قانون منع الحجاب في فرنسا

حاوره: ياسر باعامر                  

33/11/1424                        

25/01/2004


– قانون منع الحجاب سيضر بالاندماج الإيجابي الذي كنا ندعو إليه المسلمين.

– مجلس الإفتاء الأوروبي يعتبر المرجعية الإسلامية في الأوساط الأوروبية.

– الحكومة الفرنسية أحالت القانون إلى وزارة التعليم للتخفيف من وطأة القانون.

– ما نخشاه أن تتحول العلمانية الفرنسية إلى عقيدة إيديولوجية.

– العالم الإسلامي يخشى أن تكون هذه القضية بداية تمييز ديني ضد الإسلام.


العلامة الشيخ (عبد الله بن بيه) اسم تردد كثيراً في الأوساط الأوروبية، فقد تميز ضيفنا باحتكاكه المباشر بواقع الأقليات المسلمة في الدول الغربية، لذا أعتبر من المرجعيات الإسلامية الموثوقة في الوسط الأوروبي. يرأس الشيخ ابن بيه حالياً لجنة الحوار مع الحكومة الفرنسية المنبثقة من مجلس الإفتاء الأوروبي – إحدى المؤسسات الشرعية الأوروبية – للتباحث مع الجهات الفرنسية الرسمية بشأن قانون منع الحجاب، ويوضح الشيخ ابن بيه في لقائه مع (الإسلام اليوم) أن لجنة الحوار ستركز في حوارها مع الحكومة الفرنسية على الأثر السلبي من فرض هذا القانون الذي سيؤدى إلى تقوقع المسلمين في كنتونات خاصة بهم مما سيضر بالعلاقات الاجتماعية داخل المجتمع الفرنسي، وستركز اللجنة أيضاً على أن إصدار هذا القانون سيُخسِّر فرنسا رصيد احترامها في العالم الإسلامي بمواقفها المشرفة سابقاً. واعتقد أن هناك احتمالات واردة ورسائل مبطنة قد تكون وراء هذا القانون. بالإضافة إلى بعض المحاور الأخرى.


موقع (الإسلام اليوم) يعتبر أول جهة إعلامية تحاور الشيخ عبد الله بن بيه قبل سفره إلى العاصمة البلجيكية (بروكسل) للتباحث مع رئيس اللجنة الدينية بمجلس الاتحاد الأوروبي.. فإلى الحوار:


* باعتباركم عضوًا بمجلس الإفتاء الأوروبي ورئيسًا للجنة الحوار مع الحكومة الفرنسية.. ما هي خطواتكم الأولية تجاه قضية الحجاب؟ وما هي الملامح الرئيسة لهذه اللجنة؟

كما تعلمون أن قضية الحجاب تعتبر من القضايا الساخنة على الساحة الإسلامية بصفة عامة وعلى الساحة الأوروبية بصفة خاصة، وبما أن مجلس الإفتاء الأوروبي يعتبر مرجعية إسلامية في الأوساط الأوروبية ويعتبر المجلس من الهيئات الأوروبية(مجلس الإفتاء الأوروبي مسجل رسميًّا في إيرلندا المنضوية تحت لواء الاتحاد الأوروبي)وكما تعلمون أن الحكومة الفرنسية ستصدر قرارًا بمنع الحجاب- خصوصاً وأن القانون لم يصدر بعد، وإنما هو في طور الصدور، والقانون في النظام الفرنسي لا يصبح قانونًا حتى تصدق عليه الجمعية الوطنية الفرنسية-رأى المجلس أن يشكل لجنة للحوار مع الحكومة الفرنسية كرد فعل على سن مثل هذا القانون، و اللجنة بادرت قبل أن يسن هذا القانون بإعلان موقفها من هذا القانون لاعتبارات كثيرة ..


