لا نتـفق مع الغرب شـرعاً .. فلماذا لا نتفق عقلاً؟؟؟

 

حاوره: د. عبدالعزيز النهاري                   

23/9/1425                           

6/11/2004


الحديث الى معالي الشيخ الدكتور عبدالله بن بيه.. يجذبك الى عالم واسع من الثقافة .. والعلم .. والرؤية الناصعة للاسلام كعقيدة .. وفكر وسلوك .. ولقد شرفت كثيرا وانا أجلس الى هذه الشخصية الاسلامية العميقة .. واستمع الى العالم والمفكر الإسلامي .. والوزير الموريتاني الأسبق للعدل .. وأستاذ الثقافة الإسلامية وأصول الدين بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة ..

كان موعدي مع معاليه عقب عودته من مؤتمر لحوار الأديان عقد في برشلونة بحكم منصبه كنائب لرئيس المجلس الأعلى للعلماء المسلمين .. والذي مقره لندن .. وكان حوار الأديان هو بداية لقائي هذا بفضيلته.


*معالي الدكتور .. هل حان الان وقت الحوار بين المسلمين او بين الاسلام والديانات الاخرى ؟

** يبدو لي ان الحوار حان وقته منذ زمن طويل.. ووقت هذا الحوار لاينقطع.. فالحوار وقت اداء..وليس وقت قضاء.. ففي الشريعة نقول.. وقت اداء.. ووقت قضاء..فنحن عندما نصلي الصلاة في وقتها.. فهذا وقت اداء.. واذا صلينا في غير وقتها فهذا قضاء.. لكن وقت الحوار وقت دائم.. لان الله سبحانه وتعالى امر بالحوار .. ((وجادلهم بالتي هي احسن )) لان الحوار قيمة انسانية.. ولهذا يقول افلاطون كما ينقل ( وايت هد ) في كتابه( مغامرات الافكار) عن افلاطون انه قال.. ان الحوار قيمة إنسانية لتعريف الإنسان على البديل للحرب.. وان أي حضارة تستعمل القوة تعتبر حضارة فاشلة.. لان الانسان اعطيت له قيمة الحوار والاقناع..و من شان ذلك ان يعرفه على بدائل للحروب.. بدائل للمآسي التي تنسب للإنسانية ..


* هل يعني هذا ان يكون الحوار حالة دائمة ومستمرة .. وغير مرتبطة بزمن معين ؟

** نعم .. الحوار هو قيمة دائمة ..وبالتالي فهو لايرتبط بزمن دون زمن.. حوار في السلام.. حوار في التواصل الحضاري.. حوار في التعارف (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ) .. فالحوار هو كما قلت قيمة دائمة .. طبعا هناك وقت يصبح الحوار فيه اشد الحاحا واشد الزامية اذا صح التعبير.. خصوصا في وقت الأزمات .. ولهذا فانا اعتبر ان الحوار في هذه الفترة واجب.. وانه يجب الا نيأس .. وان لا نقنط .. فالمؤمن لا ييأس.. والله سبحانه وتعالى يقول في شأن سيدنا ابرهيم.. ( من يقنط من رحمة ربه الا الضالون) ويقول عن سيدنا يعقوب( ولا تيأسوا من روح الله انه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون) فاليأس والقنوط ليس من شان المؤمنين .. طبعا قد تعترض المؤمن عقبات ..وتقف في وجهه صعوبات.. فيجب عليه ان يحاول دائما التغلب على هذه الصعوبات.. لان الحوار هو نوع من الجهاد .. ونوع من الصراع.. الحوار ليس نزهة.. كما ان القتال والحروب ليست نزهة ايضا.. ويجب علينا ان نفهم الحوار على هذا الأساس .. وان نحاول دائما ان نستمر فيه..لاقناع الاخر ..ونقيم راينا بالحجة والبرهان.. الاسلام ينتصر بالبرهان لا بالسيف والسنان كما يقول القاضي ابو مكرم العربي الأ أندلسي


