم الإرهاب فما هو الإرهاب الإجرامي؟ وما هو السلوك الإرهابي ؟ على ضوء ما ذكرنا .

فالدفاع المشروع في فلسطين يجب أن يعرف بأنه ليس إرهابا إجراميا في المشروع الإسلامي يجيز بل يلزم في أحيان كثيرة المسلم أن يدافع عن نفسه ودينه وأرضه وهذا هو الوضع في فلسطين الذي يجب التأكيد عليه.

 كما أن الدعوة إلى الإسلام والتعليم الديني وممارسة الشعائر وغيرها من المظاهر الدينية لا يمكن أن توصف بأنها سلوك إرهابي .

2- وبالنسبة لتجفيف المنابع المالية فإن الهيئات الإسلامية الإغاثية و الأفراد الذين يبذلون جزء من أموالهم لهذه الهيئات أو يقدمونها مباشرة لمؤسسات تعليمية أو مساجد أو مراكز إسلامية أو للأيتام أو الفقراء في العالم كله لا يمكن أن تكون موضع مساءلة بناء على أنها تقوم بأداء وظيفة دينية ففريضة الزكاة في الإسلام تعتبر الركن الثالث بين الأركان الخمسة للإسلام والمسلمون  يجب عليهم بنص القرآن الكريم أن يوزعوها على مصارفها .

3- وفى المقابل على المشروع الإسلامي أن يعرف أن الإرهاب ليس مرادفا للجهاد فالإرهاب يختلف عن الجهاد شكلا ومضمونا

 الإسلام يدعو إلى السلام والتعايش وذلك مؤصل من القرآن والعالم الإسلامي مستعد لغرس ثقافة السلام .

فالجهاد في الإسلام هو حرب دفاعية يعلنها الأمام أي أنها حرب بين دول لرد عدوان كما هو نص القرآن الكريم ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ..) فلا يمكن لفرد ولا لجماعة أن تعلن حربا أو تقوم بعمليات من أعمال الحرب وليس الجهاد لإرغام الناس على اعتناق الدين الإسلامي كما يقول وبتفصيل ووضوح شيخ الإسلام ابن تيمية .

 فعلاقة المسلم مع الآخر هي علاقة سلام كما يدل عليه كلام ابن تيمية حسب عبارة الشيخ أبو زهرة .

 بل إن العلاقة علاقة بر ووفاء وقسط كما تدل عليه آية الممتحنة .

 إنها معان غائمة في أذهان الغربيين قد أكدناها في روما في اجتماعنا مع القيادات الكنسية  . ولعلها غائمة في أذهان بعض المسلمين.  

 يجب على العلماء والقادة أن يوصلوا إلي هولاء هذه الثقافة ثقافة التعايش وثـقافة المصالح والنظر إلى المئالات الذي يمثل أهم قاعدة في الفكر الاستراتيجي للإسلام.

 فالإسلام دين العقل والحكمة فلا يدعو أتباعه لدخول حروب بلا هدف و لا مصلحة فالمسلم عليه دائما أن ينظر في هدف عمله وغايته .

 وبخاصة أن هذه الحروب والضربات والتفجيرات في العالم الإسلامي إنما تمثل خدمة مجانية للمتربصين بالدول الإسلامية وتبرر مزيداً من التدخل الأجنبي والتحكم في حاضر الشعوب ومستقبلها ومصائرها وفرض الإملآت الأجنبية عليها.

 وهكذا كانت الأوامر في العهد المكي رغم كل الاضطهاد أن لا يقوم المسلمون بأي عمل انتـقامي كما هو معروف في كتب السيرة حتى كانت لهم دولتهم بالمدينة فردوا العدوان ويقول ابن تيمية إن كل حروبه عليه الصلاة والسلام كانت رداً لاعتداء .

 فلا قتل للقتل ولا قتل للانتقام ولا قتال ضد الأبرياء وضد من لم يقاتل ولهذا ضبطت هذه الأمور في الشرع بنظام ترعاه سلطة وبدون ذلك ستقوم حروب بدون حسابات وبدون أهداف وبدون تقدير لمصالح العباد والبلاد من الجهات المخولة شرعا وواقعيا بذلك.

 

 إنها ثقافة تعايش نقدمها لأنفسنا وللآخر نلزم بها أنفسنا طوعا وامتثالا لديننا ونطلب من الغير أن يلتزم بها .

4- إن من حقنا أن نطلب من الغربيين الشفافية في قضية الاتهام الموجه إلى الأفراد أو الدول لأهمية البينة في الشريعة الإسلامية وفى كل الشرائع السماوية والنظم البشرية فالإنسان بريء حتى تثبت إدانته .

5- إن المشروع الإسلامي يجب أن يؤكد على قاعدة عدم أخذ البريء بالمجرم وهى القاعدة القرآنية التوراتية الإبراهمية بنص القرآن ( أم لم ينبأ بما في صحف موسى و إبراهيم الذي وفى ألا تزر وازرة وزر أخرى )

 وهى قاعدة تعترف بها كل الشرائع والقوانين الدولية .

6- إن المشروع الإسلامي يؤكد على احترام القانون الدولي في سيادة الدول في حال ما إذا وجه الاتهام إلى أفراد أو جماعات ينتمون إلى دولة معينة أو يوجد تحت سيادتها فهذه الدولة هي وحدها التي من حقها أن تقوم بعمليات التحقيق والمحاكمة مع إبلاغ الجهة المتضررة بالنتائج التي تتوصل بشفافية ووضوح

 ولهذا فإن معالجة موضوع الإرهاب تحت مظلة الأمم المتحدة ستكون له أهمية كبرى لحل العقد القانونية والأمنية والنفسية التي ستنشؤ من تنصيب دولة لنفسها مهما كانت قوتها للتدخل المباشر لما سيسبب من زعزعة الأمن وربما من تهيئة أجواء للإرهاب أكثر ملائمة .

7- أهمية معالجة المظالم في العالم حتى تجتث جذور الإرهاب وتهيأ الظروف لعالم أكثر سلاما وطمأنينة لأنه أكثر عدلا و إنصافا .

 وبخاصة الظلم والجور الصارخ في فلسطين والحروب الدائرة في العراق وأفغانستان .

إن هذه النقاط السبع يمكن أن تكون أساسا لمشروع إسلامي كامل لمكافحة الإرهاب يقوم على الوضوح والعدل والشفافية .

 ومن شأن هذا المشروع أن يجعل كل الأطراف تتصرف بطمأنينة وثقة متبادلة تقضى على الإرهاب الإجرامي وإرهاب الدولة أيضا.

 ومن شأن إهمال هذه الموضوعات الحيوية وترك الأمور في داخل العالم الإسلامي وخارجه في مهب رياح أجواء الحروب وتوتراتها والاتهامات الغامضة ضد مجموعات تعيش في الظلام الدامس .

 كل ذلك سينشأ وضعا أمنيا مزعزعا وحالة اجتماعية معكرة ووضعا من الكساد الاقتصادي. 

من جهتنا تـثـقيف شبابنا الذين لم ينجرفوا في تيار وتـفقيههم في أمر دينهم وإيصال رسالة العقل والمصلحة إليهم وإبلاغ الآخرين حقيقة ديننا التى يجهلونها .    

     إن جهود العلماء يجب أن تتظافر في اتجاه الوسطية والاعتدال والانخراط في سلك المشروعية .

وفي الختام أحييكم إخواني هنا في هذا المؤتمر واسأله سبحانه وتعالى لنا ولكم التوفيق والسداد والتسديد والرشاد.

 

Comments are closed.