مفهوم الجهاد في الإسلام


 
مفهوم الجهاد في الإسلام

محاضرة القيت للجالية الاسلامية في بريطانيا سنة 2007م

إن هذه الكلمة الجميلة كلمة الجهاد كلمة بالغ فيها البعض إفراطا وتفريطا  

لعلنا في هذه الكلمة نتطرق باختصار أولا : إلى مفهوم الجهاد لغة واصطلاحا ومبرارته في القرآن الكريم

ثانيا: بعلاقة المسلم بالآخر

ثالثا: بالثقافة التي ينبغي أن نلقنها أجيالنا الصاعدة في دار المهجر

   الجهاد هو مصدر من جاهد جهادا ومجاهدة ومعناه استفراغ الوسع أي بذل أقصى الجهد للوصول إلى غاية في الغالب محمودة .

 وهو في الإسلام كما يقول الراغب في مفرداته يغطي ثلاث ميادين أو هو على ثلاثة أضرب حسب عبارته :

1-  مجاهدة العدو الظاهر.  2- مجاهدة الشيطان.   3- مجاهدة النفس .

والمعنيان الأخيران وردا في أحاديث منها ما رواه الأمام أحمد في مسنده وأبو داود في سننه عن فضالة عن عبيد أنه صلى الله عليه وسلم  قال : والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله عز وجل.” وهو حديث حسن .

 وقد جاء في حديث ضعيف رواه البيهقي عن جابر أنه عليه الصلاة والسلام قال- عند عودته من آخر غزوة له تبوك : رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر .

 وفسره بمجاهدة الهوى وخدمة الوالدين جهاد قال عليه السلام : ففيهما فجاهد.”

أما المعنى الأول وهو جهاد الناس فهو المعنى الأكثر انتشارا وهو جهاد غير المسلمين الذي يعني عمليات القتال والحرب والذي وردت فيه آيات كثيرة وأحاديث في فضله وشروطه وضوابطه وكانت  له ممارسات في التاريخ بين المسلمين وغيرهم لا تزال أصداؤها تتردد في أسماع التاريخ ومازالت إلى يومنا هذا موضوع أخذ ورد إفراطا وتفريطا وإعجابا وشجبا فكم من أناس برروا حروبا عدوانية ومطامع دنيوية بدعوى الجهاد وكم آخرون فرطوا في الجهاد فتقاعسوا عن ردِّ العدو ونكصوا عن مقارعة العدو فكانت النتائج وخيمة وكم حركات غير منضبطة بضوابط الجهاد شوهت سمعت الإسلام وأورثت المسلمين عنتا وضياعا .

 وكم متجنٍ على الإسلام معتبرا أن الجهاد لا ينتظر مبرراً وأنه دعوة إلى القتال الدائم ضد غير المسلمين كما يقول القس هانز فوكنج في مقاله المنشور بجريدة ألمانية في فرانكفورت 1991م كما يحكيه مراد هوفمان .

وأمثال هذا في المقالات الاستشراقية كثير وهم بذلك يبررون حرباً عدوانية ضد المسلمين لتمدينهم وجعلهم مسالمين.

 والحق أن مفهوم الجهاد في الإسلام ليس مرادفا دائما للقتال فالجهاد مفهوم واسع فهو دفاع الحق ودعوة إليه باللسان وهذا هو المعنى الأول قال تعالى: ( وجاهدهم به جهاداً كبيراً ) في سورة الفرقان أي بالقرآن الكريم أقم عليهم الحجة وقدم لهم البرهان تلو البرهان ومعلوم أن تلاوة القرآن لا تتضمن أعمالا حربية فليس كل جهاد قتالا وليس كل قتال جهادا والجهاد دعوة إلى الحرية .

 إلا أن الجهاد قد يكون أعمالاً حربية كما أن هناك أعمالاً حربية    ولهذا قسم ابن خلدون الحرب إلى أربعة أنواع وذلك حسب دوافعها قائلا: إن أصل جميع الحروب إرادة الانتقام نوعان منها حروب بغي وفتنة : حرب المنافسة (التوسع) وحرب العدوان التي تقوم بها الأمم المتوحشة .

 ونوعان عادلان : حرب غضب لله تعالى ودينه وهي جهاد .