حوار ما بعد سبتمبر 

* طالما ان الحوار هو شيء مستمر ولن ينقطع.. كيف ينظر الغرب الان الى حوارنا معهم ..خصوصا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما يحدث الان من اعمال ارهابية.. يقوم بها المسلمون ؟

** الحوار ينقطع ..لكنه لاينبغي ان يتوقف.. والا سيكون هناك نوع من القطيعة بيننا وبين الغرب وفي ذلك نوع من عدم الفهم.. أو ( الفهم الاحادي) اذا صح التعبير.. ولهذا فالغرب ينظر الينا نظرة سلبية .. يرى فيها ان المسلمين هم مشاغبو الحضارة المعاصرة..وبالتالي فان موقف بعض الغربيين منهم هو موقف سلبي.. وفي المقابل فان المسلمين ايضا ينظرون الى الغربيين كأناس متوحشين .. لايعترفون بغير منطق القوة.. ومنطق الجبروت والقهر.. وبالتالي هذا المنطق يهيج عواطف المسلمين.. ولان الوضع وضع في غاية الصعوبة في بعض الاحيان.. وكما قلت اخيرا في برشلونة.. انه من الصعب على البريء ان يعتذر.. وهذا واقعنا ..نحن نقول ديننا براء من كل الاعمال العنيفة التي ليست مبررة.. وليست شرعية ونحن براء منها.. حتى ولو جاءت من طائفة تنتمي الى هذا الدين و قد تستنجد بالدين .. لكن ذلك لايعنى ان الذي تعمله هو من صلب الدين .. ولكنه استنجاد لتقوم باعمال خارج حدود الشرعية والقانون.. و هذا يجب ان لا يعمم على المسلمين.. لذلك فانه لايجب أن يفرض علينا جميعا ان نعتذر ونحن براء.من تلك الأعمال ..


النظرة السلبية 

* اذن كيف نعدل هذه النظرة السلبية من الغرب نحونا كمسلمين ؟ 

**بالامكان ان نعدل من هذه النظرة السلبية للغرب .. بكثير من الصبر وكثير من المثابرة.. وكثير من المنطق.. وكثير من الشجاعة ايضا ..وان نحاول ان نجد اطرافا من الغرب لها هذا التعقل.. لنضع اليد في اليد.. سواء على مستوى المثقفين او مستوى الهيئات البرلمانية.. فقد خبرت هذا بنفسي وذهبت الى البرلمان الاوروبي قبل اشهر والتقيت بالمساعد( رومانو برودي) وهو السفير النمساوي المسؤول عن شؤون ( حوار الديانات والفلسفة) فوجدت عنده تفاهما كبيرا جدا.. لاني انا عضو في المجلس الاوروبي للبحوث والافتاء.. بمقرهم بدبلن بايرلنده.. ورئيس لجنة الحوار.. فحاورتهم في مايسمى بالقيم الاوروبية لان الاوروبيين لديهم كلمات ينطلقون منها .. ويبنون تحليلاتهم عليها.. مثل كلمة النظام العام.. يقول احدهم مثلا .. هذا يخالف النظام العام ..الحجاب في فرنسا يخالف النظام العام.. يخالف القيم الاوروبية.. يخالف القيم العلمانية.. هذه كلمات غامضة .. نحن نحتاج الى حوار على المستوى الفلسفي والفكري ليحدد لنا مضمون هذه الكلمات.. ماهي القيم الاوروبية??.. العباءة الاوروبية لايمكن ان تشمل المسلمين ايضا .. دعونا نتحاور.. ليس فقط من منطلق ديني .. قد نختلف في الدين( لكم دينكم ولي دين) لكن من منطلق العقل.. يقول ديكارت ” ان العقل هو احسن الاشياء توزيعا على بني البشر” .. فدعونا نتحاور عن طريق العقل.. عندنا شاعر قديما قبل قرنين يقول: ((وحكم لها ياصاح من هن حكم ثلاثة هن الشرع والعقل والعرف )) فمرجع الاحكام ثلاثة اشياء..هي الشرع والعقل والعرف ..فنحن مع الغرب قد لانتفق شرعا .. لكن قد نتفق عقلا .. وعرفا .. هنا نحن نريد تكوين ماسميته لهم في مؤتمر حوار الديانات ((espace de tolerance بمعنى (فضاء التسامح) .


