حوارحول الوسطية مع مجلة الوعي الكويتية

 

الشيخ عبدالله بن الشيخ بن بيَّه

نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

يجب احترام التنوع الحضاري والثقافي للبشرية

 

< مصطلح الإرهاب ينبغي تعريفه انطلاقا من مصدره الأصلي في الغرب

< كلمة >رهب< في الإسلام وما اشتق منها وردت في مجملها للدلالة على الخوف والرهبة من الباري عز وجل·

أكدالشيخ بن بيه نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والأستاذ في جامعة الملك عبد العزيز في جدة على ضرورة وضع تحديد دقيق لمصطلح الإرهاب يتلاءم مع البنية العقدية للأمة وينطلق من أرضية فقهها وتراثها الخاص حتى لا يختلط الإرهاب بالجهاد ولاتختلط المقاومة المشروعة بمحاربة المحتل، وركز على ضرورة تعزيز ثقافة التسامح الإسلامية ونشر الفكر الوسط والحوار واحترام التنوع الحضاري والديني والثقافي للبشرية باعتباره إثراء وانسجاماً وليس تباينا وصداماً·


> بصفتكم أحد المهتمين بظاهرة >الإرهاب< وتداعياتها المختلفة ونشرتم في هذا الصدد كتابا عنوانه: >الإرهاب التشخيص والحلول< ما البدايات الأولى لهذه الظاهرة وكيف نشأت؟

– يرى المؤرخون الغربيون أن أقدم جماعة إرهابية عرفها التاريخ المكتوب هي حركة >الورعاء اليهودية< في القرن الأول للميلاد وهي الحركة التي استخدمت العنف المفرط في مواجهة الاحتلال الروماني، وبالنسبة للتاريخ الإسلامي فقد ظهر >الخوارج< في القرن الهجري الأول وأعلنوا التكفير بالذنب وأن >لا حكم إلا لله< وحكموا السيوف في رقاب المسلمين وفي القرن الخامس الهجري ظهرت فرقة >الحشاشين< وهي عبارة عن >عصبة سرية< يدين أعضاؤها بالطاعة العمياء للرئيس الروحي واستخدموا طريقة الاغتيال للتخلص من خصومهم وكان الوزير >نظام الملك< أول ضحاياهم·

وبداية الإرهاب الحقيقي كانت في عشرينات القرن الماضي وتحديدا مع وصول موجات يهودية إلى أرض فلسطين التي كونت عصابات الهاجانا وراح ضحيتها مئات الآلاف من الأشخاص الأبرياء ومنذ أواخر هذا القرن العشرين شهد العالم الإسلامي إخلالات خطيرة بالأمن وخصوصا بعد تحرير أفغانستان والعدوان العراقي الغاشم على الكويت وما لحلق ذلك من تداعيات، فارتكبت أعمال وتفجيرات خارج نطاق كل الشرعية الدولية، لعل أشدها وقعا كان الاعتداء على >برجي منهاتن< في الولايات المتحدة الأميركية مما أسدل ليلاً دامسا أرخى سدوله على العالم كله وغابت كثير من حقوق الإنسان والقوانين التي كانت تحكم القوى الكبرى في تعاملها مع الداخل والخارج وأضحت الحملة على الإرهاب تمثل ساحات قتال حقيقية بدءاً من حدود باكستان إلى حدود منطقة الخليج وتركيا··الخ·


> ألا ترون أن الحديث عن الإرهاب كثر في اللغط واختلفت فيه الرؤى الى درجة أصبح معها من الضروري تحديد دلالات هذا المفهوم أو على الأقل ما نقصده نحن المسلمون >بالإرهاب< وما الأسباب والظروف التي ترو أنها انتجت هذه الظاهرة وأفرزتها؟

– بدءاً أود أن أحدد الدلالة اللفظية لهذا المصطلح في الآيات القرآنية وهنا أشير إلى أن كلمة >رهب< وما أشتق منها من تعاريف وردت في القرآن في اثني عشر موضعاً كانت في معظمها تتعلق بالخوف والرهبة من الباري جلت قدرته، وإن كانت آية الأنفال المتعلقة بإعداد القوة الإرهاب العدو قد توحي بظلال قد يخالها بعضهم ذات صلة بالإرهاب المعاصر، إلا أن الأمر عند التأمل الواعي يدل على خلاف ذلك لآن الإرهاب في سورة الأنفال هو من قبيل الردع أو ما يعرف في العصر الحديث باستراتيجية التهيؤ بالقوة لحماية السلام بالإضافة إلى أنه خطاب موجه الى الدولة المسلمة وليس للأفراد او الجماعات، وأما مصطلح >الإرهاب< المتداول اليوم فينبغي البحث عن تعريفه انطلاقا من مصدره الأصلي الغربي على وجه الخصوص، وذلك أن مصطلح الإرهاب: terrorisme ظهر أول ما ظهر في ملحق الأكاديمية الفرنسية سنة 1798م لوصف حكومة الثورة الفرنسية التي كانت ترهب الشعب وخصوصا الملكيين باسم الحرية والثورة، فكان الإرهاب وصفا لنظام حكم إلا أنه منذ نهاية القرن الثامن عشر أصبح المصطلح يتعلق بعنف صادر عن أفراد وجماعات خارجة على القانون، وقد عُرِّف دولياً للمرة الأولى في عصبة الأمم سنة 1934م بأنه >عمل إجرامي يهدف بطبيعته إلى إثارة الرعب والخوف الموجه لأشخاص معينين أو مجموعة من الأشخاص أو للناس بعامة<·

