رأي شرعي حول الأعمال الإجرامية المجنونة التي تقوم بها فئة منحرفة مارقة

العمليات الإجرامية في العالم الاسلامي : ثلاث جرائم – ثلاثة أخلاق – ثلاث جهات 

إن صبيغاً طلب العلم فضل سبيله” 

تلك الكلمة التي أمر عمر رضي الله عنه بالنداء بها على ذلك الرجل الذي كان يخضع لعقوبة تعزيرية من أجل أسئلة منحرفة تبذر الشك وتورث الزيغ في قلوب المؤمنين فما ظنك بطائفة تزرع الموت والدمار في ديار المؤمنين. 

إذا كانت تزعم الإسلام والجهاد فقد ضلت سبيله وسلكت سبيل “الحرابة” و”البغي” والإفساد في الأرض. 

تلك هي الجرائم الثلاث التي تتجاذب سلوك هذه الفئة وتتداخل في وصف جرمها شرعاً. 

فالحرابة إخافة الطريق وإشهار السلاح لإبتزاز الناس سواء كانوا مسلمين أو مستأمنين من غير المسلمين. 

أما المالكية فاكتفوا بعنصر الترويع في وضع يتعذر فيه الغوث في الشوارع “الأزقة الضيقة” أو في البيوت. 

وهي من الجرائم الموجهة إلى المجتمع أو جرائم الحق العام ولهذا أسندت الآية فعل هؤلاء إلى محاربة الله ورسوله تشنيعاً لفعلة المحاربين وتنديداً بسوء تصرفهم فقال في آية المائدة ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله

وهناك نكتة : أن هذه الجريمة ترجع إلى تقدير ولي أمر المسلمين الذي يقرر نوع العقوبة من بين تلك العقوبات المنصوصة. 

والنكتة الثانية: أن الأفراد المتضررين من جريمة هؤلاء لا يحق لهم العفو وليس لهم شأن في الأمر لأن الأمر كله إلى ولي الأمر. 

إنه من الواضح أن عناصر جريمة الحرابة ماثلة في اعمال هؤلاء الإرهابيين. 

الجريمة الثانية: جريمة البغي وهي عبارة عن جماعة ذات شوكة تخرج عن طاعة الإمام بتأويل. 

هذا التعريف لأكثر العلماء. 


أما المالكية فلا يشترطون أن تكون جماعة بل الواحد يمكن أن يسمى باغياً ولا يشترط أن يكون متأولا قال خليل المالكي: الباغية فرقة خالفت الإمام لمنع حق أو لخلعه”. 

ويقول شروحه لا مفهوم لفرقة فالواحد إذا خرج يعتبر باغياً. 

طبيعة الخروج: هل لا بد من أن يكونوا قد تعرضوا لحرمة الناس: دمائهم أو أموالهم أو تظاهروا على خلع الإمام أم أنه يكفي مجرد الخروج وإن لم يقع إخلال فعلي بالأمن هذا الرأي الأخير هو ما يراه الرملي الشافعي قائلا: إن بقاءهم تتولد منه مفاسد قد لا تدرك ما داموا قد خرجوا عن قبضة الإمام وتهيئوا للقتال.( نهاية المجتاج 7/386) 

قال تعالى( فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغى حتى تفيء إلى أمر الله ) سورة الحجرات. 

الجريمة الثالثة : الإفساد في الأرض وهذه بنى عليها المالكية كثيراً من فروعهم بدون أن يضغوا لها حداً مانعاً جامعاً مثالها من يستبيح دماء الناس أو أموالهم ويكفر العموم ولو لم يقم بأي عمل مخل بالأمن.( تراجع تبصرة الحكام لابن فرحون


إن تعريف الإرهاب terrorism عند الغربيين لا ينئ كثيراً عن هذه المعاني ولذا فسنذكر تعريف الإرهاب مستقى من نبعه الأصلي ومقتطفاً من منبته الغربي فيعرفه معجم روبير الصغير الفرنسي بأنه: تيار يتخذ الإجراءات الاشتثنائية العنيفية بانتظام للوصول إلى أهداف سياسية وهو أيضا مجموعة الأعمال العنيفة : الاعتداء – التدمير ..إلى آخره التي ينفذها تنظيم سياسي لتخويف الناس وخلق جو من الرعب والإرهابي هو كل عضو في منظمة من هذا النوع. 