فضاء التسامح 

*وما الذي يحتويه هذا الفضاء ؟

** في هذا الفضاء ستجد امرأة محجبة…و امراة كاشفة .. ستجد رجلا بلحية .. وآخر بلا لحية.. ناس على دين..و ناس على غير دين .. هناك مئة وخمسون مليون مسلم على ضفة البحر االمتوسط الجنوبي.. واكثر من هذا العدد ربما على الضفة الاخرى من الاوروبيين.. هم يتحدثون عن التبادل التجاري .. ونحن معهم .. لكن ماهي قواعد هذا التبادل.. لايمكن ان تكون القواعد الا بالتسامح في الاختلاف الفكري والحضاري..لذلك فان علينا ان نتبنى مثل هذا المنطق .. لنؤكد للغربيين بالبرهان.. امكانية واسس التعايش التي تقوم على الاختلاف الحضاري.. لقد قلنا لهم انتم ليست لكم مهمة الهية في ان تفرضوا علينا بعض القيم.. ونحن ايضا لانملك هذه المهمة ..دعونا اذن نتعايش بسلام ..الارهاب منبوذ.. وكل ما يتصل بالعنف نحن لانوافق عليه.. و اذا كانت هناك فئة قليلة فقدت صوابها لسبب او لآخر.. فان الغالبية الكبرى من حكومات وشعوب ومثقفين لا يقرون ذلك .. بل يريدون ان نعيش بسلام معكم.. نريد ان نستفيد من التكنلوجيا.. وتستفيدون ايضا.. ان هذه الاسس في نظري يمكن ان تكون نافعة ومجدية في الحوار مع الغرب


حوار المسلمين اولا 

* لكن قد يكون لدى الغرب حجة في انكم تريدون ان تتحاوروا معنا .. لماذ انتم كمسلمين .. لا تتحاورون اولا مع انفسكم ؟.. وحقيقة فضيلة الدكتور نحن كمسلمين نعاني من انقسام كبير مع بعضنا البعض؟ 

** الانقسام والاختلاف طبيعة بشرية.. وينبه على هذا ابن القيم في كلام جميل جدا ..يقول: ان الاختلاف يرجع الى الارادات .. مادام البشر عندهم إرادات.. هذه الإرادات ستختلف مادام لهم عقول.. هذه العقول ستختلف.. لكن الاشكال هو كيف نحجم هذه الخلافات حتى لاتكون خلافات مضرة ..و حتى نجعلها من نوع الاختلاف الحميد و هذا النوع وهو موجود لا شك في ذلك.. لهذا عندنا في الشرعيات يقول ابن القيم .. وقد سماه الاختلاف السائغ بين اهل الحق.. هم كلهم على الحق لكنهم يختلفون.. انقسامات المسلمين يجب ايضا يجب التغلب عليها و ان نعمل معها في اتجاهين.. اتجاه للداخل.. واتجاه للخارج.. طبعا بالنسبة للغربيين .. لايمكن ان يكون هذا الانقسام حجة لهم ..


