وما هي الغاية من التواصل؟ (2)
تحدثنا في المقال السابق، وسنتحدث في بعض المقالات اللاحقة، عن هموم وشجون التواصل بين الحضارة الاسلامية والحضارات الاخرى.
وفي هذا المقال نسأل: ما الغاية من التواصل؟!
إن الغايةَ من هذَا التواصلِ هو البحثُ عن نقاطِ الالتقاءِ عن طريقِ المنطقِ والعقلِ والفهمِ ، للوصولِ إلى أرضيةٍ مشتركةٍ تعتمد على المصالح المتبادلة، تكشف عن زيف رواسب التعصب التي تشوه صورة الإسلامِ والمسلمين.
والغاية الأخرى هي المثاقفة، والتلاقح الفكري الذي يسمح بالتأثُّر والتأثير، وليحلَّ التسامح محلَّ نظرة الاستعلاءِ والتفوقِ لدى قطاعٍ كبيرٍ من قادةِ الفكر في الغرب، وهي نظرة تتلخص في إقصاء الآخر، كما شرحتها الكاتبة الفرنسية صوفي بسيس في كتابها «الغرب والآخر».
كما أن من شأنه أن يخفف غلواء دعاة صدام الحضارات ويزيل النظرة الغالية لدى قطاع من المسلمين يعتبر الغرب كله شيطاناً ميئوساً من صداقته مردوداً على كل أطروحاته حتى ولو كانت مفيدة للإنسانية.
ونتيجة لهذه النظرة الاستعلائية يحاول الغرب جاهدًا أن يفرض رؤيته على الآخرين، ولا يعترف بحقِّ التنوعِ والاختلافِ، ومن لم يقبلْ بذلكَ فهوَ من معسكر الشرِّ ، لأنَّ العالمَ ينقسم إلَى أخيار وأشرار.
وعلى هذا الأساس تقوم فكرة صراعِ الحضارات التي تعتبر الإسلام هو الحضارة الوحيدة التي لا تزال العصيَّة على الاحتواء الغربي وعلى الحداثة. كما يقول فوكوياما، وهو لا يختلف في ذلك عن صاموئل هانتنغتون.
إنَّ الإيحاءَ بحتمية الصدامِ نتيجةَ تنوُّع الحضاراتِ إنما هو دليل على فشلِ إحدى الحضارتينِ في أنْ تدركَ أهميةَ الاعتراف بحّق التنوع وهو الحق الذي سيكونُ أساسًا للحوارِ ووسيلةَ التعارف.
وهكذا فإنَّ مفهومَ التواصل يتقدَّم ليواجه مفهوم الصِّدام، ولقد اخترعت بعض الدوائرِ الغربية ما سمَّته «الحوارِ النقدي» مع بعض الدول الأخرى.
فالهدف الأسمى من الحوار والتواصل هو إيجاد خرْقٍ في جدار هذا التصور الغالي المتطرف، الذي لن يؤدِّي إلاَّ إلى تطرِّف وغلوٍّ وصدام، ففي المثل: من يزرع الريح لن يحصد إلاَّ العاصفة.
إنَّ أوضح مثالٍ على هذا التباينِ هوَ موقفُ الكثيرِ منَ المثقفينَ في الغرب منَ الرسومِ الراميةِ إلى الإساءةِ إلى صورةِ سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإنَّهم إذَا لمْ يؤيدوا الإساءةَ صراحةً فإنَّهم يمتعضون منْ ردِّ فعل العالمِ الإسلاميِّ، ويعتبرون أنَّ ما تقوم به الصحيفة أمرٌ طبيعيٌّ يدخل في حرية التعبير.
كما أنَّ سلوك بعضِ المسلمين في هذه الحادثة المتسم بالعنف لا يخدم قضية التواصل.
إن عمليةَ التواصلِ ستحاول تجاوز الحاجزِ النفسيِّ والثقافيِّ ومدِّ الجسورِ بين الحضارات، لتقديم البدائل المتاحةَ عنِ الصراع الدائمِ والعقيمِ في نفسِ الوقت.
ما هي الخطوات: تتمثل هذه الخطوات في خمس، نتحدث عنها في المقال المقبل.
*المصدر:جريدة الشرق الأوسط(الخميـس 22 صفـر 1427 هـ 23 مارس 2006 العدد 9977)