وفي رأيي الخاص إن مفهوم الإرهاب المتداول هذه الأيام لا يبتعد كثيراً عن مفهوم الحرابة، لكن لا يمكن مع ذلك إغفال النية السياسية لبعض قضايا الإرهاب فيكون بذلك جريمة بغي وخصوصاً عند >مالك< الذي لا يتشرط لجريمة البغي أن يكون الباغي جماعة بل الواحد يكون باغيا إذا اعتمد طريق العنف·


> لكن كيف نميز بين الإرهاب وبين المقاومة المشروعة؟

-في رأيي أن التغلب على هذه المعضلة يكمن في الإحالة على الشرعية الدولية والأخلاقية، فالحرب ضد المحتل تزكيها الشرعية الدولية، فالفلسطيني على سبيل المثال يستند إلى مشروعية دولية تعترف له بحقوقه ومن ثم يجب أن يحصل عليها من دون أن تعين له وسيلة الحصول علىها، وعلى هذا الأساس فإنني اقترح صياغة تعريف لجريمة الإرهاب وتوصيفها على ضوء جريمتي البغي والحرابة وتدمج معها بعض الجرائم المنظمة الأخرى كترويج المخدرات التي تعتبر حرابة عند مالك واستخدام مصطلح >التخريب< subversion بدل الإرهاب الذي نعني به الأعمال العنيفة التي تقوم بها عصابات ضد السلطة الشرعية لقلب النظام الشرعي القائم بالقوة والعنف، وهذا التعريف أعتقد أنه يستجيب لهموم المتعاطي مع قضية الأمن وينطلق من أرضية الفقه والتراث والبنية العقدية للأمة، كما أن مصطلح التخريب هو مصطلح واضح يفهمه المثقف والعامي على السواء·

أما عن أسباب هذه الظاهرة فهناك اقتراحات كثيرة منها: الفقر، انعدام الديموقراطية، عدم حرية المرأة، المناهج التعليمية الخ··· واعتقد أن أهم الأسباب التي أدت إلى منطق الإرهاب وثقافته هو ظهور فكر مشوه وثقافة مألوسة ومأزومة ونهج مغلوط للإسلام ثقافة تتميز بضق الأفق وعدم الاكتراث بالآخر والانغلاق الفكري والتعصب والحرفية في التفسير وغياب فقه المقاصد واختلال ميزان المصالح والمفاسد مما نشأ عنه الغلو الذي هو أساس هذا الإرهاب ومنطلقة·


> رسمتم في كتاب >الإرهاب التشخيص والحلول< خطة مقترحة لمعالجة ظاهرة الإرهاب ما الملامح العامة لهذه الخطة؟

– تتعدد الحلول التي يمكن اقتراحها لمعالجة هذه الظاهرة ويمكن أن تكون استراتيجية المواجهة متعددة الأوجه تستعمل الإجراءات الأمنية والثقافية والنفسية والوسائل السياسية والاقتصادية وحتى الإعلامية ويمكن أن نحدد مجموعة من الضوابط للمشروع الإسلامي المقترح لمحاربة الإرهاب تتلخص فيما يلي:

– تحديد مفهوم الإرهاب والسلوك الإرهابي والتمييز بين الدفاع عن الأرض والعرض ومعلوم أن عدم ضبط هذا المصطلح يشكل مغضلة حقيقية·

– إبراز ثقافة التسامح الإسلامية وتصحيح المفاهيم المغلوطة في المنظومة المعرفية والتربوية وبخاصة مفهوم الجهاد، حتى لا يختلط بمفهوم الإرهاب·

– التأكيد على الشفافية في قضية الاتهام الموجه الى الأفراد أو الدول واحترام حقوق الإنسان وسيادة الدول في هذا المجال لتكون الحرب على الإرهاب أكثر نظافة· 