وحرب على الخارجين عن السلطان وهي حرب للعناية بالملك كما سماها.

 وبناء على الآيات العديدة في مختلف الفترات وهناك آيات أخرى ( يأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم )   73)

 ( فإذا الأشهر الحرم فأقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) التوبة 5)

ومن يراجع أسباب النزول وتاريخ تطور النزاع بين الإسلام وخصومه يمكن أن   أنه لا تعارض بين هذه الآيات والآيات التي تحدد هدف القتال بأنه دفاعي وأنه لا يجوز اقتطاع الآيات عن سياقها الكلي كما يحاول المستشرقون وتلاميذهم أن يفعلوه .

 وبهذا المنطق يمكن اعتبار المسيحية دين حرب إذا حكمنا عليها من خلال الفقرة 24 الواردة في إنجيل متى الإصحاح العاشر مما نسبه إلى سيدنا عيسى عليه السلام ( لا تظنوا أني جئت لألقى سلاماً على الأرض ما جئت لألقى سلاما بل سيفاً) .

 فالحرب في الإسلام إنما هي حرب دفاعية وليست لإجبار الناس على الدين

 وقال ابن تيمية : إن الحرب الإسلامية إنما هي حرب دفاعية لأن أصل العلاقة مع غير المسلمين هي المسالمة . وأن غزوات النبي صلى الله عليه وسلم   ترجع إلى هذا المعنى عند التأمل .

 دفاعا عن المسلمين والمستضعفين وليست هجومية بلغة العصر وإنما كانت لإنقاذ المستضعفين وقد شرح الشيخ الجليل أبو زهرة – في كتابه ابن تيمية – وجهة نظر شيخ الإسلام ابن تيمية شرحا ضافياً .

 وكذلك أشار العلامة الشيخ الطاهر بن عاشور رحمه الله تعالى إلى ذلك عند قوله تعالى ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ) أنه تنبيه على أن القتال المأذون فيه هو قتال جزاء على اعتداء .

 وقال في آخر شرحه : وكان هذا شرعاً لأصول الدفاع عن البيضة .

وقد نبه ابن عاشور على أن غزوة تبوك إنما كانت رداً على هجوم محتمل من الروم بالشام كما يدل عليه حديث عمر في الصحيح عندما جاءه أخوه من الأنصار في بيته في وقت لم يكن يأتيه فيه فقال عمر أجاء صاحب غسان لأنهم كانوا يتوقعون غزوا من أحد ملوك غسان بالشام مدعوما من الروم .

 وقد اختلف العلماء في وجوب الجهاد فقال كثير من العلماء إنه فرض كفاية وقال بعض العلماء كالإمامين ابن أبي شبرمة والثوري و أبي عمر بن عبد البرِّ ليس واجبا

 الطلب .. وهو جهاد يقرره الخليفة ( السلطة) لردع الدول المجاورة للدولة المسلمة عن التفكير بالإخلال بالأمن على الحدود وليس من شرطه وقوع حرب بل تهديد واستعراض للقوة وإعداد للقوة وتمرين للجيوش وليس الغرض منه إجبار الناس على تغيير دينهم بل في غالب الأحوال على معاهدات لتأمين الحدود وحسن الجوار وبالتالي ليصبح الجار دار هدنة وصلح وعهد وليس دار حرب وهو أمر سلطاني لا دخل للإفراد والجماعات إلا بحكم كونهم جيوشا أو أعضاء في المجتمع بحيث عليهم أن يؤدوا خدمتهم العسكرية إذا صدر إليهم الأمر” وإذا استنفرتم فانفروا” كما قال عليه الصلاة والسلام .             

وإذا كان هذا مرغبا فيه فلأن الإسلام يعتبر كل أعمال الإنسان الهادفة التي تدعو إلى الخير طاعة لله .