*كيف ؟

** يمكن ان نعتبر ان هذا مشوه للجانب الاسلامي.. ولقد طرح علينا مثل هذا السؤال في برشلونة.. طرحه واحد مقرب من البابا.. قال لنا : لقد عرفنا المحاور المسيحي .. فمن هو المحاور الاسلامي.. ? انتم مذاهب! فقال لي رئيس الجلسة (ماركو) وهو ايطالي مسيحي : نريد ان نسمع منك جوابا على ذلك السؤال.. قلت له بالنسبة للحوار مع المسلمين فحواركم مع المرجعيات.. و انتم ايضا تمثلون طرائق قددا.. انتم بروتستانت .. وكاثوليك.. وارثوذكس.. لستم شيئا واحد.. ولا لونا واحدا .. ونحن قد كوّنا ماسميناه بالاتحاد العالمي للعلماء المسلمين في لندن.. وهو يمثل صفوة من العلماء المسلمين.. كان منخرطا فيه حوالى مائة عالم.. لكن الان ربما توسعت القاعدة.. فهذا الاتحاد موجود الان معكم و يمكن ان يكون محاورا منطلقا من مرجعيات .. ونحن نرى بأنه لا اشكاليات هناك حول من هو الطرف المحاور.. انني اعتقد ان الاختلاف موجود حتى عندهم.. هم مختلفون ايضا .. ولذلك فان ما يعوز هنا هو عقلنة الخلاف.. بمعنى ان يكون هذا الخلاف في الحدود المقبولة ..الحدود الممكنة.. الحدود التي لا توصل الى التناحر .. فالحديث الشريف يقول (لا تباغضوا ولا تدابروا ) فالتباغض والتدابر داء.. ويجب ان نتغلب عليه


عقبة الحوار مع الغرب 

*لكن التباغض والتدابر موجود الان نتيجة هذا الاختلاف الذي يعيشه المسلمون .. فهناك من خرج على الجماعة, وعلى الاجماع.. وهناك تعصب للرأي الواحد ..فكيف يمكن لنا ان نقنع الغرب ..في حوارنا معه ؟ 

** في الواقع انا اتفق معك ..ان هذا يمثل معوقا في حوارنا مع الغرب ..لكنه لايمثل عقبة لايمكن التغلب عليها ..فكما قلت نحن نعمل في اتجاهين .. اتجاه داخل الاسلام لتعريف المسلمين بان الاختلاف مقبول.. وانه لا اشكال في الاختلاف.. أما مسألة الراي الواحد والعين الوحيدة .. فهذا خطا .. وهذا لايمثل شريعتنا الاسلامية.. وخاصة في القرون الاولى نشأت عشرات المذاهب.. وتعايشت في نطاق هذه الامة الاسلامية التي امتدت من جدار الصين الى جبال البرامس في فرنسا.. هذا ما اسميه بالحيز الآمن للعالم الاسلامي.. لان الصحابة رضوان الله عليهم .. كونوا خلال خمس وثمانين سنة حيزا لايمكن القضاء عليه ..مهما كانت قوة العدو.. يمكن ان يقضي على اجزاء بسيطة من اطرافه .. لكن الحيز كله منيع وصامد .. و في هذا الحيز ازدهرت المذاهب المختلفة ..فهناك ثوابت الايمان بالله وكتبه ورسله واليوم الاخر.. وهناك المتغيرات والاختلافات المقبولة والسائرة ..وهناك الاختلافات حتى وان كانت مقبولة فانه يمكن التعايش معها ..فصاحب الرجل العرجاء اذا قلت له هل تفضل ان نقطع رجلك.. أو أن تتعايش مع رجلك.. سيقول انا أفضل ان اتعايش مع رجلي.. فالعملية هنا .. هي عملية تأهيل ..هو سيؤهل رجله حتى يسير معها.. لماذا لا ننظر الى المسألة من هذه الزاوية.. ونحاول تأهيل ارجلنا العرجاء حتى نسير معها.. ولهذا قضية الاختلاف قضية في غاية الاهمية.. ويجب ان نحافظ على الاسلام.. وان ننظم الخلافات.. ونسيرها كما تسير القطارات.. هذا يسير ..وهذا يسير.. وكل واحد له وقته.. ننظم الخلافات حتى لاتصطدم القطارات.. والحمد لله بدأت الان.. أصوات تتكلم..و بدون هذا سيظل الصدام دائما.. اما ان تكون هناك مجموعة ولو قليلة.. تقول انها تحتكر الحق المطلق.. و تتكلم باسم الاله عز وجل .. والرسول صلى الله عليه وسلم.. وبالتالي تريد ان تقاتل الجميع.. فهي حرب على الجميع وتكون مثل اولئك الذين يقولون من ليس معنا فهو ضدنا.

Comments are closed.