* عفواً معالي الشيخ أريد توضيحاً لهذه الاعتبارات؟

الاعتبارات هنا كثيرة ولعلي أوجزها في التالي: أولها: مخالفتها للشريعة الإسلامية بالنسبة للمسلمين. وثانيها: حفاظاً على العلاقات بين مكونات المجتمع الفرنسي من جهة، وبين فرنسا و العالم الإسلامي من جهة. ثالثها: المحافظة على حقوق الإنسان و الحريات الشخصية .. كذلك إذا أُصدر القرار فإنه سيضر بحقوق المسلمين في الديار الأوروبية؛ فلهذه الاعتبارات قالت اللجنة التي هي جزء من المجلس كلمتها من الناحية الشرعية والإنسانية.


* أعود إلى ملامح التأثير والضغط من قبل اللجنة على اقتراح الحكومة الفرنسية لقانون منع الحجاب؟

التواصل مع الجهات الغير حكومية في فرنسا كالمجلس الوطني للديانة الفرنسية ومجلس الكنائس الفرنسي التي كان موقفها مناسبًا ومؤيدًا لاحترام حقوق المسلمين، أيضاً التواصل مع منظمات حقوق الإنسان التي تؤيد احترام الحقوق الدينية للمسلمين.


* شيخ عبد الله عقدتم لقاءً مع المجلس الوطني للديانة الإسلامية في فرنسا وهي جهة رسمية فرنسية، السؤال عن ماذا تمخض عن هذا اللقاء؟

فعلاً قمنا بالاتصال بالمجلس الوطني للديانة الإسلامية وعقدنا معهم اجتماعاً في باريس، استمعوا إلى آرائنا واستمعنا إلى آرائهم، ووجدناهم في حيرة من أمرهم واختلاف في الموقف الذي ينبغي أن يتخذوه في هذا الصدد، خاصة مع تزايد الاحتجاجات المناهضة لسن مثل هذه القوانين، ووجدنا تفاعلاً وشكرونا على ذلك، وقالوا إن هذا يبين أن المسلمين ليسوا أيتاماً وأن هناك جهات تتولى أمورهم وتعتني بقضاياهم .


* وماذا عن المنافذ السياسية الحاكمة في فرنسا؟

سنجري مستقبلاً لقاءات مع رموز الدولة الفرنسية: مع الرئاسة الفرنسية، والخارجية الفرنسية، والداخلية الفرنسية، ومع رئيس البرلمان و المجموعات البرلمانية للأحزاب الفرنسية المختلفة.


*  تستعدون حالياً لمغادرة السعودية نحو العاصمة البلجيكية بروكسل، فإلى ماذا تهدف هذه الزيارة؟

تتلخص هذه الزيارة في اللقاء برئيس اللجنة الدينية بمنظمة الإتحاد الأوروبي للتباحث معه بشأن خلفيات إصدار مثل هذا القانون ومدى الأثر السلبي الذي سيعود من خلال سن مثل هذا القانون على اندماج الجالية المسلمة اندماجاً إيجابيًّا.


* خصوص الاندماج.. دائماً لا تخلو مؤتمرات مجلس الإفتاء الأوروبي وغيره من المؤتمرات الإسلامية الأخرى من حث المسلمين على الاندماج الإيجابي في الغرب، ماذا تتوقعون من رد فعل الجالية المسلمة على هذا الاندماج الذي تدعون إليه؟

فعلاً ففي كل دورات مجلس الإفتاء الأوروبي ندعو المسلمين إلى التفاعل و التناغم مع البيئة التي يعيشون فيها في الغرب ، وهذه الدعوة قد تتضرر مع هذا القرار.