ويعرفه معجم لاروس الفرنسي بأنه عبارة عن جملة أعمال العنف التي ترتكبها منظمة من أجل خلق جو من الرعب أو من أجل قلب نظام الحكم. 

إذا كان ذلك هو وصف اعمال هذه الفئة المنحرفة الخارجة ثلاث جرائم من أغلظ الجرائم في الإسلام فإنها تتصف بثلاثة أخلاق يدينها الشرع وينكرها الشارع هي : التنطع والغلو والتشدد. 

فقد نهى الإسلام عن التشدد في حديث أنس :” لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم“. 

ونهى الإسلام عن الغلو في الدين وهو المعبر عنه بالتطرف ففي حديث ابن عباس رضي الله عنهما عنه عليه الصلاة والسلام:” إياكم والغلو في الدين فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين“. 

ونهى عن التنطع وهو كالغلو التجاوز للحدود في الأقوال والأفعال ففي حديث ابن مسعود:”هلك المتنطعون قالها ثلاثاً. 

وهذه الألفاظ الثلاثة تعني الابتعاد عن الاعتدال في الأفكار والأقوال وكل ذلك يخالف منهج الوسطية ويؤدي إلى التعصب والفتنة وهي مصطلحات يقابلها التطرف والأصولية fundemantalism .

جهات ثلاث 

أما الجهات الثلاث التي لها مسئولية مباشرة في الوقاية والعلاج فهي الأسرة والمؤسسات التعليمية والإعلام. 

أما الأسرة التي هي المحضن الأول المؤثر في سلوك الناشئة فلها دورها البارز في التنشئة الصالحة التي تحمى أبنائها من الإنحراف الفكري والسلوكي إذ من المعروف أن التصورات الفكرية هي محرك الأرادة التي سرعان ما تتحول إلى سلوك عملي يتجاوز الفكرة إلى الأثر الفعلي. 

إن الأسرة تتحمل مسئولية عظيمة عن اصلاح الخلل وسد الثغرات الفكرية التي يعاني فيها الشباب في عصر العولمة وتدفق الأفكار المثيرة والمثورة التي ترهق الأنفوس وتعرض الجرائم وتمجد القتل والقتال. 

فعلى الأسرة أن تعلم أولادها كيف يميزون بين الحق والباطل وبين الظلام والضياء وهنا تحضرني كلمتان لخلفتين راشدين يصفان حالة الفتنة التي تتغشى البصائر فتعمى الأبصار كلمة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه لما ثار عليه الغوغاء :” أراهمني الباطل شيطاناً“.

ومعناها أن الباطل غلب على عقول هؤلاء فرأوا في خليفتهم شيطاناً فاعتدوا عليه. 

أما الكلمة الثانية فهي لخليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم أبي بكر الصديق رضي الله عنه : يا هادي الطريق إنما هو الفجر أو البجر”. 

وذلك عند موته وقد خاف على الناس أن ينحرفوا عن طاعة من عهد إليه بالخلافة ومعناها أيها الهداة ليس أمامكم إلا الضياء أو الظلام. 

فالأسرة لها دور كبير في الوقاية وفي العلاج عندما تستشعر من ابنها نفوراً عن المجتمع ونبوّا عن الجماعة فعليها أن تسلكه في طريق الصواب وتستعين بالجهات المختصة لمعالجة وضعه قبل أن يفوت الأوان ويتيه في سراديب الظلام الحالكة .