ولم يتحرك المسلمون في جهاد طلب منذ أكثر من ثلاثمائة سنة تقريباً منذ إنتهاء حصار عن فينا 1683م وبعد ذلك كانت مستعمرات الخلافة في البلقان واليونان تثور من وقت لآخر بل كل قتالهم كان في بلادهم وعلى أرضهم  

 وهذا يشبه ما ذكر في المواد الأولى من ميثاق الأمم المتحدة ( يراجع المحمصاني) حول المحافظة على الأمن العادل

أما الجهاد الدفاعي فهو محل اتفاق وهو الذي تشير إليه الآيات القرآنية العديدة مبينة أسبابه وهو الظلم المتمثل في الطرد عن الديار والحجر على الحرية الدينية ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ) الآية الحج 29)

وهذه الآية يعتبرها المفسرون أول آية نزلت في القتال  يقول ابن هشام في سيرته  في شرحه لسبب نزول هذه الآية : بسم  الله الرحمن الرحيم قال : حدثنا أبو محمد عبد الملك بن هشام قال:  حدثنا زياد بن  عبد الله البكائىّ عن محمد بن إسحاق المطلبي : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم   قبل بيعة  العقبة لم يُؤذن له في الحرب ولم تحلل له الدماء إنما يؤمر بالدعاء إلى الله والصبر على الأذى والصفح عن الجاهل وكانت قريش قد اضطهدت من اتبعه من المهاجرين حتى فتـنوهم  عن دينهم ونفوهم من بلادهم فهم من بين مفتون في دينه ومن بين   معذب في أيديهم وبين هارب في البلاد فراراً منهم . منهم من بأرض الحبشة ومنهم من بالمدينة وفي كل وجه فلما عتت قريش على الله عز وجل وردّوا عليه ما أرادهم به من الكرامة وكذبوا نبيه صلى الله عليه وسلم   وعذبوا ونفوا من عبده ووحده وصدق نبيه واعتصم بدينه أذن الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم   في القتال والانتصار ممن ظلمهم وبغى عليهم فكانت أول آية أنزلت في إذنه له في الحرب وإحلاله له الدماء والقتال لمن بغى عليهم فيما بلغني عن عُروة بن الزبير وغيره من العلماء قول الله تبارك وتعالى: ( أُذن للذين يُقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أُخرجوا من ديارهم بغير حقّ إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامعُ وبيعُُ وصلواتُُُ ومساجدُ يذكر فيها اسم الله كثيراً  ولينصُرنّ الله من  ينصُرهُ إن الله لقويُّ عزيزُ الذين إن مكنّاهُم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور )

أي أني إنما أحللت لهم القتال لأنهم ظلموا ولم يكن لهم ذنب فيما بينهم وبين الناس إلا أن يعبدوا الله وأنهم إذا ظهروا أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر يعنى النبي صلى الله عليه وسلم   وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين .( ابن هشام : السيرة النبوية 467)

والسبب الآخر هو إنقاذ المستضعفين وإسعافهم وهذا ما تشي إليه آية سورة النساء ( وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها وأجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً )

 والسياق الثالث  : رد العدوان

( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ) البقرة19)

  وقد اعتبرها ابن جرير أول آية نزلت في القتال ومعناها ليس أن تشن حرباً فعليك ردُّ عدوانه وذلك في سبيل الله لأنك تدافع عن نفسك وأنت مظلوم فأنت على حق .

 وفي هذا المعنى من رد العدوان وإيقاف الظالم عند حده دون زيادة ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ) النحل

( ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير حق أولئك لهم عذاب أليم ولمن صبر وغفر إن ذلك من عزم الأمور )

 نلاحظ في الآيتين الأخيرتين الإشادة بفضيلة الصبر والتسامح بعد الإذن  بالدفاع ضد الظالم وعدوانه .

هذه الحرب التي تخضع لكل معايير الفضيلة – ردّ على العدوان.لا إفراط فيه في استعمال القوة. إسعاف للضعفاء. إفساح المجال للحرية الدينية – لها ضوابطها الشديدة في الحفاظ على المدنيين والضعاف والعمال الفلاحين والأجراء ورجال الدين والنساء ما كانت هذه     

 والحافظة على الأشجار المثمرة وعلى الحيوانات والمنع من حرق الغابات وإيذاء غير المقاتلين واحترام المعاهدات احتراما شديدا حتى ولو كانت في بعض الأحيان تبدو مجحفة إنها حرب نظيفة – فيها قيادة واحدة وليست لعبة دموية يقوم فيها الجيش بفتل من يشاء وينهب ما يشاء ويهجم ويغير على من يشاء