المسلمون قد يرون أنه ليس هناك اندماج إيجابي، بل دمج بالقوة لهم، فالاندماج عبارة عن قبول الآخر، وعبارة عن تعايش طوعي يقوم به الإنسان ملء إرادته، وهو اندماج يحترم التنوع الثقافي للمجتمع ، وبالتالي يتعاطى المجتمع فوق خلافاته ويمد جسور التعاون و المحبة، وجسور المواطنة فوق الاختلافات الإثنية و العرقية و الدينية، هذا هو الاندماج الذي نفهمه، ومثل هذا القرار سيؤدي إلى عزلة المسلمين وتقوقعهم على أنفسهم إذا هم قرروا إنشاء مؤسسات خاصة بهم، ومثل هذا القرار سيكون ذريعة إلى الانكماش، وهذا ما نحذره من جراء هذا القرار منها ما هو على مستوى الفرد ومنها ما هو على الجالية الإسلامية في فرنسا، ومنها ما هو على مستوى العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع الفرنسي، ومنها ما هو على مستوى علاقات فرنسا بالعالم الإسلامي، وفرنسا هي من كانت تدعو إلى التنوع الحضاري، وخطب الرئيس شيراك في السنوات كانت تدعو وتشدد على هذا التنوع الحضاري و التعددية الفكرية و الثقافية وكان بطلها الفعلي، فعندما تناقض فرنسا نفسها بهذا السلوك فإنها تكذِّب نفسها، ولست أنا من يقول هذا إنما صحيفة كبرى “الوموند” الفرنسية في مقالات لها أظهرت هذا التناقض.


* فرنسا كسبت رصيداً كبيراً في احترام العالم الإسلامي لها من خلال مواقفها الجيدة مع قضايا العرب والمسلمين في معارضة العولمة على الطريقة الأمريكية، ومعارضة الحرب على العراق. ألا تعتقد أن مثل هذا القانون يضر بعلاقة فرنسا مع العالم العربي والإسلامي ؟

من هذا المنطلق ، ومن أجل أن تحافظ فرنسا على هذا الرصيد مع العالمَين العربي والإسلامي، عليها أن ترجع عن هذا القرار، وأن تترك للمسلمين ممارسة حقوقهم؛ لأن ذلك يزيد رصيد فرنسا. وعلى العكس من ذلك إذا اتخذ هذا القرار وفي هذا الوقت تحديداً؛ فإن فرنسا ستخسر هذا الرصيد تدريجيًّا.


* معالي الشيخ هناك سؤال قد يكون جوهريًّا في فهم أبعاد هذا الموضوع ، ألا وهو ما الفرق بين العلمانية الفرنسية الفرانكفونية، و العلمانية الأمريكية (الأنجلوـ سكسونية) ؟

العلمانية بصفة عامة عبارة عن تخلي الدولة عن الدين، وجعل الدين أمراً يخص الإنسان، لكن هذا يختلف من بيئة إلى بيئة ، ومن فلسفة إلى فلسفة، فلفلسفة الأنجلوـ سكسونية لا تجعل العلمانية منافية للدين؛ بل على العكس يمكن أن يكون الدين عاملاً مهمًّا في بناء المجتمع. أما الفلسفة الفرنسية فمن المعروف أن لها تاريخًا عدائيًّا مع الكنيسة. وهناك كلمة معبرة عن العلمانية الفرنسية تقول: ” اللامبالاة في الاختلاف مع الآخر” بمعنى: اتركه يتدين يفعل ما يشاء. لكن المشكلة الآن لدى العلمانية الفرنسية أنها تحولت إلى إيديولوجية، وهذه مشكلة كبرى، المفروض أن تكون العلمانية محايدة، ولكن ما نراه اليوم بأنها تحولت إلى دين ، وهذا ما نفهمه من الوضع الحالي. ونحن في مجلس الإفتاء الأوروبي لا نريد أن نسيء إلى الحكومة الفرنسية؛ فقد تكون اتخذت هذا القرار بحسن نية، لذلك نود التعاطي بصورة عقلانية وهادئة مع هذه القضية.