– معالجة مشكلة الفقر والخصاصة واحترام حقوق الدول الفقيرة في النمو الذاتي·

– احترام التنوع الحضاري والديني والثقافي للبشرية باعتباره عامل إثراء وانسجام وليس عامل تصادم وتباين وتبرئة كل الديانات من وصمة الإرهاب وفي طليعتها الدين الإسلامي والدعوة إلى حوار حضاري معمق·

– ضرورة معالجة الظلم في العالم وبخاصة الظلم المسلط على الفلسطينيين وضرورة إيجاد حلول لقضايا القهر وانتهاك السيادة في العالم الإسلامي·

– تحديد الإصلاح المنشود دوليا ومحلياً سواء كان تحت مسمى الديموقراطية أو أي مسمى آخر وضرورة أن يكون إصلاحا شاملاً·

– ايجاد آليات تعاون أمني تنساب فيها المعلومات بشكل متبادل بين الدول·


> يكثر الحديث هذه الأيام عن >وسطية الإسلام< و>الأمة الوسط< ونحن نتحدث معكم على هامش مؤتمر >الوسطية منهج حياة< الذي تقيمه وزارة الأوقاف بالتعاون مع الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية، فكيف تفسرون هذا المفهوم؟

– لعل الوسطية كما نفهما هي التي يعينها الشاطبي بقوله: إن المفتي البالغ ذروة الدرجة هو الذي يحمل الناس على المعهود الوسط فيما يتعلق بالجمهور فلا يذهب نهج مذهب الشدة ولا يميل بهم إلى طرف الإنحلال، والوسطية التي نريدها هنا هي المقارنة بين الكلي والجزئي والموازنة بين المقاصد والفروع والربط بين النصوص وبين معتبرات المصالح في الفتاوى والآراء، والوسطية التي تربي جيلا منفتحاً سمحاً عزيزاً أبياً، جيلاً لا يكون سباعا عادية ولا خرافاً وبقرا تمد أعناقها للجزار·


> ما المفاهيم التي تحتاج إلى تحديد دقيق وما مفهوم الجهاد ومعرفة القدر المطلوب من المسلم في هذا الزمن وكيف ترون هذه المسألة؟

– الجهاد هو مصدر لغوي من جاهد يجاهد مجاهدة ومعناه استفراغ الوسع أي بذل أقصى الجهد للوصول إلى غاية في الغالب هي محمودة وهو في الإسلام يغطي ثلاثة مستويات:

1- مجاهدة العدو

2- مجاهدة الشيطان

3- مجاهد النفس

والمعنى الأول هو جهاد غير المسلمين وهو المعنى الشائع وقد وردت آيات وأحاديث كثيرة في فضله وشروطه وضوابطه، وهنا يجدر التنبيه إلى أن الجهاد في الإسلام ليس مرادفا دائما للقتال فهو مفهوم واسع يدخل فيه الدفاع عن الحق والدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، وهو المعنى الأول كما هو واضح في قوله تعالى :{وجاهدهم به جهاداً كبيراً} >الفرقان – 52<،أي أقم عليهم الحجة بالقرآن الكريم وقدم لهم البرهان، ومعلوم أن ذلك لا يتطلب أعمالاً حربية فليس كل جهاد قتالا وليس كل قتال جهاداً، ومعروف أن الحرب في الإسلام هي حرب دفاعية وليست لإجبار الناس على الدين وإذا رجعنا إلى حروب النبي [ التي خاضها مع المشركين (27 غزوة) نجد أن المشركين كانوا هم المعتدين أو المتسببين فيها لأسباب مباشرة أو غير مباشرة، وهو ما يعني أن الأصل مع الكفار السلم لا الحرب والمتواتر من سنته [ أنه لم يبدأ أحدا بالقتال، وقد اختلف العلماء في وجوب جهاد الطلب وهو الجهاد الذي يقرره الخليفة أو السلطة الشرعية لردع الدولة المجاورة للدولة الإسلامية لحماية حدودها وسلامتها، ورأى بعض العلماء مثل >الثوري< و>أبي عمر بن عبدالبر< أنه ليس واجبا وإنما يستحب، أما الجهاد الدفاعي فهو محل اتفاق وهو الذي تشير إليه الآيات القرآنية الكثيرة مبينة أسبابه وهو الظلم المتمثل بالطرد من الديار والحجر على الحرية الدينية·

{أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا··} >الحج -39<


< الشيخ عبدالله بن الشيخ المحفوظ بن بيّه عالم موريتاني- تولى مناصب وزارية عدة في بلاده

– يشغل حالياً – وظيفة استاذ محاضر في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة،

ونائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ورئيس لجنة الحوار والاتصال فيه،

أمين منتدى الفكر الإسلامي التابع لمجمع الفقه الإسلامي في جدة·

عضو مؤسس في المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث ورئيس الحوار فيه

 

Comments are closed.