  إنها حرب ضرورة إنها بلغة العصر حرب يؤيدها القانون الدولي والمعاهدات الدولية ميثاق الأمم المتحدة فلنقرأ في المادة 51 ما يلي :

 

اتفاقيات حلف شمال الأطلسي في المادة الخامسة : تعتبر أطراف  الإتفاقية أن أي هجوم عسكري ضد أي منها يقع في أوربا وأمريكا الشمالية موجهاً ضد جميع الأطراف وتعتبر في حالة وقوع ذلك أن كل واحد منها يمارس حق الدفاع المشروع فردياً وجماعياً المعترف به  “الدفاع الشرعي” في المادة الحادية والخمسين من ميثاق الأمم المتحدة يساعد كل منهم الآخر فرديا أو باتفاق الأطراف في أي

أما أنتم هنا في الغرب فجهادكم هو العمل بجدية لتحسين صورة الجالية المسلمة والعمل على منع الجريمة ومكافحة المخدرات وتربية أولادكم تربية سليمة أوصلوا إليهم القيم الدينية وهذه المشكلة الأساسية لكل الجاليات في العالم والإحسان إلى جيرانكم من غير المسلمين وإبراز محاسن الخلق الإسلامي الجميل من أداء الأمانة وإتقان العمل في المصانع والكلمة الطيبة ومساعدة الضعفاء وإسعاف المرضى  مهما يكن دينهم هذه أخلاق الطائفة المسلمة في مكة نحن نعيش في العهد المكي .

( التوازن في الشخصية وهو توازن يحترم العزة والشجاعة ولكنه يستبعد التهور واللامنطقية والفوضى وهذا هو الاعتدال .

 عليكم أن تندمجوا الاندماج الواعي وأن تكونوا في حلف الفضول أن تشجعوا الأخلاق بل أقول القيم الجمهورية أن تدافعوا عن حقوق الإنسان أن تتبنوا أجمل ما في هذه الحضارة من ديمقراطية وحقوق إنسانية ومدنية وتضامن وتكافل وتقدموا لهم أحسن ما عندكم بالحكمة والموعظة الحسنة وإن المسلم الجيد هو المواطن الجيد.

 إن التعددية الفكرية والعلمانية في مفهومها الأصلي هي الجمهورية التي توفر التعايش للمقيمين على هذه الأرض .

 لا تنسوا حديث فديك يفديك…..

 حسنوا علاقاتكم بالمجتمع عيشوا همومه الأمنية والاقتصادية بذلك تبرهنوا أنكم منه فعلا وهذا لا يمنعكم من التضامن مع القضايا العادلة في العالم العربي والإسلامي كقضية فلسطين فساعدوها بالمال والدعاية دون إخلال بالأمن في بلدكم  بل عليكم أن تكسبوا الشعب الفرنسي والحكومة والبرلمان والشعوب الأوربية .

 فجهادكم الدقيق هو أن تحافظوا على أخلاقكم الإسلامية وشعائر دينكم وأن تتعلموا دينكم وتعلمون أبناءكم دون أن توقظوا العنصرية والعداء وأن تندمجوا في الحضارة وأن تكونوا على وفاق مع النظام العام في هذا البلد عليكم أن تدرسوا القوانين في هذا البلد

المرأة قال تعالى ( من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى …..)

وقال تعالى (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) فأثبت الولاية المتبادلة .

وجاء في الحديث : النساء شقائق الرجال “.

 ولهذا قال الإمام الشاطبي إن الرجل والمرأة متساويان في أصل التكليف ومفترقان في التكليف اللائق بكل واحد منهما كالحيض والنفاس.

 وهناك مساواة في الميراث في آية أخوة الأم ( وإن كان رجلا يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث )

 والمرأة تجب نفقتها على زوجها إن كانت زوجة وعلى ابنها إن كانت أماً .

وشهادة المرأة قد تكون بشهادة الرجلين في المسائل المختصة بها عند بعض الأئمة كالإمام احمد .

 ولهذا فنهيب بالناقدين أن ينظروا إلى الشريعة الإسلامية كوحدة واحدة وأن يهتموا بتفسير علماء المسلمين الذين يمثلون المرجعية المعتبرة 

 

Comments are closed.