أما المؤسسات التعليمية فلها دروها الفاعل في بلورة التصورات التي تمثل مقدمة لنشوء الإرادة للافراد والجماعات فبقدر ما تكون هذه المؤسسات إيجابية وفعالة ورائدة بقدر ما تخرج جيلا من الرواد ومن الأفراد الإيجابين والعقلانيين ويكتسب طلابها المناعة الفكرية والنفسية. 

وبقدر فشل العملية التربوية ووجود خلل في إيصال الفكرة السليمة والمعلومة الصحيحة يكون الضياع والفشل حليف خريجيها مما يجعلهم أكثر عرضة لتقبل الأفكار المنحرفة والانخراط في سلك المغامرات الإجرامية والممارسات العبثية.

والمنظومة التعليمية من الإبتدائي إلى الجامعي مروراً بالمعاهد الفنية عليها مسؤلية ولها مهمة يمكن اختصارها في أنها مهمة التواصل مع عالم الطالب النفسي والوجداني.

إن مشهد الطالب المنطوي الذي لا يطرح سؤالا ولا يحير جواباً ينسخ- في أحسن تقدير- للأستاذ في وقت الامتحان حرفياً ما في الكتاب دون تحليل قد يشعر الأستاذ بالراحة من عناء الحوار لكنه يحمل خطر تخرج شباب غير محصن فكرياً ضعيفاً أمام إغراء الأفكار المنحرفة. 

أما الجهة الثالثة 

فهي الصحافة الوطنية مكتوبة ومسموعة ومرئية إن هذه الجهة معنية بالتعاطي اليومي مع الحدث تقديماً وتعليقاً وتوضيحاً وشرحاً وتوجيهاً.

إن دورها حاسم لأن الخبر أصبح كالخبز اليومي للأفراد إلا أن وضع الصحافة الوطنية في غاية الصعوبة بسبب سيل الإعلام الجارف الذي يبث الغث والسمين والخبيث والطيب والإفتراء والحقيقة. 

إنها مزيج يجعل المتلقي يعيش في دوامة من الاحباط وفي بعض الأحيان من المغالطات إلا أن ذكاء الصحافي وإخلاصه لدينه ووطنه وقدراته ومواهبه وخبراته تسعفه في التعامل مع جمهوره وضمان الفوز في حلبة المنافسة الإعلامية التي لا ترحم …….. 

هذه الجهات الثلاث باختصار شديد بالإضافة إلى منابر المساجد ومنصات النوادي الثقافية الفكرية يمكن أن تشكل منظومة متناغمة متعددة الوسائل والآليات متحدة الأهداف والغايات لإيصال الرسالة الصحيحة والتصور السليم إلى أذهان الشباب حتى يستقيم سلوكهم ويعتدل ميلهم ويرشد زايغهم ويهتدي ضالهم. 

ذلك هو الرهان الذي يجب أن نربحه ل تربح الأمة وينجح الشباب . 

وأخيراً فهناك جهتا إسناد هي المجامع الفقهية ومؤسسات الإفتاء التي عليها أن تدحض بالحجة والبرهان الفكر المنحرف والسلوك المتطرف وترد على فتاوى الباطل وسفسطة المفتي الخفي . 

أما الجهة الثانية : فهي الجهات التي لا يختلف دورها في هذه القضية عن مهمتها في كل قضايا الإجرام فوظيفتها حماية المجتمع من الإجرام والمجرمين بالبحث عن المجرم وجمع أدلة الجريمة وجلب المجرمين أمام القضاء . 

وفي الختام فإن ما قدمته في هذه الورقة قد لا يكون مجهولاً ليتعلم ولا غائباً ليطلب لكنه إسهام في الإهابة بضال ليهدي وبسقيم ليشفى وبسليم كي لا يعدي( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين

وهو سبحانه وتعالى ولي التوفيق وأهل التقوى وأهل المغفرة. 

 

 

Comments are closed.