*  هل هناك رسائل مبطنة تريد الحكومة الفرنسية إرسالها من خلال سن قانون منع الحجاب؟

القانون قد يحمل في طياته بعض الاحتمالات، وقد يكون يشتمل على خب لم نطلع بعد لنكتشف أسراره حتى الآن، فمن جهة القانون لا يتحدث عن حجاب إسلامي، بل يتحدث عن رموز دينية، وهذه الكلمة (رمز) لا تزال غامضة على حد رأي رئيس الحزب الاشتراكي الفرنسي الذي يعد ثاني حزب في البلاد بعد الحزب الديغولي، لكن من الواضح أن القانون موجه فقط إلى الحجاب الإسلامي، لكن هل هو موجّه فقط إلى الحجاب، أم أنه يرمي إلى فتح باب من التنازلات في المستقبل، قد تمس أمورًا أخرى غير الحجاب، قد تكون سبباً لانتشار العدوى ضد الإسلام؟ وهل يحمل نوعاً من التمييز الديني ضد المسلمين؟ هذا هو ما نخافه، وهي احتمالات واردة.


* لماذا أحالت الحكومة الفرنسية هذا القانون إلى وزارة التعليم؟

الحكومة تهدف من خلال ذلك إلى التخفيف من وطأة القانون ، فهي تريد أن تقول إنه ليس قانوناً أمنيًّا، بل هو تنظيم للتعليم ، وبالتالي وزارة التعليم هي المسؤولة عن هذا القانون.


* الملفت للنظر أن هناك مجموعات من المسلمين قد تقف عائقاً أمام أهداف اللجنة، و التي بدورها تؤيد قرار الحكومة الفرنسية وتدعو إلى عدم معارضته أو تصعيد الرأي العام ضده، فكيف تتعاملون مع هذه المجموعات؟

كما ذكرت أن هناك مجموعات تدعو إلى ذلك ، لكن السؤال ما نسبة هذه المجموعات في إطار المجتمع المسلم الفرنسي؟ الإجابة بالتأكيد هي مجموعات محدودة. وبصورة عامة؛ الرأي العام المسلم في فرنسا يقول إنه يجب محاولة رد أو ثني الحكومة الفرنسية عن إصدار هذا القانون وهذا في حد ذاته إيجابي.


* كيف تجدون تفاعل الصحف الفرنسية مع قضية قانون منع الحجاب؟

الصحافة الفرنسية منقسمة في هذا الاتجاه؛ فنجد صحيفة “الوموند” الفرنسية تقف إلى جانب المسلمين في حقوقهم التعبدية وتشريعاتهم السماوية، ويظهر ذلك في مقالات كبار الكتّاب الفرنسيين, وفي المقابل نجد صحيفة “لوفيغارو” اليمينية المتطرفة تؤيد قانون منع الحجاب؛ بل وتحث عليه بأنه يجب على المسلمين التأقلم مع النمط الأوروبي، وأن يقبل ما قبلته المسيحية من قبل، وعلى المسلمين أن يتنازلوا بناءً على هذه التنازلات. إذاً وفي الإجمال العام فإن الصحافة الفرنسية و الرأي العام الفرنسي منقسم إزاء هذا القانون.


* لاحظنا تفاعلاً إسلاميًا واسعًا مع هذه القضية، في حين أن هناك قضايا كثيرة وهامة، ومع ذلك لم نجد هذا التفاعل مقارنة بقضية منع الحجاب في فرنسا، فما هو السر في ذلك؟

قضية الحجاب تمثل اعتداءً على دين المسلمات في فرنسا، وتمثل أيضاً عدواناً على الحريات في فرنسا، وأن هذه القضية يمكن أن يكون لها ما بعدها، فيمكن أن تقول إن هذه الشحنة التي تحملها هذه القضية جعلت الناس يستجيبون بسرعة للرد على هذا الأمر، وهم يعبرون عن ذكرياتهم التاريخية؛ لأنهم يخافون أن يكون هذا بداية عصر تمييز ضد الإسلام ، ونحن نعرف ماذا صنعت أسبانيا في محاكم التفتيش ضد المسلمين، أعتقد أن هذا هو السر في ذلك.

 

Comments are closed.